كانت ابتسامة المؤرخ والمستشار الأول السابق للوفد الدائم لموريتانيا لدى اليونسكو عبد الله ولد اخليفة، الخالدة، تخفي صبره وتجلده حيال المضض، ويأسوه تأسينا في رحيله، رغم جسامة هذا الرزء الفادح، حيث أنه كادت نسبة التجكجوي تكون علما عليه وحده لما جمع من شتات محاسن أهل بلاده من التاريخ الموريتاني، حتى بات واضحا في مسيرته الطويلة كمؤرخ، أنه ظل، كما وصفه السيد ولد اباه، "أحد أساطين البحث التاريخي الموريتاني". عاش ولد اخليفة سيل طفولته في السنغال حيث تلقى دروسه التعليمية في مدارسها وثانوياتها وواصل تقدمه في الدراسة بجامعة دكار، ومن هناك نما لديه الحنين إلى أرض الأجداد والشأن التجكجوي وخبايا قضايا التاريخ، فعانق مضارب آبائه وأجداده بمآثرته للعودة من المهجر، ليمارس مهنة التدريس في مدينته الأصلية تجكجة، ومنها ذهب إلى العاصمة نواكشوط، ليتصدر قسم التاريخ بالمدرسة العليا للأساتذة، ثم في باريس بالصربون، ناقش أطروحته للدكتوراه بعنوان "تاريخ مدينة تجكجة منذ تأسيسها في القرن السابع عشر إلى قيام الجمهورية الإسلامية الموريتانية عام 1960′′، تحت إشراف عالم الإنتروبولوجيا، الفرنسي المتخصص في الشؤون الإفريقية أ.د. جان كوبان، ليصدر بعد ذلك كتابه المرجعي "واحات تجكجة بين عام 1660 وعام 1960 للميلاد". وكان قبل وفاته، قد هاتفني ليعلمني بوضعيته الصحية، وبنبرة خافتة يمازجها التجلد طمأنني بشروعه في بروتوكول العلاج، ليودعنا اليوم، فلروحه ألف رحمة وسلام بعد ارتقائها. كانت تلك معرفتي بتجكجوي ألمعي، تميز بالرقي والموضوعية ورفض جفاء الغربة واضمحلال الجذور، ومن أجل جذوره ومهنيته، تجنب دائما الأسلوب الذي لا يناسب المؤرخ، فانصرف عن المجموعات ذات النعرة السياسوية الضيقة إلى التأليف، فوضع كتابه حول تجكجة في مرحلة استثنائية، تنورت بتهميشها، إذ كانت تعرف تلك الفترة بعشرية ولد عبد العزيز. إلى جانب الكتابة في التاريخ كان عبد الله مأخوذا بالإنسانية وصلة الرحم، ففي مرحلة تمريضي لوالدي رحمه الله بتونس وبموريتانيا، تعودت على تواصله الدائم للاطمئنان على صحة وسلامة أبي بعباراته الطيبة، وكنت إذا أسمعت والدي مقطعا منها يستعيد معنوياته. فكان هواه الآخر ولغته الثانية، هي لغة الإنسانية، تلك السيمولوجيا التي كان يلامسها كل من يتصادف معه من خلال كامل أناقته الثقافية ودوام ابتسامته الترحيبية. وبعكس أهل النعرة السياسوية، كان عبد الله يمتدح الجميل ويحجب خلف ابتسامته أي إساءة، ليتوارى الحجاب مع عمله في بداياته المهنية عن الحل الذي يحقق المعادلة التي تؤدي إلى أن المؤرخ هو ضمير الأمة. رحم الله عبده ولد اخليفة، وأصدق التعازي لأمة المؤرخين المحدثين، إنا لله وإنا إليه راجعون.