"تيويزي" عمل جماعي ينبني على التضامن والتآزر والتعاضد بين الأفراد والمداشر والقبائل في مناطق سوس والجنوب وعدد من المناطق الأمازيغية كشمال المغرب. وإن اختلفت التسميات والأمكنة والأزمنة، فإن جوهر العملية يبقى موحدا من حيث مكوناتها وأهدافها؛ فباعتماد "تيويزي" يتحقق التعاون والتآلف بين الساكنة في القرى والبوادي والأرياف والجبال المغربية، ومعها أيضا قضت الساكنة أغراضها في المجال الفلاحي ومجالات أخرى. وتنبني عملية "تيويزي" أساسا، وكما يدل اسمها، على المشاركة الجماعية في إنجاز مهام يستعصي على الفرد الواحد إنجازها؛ إما لقصر ذات اليد، أو لغياب الإمكانيات لدى الفرد الواحد أو لتطلب العمل لسواعد كثيرة. ومن ثم، فقد ابتدع الإنسان الأمازيغي هذا النمط الجماعي في المساعدة والتعاون المشترك؛ وهو ما يسهل إنجاز الأعمال، سواء تلك الخاصة بالفرد أو حتى حينما يتعلق الأمر بعمل جماعي يهم مصلحة الجماعة أي الدوار أو القبيلة بالمفهوم الأنثربولوجي. خالد ألعيوض، أستاذ باحث في التراث، قال، ضمن تصريح خص به هسبريس، إن مصطلح "تيويزي" هو "كلمة ضاربة في القدم، وهو مكون من فعل "أوس"، أي "تيويسي" وهي الأصل، التي تعني المساعدة. ونظرا لبعض صعوبات النطق، تنطق "تيويزي"، فأصبحت هذه الكلمة ذات سحر خاص، تحيل إلى الفعل والعمل الجماعيين وإلى ثقافة التضامن الضاربة في القدم بربوع سوس، والمنطقة الجنوبية بشكل كبير، بل حتى في شمال المغرب، حيث تم تعريب الكلمة نفسها فأصبحنا نتحدث عن "تويزا"، وفي الأصل هو مصطلح أمازيغي صرف". "في القديم، نجد أن "تيويزي" كانت دائما حاضرة في المعيش اليوم، حيث لا يمكن للإنسان في بادية سوس ولا في جبال جزولة وحتى في مناطق الأطلس الكبير أن يشتغل دون اعتماد هذا النمط؛ لأن صعوبة الحياة تفرض هذا التعاون"، يورد الباحث ذاته قبل أن يستطرد: "ففي الأطلس الصغير مثلا، حيث تقل المناطق الصالحة للزراعة، تم إصلاح الأراضي باستحداث المدرجات، وهو عمل صعب استغرق قرونا، وهو أحد تجليات العمل الجماعي "تيويزي"، وما زالت هذه الشواهد حاضرة إلى اليوم لتذكرنا بقوة هذا النموذج". وفي السياق نفسه، أشار خالد ألعيوض إلى أن من النماذج الأخرى وتمظهرات "تيويزي"، أيضا، نجد "إصلاح الطرق والمسالك الوعرة في البوادي والقرى والأرياف والجبال، التي تتعرض لأضرار بليغة بعد التساقطات المطرية، فتهب القبيلة ضمن فعل تضامني عن طريق "تيويزي"، حيث يخرج القادرون على العمل للاشتغال، ويقوم غير القادرين بإعداد الطعام أو دفع قسط المال لتغطية المصاريف، والأمر نفسه في الجانب الفلاحي، حيث سنجد بأن "تويزي" تتم أثناء الحرث، وبشكل أكثر في الحصاد والدرس، حيث يمكن الحديث هنا عن "أدوال"، فالدرس في وقت مضى لا يمكن أن يتم إلا بدواب كثيرة، لا يمكن لأسرة واحدة امتلاكها، وهنا لا بد من الاستعانة بأبناء الدوار ودوابهم، بالتداول بين جميع أسر القبيلة". وتابع خالد ألعيوض حديثه لهسبريس بالإشارة إلى أن ثقافة التضامن "تيويزي" ستبرز أيضا في أعمال أخرى، كبناء المخازن الجماعية "إكيدار" التي لا يمكن بناؤها إلا بشكل جماعي، وأيضا في مجال تحويل مسارات المياه لتجنيب بعض المناطق الفيضانات أو عبر حفر خزانات تجميع مياه الأمطار "إفرض" التي تصبح مياهها متاحة للاستعمال الجماعي في عدد من الأغراض، خالصا إلى أن "لكل ذلك دلالات على قدرة الإنسان الأمازيغي القروي الجبلي على ترويض الطبيعة وتسخيرها لصالحه بشكل جماعي". وفي العصر الحالي، فقد عاد مصطلح "تيويزي" مع الحركة الجمعوية التي بدأت فورتها مع بداية التسعينيات، لذلك حضر المصطلح في كثير من التمسميات؛ من بينها "تيويزي ن أدرار، تيويزي ن شتوكة آيت باها، تيويزي ن تكاديرت ن عبادو وغير ذلك، حيث بذلك تعلن عن الاشتغال بهذه الثقافة التعاونية المتأصلة في المنطقة، والتي نريد لها أن تكون نموذجا. وقد حققت هذه الجمعيات نتائج باهرة؛ منها مثلا في اشتوكة بناء الطرق، وبناء مراكز التعليم الأولي في البوادي منذ التسعينيات، والكثير منها لا يزال مشتغلا. واليوم، نرى أن الدولة تراهن على إنجاح ورش التعليم الأولي وتعميمه؛ بل أضيفت تسميته إلى وزارة التربية الوطنية في الحكومة الحالية، أي الجمعيات عبر "تيويزي" علمت على الورش قبل 20 سنة"، حسب المتحدث ذاته. وأبرز الباحث في التراث أن تجربة جائحة كورونا أعادت هذا الوعي بأهمية العمل الجماعي التضامني؛ "ففي البداية، سادت سلوكات فردانية غير عادية تجلت في التهافت على السلع، وهي ثقافة غربية تفرضها أيضا العيش في المدن الكبرى. وبعد ذلك، بدأنا نعود إلى طبيعتنا المغربية، أي المرحلة الحقيقية، متجليا ذلك في العودة إلى التضامن، فشهدنا توزيع مختلف المواد وغيرها، فمرت الأزمة دون أن نحس بثقلها؛ لأن قيم التضامن حدت بشكل كبير من حدتها، فكانت درسا بكون التضامن يمكن أن يعيد الاعتبار إلى اللحمة وإلى بناء الأنا الجمعية الموحدة بدل الأنا الفردية، وهو نوع من الإحساس بالانتماء إلى الجماعة إلى الوطن، وهي قيم كبيرة يمكن استثمارها في بناء المغرب الجديد". وفي سنة 2019، أطلقت السلطات الإقليميةبتارودانت عملية "تيويزي" بين الجماعات ال89 الموزعة على تراب الإقليم؛ وهي عملية تهدف إلى "الرقي بكل مظاهر التنمية الشاملة بالمناطق النائية والجماعات الجبلية وفي كل المجالات، خاصة منها الطرق لفك العزلة عن المواطنين وشق عدد من المسالك وتزويد الساكنة بالماء الشروب وصيانة المؤسسات التعليمية وتوزيع المساعدات على المحتاجين وعملية التعقيم وتوزيع الكمامات أثناء الحجر الصحي وتوعية الساكنة بتتبع تعليمات وزارة الصحة والداخلية بكل المداشر والأسواق وغير ذلك". الحسين ناصري، إعلامي، قال، في تصريح لهسبريس، إن "إقليمتارودانت عرف، بعد تنزيل "تيوزيزي" وسياسة الأقطاب التي أطلقهما الحسين أمزال، عامل الإقليم، مسارا تنمويا متميزا بالنظر إلى خصائص نسيجه المجتمعي والرؤية الإستراتيجية التي طبعت منهجية الفاعلين التنمويين، حيث شهدت الأقطاب الستة: إغرم، تارودانت، أولاد تايمة، سيدي موسى الحمري، تالوين، وأولاد برحيل، طفرة نوعية في كافة المجالات التنموية، تضافرت فيها جهود جميع المتدخلين، الجماعات الترابية وهيئات المجتمع المدني والقطاع الخاص والساكنة داخل المغرب وخارجه بشكل تعاوني تضامني". وأوضح الفاعل الإعلامي الحسين ناصري أن طريقة الاشتغال المعتمدة في توجهات السلطة الإقليمية تجسد المعنى الحقيقي والواقعي ل"تيويزي"؛ وذلك عبر "كون تفعيل مقاربة الأقطاب بتارودانت ترتكز على الاستعمال المشترك للوسائل المتوفرة لدى الجماعات الترابية لكل قطب، أي الاعتماد على قيم التضامن والتكافل والتعاضد عبر تجميع الإمكانيات والوسائل وترشيد استعمالها من أجل تحقيق أعمال ومشاريع مشتركة وبمساهمة جميع المتدخلين والفاعلين". وأفاد المتحدث بأن تفعيل هذه العملية "ساهم في إعطاء دفعة قوية لكل أوراش التنمية بإقليمتارودانت، الذي أضحى نموذجا في هذا الصدد ويساهم في سد الخصاص في مجموعة من برامج الجماعات الترابية ويعطي الأمل للساكنة بإقليمتارودانت للتغلب على الكثير من الإكراهات التي تعيق مسار التنمية بمناطقهم، وخلق أنشطة مدرة للدخل حسب خصوصيات كل منطقة وتثمين المنتوجات المحلية، كل ذلك، وجب الحفاظ عليه وإقراره سنة عمل لدى المسؤولين الإقليميين اللاحقين، اعتبارا لنجاح "تيويزي" في كل أبعادها بهذا الإقليم".