ما شهده المركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط نهاية الأسبوع -بعد نهاية مباراة الجيش الملكي والمغرب الفاسي برسم إقصائيات كأس العرش- من شغب وهستيريا وتكسير وتخريب وتعييب، يجعلنا أمام تصرفات عبثية ولامدنية ترتقي إلى مستوى الجائحة الخطيرة على البلاد والعباد، لما لها من قتل للروح الرياضية التي لا يمكن تصورها إلا داخل قواعد الربح والخسارة، ومن مساس بصورة كرة القدم المغربية وبقوة وإشعاع البطولة الوطنية التي باتت واحدة من أفضل البطولات الكروية على المستويين الإفريقي والعربي. خسائر مادية ومعنوية بالجملة، تناقلتها عدسات الكاميرا، ومشاهد من العبث والفوضى والانفلات سرد تفاصيلها الكثير من الصحافيين، لجمهور هائج كالثور المتمرد، اجتاح أرضية الملعب بكل عبث ووقاحة وانحطاط، وعاث في الفضاء تكسيرا وتخريبا وتعييبا، عقب انتهاء المباراة بإقصاء الفريق العسكري من منافسة كأس العرش بعد هزيمته في ميدانه أمام المغرب الفاسي، وهذه الممارسات التي ترتقي إلى مستوى الجريمة المعاقب عليها قانونا، تفرض دق ناقوس الخطر، في ظل تفشي ثقافة العبث والتفاهة والانحطاط والانحراف والاستخفاف، وانعدام المسؤولية في الكثير من الأوساط المجتمعية، خاصة الشباب منهم والمراهقون. من اقتحموا أرضية الملعب بدون وجه حق، وكسروا الكراسي وخربوا الممتلكات العامة والخاصة، وربما عرضوا البعض إلى الإيذاء، فهؤلاء تفصلهم مسافات زمنية عن التحضر والتمدن، وما قاموا به هو جريمة نكراء في حق الوطن ومساس صارخ بحرمة لعبة رياضية، يفترض أن يتم النظر إليها بمنظور المتعة والرقي والروح الرياضية العالية، وهؤلاء "المخربون"، لا بد من مواجهتهم بما يلزم من الصرامة والحزم، ليكونوا عبرة لمن لا يعتبر، وفي هذا الإطار، وبقدر ما نلح على ضرورة الرهان على الجوانب الأمنية والقانونية والقضائية والتحسيسية لكبح جماح صناع العبث الرياضي داخل ملاعب كرة القدم، بقدر ما نصر على ضرورة الرهان على مدخل التربية والتكوين، لصناعة مواطنين حقيقيين يجتهدون في بناء الوطن وإشعاعه، لا إلى تخريبه وتدميره... ونحن نوجه البوصلة عبر هذا المقال نحو "المخربون" في الملاعب الكروية، وحتى نكون أكثر إنصافا، لا بد من الإشارة إلى أن هناك من يخرب الوطن عبر الرياضة، وهناك من يخرب الوطن عبر السياسة، وهناك من يخرب الوطن عبر الاقتصاد، وهناك من يخرب الوطن عبر الإعلام، وهناك من يخرب الوطن بأسلحة الأنانية المفرطة والاحتكار والجشع والطمع، والريع والرشوة والمحسوبية والعبث بالمال العام، وهناك من يخرب الوطن بتهوره وانحطاطه وعبثه وانعدام مسؤوليته واستغلال نفوذه، فكلهم سواء وشركاء في تخريب الوطن رغم اختلاف الطرق والوسائل والأمكنة والسياقات، ولا بديل لكبح جماح هذا التخريب الصامت، إلا بالحرص على دولة الحق والقانون والمؤسسات، وفرض سلطة القانون وتفعيل آليات عدم الإفلات من العقاب وربط المسؤولية بالمحاسبة، والإسهام في كسب رهان مجتمع التنمية والمساواة والإنصاف والعدالة الاجتماعية...