يرى أحمد بوز، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن مشاركة حزب التجمع الوطني للاحرار في النسخة الثانية من الحكومة سيكون لها تأثير سلبي عليه وعلى الحزب الذي يقودها، متسائلا، في هذا الحوار مع هسبرس، عن نظرة المغاربة ل"الحزب الإسلامي"، وهم يتابعون كيف أصبح "سمنا على عسل" مع نفس الهيأة السياسية التي كان حتى وقت قريب يدعوهم للتصويت عليه لقطع الطريق عليها؟ بوز قال إن هذا الأمر يظهر حزب العدالة والتنمية بمظهر المتهافت على السلطة والساعي إلى الاحتفاظ بها حتى ولو كان ذلك على حساب الشعارات التي يفترض أنه على ضوئها حاز أصوات الناخبين، لأن حزب الاحرار كان يقود التحالف المضاد للعدالة والتنمية، كما ظل رئيسه حتى وقت قريب مصدر اتهامات ب"الفساد" من لدن قيادة العدالة والتنمية. ولفت نفس المتحدث الانتباه إلى التأثير الذي يمكن أن يمارسه على الحكومة الارتباط الحاصل بين الأحرار والأصالة والمعاصرة، متسائلا حول قدرة الأحرار على التخلص من إرث "التحالف من أجل الديمقراطية"، أو مجموعة الثمانية كما كانت تسمى، مشيرا إلى أن الجهات المناوئة لحزب المصباح لا تسعى، في الوقت الحاضر إلى التخلص منه والإطاحة "بحكمه"، بقدر ما تسعى إلى المزيد من إنهاكه واستنزاف قدراته، ودفعه إلى مزيد من التطبيع مع الممارسات والسلوكات التي كان يعلن رفضها عندما كان في المعارضة. كيف يمكن قراءة الدخول السياسي المقبل على ضوء ما حصل على مستوى الحكومة من خروج حزب الاستقلال إلى المعارضة والمحاولات الجارية في الوقت الحاضر لإشراك الأحرار في الحكومة؟ أظن أنه سيكون محكوما بديناميكيتين مختلفتين: من جهة أولى استمرار المزيد من التراجع على مستوى الحقل السياسي الرسمي، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار اتجاه "الدولة العميقة"، كما يسميها المصريون، نحو المزيد من استعادة المبادرة والتخلص شيئا فشيئا من مخلفات "الربيع العربي"، وما ألقاه من أعباء عليها، خاصة عندما فرض عليها وثيقة دستورية لم يكن من الممكن تصورها لو لم يصبح المطلب الدستوري يمشي على رجليه في أكثر من مدينة مغربية، كما فرض عليها حكومة كان الحزب الذي يقودها هو نفسه لا يطمح أكثر من أن يكون مشاركا فيها فبالأحرى أن يكون ربانها الرئيسي. في مقابل، اتجاه "حكومة الإسلاميين" نحو مزيد من الاستسلام لإرادة "الدولة العميقة"، كما هو واضح من الكيفية التي أضحت تتعامل بها، مثلا، مع الدستور، حيث انتقلت من الدفاع عن "التأويل الديمقراطي للدستور" إلى "التطبيق غير الدستوري للدستور". وهذا التحول ينبغي أن يفهم في ارتباط بعوامل داخلية وخارجية، من قبيل طبيعة تركيبتها غير المنسجمة، والصعوبات التي تواجهها في تدبير الملفات الشائكة ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي (صندوق المقاصة، صناديق التقاعد، الديون المتراكمة على الدولة...). دون أن ننسى التأثير المعنوي الذي يمكن أن يصيبها من جراء النكسة المبكرة التي عصفت ب"حكم الإسلاميين" في أكثر من دولة عربية (مصر وتونس مثلا). ومن جهة ثانية، الانتعاشة التي يمكن أن تسجل على مستوى الحقل السياسي المضاد، إذ بدون شك فإن التراجع الذي يحصل على مستوى الحقل السياسي الرسمي، واتجاهه نحو إعادة إنتاج نفس الممارسات والسلوكات السابقة على 20 فبراير، والتي كانت سببا رئيسيا في إطلاق شرارة الاحتجاج، سيدفعه شيئا فشيئا إلى محاولة استعادة المبادرة والنهوض من جديد. وأظن أن ردت الفعل التي ووجهت بها قضية "دانييل غيت"، كما أضحت وسائل الإعلام تطلق عليها، وإن كان يصعب على ضوئها بناء أطروحة متكاملة في هذا الشأن، فإنها تبقى مؤشرا دالا في هذا المجال، خصوصا عندما يكون الاحتجاج الذي رافق هذه القضية، قد تمكن، ولأول مرة في تاريخ المغرب، من دفع الملكية إلى مراجعة قرار كانت قد اتخذته وإعلان اعترافها بخطأ ارتكبته، كما دفع بكم مهم من الناس، والشباب على الخصوص، من غير المعتادين على ارتياد فضاءات الاحتجاج إلى النزول بكل ثقلهم، بل ومزاحمة "محترفي الاحتجاج" في فضائهم الطبيعي. قد يقال إن هذا الاحتجاج لا علاقة له ب20 فبراير، لأن الدعوة إليه لم تحمل هذه المرة هذا العنوان، ولكن عندما ننظر إلى هذه الحركة من زاوية ما رسخته من "ذهنية للاحتجاج" لدى شريحة واسعة من الناس، يظهر لي أن ما وقع بمناسبة انفجار قضية العفو عن الإسباني مغتصب الأطفال يدخل في إطار هذه الديناميكية وليس خارجها. في ارتباط بما أسميته "الحقل السياسي الرسمي" يطرح التساؤل، حول ما إذا كان التموقع السياسي الجديد لحزب الاستقلال سيعطي نفسا جديدا للمعارضة في مواجهة الأغلبية؟ إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التاريخ السياسي المغربي، القريب والبعيد منه، فإن الفترات التي كان يلتقي فيها حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي في المعارضة كثيرا ما كانت تعطي دينامية كبيرة للعمل السياسي وللحياة السياسية ككل، والمثال الواضح على ذلك ما حصل في نهاية الثمانينيات ومعظم فترات التسعينيات من القرن الماضي، حين تمكن التقارب بين الحزبين من أن يعطي زخما كبيرا للفعل السياسي فرض انفراجا على مستوى الحقوق والحريات، وتعديلين دستوريين، وانتخابات جعلت المعارضة ولأول مرة تتصدر المشهد الانتخابي، قبل أن يتوج كل ذلك بمشاركتها في أول حكومة يقودها حزبا معارضا. ولكن ما يجب الانتباه إليه هو أن تلك الديناميكية كانت تتم في ظل وجود معارضة تحتفظ على قدر كبير من العذرية والمصداقية لدى الرأي العام، وتقودها أسماء لها رأسمال مهم من الماضي النضالي، ورصيد مهم من استقلالية القرار إزاء قرارات الدولة، كما كان لها نفوذا واسعا في أوساط المثقفين ومنتجي الأفكار عموما، فضلا عن أن السياسة التي كانت تنتجها كانت تخاطب من خلاها النظام وليس "أحزاب إدارية" كانت تعتبرها مجرد واجهة لعملية سياسية تجري في غيابها. أما اليوم فيمكن التساؤل حول ما إذا كانت مثل هذه المواصفات تنطبق على المعارضة الموجودة. فعندما تكون هذه المعارضة، أو على الأصح القيادات النافذة فيها، ليست فقط تتجنب وتتحاشى مواجهة سلوكات وممارسات "المخزن" بل إنها تبدو، في كثير من مواقفها، كما ولو أنها مجرد حاملة لرسائله، يصبح من المشروع التساؤل حول مدى قدرتها على العودة من جديد، وفرض نفسها كبديل في المرحلة القادمة. علاقة بهذا الموضوع، يطرح أيضا التساؤل عن الانعكاسات المحتملة لمشاركة الأحرار في الحكومة، في تقديرك إلى أي حد يمكن أن تعطي هذه المشاركة قيمة مضافة لعمل الحكومة، وخاصة على مستوى الاستقرار الذي تحتاجه؟ قد تكون لهذه المشاركة بعض الجوانب الإيجابية بالنسبة لحكومة بنكيران، فهي، على الأقل، ستضمن لها نوعا من الاستمرارية، كما ستضمن لها فترة من التهدئة والسلم الداخلي، ولكن مع ذلك يبدو لي أن هذه المشاركة سيكون لها تأثير سلبي على الحكومة، أو على الأصح الحزب الذي يقودها. فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذا الحزب المطلوب للمشاركة، بل والذي يتوقف عليه استمرار هذه الحكومة، هو نفسه الحزب الذي كان يقود التحالف المضاد للعدالة والتنمية، وهو نفسه، أو على وجه التحديد رئيسه، الذي ظل حتى وقت قريب مصدر اتهامات ب"الفساد" من لدن قيادة العدالة والتنمية، يمكن أن نتساءل حول نظرة المغاربة ل"الحزب الإسلامي"، وهم يتابعون كيف أصبح "سمنا على عسل" مع نفس الهيأة السياسية (الأحرار) التي كان حتى وقت قريب يدعوهم للتصويت عليه لقطع الطريق عليها؟ ألا يظهر هذا الأمر حزب العدالة والتنمية بمظهر المتهافت على السلطة والساعي إلى الاحتفاظ بها حتى ولو كان ذلك على حساب الشعارات التي يفترض أنه على ضوئها حاز أصوات الناخبين؟ ثم ألن يؤدي ذلك إلى مزيد من تعميق الصورة السلبية التي يكونها المغاربة عن السياسة والسياسيين عموما؟. ثمة تساؤل آخر يفرض نفسه في هذا المجال، يتعلق بما إذا كانت هذه المشاركة ستجنب الحكومة السقوط من جديد في نفس الصراعات الداخلية التي عانت منها في ظل المشاركة الاستقلالية. فإذا كنا قد قلنا من قبل إن هذه المشاركة قد تضمن السلم الداخلي للحكومة فإنه لن يكون بالضرورة سلما مضمونا في كل الأوقات. فحزب التجمع الوطني للأحرار وإن كان يفتقد لنفس الوزن السياسي الذي يمثله حزب الاستقلال، ولا يتوفر على بنية حزبية فعلية، ويظل على العموم رهينة لماضيه الإداري، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أنه سيكون لقمة صائغة في يد الحزب الإسلامي. لأنه لا ينبغي أن نغفل أن شعور حزب الأحرار بأنه هو الممر الضروري لاستمرار العدالة والتنمية على رأس الحكومة سيعطيه هامشا للمناورة ويقوي قدرته التفاوضية. وهذا الأمر يبدو واضحا في المفاوضات الجارية في الوقت الحاضر، حيث يتجه الأحرار نحو جر بنكيران لإجراء تعديل حكومي شامل، ولإعادة النظر في بعض أولويات البرنامج الذي سبق لمجلس النواب أن صوت عليه اثناء التنصيب البرلماني للحكومة، مع أن هذا ما كان يرفض عبد الإله بنكيران الاستجابة له عندما كان شباط وحزبه يطالبون به. هذا دون أن ننسى التأثير الذي يمكن أن يمارسه على الحكومة الارتباط الحاصل بين الأحرار والأصالة والمعاصرة، حيث يمكن التساؤل حول مدى قدرة الأحرار على التخلص من إرث "التحالف من أجل الديمقراطية"، أو مجموعة الثمانية كما كانت تسمى. كما يمكن التساؤل حول ما إذا كان الأصالة والمعاصرة سيجد نفسه في هذه الحالة في الأغلبية والمعارضة في آن واحد. هل يمكن تصور فشل هذه المفاوضات؟ وفي هذه الحالة ما هي الخيارات المطروحة؟ من الممكن أن تفشل هذه المفاوضات في حالة واحدة وهي إدراك الأطراف التي لا تنظر بعين الرضا ل"حكومة الإسلاميين" أن إجراء انتخابات سابقة لأوانها لن يؤدي حتما إلى تصدر العدالة والتنمية من جديد للمشهد السياسي ولنتائج الانتخابات. ولا أعتقد أن مثل هذا التقدير موجود الآن. فالحزب الإسلامي، وإن كان يعاني في موقعه الحكومي، وخياراته تبدو محدودة جدا، فإنه لا يزال يفرض نفسه كحزب منظم وله روافد وامتدادات مهمة لدى شريحة واسعة من الناس.. والأكثر من ذلك ينجح في تسويق نفسه ك"حزب مظلوم". ولذلك، فإن الجهات المناوئة له لا تسعى، في الوقت الحاضر إلى التخلص منه والإطاحة "بحكمه"، بقدر ما تسعى إلى المزيد من إنهاكه واستنزاف قدراته، ودفعه إلى مزيد من التطبيع مع الممارسات والسلوكات التي كان يعلن رفضها عندما كان في المعارضة. هناك نقاش يثار في الوقت الحاضر حول طبيعة التعديل الحكومي الجاري التحضير له، وبصفة خاصة حول المسطرة المتبعة في إعداده، كيف تنظر لهذا الأمر؟ أنا مع الفكرة التي تدافع على ضرورة اتباع نفس المسطرة التي تشكلت بها الحكومة أول مرة، أقصد إعادة تكليف الملك لرئيس الحكومة بتشكيل حكومة جديدة بعد أن يكون هذا الأخير قد قدم استقالته. وفي هذا الرأي انطلق من اعتبار أساسي وهو أننا إزاء انهيار للأغلبية السابقة بخروج حزب الاستقلال منها وفي نفس الوقت أمام أغلبية جديدة بدخول الأحرار إليها، والذي كان قد صوت ضد برنامجها. وما يعطي مشروعية أكثر لهذا الطرح هو أن "بلاغ الديوان الملكي" الخاص بقبول استقالة وزراء حزب الاستقلال هو نفسه كان قد تحدث عن "أغلبية حكومية جديدة". أضف إلى ذلك أن الحديث الآن أصبح قويا حول التعديل الشامل في هيكلة الحكومة، بل وفي مضامين برنامجها. فكيف يمكن الحديث عن "أغلبية حكومية جديدة"، وعن برنامج حكومي جديد أو تعديلي، ولا يخضع كل ذلك للمسطرتين المنصوص عليهما في المادة 47، فيما يخص تعيين الوزراء، والمادة 88 فيما يخص المصادقة على البرنامج الحكومي. أظن أننا كنا في حاجة إلى مثل هذا التمرين الديمقراطي.