تطوان.. توقيف أحد الموالين لتنظيم داعش كان في طور تنفيذ مخطط إرهابي        الحكومة تعلن رفع قيمة الدعم الاجتماعي المباشر ابتداءً من نهاية الشهر    من نيويورك إلى الرباط .. كيف غير مجلس الأمن قواعد اللعبة في ملف الصحراء ؟    حزب العدالة والتنمية يعارض تشجيع ترشيح الشباب المستقلين في الانتخابات    654 مليون ورقة نقدية جديدة لتعزيز السيولة بالمغرب    أخنوش يجري مباحثات مع رئيس مجموعة البنك الإفريقي للتنمية    سفيان أمرابط، لاعب أساسي في ريال بيتيس (وسيلة إعلام إسبانية)    كرامة لتنمية المرأة بطنجة تبعث بتنبيهات وتنويهات هامة في اليوم العالمي لمحاربة العنف ضد النساء    توقيف عنصر متطرف بتطوان كان يبحث طرق تنفيذ مخطط يستهدف أمن واستقرار المملكة    إيموزار تحتضن الدورة الحادية والعشرون لمهرجان سينما الشعوب    مهرجان اليوسفية لسينما الهواة يعلن عن فتح باب المشاركة في مسابقة الفيلم القصير    بلاوي يدعو إلى توحيد الممارسات في تنزيل مستجدات المسطرة الجنائية    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يستقبل 82 فيلماً من 31 بلداً ونجوماً عالميين    بلجيكا.. زكرياء الوحيدي يتوج أفضل لاعب مغاربي في الدوري البلجيكي الممتاز    تقرير: ريال مدريد يتصدر قائمة الأندية الأكثر مبيعا للقمصان على مستوى العالم    التقدم والاشتراكية: نستنكر ما يجري بشكل خطير في الفضاء الصحفي... والحكومة تتحمل المسؤولية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    بعد 25 سنة من التألق... الحكمة بشرى كربوبي ترمي الصافرة وتكشف أسرار "الاعتزال القسري"    عمدة نيويورك الجديد يفاجئ الجميع بإعجابه الكبير بالأسد المغربي مروان الشماخ    الجزائر ‬و ‬بريتوريا ‬تفشلان ‬في ‬إقحام ‬ملف ‬الصحراء ‬في ‬مداولات ‬قمة ‬قادة ‬مجموعة ‬العشرين ‬بجوهانسبورغ    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    بعد ‬تفشيها ‬في ‬إثيوبيا.. ‬حمى ‬ماربورغ ‬تثير ‬مخاوف ‬المغاربة..‬    فرنسا.. ساركوزي أمام القضاء مجددا في قضية "بيغماليون" المرتبطة بحملته للانتخابات الرئاسية 2012        علماء يكتشفون طريقة وقائية لإبطاء فقدان البصر المرتبط بالعمر    مكافحة الاحتباس الحراري: التزام دول البريكس وانسحاب الولايات المتحدة !            مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط ترفع رقم معاملاتها إلى أكثر من 84,36 مليار درهم متم شتنبر    دوري الأبطال.. أوسيمين يتصدر قائمة الهدافين بعد مباريات الثلاثاء    وسائل إعلام فرنسية تدعو إلى إطلاق سراح الصحافي كريستوف غليز المسجون في الجزائر    المخرج محمد الإبراهيم: فيلم الغموض والتشويق القطري "سَعّود وينه؟"    فيلم " كوميديا إلهية " بمهرجان الدوحة السينمائي الرقابة السينمائية في إيران لا تنتهي...!    أداء إيجابي يفتتح بورصة الدار البيضاء    الحكومة لا تعتزم رفع سعر قنينة غاز البوتان وتعلن زيارة في الدعم الاجتماعي    شركة عائلة نيمار تستحوذ على العلامة التجارية للأسطورة بيليه    سعيّد يستدعي سفير الاتحاد الأوروبي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    اسبانيا.. العثور على جثث أربعة أفراد من أسرة مغربية داخل منزل    مهرجان الدوحة السينمائي يسلّط الضوء على سرديات مؤثرة من المنطقة    وزارة التربية تفاقم الخصاص بعد إقصاء "المُختصين" من مباريات التوظيف    الجيش الإسرائيلي يطلق عملية عسكرية    نصائح ذهبية للتسوق الآمن باستخدام الذكاء الاصطناعي    دوري أبطال أوروبا.. تشلسي يثأر من برشلونة وليفركوزن يصدم مانشستر سيتي    عصبة الرباط سلا القنيطرة تطلق موسماً استثنائياً باطلاق أربعة مراكز للتكوين في مجال التحكيم    الأمن المغربي يستعرض الجاهزية لمكافحة الجريمة أمام الجمهور الدولي    الدواء .. هو السبب الأول لصداع الدولة والمواطن ؟    الاستجابة العالمية ضد الإيدز تواجه "أكبر انتكاسة منذ عقود" وفقا للأمم المتحدة    ليلةُ الاستقلالِ والمَسيرةِ فى تونس... حين التقت الضفتان على نغمة واحدة    مسرح رياض السلطان يجمع النمساوية سيبا كايان والسوري عروة صالح في عرض يدمج الموسيقى الالكترونية بالروحانية الصوفية    آلام الأذن لدى الأطفال .. متى تستلزم استشارة الطبيب؟    دراسة: التدخين من وقت لآخر يسبب أضرارا خطيرة للقلب    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    معمار النص... نص المعمار    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مهنة التدريس: إلى أين؟
نشر في هسبريس يوم 19 - 12 - 2021

من السهل جدا ربط تردي التعليم، وربط أزمته في المغرب بضعف مهنة التدريس، كما هو شائع لدى عامة الناس وخاصتهم؛ وآخرها تقرير للمجلس الأعلى للتربية والتكوين. وفيه نجد أن ضعف نظام التوظيف مرده، أولا وبالأساس، إلى عدم جاذبية مهنة التدريس التي لا يتم اختيارها إلا في غياب بدائل أخرى، ولعدم فرص عمل أخرى أكثر ربحا أو أهمية. وهذا يعني أن جاذبية مهنة التدريس ضعيفة وباهتة، بمنطق العرض والطلب، والربح والخسارة. ولتجاوز استفحال هذا المنطق، تم اللجوء، بلفظ أو بآخر، إلى تجويد منظومة الاستقطاب، في تسقيف سن الولوج إلى مهنة التدريس طلبا لجاذبية هذه الأخيرة، ورغبة في جعلها أكثر مركزية في إشباع تمثلات التلاميذ والطلبة إزاء أهمية هذه المهنة تعليميا وتكوينيا.
لكن ومع ذلك، يشكل هذا النقاش مغالطة في نظرنا، ينبغي الكشف عنها؛ حيث هناك في الدول التي تقدر مهنة التدريس، تقدّم في تناول تدبير أزمة التعليم ببلدانها؛ وحيث هناك نقاش يدور حول ربط أزمة التعليم بأزمة مؤسساته (مدخلات مؤسساته)، وليس بمخرجاتها، وتحديدا بمدى جاذبية "المعرفة التربوية والبيداغوجية" مؤسساتيا، ضمن مجموعة من التخصصات العلمية والأدبية التي تستهوي طلاب المعرفة، وطلاب "فرص العمل الأكثر ربحا"؛ والتي تقع في نقطة التقاء الممارسة والنظرية والبحث. فعلوم التربية الحاضنة للمعرفة التربوية والبيداغوجية – حسب غاستون ميلاريه- هي بلا شك في خدمة التربية وممارسة مهنة التدريس، كما أن العلوم الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية والطبية هي في خدمة ممارسة الطب. كما يوضح موريس ديبيس، في رفع البيداغوجيا أو علم أصول التدريس إلى مرتبة التخصصات التجريبية، في التعليم كما في الطب.
بلفظ آخر، يتم إثراء الحس السريري للممارس بمعارفه النظرية والعلمية. وهو الشيء ذاته بالنسبة لمهنة التدريس. ففي الوقت الذي كان فيه مسؤول تعليمي (بغض النظر عن المستوى الذي يعمل فيه) قادرا على تجاهل نتائج البحث العلمي في التربية والاعتماد فقط على تجربته الغامضة كطالب/ تلميذ أو مدرس، لم تعد تكفي، بل يجب أن تختفي. كما أنه، لم يعد يقتصر تدريب اختصاصي التوعية- يضيف ميالاريه- على نقل المعلومات (مهما كانت، في بعض الحالات تكون هذه الإيصالات ذات قيمة)؛ وإنما أصبح يتألف من تعلم مهنة بذكاء، أي مهنة المدرس، ويجب أن يقود المربي المستقبلي إلى وضع نفسه فيما يتعلق بالنظريات التربوية، وفيما يتعلق بالحياة التي تحيط به (طبيعية، بشرية، اجتماعية). وعلى مدى العقود القادمة- يضيف ميالاريه- سيواجه اختصاصيو التوعية مواقف جديدة (وأحيانا لا يمكن التنبؤ بها)؛ سيتعين عليهم البحث عن ابتكار حلول جديدة لمشاكل تعليمية جديدة؛ لن تكفي الممارسة (أي الماضي) بعد الآن. إلى درجة ستشكل علوم التربية بشكل متزايد أحد أهم مصادر التقدم التربوي.
وهنا في الحقيقة، نحن في حاجة إلى إعادة قراءة النصوص القديمة التي حاولت تقريب مفهوم علوم التربية (بصيغة الجمع كما يحلو للفرنكوفونيين، وبصيغة المفرد "علم التربية" كما هو عند الألمان)؛ والتأسيس له كمفهوم ناشئ ضمن حقول العلوم الاجتماعية والإنسانية (والذي هو مدرج حاليا في الغالب في العلوم الاجتماعية بالنسبة لألمانيا)؛ أما بالنسبة لفرنسا فتعتمد صيغة الجمع لمفهومه، باعتبارها علوما متعددة التخصصات، وفي سياق تبنيها كذلك، للنظر التناظمي (التفاعل البيني للأنظمة المعرفية)، كتوجه إصلاحي فكري عام.
التوجه التناظمي لعلوم التربية كما هو بفرنسا مثلا، يمكن القول إنه ينسجم مع الإصلاحات التربوية بها، ويخضع لعملية إصلاح الفكر وإعادة تنظيمه بشكل عام في إطار التأسيس لتربية المستقبل (إدغار موران)؛ في حين، لا يزال تنزيل هذا الإصلاح الأخير ضعيفا وجد محتشم بخصوص تفعيله بالمناهج التربوية بالمغرب؛ حيث الفصل بين المواد لا يزال يهيمن على هندسة التعليم والتكوين. وحيث كذلك، هندسة التناظم أو البينتخصصاتية لا تقبل التجزيئ منهاجا، في التعامل معها (خذ مثلا، موضوع "حقوق الإنسان" في منهاجي التربية الإسلامية والفلسفة).
في المغرب، يمكن القول إن علوم التربية محاصرة مؤسساتيا، إذ لا توجد به إلا كلية وحيدة بالرباط، لا تزال تعيش أجواء المركزية والتمركز على مستوى التعليم التربوي الجامعي. في الوقت الذي تعرف فيه مجمل الحقول العلمية والشعب توسعها الجهوي بيداغوجيا؛ وفي الوقت كذلك، الذي انفصلت فيه علوم التربية مؤسساتيا، عن العلوم التي لها علاقة وطيدة بها. وهو شعور ترجم إلى الواقع كما هو بفرنسا مثلا؛ ففي بداية العام الدراسي 1967، نظمت ثلاث جامعات فرنسية: بوردو وكاين وباريس دورة في علوم التربية في كليات الآداب. أما في ألمانيا فقد أدى شيوع علوم التربية بالمؤسسات الجامعية منذ 1969، إلى توسيع دائرة الاستقطاب المعرفي، حيث الآن تعتبر واحدة من أكثر 20 مادة شعبية في الجامعات (الألمانية)، وفي الفصل الدراسي الشتوي 2016/ 2017، في المرتبة 11 (المكتب الإحصائي الفيدرالي 2018).
بمعنى آخر، ما كان على كليات الآداب والعلوم الإنسانية، أن تقطع أواصرها مع علوم التربية، باعتبار استمداد أصول نظرياتها منها، وكذا أساليب تحليلها في معالجة الظاهرة التربوية بكل تجلياتها النظامية وغير النظامية. باعتبار طبيعة موضوعها الذي هو ممارسة يتم تحديدها مع المفاهيم الأساسية، والتي تشمل دائما التنشئة والتربية، بما في ذلك التدريس، وغالبا ما يتم توسيعه عن طريق التنشئة الاجتماعية ومفاهيم أخرى من التخصصات الأخرى. بلفظ آخر، تواجد شعبة علوم التربية بهذه المؤسسات الجامعية، تواجد طبيعي، يجعل من "المعرفة التربوية والبيداغوجية" متجاورة جنبا إلى جنب بباقي أنماط المعرفة الجامعية؛ كما يمنح هذا التصور "المعرفي الجنبي" أفقا لمأسسة جاذبية مهنة التدريس. وبعبارة نستلهمها من التراث التربوي المقاصدي للشاطبي: "حتى يتربى لكل فعل هو فرض كفاية قوم".
الرجوع بموضوع علوم التربية إلى نصوصها التأسيسية الكبرى، يعني الرجوع والعودة إلى اعتبار علوم التربية "كنتيجة طبيعية لقوانين علم النفس وعلم الاجتماع". وبالتالي، العودة إلى مفهوم "العلم" في صيغة المفرد؛ والبدء في قبول فكرة إمكانية دراسة الحقائق التربوية بطريقة علمية؛ أي في اتجاه نحو مفهوم علم التربية، ونحو فكرة التحليل العلمي لوقائع التربية؛ والذي كانت له (أي: علم التربية) كعلم جديد، علاقات مميزة مع علم النفس وعلم الاجتماع. ومنه حدث ذلك التغيير النوعي، في عام 1912. بما هو حدث شكّل امتدادا لاستئناف النفس النقدي الداعي إلى جعل العلم يلج عالم التربية، كما كان أصر على ذلك، ج.أ.كومينيوس (1592-1670) ضمنيا، في الحاجة إلى البيداغوجيا التجريبية / أو علم أصول التدريس التجريبي، وعندما أعرب عن أسفه لأن العمل المدرسي أو الجامعي، لم يكن، مثل العمل الميكانيكي، موضوعا للدراسات العلمية.
بعبارة أخرى، مهنة التدريس، هي قبل كل شيء مهنة البيداغوجي؛ ومهمة هذا الأخير، أن يمنح لكل التلاميذ وسائل النجاح عبر طرائق ملائمة، طرائق تستوعب اللاتجانس مجاليا واجتماعيا، وتتجاوزه، بل تجعل من هذا "العائق التعلمي" كما يراه البعض، وسيلة للرفع من تدفق نشاط التعلم، وليس مشجبا تعلق عليه كل تبريرات الفشل التربوي. ولا يتأتى ذلك، إلا بجعل المؤسسات التعليمية "فضاءات للحياة"- على حد تعبير فيليب ميريو- وجعل المدرسين "منشطين سوسيوثقافيين"، ودافعين بالمعرفة والثقافة البيداغوجية قدما.
بعبارة أخرى، مهنة التدريس، باعتبارها مهمة من صلب اهتمام مهنة البيداغوجي، تقتضي العمل على تخصيب ينابيع الثقافة البيداغوجية، واجتثاث كل ما يجفف ينابيعها؛ حيث تعتبر الثقافة البيداغوجية الغائب الأكبر في تكوين المدرسين، بل ومهددة بالانقراض، مع أن هذه الثقافة تعتبر ضرورية لحل المشاكل التي تعرفها المدرسة راهنا، من الحضانة إلى الجامعة.
(*) رئيس شعبة علوم التربية
المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بني ملال/ خنيفرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.