في هذا اليوم قبل 50 سنة، انتصب القسّ الأمريكي ذو البشرة السمراء مارتن لوثر كينج، إلى جانب نصب لنكولن التذكاري، أمام أزيد من 250 ألف أمريكي احتشدوا في "ناشيونال مول" وسط واشنطن، مُرددين شعار "المساواة الآن" و"سننتصر"، ليصدح في خطابه الشهير: "لديّ حلم" I Have a dream، وهو الشعار الذي رافق معركة الأميركيين السود للاعتراف بحقوقهم، وفتحت بعدها أبواب الحريات المدنية ببلاد الأمريكان التي كانت مؤصدة بقوة. وقبل أيام من هذه السنة، خرج عشرات الآلاف من الأميركيين، معظمهم من السود، قبالة تمثال الرئيس السابق أبراهام لينكولن وسط واشنطن، للاحتفال بالذكرى ال50 للخطاب التاريخي للوثر كينغ، حيث رفعوا شعارات تدعو إلى استكمال حلم مارتن، وإنهاء التجريم على أساس الأصول والملامح، فيما ينتظر أن تقرع، اليوم الأربعاء، أجراس الكنائس في أنحاء الولاياتالمتحدة، في اللحظة التي سيقوم بها، أول رئيس أمريكي أسود، باراك أوباما، بإلقاء خطاب بالمناسبة ومن المكان ذاته. وبرز اسم مارتن لوثر كينغ، الذي اغتيل 5 سنوات بعد خطابه الشهير وعن عمر ناهز 39 سنة، كزعيم أمريكي من أصول إفريقية، يمارس أنشطته كقس وناشط سياسي حقوقي، حيث ظل يطالب بإنهاء التمييز العنصري ضد الأمريكان السود، ووضع بصمته كأشهر الدعاة السلميين إلى إقرار الحقوق المدنية للأفارقة والأقليات المستقرة ببلاد العام سام؛ لتكلل مسيرته النضالية بحصوله عام 1964 على جائزة نوبل للسلام، وكان أصغر من يحوز عليها. شرارات ثورة "السود" بأمريكا.. في الوقت الذي كانت تعيش فيه أمريكا حربا تمييزية وعنصرية تجعل من البيض أسيادا والسُّود عبيدا، وكانت تظهر تمثلات تلك الحرب في تشديد الخناق على بني جلدة لوتر كينغ وإذلالهم، إلا أن أصواتا كانت تظهر بين الفينة والأخرى تعلن تحدّيها لتلك السياسة البدائية، كما حدث في دجنبر 1955، مع روزا باركس، السيدة السمراء، التي رفضت التخلي عن مقعدها لراكب أبيض، فما كان من السائق إلا أن استدعى رجال الشرطة الذين ألقوا القبض عليها بتهمة "مخالفة".. حادث روزا باركس، أشعل في مارتن نار الرغبة في الانتصار لبني جلدته والقضاء على عرف التمييز العنصري الذي كان يسيطر على الرجل الأمريكي حينها؛ إلا أن القس الأسمر اختار نهج المقاومة السلمية، في مقابل بعض التوجهات العنيفة المسلحة التي كانت تظهر بين الفينة والأخرى كردّ فعل، ليطلق على إثر ذلك حملة واسعة نادى من خلالها بمقاطعة شركة الحافلات امتدت عاما كاملا، مما أثر على مداخيلها، إذ كان الأفارقة يمثلون غالبية من يركوبن خطوطها بمنطقة "مونتي كومري".. كسب الجولات الأولى من معركة الحريات.. اعتقل مارتن لوتر كينغ، رفقة بعض زملاءه من النشطاء الحقوقيين، بتهمة "إعاقة العمل دون سبب قانوني" بسبب مقاطعة الحافلات. وقامت على إثر ذلك 4 من النساء من ذوي أصول افريقية بتقديم طلب إلى المحكمة الاتحادية لإلغاء التفرقة في الحافلات، ليصدر حينها الحكم التاريخي، الذي انتصر لرفاق كينغ، القاضي بإلغاء عدم قانونية التفرقة العنصرية في وسائل النقل.. النتيجة كانت إنهاء المقاطعة والإفراج عن مارتن لوتر كينغ، وكسب أولى جولات المقاومة السلمية ضد التمييز العنصري.. توالت حلقات مسلسل التضييق على حريات السود بأمريكا، في فترة حكم جون كيندي، من اعتقال للنشطاء وإحراق منازلهم وأماكن عباداتهم، لتختار حكومته حينذاك قمع المظاهرات السلمية التي كان يتزعمها لوتر كينغ لتعبئة الشعور الاجتماعي، وهو القرار الذي رفضه كينغ وتحداه بتنظيم مسيرة ضخمة في مدينة "برمنكهام"، وبعدها مسيرة تقدمها آلاف الأطفال، إلا أن قوات الأمن اختارت إرسال كلابها الشرسة لتنهش لحوم الأطفال وتنتشر فضيحة جون كيندي في وسائل الإعلام الدولية، معلنة عن دخول أمريكا في أزمة سياسية ساهمت في تأجيج شعور السّود باقتراب موعد انعتاقهم من ربقة العبودية.. 1963.. مارتن لوتر كينغ: "لدي حلم" في 28 غشت 1963، شارك قرابة 250 ألف شخص، منهم 60 ألفا من البيض، في مسيرة اتجهت صوب نصب الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن ال16 التذكاري وسط واشنطن، اعتبرت أكبر مظاهرة في تاريخ الحقوق المدنية، قبل أن يعتلي لوثر كينغ، 34 سنة حينها، المنصة ويخاطب الجموع المحتشدة بخطبته "لدي حلم" I have a dream " ، التي اختيرت من أهم 100 خطاب في القرن الماضي. "لدي حلم بأن يوم من الأيام أطفالي الأربعة سيعيشون في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم، ولكن بما تنطوي عليه أخلاقهم"، "لدي حلم، هو أن تنهض هذه الأمة في أحد الأيام وتنصرف إلى العيش بمبادئها.. إنها حقائق نتمسك بها وتؤكد أن الناس يولدون متساوين".. عبارات من ضمن أخرى أطلقها مارتن، بعد أن خرج على النص المكتوب في خطبته..التي باتت مرجعا تاريخا في مجال حقوق الإنسان على مدى الأزمان. أوباما يحقق حلم مارتن لوتر يرى المتتبعون أن حلم مارتن قد تحقق بعد فوز باراك أوباما، الرئيس ال44 للولايات المتحدة، بالانتخابات الرئاسية لعام 2009، والذي يعد أول رجل من أصول افريقية يصل إلى سدة الحكم في بلاد العم سام، بعد مسار طويل من المعارك السلمية والعنيفة بين سياسة تمييزية مارستها السلطة السياسية لعقود من القرن الماضي، وبين أقليات ذات أصول افريقية رفضت الخضوع لمنطق العبودية في بلاد الحريات، وهي الأقليات التي استطاعت أن تنتصر سلميا بعد أزيد من 100 سنة من المعاناة، بعد أن برز من داخلها زعماء أشداء نافحوا عن حريتهم، من أمثال مالكوم إكس وهيوي نيوتن وروزا باركس..