بالنظر لما تعيشه العلاقات المغربية الجزائرية من توتر على أكثر من مستوى، وبالنظر إلى الممارسات التي تقترفها الجزائر أضحى من الحكمة الصمت وعدم التعليق على كل قرار جزائري باعتباره أفضل جواب. لكن أحيانا وفي قراءة أفقية لكل القرارات الأخيرة التي اتخذتها الجزائر تظهر ضرورة ما لإبراز هفوات وأخطاء القيادة الجزائرية وخاصة العسكرية منها والتي تستحق تحليلا مفصلا في مقال منفصل. للاقتصار على أهم الأحداث، من قبيل إقفال معبر الكركرات من طرف مليشيات البوليساريو، إغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات المغربية، والحادث الإرهابي الذي ذهب ضحيته سائقان مغربيان بمالي. ودعوة الجزائر في السابع من أكتوبر 2021 إلى انسحاب القوات المغربية من منطقة الكركرات. لوضع تلك الأحداث في سياقها العام وجب التذكير بعدد من المحطات: لضرب التبادل التجاري للمغرب مع دول القارة، قامت الجزائر بعدة محاولات نذكر بعضا منها. حتى لا ننسى فإن الجزائر حاولت في 2018 فتح وإنجاح معبر حدودي بين تندوف (الجزائر) وشوم بموريتانيا بكلفة 8,5 مليون يورو فقط لضرب معبر الكركرات. لكن المشروع فشل والمعبر أنجز بالفعل لكنه غير مشغل وليست له أي نجاعة اقتصادية باعتبار البعد والانعزال عكس معبر الكركرات والطريق الساحلية اللذين يضمنان سلاسة في التنقل تصل إلى أوروبا خاصة بالنسبة للمتعاملين الموريتانيين والماليين والسنيغاليين. لفشل هذه المحاولة ستنتقل الجزائر إلى مستوى آخر للإضرار بمعبر الكركرات. كما أقرت الجزائر في غشت 2020 قانونا جديدا لتجارة المقايضة فقط، بغرض إحياء التبادل التجاري مع ماليوالنيجر للحد من تبادل هذه الدول مع المغرب وللإضرار بالعلاقات التجارية النشيطة بين المغرب وهذه الدول. كما تلا ذلك، فتح الحدود البرية الجزائرية مع النيجر في يوليوز 2021 مقابل التزام الجزائر بالقيام باستثمارات مهمة والتكفل بالوضع الاجتماعي للمناطق الحدودية النيجيرية. ولحد الساعة يصعب تقييم مدى نجاح هذه القرارات وإن كانت الكلفة مرتفعة. وفي المقابل استمرت المبادلات التجارية المغربية المالية النيجيرية خاصة عبر المحاور الطرقية. على مستوى النقل الجوي، يجب التذكير بالاتهامات التي أطلقها عبد القادر مساهل، وزير الخارجية الجزائري السابق، في الجامعة الصيفية لمنتدى رؤساء المؤسسات ضد الخطوط الملكية المغربية، معتبرا أن الشركة الناجحة إفريقيا تعمل على نقل المخدرات؛ كل ذلك بغرض التشهير بالشركة وضرب مصالح المغرب وهو ما حدا بالشركة إلى رفع شكوى بدعوى "التشهير" إلى محكمة باريس العليا. واستمرت الشركة في الاتساع إفريقيا لتنظم 155 رحلة أسبوعيا. بل واتضح من خلال فضيحة أكتوبر 2021 الأخيرة، أن الخطوط الجزائرية متورطة في نقل الكوكايين بعد تحقيقات الأمن الفرنسي إضافة إلى كونها على حافة الإفلاس بعد طلب الشركة المساعدة من الدولة في شتنبر الماضي. بعد فشل كل المحاولات انتقل عسكر الجزائر إلى مستوى الإضرار بالعلاقات التجارية المغربية الإفريقية والحد منها، باستخدام مليشيات البوليساريو المسلحة عسكريا والمسلّحة بدروع بشرية من النساء والأطفال، قصد التشهير بتدخل المغرب ضد "مدنيين"، لكن التدخل الاحترافي العالي للقوات المسلحة المغربية أبان عن قصور في التقدير والتخطيط وعن حجم خطأ القيادات العسكرية بفقدان الجزائر وصنيعتها البوليساريو الى الأبد هذا المحور من المعادلة العسكرية مع المغرب. كما أضر قطع الطريق بالمصالح الحيوية التجارية لموريتانيا وأبانت عمليات النهب والسطو والترهيب التي مارستها المليشيات في حق السائقين، عن الصورة الحقيقية لجبهة البوليساريو كجماعات لصوصية وقطاع طرق أكثر منها حركة انفصالية. كما أكدت واقعة الكراكرات عن حجم استغلال الجزائر للجبهة ولقضية المحتجزين الصحراويين في ضربها لمصالح المغرب. المحطة الثانية من خلال إغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الشركات المدنية والعسكرية المغربية. فإذا يمكن أن نتفهم الإغلاق أمام طائرات عسكرية فلماذا الطائرات المدنية؟ الغرض دائما هو نفسه محاصرة المغرب وضرب المصالح الاقتصادية من خلال شركة الخطوط الملكية المغربية. لكن ذلك لن يؤثر على الشركة التي تتسع بالقارة وتنظم 155 رحلة أسبوعيا، من مختلف دول القارة وبالتالي فإغلاق المجال الجوي لن يؤثر فعليا إلا على 15 رحلة فقط أسبوعيا خاصة تلك التي تعتبر الجزائر والمتواجدة أصلا بالمشرق العربي وبعضها بشرق القارة؛ بينما يمكن ضمان التنقل الجوي باتجاه غرب ووسط إفريقيا على طول السواحل المغربية الأطلسية وإذا كان هذا القرار منتظرا من الجارة الشرقية عقب حصار قطر بالخليج فإنه بالنسبة للمغرب، وبالنظر لمساحته وانفتاحه على واجهتين بحريتين فإن الأضرار المادية التي يمكن أن تلحق بالشركة غير كبيرة، مما يحيل مرة أخرى إلى ضعف التقدير الجزائري. المحطة الأخيرة بتاريخ 12 شتنبر، مع مقتل سائقي شاحنات مغربية تنقل مواد غذائية سمكية من الداخلة وأدوية، وذلك في حادث إرهابي بمالي بالطريق الوطنية المالية رقم 3 بمنطقة ديديني. العملية، وبحسب وكالات الأنباء الدولية تمت من طرف "مهاجمين مقنعين يرتدون واقيات من الرصاص، ولديهم أجهزة اتصال لاسلكي، كما أنهم لم يقوموا بسرقة أية أغراض"، إذ لاذوا بالفرار مباشرة بعد ارتكاب جرمهم. وهو ما يضع هذا الحادث في سياق استهداف المصالح المغربية بإفريقيا. هذا العمل الإرهابي لا يمكن أن يمر مرور الكرام ودون وضعه في إطاره العام. ففي العادة، أي جماعة إرهابية تعلن تبنيها للعمليات الإرهابية وهو ما لم يحدث في حادثة 12 شتنبر. كما أعقبها إعلان فرنسا في 16 شتنبر، مقتل الإرهابي "عدنان أبو وليد الصحراوي"، الذي هو من جهة زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، ومن جهة أخرى عضو في البوليساريو وهو ما يطرح أكثر من تساؤل حول طبيعة الحادث وأهدافه التي تتماشى مع سياسة الجزائر لضرب مصالح المغرب بإفريقيا. هذه الأحداث المتتالية تبرز بوضوح أهداف السياسة الجزائرية التخريبية والتي لا تنحصر في المساس بوحدة المغرب فحسب، بل ضرب المصالح الحيوية للمملكة باستخدام البوليساريو وحتى التواطؤ مع الجماعات الإرهابية. وهي سياسة تخريبية لا تحاول تقوية تنافسية الاقتصاد الجزائري بالقارة بقدر ما تعمل على استهداف المصالح الحيوية المغربية في إفريقيا. ومن المحتمل جدا أن تتوالى مثل هذه القرارات والأحداث مستقبلا. مقابل ذلك، يمكن للمغرب الاستثمار في الخطوط البحرية مع غرب إفريقيا وفي تنويع وسائل الربط التجاري والاقتصادي والمالي مع دول القارة. بعد هذا المسار، تأتي الجزائر لتطلب سحب القوات المغربية من الكركرات تحت ذريعة تسهيل البحث عن تسوية للنزاع في الصحراء المغربية، وذلك بعد تعيين ستيفان دي ميستورا مبعوثا جديدا للصحراء الغربية. بينما الجزائر تعتبر نفسها غير معنية بالصراع!!!!؛ وهذا ما يؤكد كثرة الأخطاء وتخبط القيادة العسكرية الجزائرية التي لا تمنح لوزير مخضرم مثل لعمامرة البت في السياسة الخارجية. فإذا كانت تعتبر نفسها غير معنية فبأي صفة تتدخل؟ ولماذا تطلب الآن سحب القوات المغربية من المعبر؟ إذ كان من الأجدى أن تطلب صنيعتها البوليساريو ذلك؛ والذين ظهروا كقطاع طرق ولهم ارتباطات مع الحركات الارهابية؛ كل هذا يؤكد فداحة الخطأ الاستراتيجي المرتكب في أكتوبر 2020، ويظهر بالملموس أن طلبها هذا هروب للأمام لعرقلة مفاوضات التسوية السياسية التي نادت بها الأممالمتحدة في مختلف التقارير والتي أكدت على ضرورة انخراط الجزائر فيها. كما تؤكد أن الجزائر بطلبها هذا تنوب عن البوليساريو وتعتبر نفسها طرفا معنيا بالصراع ولا يمكنها بعد ذلك التواري وراء صفة ملاحظ بل طرف مباشر في القضية، وأخيرا تكشف عن نواها الحقيقية كدولة معادية تعمل على ضرب المصالح الحيوية للمغرب بإفريقيا، باستعمال ورقة مرتزقة البوليساريو ولما لا التواطؤ مع الإرهابين وقطاع الطرق؛ كل ذلك مقابل اليد الممدودة ودعوة المغرب لها لطي الخلاف وفتح آفاق التعاون.