لا تزال منابر صحافية إسبانية، ومعها عدد من السياسيين في البلاد، يتساءلون عن دواعي اللقاء الذي جمع بيدرو سانشيز، رئيس حكومة مدريد، مع إبراهيم غالي، قائد جبهة البوليساريو، في بروكسيل، على هامش القمة الأوروبية الإفريقية التي انعقدت منذ أيام. واعتبر هؤلاء المتسائلون أن هذه الخطوة تبقى فارغة تماما من أي مضمون غير الإمعان في زيادة هوة الأزمة الدبلوماسية بين إسبانيا والمغرب، ولم يكشف عنها غير تصريح صحافي مقتضب أدلى به سانشيز بعد ابتعاده عن غالي، وكأن الحكومة الإسبانية غير منسجمة في التعامل مع المغرب بوجود هذا التصعيد الرمزي أمام تصريحات لمسؤولين في الخارجية يحاولون التودد إلى الرباط على أكثر من واجهة. الاستفسارات المرتبطة بلقاء سانشيز وغالي، باعتباره الوحيد الذي ظفرت به البوليساريو في "قمة بروكسيل" بعدما وصل ممثلوها إلى مكان الحدث بعد انتهاء الاستقبال الرسمي لجميع الوفود المشاركة، انضافت إلى سؤال برلماني كتابي تقدم به منتمون إلى حزب "فوكس"، بشأن إمكانية أن يشن المغرب أعمالا عسكرية في سبتة ومليلية، رد عليه سانشيز ب"إسبانيا ستتدخل بصرامة ضد أي مس بوحدتها الترابية"، على الرغم من أن المستفسرين تحدثوا عن "سيناريو ممكن" دون التطرق إلى أي حقيقة ميدانية. يحيى يحيى، مؤسس اللجنة الوطنية للمطالبة بتحرير سبتة ومليلية والجزر التابعة لهما، قال إن الحكومة المركزية الإسبانية تواصل التعنت رغم اليد الممدودة التي عبر عنها الملك محمد السادس لبناء شراكة مستقبلية قوية، ضمن خطاب "20 غشت 2021". وكان الملك محمد السادس قد أورد، في الخطاب نفسه، أن المغرب يتطلع، بكل صدق وتفاؤل، إلى مواصلة العمل مع الحكومة الإسبانية، ومع رئيسها بيدرو سانشيز، من أجل تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة، في العلاقات بين البلدين الجارين، وشدد على أن "هذه العلاقات يجب أن تقوم على أساس الثقة والشفافية والاحترام المتبادل، والوفاء بالالتزامات"؛ وهو ما رد عليه سانشيز، ضمن لقاء صحافي في اليوم الموالي، بالقول: "هي فرصة سانحة لإعادة تحديد الركائز والمعايير التي تؤطر العلاقات بين إسبانيا والمغرب.. مع كل أزمة تتولد فرصة". واعتبر مؤسس اللجنة الوطنية للمطالبة بتحرير سبتة ومليلية والجزر التابعة لهما، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن لقاء رئيس الحكومة الإسبانية مع قائد جبهة البوليساريو الانفصالية، على هامش القمة الأوروبية الإفريقية ببروكسيل، يسقط مدريد في التناقض، خاصة أن هذا اللقاء هو الوحيد الذي ظفر به إبراهيم غالي، وأصرّ بيدرو سانشيز على أن يستثمره بتصريحات صحافية لاحقة لم تجد القبول حتى على الجبهة الداخلية الإسبانية. أضاف يحيى: "لا ينبغي أن تنزع الصفة الاستعمارية عن إسبانيا وهي لا تزال محتلة لمدينتَي سبتة ومليلية والجزر التابعة لهما، حتى الآن، وبالتالي فإنها مطالبة بالوضوح عند استعمالها مصطلحات تحررية"، ثم استرسل: "ما زال موقف مدريد طريا من إعلان إقليم كاتالونيا الاستقلال عقب استفتاء أحادي الجانب. كما أن نبل الموقف الرسمي المغربي في دعم الوحدة الترابية الإسبانية الحقة لا يزال صداه حاضرا حتى الحين". وتزعم يحيى يحيى، على مدى 7 سنوات بداية من 2007، مجموعة من الاحتجاجات التي تطالب الدولة الإسبانية بتغيير "الإستراتيجية الكولونيالية" في التعامل مع القضايا التي تهم المغاربة، والرحيل بشكل فوري من مدنتَي سبتة ومليلية والجزر التابعة لهما. وشدد الفاعل السياسي ذاته، ضمن تصريحه لهسبريس، على أن إصرار رئيس الحكومة الإسبانية على التحرش بالمغرب، من خلال ملاقاة إبراهيم غالي في بروكسيل، يبقى إهانة للقضاء الإسباني أولا، ومسا واضحا بسير التحقيق المستمر حول ولوج القيادي في البوليساريو إلى التراب الإسباني بوثائق هوية مزورة؛ مستغلا التواطؤ مع مسؤولين كثر في هذه المملكة الإيبيرية، أولهم وزيرة الخارجية السابقة التي أدت الثمن بالتنحي من حكومة مدريد. وواصل مؤسس اللجنة الوطنية للمطالبة بتحرير سبتة ومليلية والجزر التابعة لهما: "تحركات بيدرو سانشيز، بصفته الحكومية، سواء بلعب ورقة البوليساريو أو معاداة المغرب من خلال الرد على أسئلة برلمانيين من حزب VOX المتطرف، لا تعمل إلا على تمطيط الأزمة في الواجهة الرسمية لتطال جهود الدبلوماسية الموازية، المنوطة بالفاعلين المؤسساتيين المختلفين وأيضا المجتمع المدني بالبلدين". وختم يحيى تصريحه بالقول: "من جهة أخرى، ما زلت متشبثا بضرورة إنهاء الاستعمار الإسباني في سبتة ومليلية والجزر التابعة لهما.. وما تعيشه الساكنة هناك من أزمة خانقة بسبب تداعيات انتشار فيروس كورونا ما هو إلا تكريس لارتباطها بباقي التراب المغربي من طنجة إلى الكويرة".