أرجو أن تكونوا قد استمتعتم، معشر المتفرجين، طوال عام كامل (من شهر شتنبر من العام الماضي إلى شتنبر المنصرم) بالعروض الفكاهية لشخصية مهمة ومثيرة للاهتمام والجدل، لا تقل عن الصديق الصدوق للملك، ونعني به فؤاد علي الهمة، وزير الدولة المنتدب سابقا في وزارة الداخلية، ونائب الرحامنة السوبر في "جوطية" البرلمان الحالي، فالرجل تخلى عن كل أشكال "التغوبيش" (التقطيب بالنسبة لمن يتولون صَوْنَ عِرض لغتنا الجميلة) التي ارتداها لزوم مهامه الخطيرة التي تولاها منذ ما لا يقل عن عشر سنوات، وارتدى، كما يفعل المهرجون المحترفون، قناعا بشوشا ضاحكا، بل وممعنا في "التقشاب" إلى حد استخدامه عبارات غارقة في الشعبوية، إن لم نقل الإبتذال، خلال تجمعاته "التعبوية الحاشدة". إذ طفق الرجل يغترف من "مزيودات" شيوخ السياسة المغربية كأحرضان والقادري مثلا. فهو - نقصد الهمة طبعا - لم يتورع ذات لقاء "جماهيري" غير بعيد من القول مهددا متوعدا : "واش نسيتو الجوع أوعام البون؟" وأيضا: "راه غادي نديرو الحزب بالفور يا الشيفور". وبمجرد ما قال ذلك أتبعه بالفعل، كما يُفيد معنى عبارة فرنسية ذائعة هي: "" (Aussitôt dit aussitôt fait) صديق الملك لم ينتظر ولو بضعة أسابيع أو أشهر قليلة، كافية لاستيفاء الإجراءات القانونية التي يفرضها قانون الأحزاب الذي كان "الهمة" واحدا من... أهم واضعيه منذ بضع سنوات، وعمد، من أجل فرض بعض مُلْزِماتِه العضلاتية، إن صح التعبير، إلى لي أذرع الأحزاب السياسية، وكلكم تتذكرون، معشر القراء، الضجة التي أثارتها مسألة "عتبة المشاركة" حيث حُدِّدت في نسبة سبعة بالمائة، باتفاق بين وزارة الداخلية (العرين المخزني للهمة آنذاك) وبعض الأحزاب العتيقة الكبيرة، مثل الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، قبل أن يتم التراجع عن ذلك، فيما بعد، تحت ضغط الأحزاب الصغيرة التي كانت مُستهدفة، بنية إقصائها من المُشاركة في الانتخابات التشريعية ليوم سابع شتنبر من العام الماضي، وكان ما كان مما لا فائدة في تكراره. المهم أن "صاحب الملك" ضرب بعرض الحائط الإجراءات الإجبارية التي دونها لا يصح وجود الحزب في بلاد الأيالة الشريفة، حيث انطلق "تراكتور" الهمة في عملية حرث لأرض صلبة (وإن كانت في الحقيقة هشة) وصولا إلى قرار تحويل الطفل التنظيمي (حركة من أجل كل الديمقراطيين) بسرعة إلى كهل سياسي دون مراعاة شروط النمو الطبيعي التنظيمي والإيديولوجي، فكانت "الصدمة قوية" كما تقول الأغنية المغربية الشهيرة، حيث تعثرت عجلات جرار صديق الملك، وبدلا من أن تجد أسنان أداة الحرث الملتصقة بمؤخرته، أرضا خصب كما توقع "الهمة" و "رفاقه" وهم للتذكير خليط "مخلط " مثل ألوان ثياب المهرج المتنافرة، وكأن الأمر يتعلق بواقعة فناء لكل كائنات "الحظيرة السياسية" وبالتالي استعجالية إنقاذ السلالات، كما أمر الله نبيه نوح أن يفعل قبل الطوفان العظيم. ضمن هذا المنطق "الإنقاذي" لل "هومو بوليتيكوس" المغربي، اشتغل صديق الملك طوال أيام وليالي طويلة موصولة، وتحديدا بين شهري شتنبر من السنتين الأخيرتين، إذ كانت تجمعاته "الجماهيرية" في أكثر من مدينة عبر الجهات الأربع للمغرب، التف خلالها حوله المنافقون وقناصو الفُرص المخزنية السانحة، بمختلف درجاتهم ومستوياتهم، حيث تجد بينهم رجل الأعمال الثري، مثل أخنوش، ورجل المال والأبناك مثل البكوري، والمثقف "الباحث" عن الفلوس مثل محمد أتركين، والرياضي الشهير نظير العداء السابق الكَروج، والممثل والممثلة من ضرب رشيد الوالي وثريا جبران، والصحافي مثل امبراطور الإعلام والإشهار كمال لحلو ووو... وبعض بسطاء الناس وفقرائهم، ممن تجذبهم صورة "الهمة" صديق الملك، الذي قد يُدبر فرصة عمل لابن أو ابنة عشش (ت) في البيت بسبب بطالة أبدية، أو يمد يد المساعدة في سبيل تحقيق مأرب يحتاج إلى "ضرسة" قوية لتسوية العقبات التي تقف دونه، وليس في ذلك أدنى غرابة، حيث إن الناس عندنا ألفوا أن "يرقصوا" وسط حلبة أحد المرشحين، عند كل موسم انتخابات، لاستخلاص منفعة مادية عاجلة أو آجلة، أكثرها يكون مجرد أوهام يستغلها تجار "جوطية" الانتخابات جيدا. اكتشف "زعيم كل الديمقراطيين في المغرب" وهو غارق في هذا العمل السياسي الميداني الدؤوب، الذي سرق منه حتى عطلة الصيف المنقرض منذ بضعة أيام.. اكتشف "فضائل" تجميع الأحزاب السياسية تمهيدا لخلق قطب سياسي، فكانت البداية بأحزاب "العهد" و"رابطة الحريات" و"البيئة" و"الوطني الديمقراطي" واكتشف الأمين العام لهذا الأخير عبد الله القادري، وهو للإشارة واحد من ثعالب العمل الحزبي على الطريقة المخزنية العتيدة (صرح لمجلة لوجورنال أنه أسس حزبه منذ نحو 30 سنة بأمر من الحسن الثاني الذي قال له: "راه الاتحاديين محيحين فمدينتك برشيد، نوض دير شي حزب باش تطاكيهوم") .. اكتشف - أي عبد الله القاديري - أن ركوبه سفينة "نوح السياسة المغربية" يُجرده من سلطة الهش على أغنامه الحزبية، على قلتها، لذا نزل منها وهو يصرخ قائلا للهمة: "مابقيتش آسيدي لعاب معاك عطيني فلوسي" - ويتعلق الأمر بنحو 950 مليون سنتيم كانت في الحساب البنكي لعبد الله القاديري، هي ما تبقى من المبلغ الإجمالي الذي تضخه وزارة الدولة في حساب الأحزاب المشاركة في الانتخابات - ولحد كتابة هذه السطور لا نعرف ما إذا كان صديق الملك قد أعاد له المبلغ المالي المذكور أم لا. الأحزاب الأربعة التي وضعها "الهمة" تحت خيمته "الديمقراطية" هي كما انتبهتم ولا شك ليست سوى تنظيمات سياسية صغيرة جدا، من ذلك النوع الذي قال فيه وزير الدولة في الداخلية السابق ادريس البصري "أحزاب التيليبوتيك" وكان يقصد أنها قليلة العدد بما يسهل معه وضعها في تيليبوتيك "أوتشيط البلاصة" كما قال بلهجته الشاوية الساخرة. انتبه صديق الملك إلى هذه الحقيقة متأخرا بعض الشيء، وبالتحديد عند ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية الجزئية الأخيرة، حيث احتل مرشحوه المراتب الأخيرة، فصلاح الوضيع مثلا، جاء في مرتبة ذيلية حيث "هرب عليه" المرشح الفائز بقرابة 13 ألف صوت، أما الحبيب بلكوش فترك له المرشح الفائز "ولد لعروسية" خلفه الكثير من الغبار والحسرة، إلى غيرها من النتائج السلبية التي جعلت "الهمة" يضرب الأخماس في الأسداس لفهم طبيعة الأعطاب الخطيرة التي أصابت جراره، وهو في واحدة من المراحل الحاسمة من مسار شق أرض السياسة المغربية العاقر. وقبل أن تبرد شماتة الشامتين، ويفتر حماس المتفرجين، أخرج الرجل - نتحدث عن الهمة دائما - من تحت قبعته حمامة زرقاء، التي عرفتموها ولا شك، إنها حزب التجمع الوطني للأحرار، معلنا تحالفا برلمانيا مع هذا الأخير، حيث أصبح لنائب الرحامنة، تجمعا لنواب "محترمين" لا يقل عن نحو ثمانين في كل واحدة من غرفتي البرلمان. لقد اكتشف الهمة أن رهانه على يساريي السابق، مثل الوضيع وبلكوش، المهرولين إلى المنافع المخزنية العميمة، والتحالفات مع أحزاب التيليبوتيك، لن تمنحه ما يشيد به قطبه الحزبي الليبرالي، الذي سيجعل جراره الانتخابي يأتي على أخضر ويابس عراء المشهد السياسي المغربي، لذا اتجه هذه المرة إلى خطوة، أو بالأحرى "دار كاتريام للتراكتور ديالو" وتحالف مع حزب مصطفى المنصوري، لتُطرح أسئلة أخرى من وحي الانعطافة الكبيرة المُفاجئة لجرار "ولد الرحامنة" - وهذا أمر مفهوم بالنظر إلى الهزيمة الكبيرة التي مُني بها الرجل وأتباعه - .. أسئلة من قبيل: هل سيفرض الهمة "زعامته" على المنصوري، تمهيدا لطيه ووضعه تحت خيمته "الديمقراطية" أم أن هذا الأخير سيتمنًَع باعتبار أنه يعي أن "التراكتور" به عطب كبير قد يجعله يتوقف عن الحركة بشكل كامل، وبالتالي استغلال الفرصة لجني أكبر المكاسب، سيما أن الأمر يتعلق بحزب مخزني عتيد لا يقل عن التجمع الوطني للأحرار، الذي اكتسب تمرسا كبيرا في "سوق البيع والشرا" الانتخابية بالمغرب منذ سنة 1977، حين أمر الحسن الثاني صهره ووزيره الأول السابق أحمد عصمان، بتأسيس حزب لتشميع باب المشهد السياسي المغربي، وجعله بشكل الخرابة الذي يبدو عليه لحد الآن؟ وما الذي سيحدث إذا ما لم يتفق الطرفان - الهمة والمنصوري -؟ هل "سيدخل الأول جواه" ويقنع بما غنمه لحد الآن من "بهائم" عفوا نوابا برلمانيين يهش عليهم حتى تنقضي الولاية البرلمانية الحالية، لينصرف إلى مهام أخرى جديدة، ربما سيكون من بينها أن يتولى "الهمة" تدريس طلبة العلوم السياسية مادة يطلق عليها اسم "كيف تصنع حزبا فاشلا في ظرف سنة؟". إنها أسئلة كثيرة متناسلة، سنعرف أجوبة بعضها في الأيام القليلة القادمة، لذا ارفعوا، معشر المتفرجين ، درجة ترقبكم، ففي جعبة صديق الملك، الكثير من الحيوانات السياسية التي سيخرجها من قبعته، ثم يحاول وضعها في سفينته، ليُجنبها الغرق في الطوفان الذي يجتاح "الحظيرة" السياسية المغربية. مصطفى حيران [email protected]