حينما حل الربيع العربي استبشرت شعوبه بنسيم الديمقراطية التي حلت في محيطه، وبدأ الأمل يستشري في عروق الأمة العربية، وهبّت رياح التغيير في كل أرجائها حيث استبشر الناس خيرا بالقضاء على التخلف وأصبحت رؤوس الديكتاتورية تتساقط تساقط أوراق الخريف.. لكن ما إن حل الربيع العربي الثاني، حتى ظهرت "فيروسات" لوثت طبيعة الربيع العربي وحولت فصل الصيف إلى حمام دم لا زال يتدفق إلى اليوم، وتبين أن قادة العسكر في العالم العربي يخدمون أجندات خارجية ولا يخدمون الدفاع عن أوطانهم. وهنا لابد من التذكير بانقلاب الصخيرات في 1971 والانقلاب العسكري ضد الطائرة الملكية في 16 غشت 1972 عندما كان الحسن الثاني عائدا من فرنسا، وهما الانقلابان اللذان يمثلان عدوانا صارخا على الشرعية والمشروعية الممثلتين في المؤسسة الملكية. وحينما هب قادة الجيش في الجزائر لاغتصاب بوادر الديمقراطية التي ظهرت هناك وائل التسعينات اعتقد العالم أنها عملية عابرة، لكن ما حصل في غشت 2013 في مصر أكد أن بعض قواد العسكر لا يخدمون شعوبهم ولا يحكمون وطنهم بل هم نار أتت على الأخضر واليابس وجعلت الديمقراطية مثل الفتاة الموؤدة التي كانت تدفن حية في عصر الجاهلية. وكنا ننتظر من أوروبا وأمريكا وآسيا أن تهب لمحاربة هذا الاستبداد الذي أتى ليدنس الديمقراطية ويغتصبها في مهدها. وكنا ننتظر من العالم المدافع عن الديمقراطية أن يتخذ مواقف إيجابية مثل استدعاء السفراء المعتمدين في مصر ورفع مذكرات أمام المحاكم الجنائية الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب ومرتكبي جرائم الإبادة ضد الإنسانية، لكن مع الأسف لا حياة لمن تنادي. إن العالم اليوم في صمت رهيب أمام رياح الشيطان التي طمست بطغيانها وجه الخير واقتلعت الفضيلة من جذورها وأصبح العالم بلا أخلاق. أين هو المنتظم الدولي؟ وأين هي المنظمات الدولية؟ وأين هو مجلس الأمن؟ هذه هي الأسئلة الراهنة في ظل ما يحدث اليوم في كل من مصر وسوريا وبقاع أخرى من العالم. إن ما وقع مؤخرا في سوريا باستخدام الأسلحة الكيماوية وقتل الأطفال والنساء والشيوخ يطرح السؤال التالي: من هو المسئول؟ هل الثوار؟ أم النظام؟ أم الدول التي مكنته من الأسلحة الفتاكة التي تفتك بالبشر والشجر والحجر وتهدف إلى القضاء على الحياة؟ مؤامرة الصمت ليست وليدة اليوم، فقد امتدت منذ ثورة المليون شهيد في الجزائر التي أبادها العسكر الفرنسي وكررها قادة العسكر في الجزائر سنة 1992 حينما أحدثوا انقلابا على الشرعية الانتخابية التي أفرزتها صناديق الاقتراع لصالح جبهة الإنقاذ الإسلامية مما أدى إلى الحرب الأهلية الدموية التي دامت أكثر من عشر سنوات وسقط فيها مئة وخمسون ألف قتيل وما لا يعد من الجرحى والمعوقين. وهذا المشهد يتكرر اليوم بعد الانتخابات التشريعية في مصر حيث أحدث التدخل العسكري غير المشروع اغتصابا للديمقراطية بذرائع لا يمكن أن تحل محل صناديق الاقتراع التي تخول للشعب حق اختيار حكامه بمقتضى النصوص الدستورية التي هي أسمى قانون في البلاد. إن الحق والقانون والشرعية تقتضي من المنتظم الدولي التدخل لإنقاذ الإنسان والديمقراطية من الدمار والشرور. إن الانقلابات العسكرية في كل البلدان لم تؤد إلا إلى الاستبداد والهيمنة والتخلف الاقتصادي والاجتماعي، وإن الشرعية الديمقراطية الخارجة من صناديق الاقتراع التي ارتضاها الناخبون نظاما للحكم تعلو ولا يعلى عليها. وكما قال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق وينستون تشرشيل: (الديموقراطية هي أفضل الأنظمة، لأنها أقل الأنظمة سوءا). *الأمين العام لحزب الإتحاد المغربي للديمقراطية