يأبى الأستاذ إغناسيو صمبريرو إلا أن يكون حاضرا في كل ما يهم المغرب. منذ السنوات الطوال وهو يجوب المنطقة لكي ينقل ما يراه يهم القارئ الإسباني، لكنه منذ السنوات الطوال وهو لا يرى شيئا سوى ما يحدث في المغرب بالدرجة الأولى ثم في الجزائر بعد ذلك. هكذا أصبح المغرب العربي هو المغرب والجزائر، لماذا؟ لأنه عندما يتعارك شقيقان لا أحد يهتم بباقي العائلة. قبل يومين وصلت إلى بريدي الإلكتروني رسالة من صمبريرو يعاتبني فيها على ما كتبته قبل نحو أسبوع عن الشريط الذي بثه موقع يومية"إيل باييس"الإسبانية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الشريط إياه الذي اعتقل بسببه الزميل علي أنوزلا. صمبريرو لم يتقبل تلك الإشارة إلى احتمال قلت:احتمال وجود أصابع جزائرية وراء فبركة الشريط، ودعاني إلى مشاهدة أشرطة أخرى لنفس التنظيم لمعرفة أنها كلها واحدة من حيث التقنية العالية التي أنجزت بها. بالنسبة إليه هذا يكفي لكي يبعد أي محلل أو مهتم فرضية معينة مثل هذه. رددت عليه بما سأقوله هنا. عندما نقارب الظاهرة الإرهابية لا شيء يمكن أن نضعه جانبا. على أي أساس يجب أن نستبعد فرضيات معينة؟. لكن في السياسة، كما في الجريمة، فإن ما يهم هو المستفيد من الحدث، حتى لو كان غيره هو صانعه. وفي حالتنا هذه فإن النظام الجزائري هو المستفيد من استهداف المغرب بشريط تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. لكن الذي أقلق السيد صمبريرو أكثر هو تلك الإشارة إلى جريدة"إيل باييس" التي بثت الشريط على موقعها، كان ذلك مجرد تخمين، بناء على تساؤل وحيد: لماذا تخصيص الجريدة لوحدها بالشريط دون ما عداها؟. سألت صمبريرو: هل أنت ناطق باسم الجزائر؟. فكان رده: لا أجيب على أسئلة حمقاء. بينما لم يكن المقصود من السؤال انتظار الإجابة وإنما التعبير عن الاستنكار، وهو أسلوب مسموح به في اللغة العربية. وقال لي بأنه أول أمس الثلاثاء خاطب الجزائريين في البرلمان الأوروبي ببروكسيل داعيا إياهم إلى فتح الحدود مع المغرب، مشبها الحدود المغلقة بين البلدين بالحدود المسدودة بين الكوريتين. ولو أنني فكرت اثنتين وثمانين مرة ما ورد على خاطري تشبيه مثل هذا، وهذا يدل على أن السيد صمبريرو يفهم جيدا الوضع بين البلدين والشعبين. ذلك أن الأمر ليس مجرد حدود مغلقة بين بلدين شقيقين، بل انقسام في الثقافة المشتركة التي ظلت دائما واحدة طيلة قرون، بسبب المزاج السياسي والإرث القديم الذي يعود إلى سنوات الستينات من القرن الماضي. لكن لا بد أن السيد صمبريرو، الذي يفهم بشكل جيد هذا المزاج السياسي، يدرك بأن قضية محاربة الإرهاب في المنطقة لم تفشل بسبب قوة الظاهرة الإرهابية ذاتها، بل بسبب تخلف الإرادة السياسية المشتركة لدى بلدان المنطقة عن تعقب التحولات الجارية. فلقد أصرت الجزائر باستمرار على استبعاد المغرب من كل المخططات الإقليمية التي تستهدف محاربة الإرهاب في المنطقة، وكانت دائما ما ترفع الفيتو في وجهه، وأي مراقب محايد سوف يفهم من ذلك أن الجزائر ليست جادة بالفعل في مكافحة الظاهرة الإرهابية، لأن الشخص الجاد لا يمكن أن يترك فراغا لا يسد، وغياب المغرب يترك مثل هذا الفراغ في أي سياسة إقليمية لمحاربة الإرهاب تتخذ لها صفة"المشتركة" وهي ليست كذلك. منذ سنوات وأنا أقرأ للسيد صمبريرو وأتابع كتاباته على صفحات الجريدة التي يكتب فيها، ويسهل علي أن أضع تقييما سريعا لهذه الكتابات من الناحية المهنية كمتابع لعمله. لكن الشيء المهم الذي أنا متأكد منه هو أن السيد صمبريرو يعرف بأن ما ينقله مجرد أخبار بالنسبة لقرائه في إسبانيا، لكنها هنا ليست مجرد أخبار فقط بل مشاكل. وقبل ثلاثين عاما قال إدوارد سعيد إن التغطية الإعلامية Covering لا تعني بالضرورة إظهار الأحداث الحقيقية، بل حجبها.