أسدل الستار عن صفحة أنجيلا ميركل، المرأة الحديدية التي قادت ألمانيا على امتداد 16 سنة، وهي مدة قياسية لا تضاهيها من حيث الزمن سوى المدة التي قضاها على رأس ألمانيا رجل الدولة القوي هيلموت كول، موحد ألمانيا وأحد مؤسسي الوحدة الأوروبية، وهو بالمناسبة مصدر إلهام ميركل. فمع انتخاب مجلس النواب (البوندستاغ) الاشتراكي الديموقراطي أولاف شولتس مستشارًا للبلاد، تكون ألمانيا قد طوت صفحة المستشارة الحديدية، التي لم تقدم للمملكة أي إضافة فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، بل شاءت الأقدار أن تنتهي ولايتها في عز خلاف كبير مع المغرب، نتج عنه قطع العلاقات. كما أن ميركل لم تكن تربطها أي علاقة ود مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي وقع قرار الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء. في ألمانيا، وهي قاطرة أوروبا، التي تتميز بالاستقرار السياسي، حيث ينتخب الرئيس مدة طويلة، مما يعني إمكانية بناء علاقات تعاون طويلة الأمد (والعكس أيضا صحيح)، تم تشكيل حكومة ائتلافية، بعد تحالف أطلق عليه اسم "إشارة المرور" (نسبة إلى ألوان الأحزاب المشاركة فيه)، توصل إليه الاشتراكيون- الديمقراطيون وحزب الخضر والليبراليون، وهو التحالف الذي يسعى إلى تسريع وتيرة الاستثمار في التكنولوجيا الخضراء والرقمنة ووضع حد لسياسة الديون ابتداء من سنة 2023. وإذا كان المستشار الألماني الجديد أولاف قد حصل على "إشارة المرور" لتشكيل الحكومة، فإن أولى "الإشارات" قد أكدت الانتقال من وضع "القطيعة" مع المغرب إلى وضع التعاون. وقد استبشر المغاربة خيرا بتصريحات الحكومة الجديدة، المشيدة بمقترح الحكم الذاتي. وبينما لم يعلن عن استئناف العلاقات بشكل رسمي، فإن "الإشارات الدبلوماسية" القادمة من كلا البلدين تؤكد إمكانية كتابة صفحة جديدة في التعاون بين المملكة العريقة و"الماكينة" الألمانية، حيث قالت وزارة خارجيتها، في أول تصريح، إن "المملكة المغربية بذلت مجهودات كبيرة من أجل إنهاء هذا النزاع (قضية الصحراء المغربية)، وذلك من خلال تقديم مساهمة مهمة تتمثل في مقترح الحكم الذاتي سنة 2007". إشادة ألمانيا بمقترح الحكم الذاتي، في الوقت الذي تعترف جبهة البوليساريو نفسها بأنها مجرد "وهم كبير" يعيش على المساعدات الجزائرية، باعتراف مما يسمى بوزراء الجبهة، يعطي الانطباع بأن الأمور قد تكون بخير مع الحكومة الألمانية الجديدة، وهو ما أعربت عنه وزارة الخارجية المغربية، بأنها "ترحب بالإعلان الإيجابي والمواقف البناءة التي تم التعبير عنها مؤخرا من قبل الحكومة الفدرالية الجديدةلألمانيا"، غير أن المغرب ينتظر مبادرة كبرى، وهو ما يؤكده تصريح وزارة الخارجية، الذي جاء فيه أن "المملكة المغربية تأمل أن تقترن هذه التصريحات بالأفعال بما يعكس روحا جديدة ويعطي انطلاقة جديدة للعلاقة على أساس الوضوح والاحترام المتبادل". هي "إشارة مرور" بين المغرب وألمانيا نحو أفق جديد للعلاقات بين البلدين، وربما ينجح الاشتراكيون فيما فشل فيه حزب أنجيلا ميركل، الذي أغضب المغاربة بدخوله في مناورات سببت ذلك الخلاف العميق، الذي يمكن طيه نهائيا بمجرد الإعلان عن مواقف إيجابية إزاء القضية الوطنية، التي لم يعد المغرب يسمح بأي تطاول بشأنها.