بالرغم من الانتقادات اللاذعة ضد خروج الحكومة المغربية في ما سمي نسختها الثانية، فإن الانصاف والموضوعية تستوجبان بعض التحقق من الامور ومن التشريعات التي يسير عليها المجتمع المغربي. القانون السامي الذي يسير عليه النظام السياسي مرسوم في الدستور ويحظى بشرعية الموافقة من قبل المواطنين والمواطنات. لقد تم تنصيب حكومة معالي السيد بنكيران في اليوم الذي صوت عليها البرلمان ومنحها الثقة الشرعية للقيام بتنفيذ برنامجها وذلك بموافقة المجلسين. وكون تغيير حصل في المشهد السياسي أدى إلى استقالة عدد من الوزراء من الحكومة وهم أيضا من حزب كان قد تحالف مع حزب رئيس الحكومة وصوت بالإيجاب على برنامج الحكومة التي يرأسها السيد بنكيران، كل هذا لا ينفي أن العملية السياسية وما أنتجته من الوضع القائم حبكتها حكمة القانون المستر في الدستور المغربي. وفعلا ينص الفصل 88 على أنه: "تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح برنامج الحكومة". هل تباذر إلى الذهن أن الحكومة الكاملة تتكلم وتتحدث عن برنامج حكومي غير الذي قدمته وحصلت به على الثقة أول تنصيبها؟ ما تناثرته الأقاويل والتصريحات الرسمية الحكومية لم يثر قضية أن الحكومة عازمة على تغيير برنامجها الأصلي خصوصا وأنها طيلة وجودها كاملة وأثناء مخاضها قد كانت تعمل وفق برنامجها بالتشارك مع والوزراء المستقيلين في العمل وهم على رأس الوزارات التي استقالوا منها. إضافة إلى هذا، السادة والسيدات ممثلي الأمة يعملون وينتقدون ويستجوبون الحكومة بالرغم من استقالة بعض الوزراء. ولا يجب التغاضي عن الحقوق التي منحها الدستور لرئيس الدولة ألذي هو أيضا رئيس مجلس الوزراء. إنه قانونيا يراقب الحكومة ولم يصدر منه أي قرار يثبت عدم رضاه عن الحكومة حتى عند قبوله استقالات بعض الوزراء وأثناء المخاض. نعم الكل يلاحظ أن التغييرات التي حصلت في أعضاء الحكومة لا يستهان بها، لكن السؤال المنطقي هو هل يوجد في الدستور ما يمنع ذلك؟ وفوق هذا، هل لدى الحكومة بشكلها الحالي برنامج جديد يختلف عن الذي حصلت به على الثقة من البرلمان؟ لنستعرض بعض بنود الدستور فيما يتعلق بصلاحيات رئيس الحكومة والبرلمان: الفصل 101 من الدستور ينص على " تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح برنامج الحكومة". ونقرأ أيضا في نفس الفصل: "لا يمكن سحب الثقة من الحكومة، أو رفض النص، إلا بالأغلبية المطلقة للأعضاء، الذين يتألف منهم مجلس النواب." الحكومة القائمة هي حكومة الأغلبية. خرج حزب ودخل آخر إلى الحكومة. ليست الحكومة، بالمعنى القانوني، جديدة. بعض الوجوه تبدلت وبعض الترتيبات اتخذت وزيد في الاعداد وفي مناهج تقسيم العمل الوزاري، لكن كل هذا تم في إطار ما يسمح به دستور البلد. حتى البرلمان يعمل داخل سنن الدستور. يكون الممثلون الأغلبية المطلقة كما تقتضيه القوانين ويتقدموا لطرح الثقة ضمن الضوابط القانونية. لا أبرر هنا أي موقف غير ما هو واضح عند قراءة الدستور حيث ورد في سياق نص الفصل أعلاه: "يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين". هذه المجالات مفتوحة لاتخاذ الاجراءات القانونية لمحاسبة عمل الحكومة. وإن لم يعرض هو هذا، فالحق للبرلمانيين أن يبادروا. ومن يمنعهم؟ واستناد المنع على أي أساس هو سيكون مبنيا؟ الفصل 105 من الدستور يوضح حيثيات حق البرلمان في معارضة عمل الحكومة بحيث رسم أن: "لمجلس النواب أن يعارض في مواصلة الحكومة تحمل مسئوليتها". فالقوانين صريحة ومعينة على إضاءة طرق التصرف وإتباع ما يلزم وضرورة الالتزام به. أما بعض صلاحيات رئيس الحكومة والوزراء جاء في الفصل 92 من الدستور : "ويستمر مفعول الموافقة تلقائيا على النفقات طيلة مدة هذه المخططات والبرامج التنموية وللحكومة وحدها الصلاحية لتقديم مشاريع قوانين ترمي إلى تغيير ما تمت الموافقة عليه في الإطار المذكور". أين مكمن دواعي طلب الحصول على التنصيب مرة ثانية في الظروف والأجواء السياسية والقيود القانونية الراهنة عند قراءة هذا النص؟ كثرة الوزراء، الترتيبات الجديدة، والتقطيعات، والزيادات، وتحولات ،ومبرمجات واستحداثات من كل وجه داخل التشكيلة الحكومية خاضعة لهدي الدستور ونصوصه. هكذا رأى رئيس الحكومة الطريق الذي يتعقد أنه سليم في هذه المرحلة من فترة رئاسته للحكومة أن يسلكه لتحقيق أهداف حكومته ومواصلة تنفيذ برنامجه الحكومي الذي نال ثقة البرلمان. وفوق هذا، كل هذه التغيرات التي ينتقدها حتى بعض البرلمانيين حظيت بمباركة رئيس الوزراء رئيس الدولة ملك البلاد، الذي يسهر أيضا على تطبيق الدستور حيث ورد فيه أن: الفصل 42 "الملك، رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة". هذا أيضا ضمان على أن سير عملية ادخال التغييرات الحديثة على حكومة السيد بنكيران قد تم وفق مقتضيات القوانين والأنظمة كما نص على ذلك الدستور. ولتوضيح أكثر، نصوص الدستور تعطي الصلاحيات التالية: "للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم". ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة"." "ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم، الفردية أو الجماعية". الفكرة واضحة وعملية التبديل في الوزارة من اقتراح وتعيين ومسميات تم وفق ما اقتضته القوانين الدستورية ورغبة رئيس الوزراء ورئيس الدولة, وأعتذر من الاختصاصيين عن التطفل على ميدان القانون الدستوري. الفصل 104 يعطي أيضا لرئيس الحكومة حق حل البرلمان بعد المشاورات القانونية. قد يفقد بذلك كل النواب مناصبهم وسيضطرون لخوض معركة الانتخابات والنجاح فيها للعودة إليها:. "يمكن لرئيس الحكومة حل مجلس النواب، بعد استشارة الملك ورئيس المجلس، ورئيس المحكمة الدستورية، بمرسوم يتخذ في مجلس وزاري". هذا الحق يمكن الرجوع إليه بعد الحسابات السياسية المعقدة عند الشعور بفقدان ثقة البرلمانيين أو عند طموح كسب مزيد من الممثلين للحزب او عند تأزم الاوضاع مما قد يستوجب اجراء استحقاقات جديدة على ضوء حسابات ومكاسب سياسية معينة. إن لمجلس الوزراء الحق في التداول في القضايا المصيرية للبلاد ومنها: - "التعيين باقتراح من رئيس الحكومة، وبمبادرة من الوزير المعني، في الوظائف" ويوضح الفصل 93 بعض الصلاحيات مثل أن: "الوزراء مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به، وفي إطار التضامن الحكومي. "ويقوم الوزراء بأداء المهام المسندة إليهم من قبل رئيس الحكومة، ويطلعون مجلس الحكومة على ذلك. يمكن للوزراء أن يفوضوا جزءا من اختصاصاتهم لكتاب الدولة." هذه النصوص تؤيد عملية خضوع التركيبة الحكومية إلى مقتضيات الدستور الحاكم بالرغم من الانتقادات الموجهة من كل جهة وبالرغم من الاختلافات في الرآى والتوقعات. ألمحاسبة واجبة كما يقتضيها الدستور وتتطلبه مصالح المواطنين والمواطنات. من حق الوزير الأول أن يقوم بترقيع حكومته بالطريقة التي يراها مناسبة ومقبولة لدى رئيس الدولة. إذا شعر البرلمانيون بأن الحكومة غير دستورية فليأتوا ببرهانهم ويتخذوا الاجراءات التي يخولها لهم القانون لمحاسبة الحكومة ومحاسبة تصرفات بعضهم البعض. هناك كثير من المواطنين والمواطنات الذين ينتظرون بشغف أن يروا نتائج عمل الحكومة، هل نعطيها فرصة؟ ولكي لا يتسرع البعض لوضعي في أي خندق فإن الذي أملى علي هذه الكتابة هو الحرص على تقديم وجهة نظر أخرى لا تكون بعيدة كل البعد عن الواقع في الظروف الراهنة، وقد سئمنا انتظار خروج الحكومة كاملة (مقال في هيسبرس) وأخشى أن نسأم من تعطيل عمل الحكومة من كثرة مناوئيها ونحرم بذلك من ثمرة وعودها. فهل تعطى لها فرصة وبعد ذلك المحاسبة؟ وحلال عليهم هدية الأكباش، النعمة، التي تجرأ الشيخ الريسوني على تحريمها ظلما وعدوانا. باحث وأستاذ العلوم الاجتماعية-اكادير