خصص الملك محمد السادس حيزاً كبيراً من خطاب الذكرى الثانية والعشرين لعيد العرش، مساء أمس السبت، للحديث عن العلاقات المغربية الجزائرية. وجدد الملك محمد السادس "الدعوة الصادقة" إلى حكام الجزائر "للعمل سويا، دون شروط، من أجل بناء علاقات ثنائية، أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار"، مشيرا إلى أن "الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضينا، وليس في مصلحة شعبينا، وغير مقبول من طرف العديد من الدول". وأضاف الملك محمد السادس: "قناعتي أن الحدود المفتوحة هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين، وشعبين شقيقين"، وزاد أن "إغلاق الحدود يتنافى مع حق طبيعي، ومبدأ قانوني أصیل، تكرسه المواثيق الدولية، بما في ذلك معاهدة مراكش التأسيسية لاتحاد المغرب العربي، التي تنص على حرية تنقل الأشخاص، وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال بين دوله". وكان الملك محمد السادس في خطاب ذكرى المسيرة الخضراء لسنة 2018 دعا إلى إعادة فتح الحدود المغلقة بين البلدين منذ العام 1994، واقترح حينها إنشاء آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور، لكن ذلك لم يلق تجاوباً من حكام الجزائر. وتواجه المغرب والجزائر عدة مشاكل مشتركة، وخاصة تلك المتعلقة بالهجرة والتهريب والمخدرات والاتجار بالبشر، لاسيما أن البلدين ينتميان جغرافيا إلى منطقة تواجه تحديات الجماعات المتطرفة وانتشار الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء. ولا يؤثر هذا التوتر فقط على المغرب والجزائر، بل يضعف حتى الجهود الإقليمية والدولية في مكافحة ظاهرة الإرهاب، وهو ما أشار إليه نص الخطاب الملكي عندما أكد أن هذا الوضع بات غير مقبول من طرف العديد من الدول. أما على المستوى الاقتصادي فإن توتر العلاقات بين المغرب والجزائر يعيق تطور اقتصاديات بلدان "اتحاد المغرب العربي الخمسة (المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا)، إذ تعتبر المنطقة المغاربية اليوم إحدى المناطق الأقل اندماجاً في العالم اقتصادياً وسياسياً، وهي بذلك استثناء عالمي، إذ تسجل نسبة المبادلات التجارية داخل المنطقة أقل من 5 في المائة من إجمالي التجارة الخارجية للبلدان المغاربية. ويرى الموساوي العجلاوي، أستاذ باحث في مركز إفريقيا والشرق الأوسط للدراسات، أن تركيز خطاب عيد العرش على مسألة فتح الحدود بين البلدين الجارين يأتي بالنظر إلى التحديات المشتركة التي تواجه المغرب والجزائر، وخاصة في ظل الصعوبات المرتبطة بمواجهة تداعيات فيروس "كورونا". وأوضح العجلاوي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه "لا يعقل في إطار توترات إقليمية ودولية أن تبقى الحدود بين دولتين جارتين في شمال إفريقيا لهما وزنهما القاري مغلقة إلى اليوم"، مشيرا إلى أن فتح الحدود من شأنه أن يرفع نسبة النمو في ظل الجائحة إلى أكثر من 2 بالمائة، وهو ما يوفر مناصب شغل بالآلاف لفائدة الشعبين. وأضاف العجلاوي أن "السؤال الذي يطرح بعد الرسائل الواضحة التي جاءت في خطاب العرش يتمثل في مدى وجود إرادة سياسية لدى الحكومة الجزائرية من أجل الانتقال إلى مرحلة جديدة؛ بالإضافة إلى سؤال آخر مرتبط بعودة السفير الجزائري إلى الرباط". وكانت الجزائر استدعت قبل أسابيع سفيرها لدى الرباط للتشاور، وذلك في أعقاب دعم المغرب استقلال منطقة القبائل. وقال العجلاوي إن أولى مؤشرات التفاعل الإيجابي مع خطاب عيد العرش تكمن في عودة السفير الجزائري إلى الرباط.