Strengthening education with competencies is an entry point for public school reform يعلق الكثير من المواطنين والمواطنات اليوم آمالا كبيرة على ما ستؤول اليه نتائج تنزيل النموذج التنموي الجديد الذي قدم تقريره العام السيد بنموسى إلى جلالة الملك محمد السادس (نصره الله) قبل أشهر. ولاشك أن قطاع التعليم، أو بالأحرى مشروع اصلاح منظومة التربية والتعليم لا زال يحتل المرتبة الأولى ضمن انتظارات المغاربة قاطبة، إلى جانب قطاعين رئيسيين آخرين وهما قطاعي الصحة والنقل بالإضافة إلى تنمية القدرات الشخصية للمتعلم عبر كل مراحل التعليم. غير أن واقع الحال يقول بأن العديد من الخبراء والمهتمين بقطاع التربية والتعليم سبق وأن أشاروا إلى أن عملية الإصلاح الفعلية يجب أن تبدأ من أسفل السلم لا من أعلاه أي أن لا إصلاح دون البدء بالمدرسة العمومية والتعليم الأولي، آخذين في عين الاعتبار كل المقومات المادية والمعنوية للمدرسة العمومية وكل ما له صلة بالعملية التربوية والتعليمية خلال فترات التعليم كلها خلال تلك الفترة (إن شئتم، وعلى سبيل المثال، فارجعوا إلى المقال تحت عنوان: "يا معالي الوزير المحترم: إن صلحت المدرسة العمومية، صلح التعليم كله!" لكاتبه عبد الله بن أهنية، جريدة هسبريس، 9 أبريل 2017م). ولازال الخبراء يؤكدون على ضرورة إعادة تأهيل المدرسة العمومية من خلال تحسين فضاءها الداخلي والخارجي، وكدا تحسين جوهري لجودة التعلمات وتكييفها مع احتياجات سوق الشغل، والاهتمام بالمقررات والمناهج ومراعاة رغبات الطفل وميوله. وتماشيا مع ما أكد عليه الخبراء فقد أكد النموذج التنموي الجديد بدوره على أن تأهيل المدرسة العمومية يحتاج إلى الرفع من الكفاءة البيداغوجية للمدرسين وتشجيع الانفتاح على اللغات ألأجنبية، مع العلم أن الخبراء لا يرون تقدما في هذا الشأن إلا إذا أعيدت للمعلم كرامته داخل المدرسة والمجتمع مشيرين إلى ما تحقق لسنغفورة وماليزيا وفنلندا وغيرها، على سبيل المثال، عندما أولت اهتماما بالمعلم ورفعت من قدره، ناهيك عن إرساء توجيه ناجع يعتمد على تطبيق شامل لكل معايير الجودة الشاملة المعمول بها دوليا، وذلك من أجل الرفع من فرص النجاح المدرسي الفعلي. التعليم بالكفايات ضرورة ملحة: إذا كان النموذج التنموي الجديد يولي اهتماما بالغا لمشروع اصلاح المنظومة التربوية والتعليمية الرامي إلى إحداث نهضة حقيقية لترميم وتغيير كل المراحل التربوية والتعليمية داخل المدرسة العمومية، وذلك من خلال تمكين كل متعلم من اكتساب المهارات الأساسية لضمان اندماجه الاجتماعي ودعم نجاحه الأكاديمي والمهني، فلا بد من مراعاة نموذج التعليم بالكفايات لأن ذلك من أسباب نجاح العملية التربوية والتعليمية في حد ذاتها. وبالتالي، فإن جودة التعليم رهينة بجودة التعلمات التي تقهقرت مؤخرا وتتمثل في عدم إتقان غالبية التلاميذ للمهارات الأساسية في القراءة والحساب واللغات في نهاية مسارهم الدراسي كما أشارت إلى ذلك بعض الدراسات. ولاشك أن للتعليم بالكفايات مزايا في غاية ألأهمية كونها تعتبر ركيزة أساسية في النظام التربوي المعاصر وتحتل مكانة عالية في التسلسل الهرمي للأهداف التربوية. والكفاءات الأساسية التي يحتاجها الطالب للتعامل بنجاح مع مواقف ومشاكل الحياة اليومية تؤخذ عادة من خلال قدرة الطالب على إدارة وتنظيم عملية التعلم الخاصة به بشكل مستقل. ونظرًا للدور المركزي الذي تلعبه الكفايات في تحقيق جودة التعلم وأداء الطالب داخل وخارج المدرسة، فقد أصبح التعلم المنظم ذاتيًا أو تعلم التعلم أحد التركيبات الرئيسية في التعليم، بالإضافة إلى مهارات الفهم والتعلم. وبالإضافة إلى ذلك، فإن كفاءة تعلم التعلم تشمل المواقف والقيم والمعتقدات التي تمكن الشخص من تطوير الكفاءة والمرونة والتنظيم الذاتي في التعلم في مجموعة متنوعة من الأطر السياقية. بناءً على هذه ألخصائص يمكن تعريف التعلم بالكفايات ككفاءة وصفية لأن لها تأثيرًا كبيرًا على اكتساب وتطبيق المهارات. هل سيمنح الاصلاح الجديد فرصة للطفل كي يلعب؟: إن الغريب في الأمر أن الاعتقاد أو الفهم الخاطئ لعملية التعلم وكذلك السلوك عند الطفل والتي مفادها أنه يجب أن يكون دوما تحت الرقابة ودون إعطاءه حرية التحرك بمفرده، لا زال البعض يتمسك بها رغم أن نظريات التعليم الحديث قد أبانت عن عكس ذلك. ولازالت تلك الفكرة سائدة، بل وتستحوذ على عقول الكثير، حتى عند بعض من يمارسون مهنة التعليم أنفسهم. وعلى العكس من ذلك وكما قلنا، فإن النظريات التربوية والتعليمية الحديثة ترى ما يخلف ذلك إذ أن التربية تغيير وتقويم في السلوك، ولذلك يجب أن تعطى للطفل فترات كافية للعب والمرح يفرغ من خلالها طاقته، ويفجر خلالها قدراته الابداعية والابتكارية العفوية. فالغاية من التعليم هي صقل مواهب الطفل وليس تقييدها، أو حشر الطفل بين جذران الحجرة الدراسية لساعات طويلة تولد الرتابة وتبعث بالقلق المسمر مما ينفر الطفل من المدرسة نفسها ويزيد من مشكلة الهدر المدرسي. ولهذا السبب، نرى اليوم بأن النظريات الحديثة بدأت تعنى بحرية المتعلم وعفويته وميوله الشخصي، كما بدأ مفهوم النظرية التربوية بالتركيز وبشكل غير ذي قبل على إعداد الفرد وتأهيله من ناحية البنية العقلية والفكرية ومن الناحية الجسدية أيضاً كي يكون فرداً نافعاً، فبدأ هذا النهج يطبّق على أرض الواقع بطريقة تتيح له فرص "الاستمتاع بالحياة" واستغلال البيئة المحيطة به والاهتمام بالتربية الجمالية والبدنية والسلوك. لذا، من الواجب اليوم أن تفرد أوقات كافية للعب وبحرية لكافة الأطفال مع مراعاة شروط السلامة ومتطلبات ذوي الاحتياجات الخاصة. ولعل الكثير سيتفق معنا بأن المنطق يستوجب إصلاح المدرسة أولا، فلماذا إذاً؟ أليس التلميذ هو نتاج المدرسة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلا يمكن لمدرسة متخبطة في مشاكل لا تحصى ولا تعد أن تًخرِّج عقولا وأدمغة قادرة على السير قدماً نحو البحث العلمي والمعرفي لاحقا، بل يمكن القول بأن المجتمع نفسه هو مرآة المدرسة، فهو الذي يعكس رغبة المدرسة في ترسيخ مفهوم التحصيل المعرفي الصحيح بين أفراده. كما أنه من المفترض أن المدرسة هي التي تزرع تلك الرغبة في نفوس الأشخاص ومنذ الصغر. ولذلك يرى علماء التربية بأن أحسن وأنجع استثمار هو الاستثمار في التعليم الابتدائي والأساسي، وهناك العديد من الأمثلة عن البلدان التي سلكت ذلك النهج. ومن ثمة، علينا نحن كبلدان نامية أن نركز أولاَ على إصلاح المدرسة العمومية لأنها هي القاعدة الأساسية لأي مشروع يتعلق بالبحث أو الابتكار. فهل مدارسنا العمومية في المستوى المطلوب وجاهزة لتلبية رغبات التلاميذ؟ وهل هي مصممة ومجهزة بقاعات رياضية وساحات للعب وفصول وحدائق جذابة تفتح النفس؟ إن تسابق الأمم في ميادين المعرفة، واستثمارها الأموال الطائلة وتسخيرها في بناء منظومتها الخاصة من المعرفة والتقنية، والتنافس والتباري في الإنجازات العلمية الحديثة وخلق جوائز محلية وعالمية للمتفوقين في ذلك، لخير دليل على ادراكها لمكانة المدرسة العمومية وأهمية التعليم الأولي. كي لا يتقهقر مستوى القراءة والكتابة واللغة العربية لدى الأطفال: إن الوضع الكارثي الذي وصل إليه مستوى التلاميذ في بعض المدارس العمومية (وحتى الخاصة) لأمر محير فعلا! فمن جهة نجد المدارس تعج بالمقررات والكتب الثقيلة الوزن دون فائدة وحصيلة مشهودة؛ ومن جهة أخرى نجد مديري المدارس في شكوى دائمة وتدمر من المدرسين الذين بحت حناجرهم بحتا عن الادماج في الوظيفة العمومية، وهم يحاولون التوفيق بين مهامهم ومدى سهرهم على أمور التدريس، ومسايرة الظروف المعيشية والظروف النفسية الصعبة في آن واحد. وهنا وفي مثل هذه الظروف، نطرح السؤال المتكرر على ألسنة العامة والخاصة من المواطنين والمواطنات ألا وهو: "من أين نبدأ الإصلاح يا ترى؟". لابد من إعادة النظر في مستوى التلاميذ فيما يخص القراءة والكتابة وكذلك مستوى اللغة العربية (كونها الأقرب إليهم) لذى الكثير من التلاميذ ناهيك عن مستواهم في اللغة الفرنسية. ولا حل لهذه المعضلة سوى بإسناد مهمة الإصلاح إلى ذوي الخبرة والتخصص وإصلاح المدرسة العمومية على أسس سليمة مراعين في ذلك كافة معايير الجودة الشاملة وفي كل المراحل. هذا وإن تزامن تنزيل هذا المشروع وفي هذا الوقت بالذات لخير دليل على إدراك المغرب وكما هو الحال في معظم الأمم للحقيقة الدامغة ألا وهي أنه لا سبيل للتقدم والنمو والازدهار إلا من خلال بوابة التقدم في التعليم الابتدائي والأساسي وتيسير طريقه للأجيال الحالية والقادمة. وهكذا بدأت الأمم تدرك بأن تفاخرها بثرواتها الطبيعية ما هو إلا شيء عارض وأن الاستمرارية والبقاء للأقوى أي للمتقدم في ميادين العلم والمعرفة والتقنية، دون الحياد عن ثوابت الأمة وتشبث أبناءها وبناتها بوطنيتهم ومبادئهم ودينهم وعقيدتهم وعاداتهم وتقاليدهم وموروثهم اللغوي والثقافي. "أكعاون ربي" والله ولي التوفيق،،،