: خريف الديمقراطية المغربية يمضي بثبات "واثق الخطوة يمشي ملكا..." إنه خريف الديمقراطية المغربية..... لقد قيل الكثير عن مغرب الفرص الضائعة ،وكلما فسحت وسنحت الفرص للانعتاق الديمقراطي إلا وضاقت على العباد من كل النواحي والجوانب، وتحت سباب هذه النخب السياسية بجحودها وتنصلها من مسؤولياتها وواجباتها ،فإلى من نولي وجوهنا ليرفع عنا هذا المقت والغضب الديمقراطيين،لقد ابتلينا بهذه الصنائع والكراكيز الرتيبة التي تقدم لنا دائما بضاعة سياسية راكدة وكاسدة وتتقن فن الألاعيب، والتلونات الحربائية ،فالنخبة السياسية في المغرب في سلة واحدة تمتهن نفس الممارسات والسلوكيات بغض النظر عن ايديولوجياتها وادعاءاتها بامتلاك الحقيقة السياسية ،وبالتالي يبقى الرهان على المقاربة الدستورية /القانونية في تحقيق رهان الدمقرطة مسالة مغرقة في اليوتوبيا والطوباوية،ولعل فقه الواقع المغربي بتمخضاته ووقائعيته خير استدلال على انحصار الأفق الديمقراطي على الرغم من المولود الدستوري القائم ،وهذا ما يمكن كشفه من خلال العناصر التالية: تصفيد مقتضيات الدستور: من يعود بعقارب الزمن ويستذكر محفل دستور 2011،قد يقف مشدوها أمام هول محصلة ما سمي بالتنزيل الديمقراطي للدستور،نعم لقد كان هناك تهويل وبهرجة في كل شيء،وعلى جميع المستويات انطلاقا من صناعته وفبركته ومضامينه وسياقات اعتماده ،لقد قيل فيه الكثير من الشعر والمديح ونصبت الأعلام تحت زعم انطلاق ربيع ديمقراطي مغربي، اختلف عن ما كان يدور في رحى بلدان الثورات ،فبعد مرور سنتين تبين العيب الدامس والحالك في دروب سير الدستور تحت وقع توعكاته المستمرة،فبالإضافة إلى ضعف هندسته ووهن محتوياته اجتهدت النخب السياسية والحزبية في دق المسامير في نعشه ولم يبقى إلا حفل تأبينه والسير به نحو مثواه الأخير. وعندما تعود بنا الذاكرة إلى الوراء ونستذكر ونستحضر كل الطقوس والتهليلات التي صاحبت المولود الدستوري 2011،وكم راودنا التفكير والآمل المسبقين بما سيتحقق من رهانات ووعيد بجنة ديمقراطية ،فكثرت التحليلات من كل حدب وصوب ولدرجة التخمة والتضخم بان المغرب يضرب موعدا مع التاريخ في البناء الديمقراطي الذي يشكل الدستور إواليته ومنطلقه في القطع مع ترسبات الماضي ،إلا أن الكلام والقول شيئان والفعل والعمل مسلكان بينهما فارق لا يلتقيان ،إلا أن سيرورة الأيام وتعاقبها برهنت على أن الدستور وعلى كثرة مساوئه ظل رهن الاعتقال والحبس ولم يتعدى سياج حبر الجريدة الرسمية والأفواه المأجورة للتمويه والتضليل "أصحاب الخير الدستوري" الذين يكثرون من القيل والقال والكلام الذي يراد به باطل،مع إنها أصبحت لعبة مكشوفة ورتيبة وكئيبة . فمقتضيات الدستور ظلت رهن الاعتقال والحبس بفعل جبروت وعقليات نخب في عراك دائم تتقن فن التحايل والحربائية ونصب المتاريس في القطع مع الممارسات السياسية الماضوية،نخب لم تنجح الا في نشر فكر العدمية الدستورية وباقتدار. العراك السياسي بدل الحراك السياسي: بين الحراك والعراك أميال من المسافات والبعد من الصعب درؤها أو خفض منسوبها ودرجات تأثيرها ونتائجها وتداعياتها على مسارات الدمقرطة،فالحراك السياسي في مضمونه وحيثياته وحضوره دليل على صحة العملية الديمقراطية وعلى أن السياسة بخير،وعلى عكس هذه التيمات الديموقراطية نجد أن العراك في السياسة المغربية أضحى يأخذ بعدا محوريا وجوهريا في ظل تنازع وتصارع يفتقدان إلى ابسط شروط اللباقة واللياقة والاحترام،مما يزيد من مسافات ومساحات التباعد على حساب التوافق الذي يعتبر لازمة لإنجاح البناء الديمقراطي خصوصا في ظل هذه الفترة بالذات التي تعتبر حساسة بكل المقاييس ،فمرهم الاستثناء المغربي آيل للذوبان والاندثار مع استعصاء التشكل الديمقراطي ،وإذا كانت المؤسسة البرلمانية مجالا خصبا للتعبير الديمقراطي الراقي والنقاش المستفيضة والدقيقة حول مختلف الإشكالات المجتمعية ،فانه على غرار ذلك نجد البرلمان المغربي يقدم لنا النموذج الأسوء في كل شيء فغدت مجالا رحبا للعراك وحوار الطرشان. صناعة الفرجة السياسية الرتيبة: هنا في المغرب السياسي تبزغ شمس المسرح السياسي ويأخذ موقعه في صناعة الفرجة السياسية بالمعنى الرديء ،مسرح بشخوصه ومضامين مواضيعه ونقاشاته تبعث على الرتابة في كل شيء ،لا مكان للجدية ،بينما يكثر العبث والضحك على الذقون،من يشاهد حلقات المسلسل الحكومي التي لا تنتهي وتحمل تشويقا من النوع الخاص الذي يفتقد إلى الذوق السياسي،والبرلمان بدوره يسير على نفس الخطى ويكرس نفس المنوال في طريقة اشتغاله واعتماله. وتكتمل الفرجة بخرجات يومية غريبة وعجيبة لتصريحات تحمل بين ثناياها كلام هزل وقول باطل تنسجم إلى حد كبير مع متطلبات ومقومات استمرارية الفرجة التي تلعب في مكمنها دور الإلهاء وتسطيح النقاش السياسي إلى ابعد الحدود لجعل المواطن في حيرة من أمره ،قد يتبادر إلى ذهنه انه فهم شيئا ما في الظاهر بينما يزداد غموضه عندما ينغمس ويدقق في أتفه الأشياء وأسفهها ،مما يكرس سلبية هجران الجمهور للسياسة. شرود وهروب المعارضة: هل نملك معارضة في مستوى تطلعاتنا الديمقراطية ؟الجواب طبعا بالنفي ،لأنها مكون مريض يندرج ضمن نسق سياسي مريض،لا تقوى على أن تشكل البديل السياسي المنتظر الذي يمكن الرهان عليه في إحداث نقلة أو طفرة نوعية،فهي لا تملك أي مشروع سياسي جاد وجيد وتتقن فقط فن الخطابة المنبرية ،وفن الهروب إلى الوراء ،"فالمعارضة هربت"،عنوان جديد ليوميات معارضة برلمانية لا تنتهي وتحمل دائما الجديد في صناعة العبث البرلماني . فالمعارضة البرلمانية بتصرفاتها وترهاتها تنخرط في لعبة سياسية لا محل لها من الإعراب السياسي وتعبيراتها فوضوية فقط غير منظمة وغير منتظمة في فعلها وعطائها وتستهلك زمنها السياسي في تكريس اللاجدوائية البرلمانية والتقوقع على الذات وتعيش أزمة هوية تتشدد وتتعزز عند أي موعد برلماني ،حيث تختلط عليها الأمور بسبب عبثية الكنه السياسي والتعبير البرلماني الانفصامي الغارق في الذاتية والذي هو مترفع عن الملامسة الحقيقية لأهم إشكالات الواقع المغربي واعضالات العمل البرلماني، مع دخولها أيضا متاهات الالتباسات الإيديولوجية والمذهبية السياسية لأنها تتشكل من خليط سياسي هجين تكثر بين دفتيه الموانع والفواصل والحواجز الملك هو من يحكم : يظل الملك قطب الرحى في النسق السياسي ،فهو الفاعل الرئيسي والمحوري وهو المستفيد الأكبر من كل هذه المتغيرات الخارجية والداخلية ،فهذه الهيمنة لم تستطع مقتضيات الدستور إحداث أي رجة فيها ،أضف إلى ذلك سلوكيات وعقليات النخبة السياسية المشدودة إلى الاشتغال بنفس الآليات الماضوية ،فالملك استطاع من خلال التدبير الاستراتيجي للحكم أن يحصن موقعه وموضعه ويزيد من منسوب الطلب الاجتماعي عليه، وبالإضافة إلى تداعي الثقة في النخبة يزداد المنحى التصاعدي للثقة في المؤسسة الملكية التي تظهر فاعلة على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية ،وحتى على مستوى السياسة الخارجية حيث تتحرك دبلوماسية الملك التي تعتمد على قنوات دبلوماسية تستثمر فيها علاقاته الشخصية. الملكية في المغرب مازالت لا تقبل أي شريك في السلطة ومازالت تعتمد على نفس الأدوات والآليات لإضعاف الخصوم ،و هي القادرة على تدبير مختلف الأزمات السياسية الاقتصادية والدبلوماسية ،فعلى المستوى الاجتماعي يحرص الملك دائما على افتتاح وإعطاء الانطلاقة لمختلف المشاريع بغض النظر عما إذا كانت صغيرة أو كبيرة من خلال الزيارات الميدانية التي يقوم بها أو نهج سياسة القرب وبالتالي تغيب أي وساطة بينه وبين الشعب لدعم مشروعية الانجاز والفعل وإظهار باقي الفاعلين في موقع الضعف والوهن. فاتورة الإصلاح المزعوم يدفعها المواطن البسيط إن الإصلاح يتحمل وزره المواطن العادي لحساب من هم في الدرجات العليا من المال والجاه ،إنها نظرية جديدة في عوالم التنمية والإصلاح،انه القول الفصل في اجتهادات التفكير والفكر السياسيين لما بعد دستور2011،فالإصلاح ورفع المستوى المعيشي رهين برفع مستوى الأسعار وتكبيد المواطن العادي الخسائر دون أن يطال الإصلاح من يمتص أموال الشعب،إنها نظرية اقتصادية مغربية في عصر الثورات وزمن الحكومات الملتحية ،فهل الإصلاح هو رفع الأسعار وسد أبواب التشغيل والتوظيف تحت مشجب الشفافية ؟وهل الإصلاح هو اعتماد مقاربة لإصلاح صندوق المقاصة يتحمل فاتورتها الفقراء ؟وهل الإصلاح هو أن يترك المفسد دون عقاب أو محاسبة وبالمقابل يعاقب من يبلغ عنه تحت طائلة السر المهني ؟إنها مفارقات الزمن السياسي المغربي . ومحصلة القول إن كل الدلائل والحيثيات والوقائع والمحصلات والحصاد بعد مرور سنة ونصف من التدبير الحكومي تفيد بأننا نركض وراء السراب والوهم ويزداد وميض الأفق الديمقراطي في الانحصار وتتعزز أكثر تيمات تكريس استمرارية الماضي السياسي بشوائبه وزلاته ،والكل منخرط عن سبق الإصرار والترصد في اغتيال حتى الحق في الأمل والحلم والكل مستعد لحفل التأبين النهائي للأمل الديمقراطي. فالأكيد إننا نتحدث عن نسق سياسي مثالي ميتافيزيقي لا نعيشه وإنما نحلم به فقط ،دعونا نحلم على الأقل،ففي الحلم توكيد على الأقل للوجود السياسي وللذات السياسية وللعقل السياسي الذي ينشط بفعل التفكير والأمل .