الولايات المتحدةالأمريكية،إلى جانب كبار حلفائها الأوروبيين،في حيص بيص من الموقف الدقيق والصائب الذي ينبغي اتخاذه ضد بربرية نظام الأسد.مشروع الإطاحة به،كما تُدُول كثيرا بداية الثورة،لم يعد حاليا رائجا نظرا لتشابك وتعقد مخارج الأزمة السورية.لذلك، اتجهت بوصلة تحرك"الضمير" الإنساني وأخلاقيات "الفكر السياسي الغربي"،نحو الضربة من عدمها؟التي لن تستعيد حسب الإدارة الأمريكية وخبرائها، الكابوس العراقي والأفغاني، بل، لا تتوخى خاصة إسقاط بشار !،لكن مجرد ردعه وتقطيع جناحيه،بهدف خلق معادلات جديدة على أرض المعركة تأرجح الكفة لصالح المعارضة،يضطر معها النظام، كي يتوجه إلى مؤتمر جنيف الثاني والجلوس على طاولة المفاوضات. صحيح، أن الحرب امتداد للسياسة، لكننا نلاحظ هنا قناعة مستجدة بالنسبة للتفكير الحربي الأمريكي،ارتباطا على الأقل، بمختلف الحروب وقائمة الاجتياح الطويلة التي أقدم عليها الأمريكيون بعد الحرب العالمية الثانية. لن يكون، الهجوم على سوريا، اجتثاثا أو إنهاء لمرحلة سيئة جدا ،لكن فقط "نزهة" و مناورة عابرة بغية تفعيل سيناريو يضمن حدودا آمنة لإسرائيل،ويبتلع بشكل من الأشكال التنظيمات الجهادية، في طليعتها جبهة النصرة،التي هيمنت كذلك منذ شهور وبكيفية من الكيفيات على ساحة المعركة. بالتأكيد، كل خيار أصعب من الثاني. إذا تراجع الأمريكيون عن تنفيذ الضربة الموعودة،مثَّل ذلك لا محالة ،انتصارا معنويا كبيرا لبشار وأمثاله، سيشجع باقي الأنظمة "المارقة" كي تتمادى في اندفاعها وتحديها. أما،إذا التزمت واشنطن بقرارها،وأسقطت أمطارا غزيرة من صواريخ "توماهاوك" على المقومات العسكرية واللوجيستيكية،لنظام دمشق،فإن مفعول العقدة العراقية لازال في أوج توهجه،عبر التلويح بحفرة النار التي يستشرفها فراغ الدولة. لكن،كنتيجة أولى احتلال الجهاديين لمعطيات المشهد، فأوباما سيقاتل مباشرة أم غير مباشرة،إلى جانب القاعدة. هو مكر التاريخ،حيث الشبح الذي خلقته واشنطن،كي تخنق به باقي العالم،صار الآن بقضه وقضيضه،معادلة صعبة بخصوص تمطيط أبعاد السياسة الدولية. أما الشعب الأمريكي،العاشق للحياة ومتعها، المشهور بسذاجته، أو بالأحرى لامبالاته حيال مايجري خارج حدود بلاده، فيظهر أنه قد أتعبه مستنقع العالم العربي،رافضا بالتالي حسب استطلاع للرأي،التضحية من جديد بأبنائه وثرواته وأمنه الداخلي،لأن ديكتاتورا عربيا آخر أبله،خطرت له فكرة، التسلية بتحطيم بلده ومحوها من الخريطة الأرضية،بسبب كلمة تدعى الديمقراطية،كانت ولازالت عند العرب منزلقا نحو عوالم هلامية ،وخيوط بيضاء باهتة تشع من منارة بحرية توجد في فج عميق، وسط لج الليل ،أو نظرية عويصة من نظريات الخيال العلمي،لا يفكك إحداثياتها، إلا فريق ضيق جدا من أهل الحل والعقد. أقول، هاته الديمقراطية لم تعد تجسد لدى الأمريكي العادي والأوروبي،غير حدوثة يومية في نفس مقام الحاجة إلى تناول طعامه و احتساء مشروب بعد الظهيرة و الاستمتاع بمشاهدة فيلم. الديمقراطية بلوازمها،حس بيولوجي طبيعي قبل كونها حقا ثقافيا.لذلك،حين سماعه أن فريقا من العالم المعاصر،لازالت فئاته تخوض حربا ضروسا، لا ينزاح سببها عن علل المعارك القبائل الهمجية قديما،لأن الحاكم يريد الاحتفاظ لنفسه مطلقا بمصادر الوفرة المتعلقة بالكلأ والعشب والنساء،سيعتقد حقا،أن هذا العالم العربي،جماعة قبلية بدائية تنتمي إلى أدغال إفريقيا،حيث المسيطرون ينهشون افتراسا أجساد المسيطرعليهم،ويطفئون ظمأهم بدمائهم. ليست الصورة مبالغة،فالمواطن الأمريكي لم يأبه مطلقا بشيء اسمه الشرق الأوسط،قبل هجمة 11 شتنبر2001 .لذلك، عندما اقتُحم في عقر داره،تساءل مفزوعا ماذا حدث؟ ماذا وقع؟.الصورة الممكنة،التي استمر المخيال الأمريكي في تمثلها عن العربي،تشير إلى رجل ثخين جدا،بملامح بدوية خشنة تشع غباء، يترجل ناقة بحقائب ممتلئة أموالا،أمام نوادي القمار في "لاس فيغاس"،ولسان حاله لايتوقف عن ترديد ملتمس : "وينْ الشقراوات؟؟".غير أن،حادثة مانهاتن شكلت صفعة للأمريكي ،الذي انتبه أخيرا إلى قذارة صنيع إدارة بلاده في المنطقة العربية،فتوضح له تعقد مشكلاتها العقائدية والسياسية والاجتماعية والجغرافية والاثنية،لأن أجداده البريطانيون وأبناء عمومتهم من الفرنسيين،قبل إنهاء استعمارهم العسكري للمنطقة وبغية الإبقاء على ولاءات دائمة تكفل مصالحهم الاستعمارية، أثثوها عمدا، بقنابل موقوتة تأتي على الأخضر واليابس مع أدنى شرارة،في طليعة ذلك، طبيعة ونوعية الحكم المنتمي إلى الأشكال المتخلفة لما قبل الدولة الوطنية(عائلي،عشائري،وراثي، سلالي، طائفي…). لاأحد يشك،بأن الولاياتالمتحدةالأمريكية،كرست بالجاه والنفيس تلك الأنظمة ودعمتها بالقواعد العسكرية والاستخبارات،فأغمضت عينيها لعقود طويلة،عن البربرية التي كانت تدير بها شؤون شعوبها.السبب،مصالح واشنطن الاقتصادية والجيواستراتجية،إبان الحرب الباردة، واحتمال المجابهة مع المعسكر الشرقي، ثم خاصة إسرائيل،الطفل المدلل . لكن،بعد الأزمة العراقية فترة صدام حسين ومختلف انعكاساتها السلبية،إضافة إلى السياق المستجد المتمثل في عدمية الأصولية المتطرفة،التي هي نتاج لفترات اعتناء الولاياتالمتحدةالأمريكية، بالديكتاتوريات العربية بتجفيفها لمنابع الفكر المدني،وبداية اكتواء الغرب عموما بشرور ما زرعته سياسته،انطلقت وقتها دعوة واشنطن قبل الربيع العربي بسنوات،إلى تبني شرق أوسط جديد،عبر حتمية تبني النظم العربية الاستبدادية لمشاريع إصلاحية،وتنقية الأجواء المجتمعية بإفساح المجال للقوى المعارضة كي تساهم في دواليب الحكم.لم تعد أمريكا وفق سياق العولمة،تتحمل الديكتاتوريات في ثوبها العتيق،بل، تفضلها بقفازات حريرية،قادرة على تفعيل لعبة ديمقراطية مقننة طبعا ،تسمح لشعوبها كي تتنفس نسبيا داخل ديارها،وإمكانية العثور على مجال للتفريغ،كي لا يفقدهم الكبت إنسانيتهم كما حدث سابقا، فيصبحوا كائنات ذهانية،تهدد تحضر وتمدن النظام الغربي. إذن،هانحن مرة أخرى،نتوسل أمريكا كي تبتر من جسمنا ورما سرطانيا،استفحل وتغول طيلة عقود طويلة، من التقطيع الكلي لأوصال فكر الأنوار،حيث سيتبدى المشهد على المنوال التالي: بين الفينة والثانية، ستضطر أمريكا إلى التهام أحد صنائعها بكيفية أو بأخرى، حين تمرد عن الإطار المسموح له به، وأحييا القصة المعروفة ب "فرانكشتاين". أما،مايتعلق بنا كشعوب عربية،فقد أجبرنا في واضحة النهار مع كل مناسبة من هذا القبيل، على ارتكاب خطيئة ما يعرف بزنا المحارم، مادام جزء آخر من كياننا، المتمثل حاليا في العمق السوري بكل عبقه وزخمه، سيتم الفتك به جماعيا إلى غير رجعة. بالأمس العراق،وآنيا سوريا وغدا مصر والسودان و حتى السعودية، خريطة الطريق جاهزة لدى الدوائر الكبرى منذ مدة طويلة،فقط زمان ومكان التنفيذ،ملقيان على أكتاف الغباء الرسمي. إما، يبقى في غيه، متحصنا بملاحم ورقية تنحدر من عام الفيل حيث القائم لديه أهم ماعرفته البشرية من رخاء وازدهار و… و… و !! بالتالي، استمراره قصدا في تفعيل مخطط تخريب الوطن العربي،والحبل على الجرار.أو توقيف عجلة السلسلة،باستلهام الحصن الحصين، المتمثل في شجاعة الانتقال بالعالم العربي، إلى العهد الديمقراطي. هل كان العراق بكل ثروته البشرية والعقلية سينتهي إلى جثة نتنة تتعفن كل يوم،لو تخلص صدام حسين من البذلة العسكرية،وارتدى عباءة الحكمة؟هل كان قدر بشار،التحول إلى مجرم مطلوب دوليا،فيستدرج سوريا الجميلة هكذا ظلما نحو مقبرة جماعية،لو تحلى بتواضع القادة الكبار،متخليا عن صفة كونه إلها سماويا و نبيا مبعوثا،وحسب نفسه بشرا كباقي البشر، فاستجاب لنداء الشعب السوري،الذي التمس فقط حقا بسيطا؟أن يحس بالانتماء إلى وطنه.