هل تنجح الثقافة حيث فشلت السياسة؟ هذا هو السؤال المتبادر لذهن كل من اطلع على مشروع "قافلة السلام" التي تستعد واحة محاميد الغزلان لإعلان انطلاقها في اتجاه شمال مالي ثم النيجر. بعض من حنين منذ خمس سنوات و أعضاء جمعية "الزايلة" ينظمون عددا من الأنشطة و يمولون مشاريع تنموية عدة صحبة شركاء وطنيين و دوليين بهدف الحفاظ على النظام الايكولوجي الهش بالصحراء و إنقاذ تراث الصحراء من النسيان أمام عولمة تمسح ملامح الخصوصية في مناطق الصحراء النائية تماما كما تمسح الريح آثار الماشين فوق كثبان الرمال. شهر نونبر من كل سنة تعلن حالة استنفار وسط أعضاء الجمعية استعداد لأكبر تظاهرة فنية تشهدها المنطقة و المتمثلة في مهرجان "تراكالت"، الذي يستضيف عددا من الفنانين القادمين من مالي و النيجر و موريتانيا و عدد من الموسيقيين العالميين المشتغلين على تراث الصحراء بالإضافة إلى فرق فنية من الجنوب المغربي. الحنين إلى القوافل الصحراوية بدا ظاهرا في برنامج هذه السنة حيث اختار حليم و إبراهيم و معهما باقي طاقم الجمعية المنظمة "القافلة" شعارا للدورة الخامسة من المهرجان و التي ستنظم من 15 إلى 17 نونبر2014 بمنطقة "لحنانيش" غير بعيد عن مركز قرية "لمحاميد" التي تعتبر نقطة التقاء جميل بين نخيل الواحات و كثبان صحراء الجنوب الشرقي. ناقة اسمها الثقافة كانت محاميد الغزلان أو "تركالت"، كما سميت قديما، نقطة مهمة من نقط التقاء القوافل التي كانت تجوب الصحراء غير أن التمدن و مظاهر العولمة قضت تدريجيا على القوافل بكل ما كانت تعنيه من تبادل اقتصادي و اتصال بين الأعراق و اللغات و الأديان المختلفة التي سكنت فضاء شاسعا إسمه الصحراء. نتيجة ورشة احتضنتها أمستردام قررت ثلاث مهرجانات ذات صيت دولي إعادة الاعتبار لهذا الموروث الثقافي الإنساني فحَوَل مهرجان "تركالت" بالمغرب و مهرجان "سيكو" بالنيجر و مهرجان "الصحراء" بتمبوكتو شمال مالي (حولوا) الثقافة إلى ناقة تحمل رسائل الأخوة في منطقة علا فيها صوت السلاح و النزاعات و أنهكتها المآسي التي خلفتها الهجرة أمام تزايد التحديات الاقتصادية و الايكولوجية. "لقد تركت الأجيال الجديدة مورثوها الحضاري لهذا خرجت ورشة Butterfly Works بأمستردام بمشروع يهدف إلى دعم الحوار و التضامن بين أبناء منطقة الساحل و الصحراء" هذا ما جاء في بيان "القافلة الثقافية للسلام" التي أراد لها أصحابها أن تكون أرضية للقاء بين شعوب منطقة أنهكتها الخصومات السياسية. اليوم تمر و غدا أمر.. منتصف شهر نونبر هو بداية انطلاق فعاليات مهرجان "تركالت" في نسخته الخامسة، تاريخ التظاهرة التي تعتبر جريدة "هسبريس" الالكترونية أحد أبرز شركائها الإعلاميين، ليست مصادفة فهذا التاريخ يصادف منذ القدم موسم محاميد الغزلان المعلن عن انتهاء فصل جني الثمور. بمناسبة فصل الثمور يتم استقبال عدد من القوافل القادمة من الصحراء الكبرى كما يتم في نفس الفترة إقامة حفلات وداع لقوافل أخرى تحزم الأمتعة لمغادرة الواحة "بلاد السودان" كما كانت تسمى تلك المناطق قبل ظهور مفهوم "الدولة الوطنية" بحدودها و رموز سيادتها و المساطر المعقدة لتنقل البضائع و البشر كما الحجر. حليم و ابراهيم السباعي، أخوين تقبضان على جمرة الاحتفاظ بالقافلة كفلسفة لا يريدان لها النسيان. عن دورة المهرجان الجديدة و انطلاق قافلة السلام الثقافية يقولان لهسبريس أن " هذا المشروع محاولة للجواب على تحديات كانت القوافل و منذ آلاف السنين حلا عمليا لتجاوزها، فالقوافل لم تكن وسيلة لنقل البضائع فقط بل ناقلة للثقافة أيضا مما يعني أن شعوب المنطقة كانت على تواصل دائم عبر المصاهرات، الشعر، الموسيقى و أساليب العيش المختلفة".