تعد المدرسة الجماعاتية إداوكنيضيف، الواقعة في الدائرة الجبلية لإقليم اشتوكة آيت باها، واحدة من المؤسسات التعليمية الابتدائية التي تم توطينها بهذه المنطقة في إطار الرقي بالعرض التربوي بالوسط القروي وتجاوز عدد من الإكراهات والتحديات التي تفرضها المنظومة التربوية في المناطق القروية النائية، أبرزها تواجد عدد من الفرعيات المدرسية المشتتة والمتفرقة بين ثنايا الجبال، مما يفرض على التلاميذ التنقل لمسافات مع مجابهة مخاطر التقلبات المناخية والتضاريس الوعرة وبذل مجهود إضافي بدني وعقلي، الشيء الذي يؤثر حتما على تحصيلهم الدراسي. وتعتبر المدرسة الجماعاتية إداوكنيضيف نموذجا جسد واقعيا الأهداف المسطرة لمثل هذه المدارس، وعلى رأسها ترشيد استعمال البنيات التحتية التربوية، والحد من ظاهرة الهدر المدرسي، خصوصا في صفوف الفتيات، وخفض نسب التكرار والانقطاع والتغيب في صفوف التلميذات والتلاميذ. وحققت المدرسة نجاحها اليوم بفضل وجود مجتمع مدني فاعل بالمنطقة، حمل هم المدرسة المغربية في تناغم تام مع توجهات مصالح وزارة التربية الوطنية محليا وإقليميا وجهويا ومركزيا، مما رفع منسوب ودرجة المقبولية والملاءمة لهذا المشروع بمنطقة إداوكنيضيف. عبد الوهاب أوعمر، رئيس جمعية أمهات وآباء وأولياء التلميذات والتلاميذ بالمدرسة الجماعاتية إداوكنيضيف، قال في تصريح لهسبريس إن المرور من تجربة الوحدات المدرسية المسماة الفرعيات إلى المدرسة الجماعاتية "يمكن اعتباره انتقالا من مرحلة الهواية إلى الاحتراف بشكل من الأشكال، وبصيغة أخرى الانتقال إلى مستوى أرقى في تاريخ التعليم بمنطقة إداوكنيضيف". وأضاف موضحا تجربة المدرسة الجماعاتية إداوكنضيف وما حققته من نجاح على كافة المستويات: "قبل تجربة المدرسة الجماعاتية، كانت الوحدات المدرسية المشتتة تلزم التلميذات والتلاميذ بالتنقل راجلين لمسافات متوسطة إلى طويلة، وتزداد معاناتهم خلال فصلي الخريف والشتاء، ناهيك عن اعتماد التدريس بالأقسام متعددة المستويات وكثرة تغيب التلاميذ لأسباب مناخية وتضاريسية واجتماعية، مما يؤثر على تحصيلهم الدراسي. كل ذلك، إلى جانب غياب جاذبية تلك الفرعيات المتفرقة، يجعل المتعلم ينفر بشكل كبير من المدرسة". وعن التجربة الحالية، قال المتحدث إن "المدرسة الجماعاتية إداوكنيضيف، منذ إحداثها سنة 2013، "شكلت طفرة نوعية على كل المستويات والأصعدة، ضمنها جاذبية المؤسسة التعليمية، والتأثير الإيجابي على مستوى التحصيل الدراسي للمتعلمات والمتعلمين ومستوى الاستقبال والإيواء، والتأثير الإيجابي على عمل الأطر الإدارية والتربوية، كما استفادت الوزارة من تقليص عدد الأطر التربوية من 24 قبل التجربة إلى 8 أساتذة اليوم، مما أهل المدرسة لتعطي نتائج جيدة ورفيعة، ورفع من مردوديتها ونجاعتها". ومن الأمور التي جعلت المدرسة الجماعاتية إداوكنيضيف تتبوأ مكانة رفيعة بين باقي المؤسسات التعليمية بإقليم اشتوكة آيت باها وجعلتها أكثر جاذبية، ذكر عبد الوهاب أوعمر، "توفر الإيواء والإطعام المدرسي للتلاميذ البعيدين عن مركز الجماعة، والتخلص من الأقسام متعددة المستويات، وكل ذلك بفضل تضافر جهود الجميع، من أطر إدارية وتربوية ومصالح إقليمية لوزارة التربية الوطنية باشوكة آيت باها وسلطات إقليمية ومحلية، إلى جانب محيط المؤسسة، وعلى رأسه المجلس الجماعي الذي يدعم خدمة النقل المدرسي بشكل متواصل، وجمعية تزرزيت المسؤولة عن تدبير النقل المدرسي وما تقدمه أيضا من خدمات عديدة لفائدة المنطقة، وخاصة لفائدة المتعلمات والمتعلمين". المدرسة الجماعاتية إداوكنيضيف شكلت نموذجا ناجحا بإقليم اشتوكة آيت باها، إلى جانب تجارب أخرى بجماعة تسكدلت وآيت واد ريم، واستمرارها في أداء وظيفتها بهذه المنطقة الجبلية بالنجاعة المعهودة، يستوجب، وفقا للمتحدث، "مجهودا إضافيا لتحسين ما يمكن تحسينه في هذا الإطار، وأول الأمور مسألة تقنين الداخليات بالمدرسة الجماعاتية بوضع إطار قانوني يحمي التلميذات والتلاميذ والعاملين بها، أي إن الوزارة ملزمة بتوفير الغطاء القانوني لهذه الداخليات، ثم ضرورة مشاركة الوزارة في دعم النقل المدرسي لضمان استمراريته، خاصة في جانب تسيير الأسطول، وأيضا تزويد المؤسسة بالسبورات التفاعلية وإدراج تخصصات وأنشطة أخرى بيئية وثقافية وغيرها". هي إذن واحدة من المدارس الجماعاتية بإقليم اشتوكة آيت باها التي استطاعت أن تواصل تقديم خدمات كثيرة ومتنوعة لفائدة روادها والمجتمع؛ خدمات تربوية وأنشطة موازية ودعم اجتماعي، فشكلت فضاء لاستقرار الأطر الإدارية والتربوية نفسيا واجتماعيا، وأنهت كثيرا من معيقات التمدرس بالمداشر والدواوير. ولم يتأت ذلك إلا بفعل التدبير المبني على الشراكة والتعاون بين الوزارة ومصالحها الإقليمية والجهوية وبين الفاعلين المدنيين والاقتصاديين والاجتماعيين والمجالس المنتخبة، الذي أفضى إلى تحقيق تمييز إيجابي لفائدة تلميذات وتلاميذ إداوكنيضيف مكّن من تجويد الأداء والقضاء على الانقطاع الدراسي وترشيد استعمال الموارد المادية والبشرية.