ما الذي يجعل الجزائر في هذه الظرفية الحساسة تقدم على هذه الخطوة التصعيدية ضد المغرب، هذا مع أنها ما فتئت تؤكد على "حيادها" في النزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو، ومع أنه لم يمر على زيارة روس إلى المنطقة وقت طويل، وهو الذي يفترض أن تكون زيارته مندرجة في تنفيذ ما ورد في التقرير الأممي الأخير حول الصحراء، والذي يحث على ضرورة إحداث تقارب بين الجزائر والمغرب وتحسين العاقات والنهوض بالفضاء المغاربي باعتباره الإطار الأنسب لحل النزاع ومواجهة التحديات المتعاظمة التي تعرفها منطقة الساحل جنوب الصحراء. إذا أخذنا بعين الاعتبار هذه العناصر الثلاثة، فالظاهر أن الجزائر تريد أن تقدم جوابا مختلفا، إذ تريد أن تثبت برسالة رئيسها السيد عبد العزيز بوتفليقة إلى قمة أبوجا أنها طرف أساسي في النزاع، وذلك بالترويج لنفس السلاح الذي يستعمله خصوم الوحدة الترابية في المعركة مع المغرب، بدعوة الدول الإفريقية في هذه القمة إلى "بلورة آلية لمتابعة ومراقبة حقوق الإنسان في إقليم الصحراء" غير الآلية الوطنية التي يعتمدها المغرب، كما تريد بهذه الخطوة الاستفزازية أن تقوض أي مسعى للتقارب بين البلدين دونما اعتبار للمخاطر الناجمة عن توتير العلاقة بين المغرب والجزائر في المنطقة لاسيما وأن تقرير الأمين العام الأممي الأخير حول الصحراء، اعتبر هذا التقارب الحل الأمثل لمواجهة هذه التهديدات، واستشهد في هذا الصدد بإقرار خصوم الوحدة الترابية بأن استمرار النزاع من شأنه أن يخلق "بيئة مواتية لعمليات تسلل إرهابية في المنطقة" وأنهم "لن يستطيعوا السيطرة على عمليات تسلل إرهابيين". والحقيقة أن هذا الانزلاق الجزائري الخطير لا يمكن أن يتبرر بقواعد الدبلوماسية، لأن عناصره تناقض المفاهيم الأساسية التي تحاول الجزائر أن تظهر الخارج بأنها تلتزمها في تعاطيها مع ملف النزاع حول الصحراء، إذ تناقض أولا فكرة الحياد، وتعاكس توجهات الزمن الدبلوماسي المحكوم بوجود زيارات للمبعوث الشخصي للأمين العام لإحداث تقارب بين البلدين، وفوق هذا وذلك، يناقض التوجهات الأساسية الواردة في تقرير ألأمين العام للأمم المتحدة حول النزاع في الصحراء. في مثل هذه الحالات التي تعاكس فيها الدبلوماسية أهم المفاهيم التي تعتمد عليها في تدبير ملف من الملفات، فإنه من الضروري أن يتم البحث عن دوافع أخرى تفسر هذا السلك: - إما في التقدم الذي أحرزته الدبلوماسية المغربية في الآونة ألأخيرة، سواء في إفشالها لكل مناورات خصوم الوحدة الترابية في محاولة تفجير الوضع من داخل الأقاليم الجنوبية وتكثيف الضغط الحقوقي والإعلامي لإحراج المغرب واستدراجه لتبرير الحاجة إلى توسيع مهام المينورسو لتشمل مهمة حقوق الإنسان في المنطقة، أو من خلال النجاح الذي أحرزته في المصادقة على بروتوكول الصيد البحري وما تلاه من دينامية نشطة ستنتهي بمصادقة البرلمان الأوربي على هذه الاتفاقية، أو على مستوى نجاحها في إدخال تعديلات جوهرية على تقرير "تانوك" دعمت جزءا كبيرا من عناصر الأطروحة المغربية، أو على مستوى الاختراق الكبير الذي حققته في القارة الإفريقية والذي يتوقع أن تطرد نتائجه في المستقبل القريب. - وإما في حيثيات الداخل الجزائري، والصراع الدائر بين أجنحة السلطة، لاسيما وأن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أقدم مؤخرا على جملة تغييرات مست الأجهزة الأمنية والعسكرية في تزامن مع إعلان جبهة التحرير ترشحه لولاية رئاسية رابعة، إذ ليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها افتعال التوتر مع المغرب وتوظيفه في ترتيب وتسوية صراع السلطة بين ألأجنحة الموجودة في مربعها، فلا ننسى أن الجزائر غداة الجدل الذي ثار حول تحديد ولايات الرئيس في الدستور والخلاف الذي كان دائرا حول الأولوية بين الانتخابات الرئاسية وبين التعديل الدستوري، صعدت، وبشكل غير مبرر، لهجتها ضد المغرب في ردها على تصريحات رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، واتهمت الدبلوماسية المغربية بالسطحية وعدم العمق والافتعال والخداع ! في محاولة منها لخلق عدو خارجي مغربي يستهدف الجزائر، ويتطلب تعبئة الداخل ضده، والاستفادة من ذلك في معركة الصراع على السلطة. ومهما يكن التقدير الجزائري، محاولة للرد على تقدم الدبلوماسية المغربية، أو محاولة لترتيب السلطة في الداخل، فإن الموقف المغربي باستدعاء السفير من العاصمة الجزائرية للتشاور، يمثل الرد الطبيعي الذي يبرهن على أن المغرب مع حرصه على التقدم في التقارب الثنائي بين البلدين إلا أنه لا ينبغي أن يسمح بأي حال من الأحوال بأي تهاون في الدفاع عن هيبة الدولة وحرمتها ورموزها، لاسيما إذا وصل الأمر إلى تعبئة جزء من الإعلام الجزائري للمس بشخصية الملك وترويج أكاذيب ومغالطات لا تصمد أمام الوقائع الجارية على الأرض.