كمن يصب الزيت على النار، أثارت التصريحات المتعلقة بتحولات الوظيفة العمومية الصحية التي أدلى بها فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالمالية، تحت قبة البرلمان بمناسبة تقديم مضامين أول مشروع قانون للمالية في عهد حكومة أخنوش، ردود فعل متباينة. فقد انتقدت مركزيات نقابية صحية التماطل في تعميم مسودة مشروع قانون الوظيفة العمومية الصحية والتكتم غير المبرر عن مضامينه، معربة عن أسفها لتغييب النقاش المسبق وتهريبه عن المعنيين، وعدم إشراك الهيئات النقابية بقطاع الصحة في الإعداد للمشروع والأخذ بآراء ممثليها قصد بلورة تصور مشترك. في هذا الصدد، استنكر يونس شكري، عضو المكتب الوطني للنقابة الوطنية للصحة العمومية، تكتم الحكومة على مسودة المشروع ورفض وزير الصحة والحماية الاجتماعية مشاركته مع المهنيين والهيئات النقابية دون أي مبرر مقنع أو عذر صريح. واعتبر الفاعل النقابي ذاته، في تصريح لهسبريس، هذا التعاطي "خوفا وهربا من ردة فعل أهل القطاع الرافضين لبعض مضامينه التي كشف بعض ملامحها الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، والتي من شأنها ضرب مكتسبات الأطر الصحية في الحركية والاستقرار الوظيفي والتوظيف والترقية بالامتحان والاختيار". ولوح المتحدث بخوض أشكال نضالية إلى حين نهج المقاربة التشاركية والتواصل مع المهنيين والفرقاء الاجتماعيين للإسهام في صياغة بنود قانون الوظيفة العمومية الصحية، مؤكدا أن "المشروع بالصيغة الحالية لا يعني موظفي الصحة في شيء، ومصيره الفشل لأنه من الخيمة خرج مايل". من جانبه، انتقد مصطفى جعى، الكاتب الوطني للنقابة المستقلة للممرضين وتقنيي الصحة، تغييب المقاربة التشاركية، ودعا إلى التواصل مع الفرقاء الاجتماعيين بخصوص هذا الورش ومأسسة الحوار الاجتماعي القطاعي الهادف إلى إقرار منطلق الشراكة الاجتماعية، وتنزيل التعاقد الحكومي للنهوض بوضعية القطاع الصحي والمهنيين به. وتساءل المصدر ذاته عن دواعي وأسباب "هذا التعتيم غير المبرر رغم سلك الطرق القانونية من أجل تكريس الحق في الوصول إلى المعلومة من خلال مراسلات رسمية في هذا الموضوع، وكأن الأمر يتعلق بسر من أسرار الدولة"، واصفا آيت طالب بالوزير الذي لا يؤمن بالحوار ولا بالمقاربة التشاركية. وقال الكاتب الوطني للنقابة المستقلة للممرضين وتقنيي الصحة لهسبريس إن "هذا الأمر غير مقبول جملة وتفصيلا، ونحن نرفض أن نكون فئران تجارب"، مشيرا إلى التضحيات والعمل الجبار الذي قدمته أطر وزارة الصحة بمختلف تخصصاتها خلال مرحلة "كوفيد-19" وحملة التلقيح الوطنية. وأورد النقابي جعى أن تصريحات الوزير المنتدب المكلف بالميزانية "حملت مغالطات عندما أسهب في الحديث عن فئة واحدة دون باقي الفئات المشتغلة في القطاع، على اعتبار أن مهنيي الصحة هم إداريون وموظفون وممرضون وتقنيون وقابلات غيرهم، وكلهم معنيون بهذا المشروع وليس فئة واحدة". في سياق متصل، راسلت النقابة الوطنية للصحة العمومية، المنضوية في الفيدرالية الديمقراطية للشغل، خالد آيت طالب، وزير الصحة والحماية الاجتماعية، وذلك تفاعلا مع إفادات الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية خلال أشغال تقديم مشروع قانون المالية برسم سنة 2022 أمام أعضاء لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بالغرفة الأولى للبرلمان. وقالت المراسلة، توصلت بها هسبريس، إن الوزير المكلف بالميزانية كشف عن انتهاء المصالح الحكومية المكلفة من إعداد مسودة مشروع قانون الوظيفة العمومية الصحية، ودنو طرحها على أنظار البرلمان في القريب العاجل. واعتبر المصدر ذاته التأسيس للوظيفة العمومية الصحية مطلبا ملحا، ورؤية مندمجة للنهوض بالقطاع الصحي من شأنها ضمان العدل والمساواة والإنصاف بين جميع نساء ورجال الصحة، ومدخلا للاعتراف بخصوصية القطاع التي طالما تمت المناداة بتنزيلها منذ العشرية الأولى للألفية الثالثة. وأضافت المراسلة أن هذه الخصوصية يجب أن تتأسس على إطار مهني وقانوني خاص بالعاملين بالقطاع ينظم ويضبط بطريقة وشكل مغاير أنظم المزاولة وكيفية العمل بالقطاع وسبل الترقي والتأديب والإحالة على التقاعد، وذلك نظرا للأنماط المتعددة وظروف العمل الخاصة والشاقة، وكذا تعدد الأخطار المحيطة بالمهنيين ومجالات تدخلهم المهني واختلاف مهامهم عما هو مؤطر بالنظام الأساسي للوظيفة العمومية. وأعربت النقابة الوطنية للصحة العمومية عن خيبة الأمل العريضة التي أصابت عموم الشغيلة الصحية جراء التماطل في تعميم المسودة والتكتم الشديد حول بنودها، والحيلولة دون إشراك الفاعلين بالقطاع في ملف مصيري يشكله قانون الوظيفة العمومية الصحية، الذي بنت عليه نساء ورجال الصحة آمالا عريضة لتجاوز الاختلالات التي عانت منها إبان الخضوع للنظام الأساسي للوظيفة العمومية، وإيجاد أنجع الحلول لمطالبها وملفاتها التي ظلت معلقة لسنوات طويلة. وجدد التنظيم النقابي عينه تشبته التام بضرورة التعجيل بفتح النقاش المستفيض في مسودة القانون داخل جلسات الحوار الاجتماعي القطاعي بالصحة، وإتاحة الفرصة للإطارات النقابية القطاعية للترافع عن انشغالات وآمال مهنيي القطاع بكل إطاراتهم المهنية، مطالبا بتحمل المسؤولية في توفير وموافاة الهيئات النقابية القطاعية بمسودة المشروع واستئناف جلسات الحوار الاجتماعي بخصوصه دون قيد أو شرط.