المتابع لفصول ما جرى ويجري منذ 30 يونيو 2013 يخيل إليه أنه امام مسرح عبثي بالمفهوم اللغوي والفسلسفي للكلمة، لكن بمجرد وضع مسافة من الأحداث وتعطيل مشاعر العواطف ولو لبرهة قصيرة، سوف يرك أن ما وقع كله يعتبر خيرا وفي صالح الثورة، ذلك ان الفلول نجحوا في وضع متاريس ضخمة امام تقدمها وافلحوا في نصب متاريس ضخمة امام عجلاتها بل وحفروا خنادق وأخاديد واسعة في مسار سكتها فكان لا بد للثورة أن تقف لإعادة رسم الطريق وللقيام بفرز فعلي في صفوفها وإعادة التدقيق في هويات ركاب قطارها خشية ان تكون قد تركت الثوار في محطاتها الأولى وأغرقت قاطراتها بالفلول الذين يقودونها إلى حتفها. المشهد الجدير بالتأمل هو مشهد مرسي ومشهد السيسي في لحظة اغتصاب السلطة الشرعية، حيث لم يفلح قادة الإنقلاب ان ينتزعوا كلمة تنحي او مفردة استقالة من الرئيس الشرعي لمصر ورئيس دولة الثورة لدكتور مرسي على غرار ما تابعه العالم في كلمة مبارك التي تلاها المقبور رئيس مخابراته بل لم يسمع سوى الإصرار على تحمل الأمانة التي وضعها الشعب في عنقه ولم يسمع سوى تلك الوصية لجموع المصريين بإلتزام الهدوء والسلم وعدم افنجرار إلى أي نوع من العنفوذلك في مشهد يسترجع موقف حاكم عربي آخر حتى وإن رفض الجميع سياساته لكنه ختم الله مشواره مقاوما للإحتلال وتاليا للشهادة وسط حبل المشنقة في هدوء وسكينة ارعبت شانقيه . فالسؤال اليوم عند كل الأحرار هو من سقط في هذا المشهد وما تلاه ومن اسقط الاخر مرسي أم السيسي؟ فهل إزاحة مرسي بالقوة الغاشمة هو سقوط أم إرتقاء وعروج؟ وهل صعد السيسي بما قام به من انقلاب على الثورة أم سقط هل هتاف الفلول له فداء للوطن أم دحره وإلاقاء به في على اتون الفتنة واللاستقرار ودفعه إلى شفى الحرب الأهلية؟ . بمعيار "حق القوة" فقد صعد السيسي بدبابته لكن فوق رؤوس الفلول وعلى جماجم الشعب والثوار الحقيقيين، وبمعيار "قوة الحق" فقد ارتقى مرسي في قلوب الملاييين من عشاق الحرية ومناهضي الإنقلابات ليس في مصر وحدها ولكن عبر جهات العالم الأربع . بالمعيار الأخلاقي فقد كان صعود السيسي إلى هرم السلطة المغتصبة هو عين النزول إلى اسفل الدركات وعين الارتقاء إلى مصاف الفراعنة والطغاة فرعون وهامان إلى هتلر وموسيليني وبينوشي، في مقابل ارتقاء مرسي إلى صنف حكام الشرعيين من امثال عثمان وعمر ابن عبد العزيز والحسن والحسين ويوسف ابن تاشفين وإلى هامات حكام الحرية والنضال من أمثال ماندلا وغيره. المؤلم في مشهد الإنقلاب وفصول اغتصاب إرادة الأمة ليس حدث إزاحة رئيس منتخب ولا القلق على مصيره لأن في عقيدة الرئيس يستوى ان يرتقي شهيدا او يصير منفيا أو مسجونا في القيمة الأخلاقية ومفردة الإيمان مع ان يبقى حيث يؤدي واجبه مع الله ومع شعبه، فأن يسكن في قصر من قصور الجنة إذا شاء رب العزة وتكرم عليه أهم من أن يبقى في قصر القبة، لكن الأشد إيلاما هو مصير شعب داق طعم الحرية وعرف لأول مرة معنى أن ينتخب حاكمه لأول مرة في تاريخ الجمهورية المصرية وإدرك دلالة كلمة انتخب. الجدير بالتأمل في مقارنة ممارسة حاكم منتخب مع حاكم مغتصب هو ممارسة كل منهم مع اركان الحرية وابجديات الديمقراطية، فبينما كان الرئيس المنتخب يعفو على الصحفيين وهم يمطرونه بوابل من الشتائم ويقصفونه بأشد انواع البهتان والإفتراء والإرجاف، فلا يقابلهم سوى بالعفو، بادر الحاكم بأمر السلطة المغتصبة في أول قراراته إلى غغلاق المنابر والقنوات ومصادرة آليات مزاولة مهنة الصحافة وتكميم افواه الصحفيين فقط لنهم يفترض أن يعروا زيف ما وقع وقبل حتى أن يقترفوا هذا الفعل لأنهم مؤاخذون على مجرد نواياهم. وبينما ترك الرئيس المنتخب الحرية للميادين تعترض وتنادي حتى بإسقاطه سيج الحاكم بامر بواسطة القوة الغاشم كل ميادين الحاضنة لمعارضي الانقلاب وطوقها بالدبابات وتفرج على الرصاص يلعلع فوق رؤوس متظاهرين سلميين يهتفون ضد الإنقلاب ويناصرون صندوق الإنتخاب. المؤلم ديمقراطيا هو ما شهادناه وسمعناه وقرأناه من سدنة الديمقراطية وكيف بلغ بهم العمى الإديلوجي ان يبرروا الإنقلاب ويسقطوا في شرك العسكر يمنحوه غطاء مدنيا ودثارا حداثيا ووزيا ديمقراطيا ويزينون له قبيح فعاله ناسين انهم إنما يذبحون الديمقراطية على مذبح الإديلوجيا وما كتبوه عن الإنقلاب في السودان منذ 89 لم يجف مداده بعد. كنت سأصطف إلى جانب الميدان لو تمكن من الحشد الحقيقي لا المصنوع من إسقاط الحاكم حتى وإن كان منتخبا وحتى إن لم يكمل ولايته المحددة دستوريا، لأن الديمقراطية تعترف بشرعية الصناديق كما تعترف بشرعية الشارع السلمية كذلك، لكن ما جرى ويجري ندرك جميعا انه مجرد مسرحية سيئة الإخراج أخرجتها المخابرات السعودية المصابة برهاب الثورة التي تدق أبوابها ومولتها الإمارات المتوجسة من كلمة حرية ونفذها الفلول وانطلت على الجناح العلماني في الثورة المصرية. غير ان الأهم والمفرح والذي يبقى جدوة الأمل متقذة رغم كل هذه المشاهد المؤلمة فيما جرى هو أن مرسي لم يخضع ولم يجبن وواجه السيسي وزبانيته برباطة شاش غير معهودة إلا من رجال لا يحنون الجباه قط إلا في الصلاة، وواجه الموت واقفا وهذا وحده كاف ليخلده في قلوب الملايين وهذا وحده من ذكر الجميع بالدرس الأخلاقي والتاريخي المفعم بالإيمان للخليفة الراشد عثمان ابن عفان الذي حوصر لمدة طويلة مخيرا بين التنحي أو الموت ففضل واختار ان يضحي بنفسه لتحيا الأمة وتنتصر المشروعية فلم يلبث أن انتصر دم عثمان على سيف قاتليه وسلاح مغتصبي السلطة الشرعية وبهذا الموقف وحده استكملت المسيرة في الأمة حفظت للمشروعية هيبتها فتخلد ذكر غثمان في الخالدين ولم يعرف الناس والتناريخ حتى أسماء المغتصبين، وبهذا فحرية مرسي وموقف مرسي هما من سيعيد الثوار إلى الميادين وهذه المرة ليس لإسقاط السيسي أو حكم العسكر ولكن لتفكيك بنى الطيغيان وإسقاط من تبقى من الفلول في أجهزة الدولة العميقة. وإننا لصابرون حتى وإن تطلب الأمر موعد 3 يليوز 2014 الذي سيتزامن مع رمضام شهر الملاحم والقرآن. بعض المفلسين سياسيا من المقلدين يسعون بشكل متعسف إلى إسقاط ما وقع بمصر على واقع دول الربيع العربي بما في ذلك المغرب بكسب فكري بين وخيال إديلوجي مريض، لكن نقول لهؤلاء أنه لا قياس مع وجود الفارق في المنشا وفي المىل بين التجارب، فالمغرب يوجد به نظام ملكي يحوز شرعية لاغبار عليها وتجاوب إبان الحراك مع شعبه في اللحظات الأولى لهبته ورفع السقف في العرض الإصلاحي حتى على الشارع والقوى الساسية، وفي المغرب كذلك توجد تجربة ديمقراطية تبقى رغم الملاحظات راسخة ومتجدرة وتقاليد في التداول على السلطة معتبرة وفي المغرب أيضا يتوجد حركة إسلامية راشدة وسطية معتدلة ومنفتحة وبه أيضا شراكة سياسية حقيقية ومستتبة لا هيمنة فيها لاحد وفيها معارضة قوية تتبوا مكانة محترمة في النص الدستوري والنظام القانوني وبه معارضة خارج المؤسسات عاقلة ورافضة للعنف، وفيه أيضا حزب نابع من رحم الشعب ويقود حكومة بتكليف من الشعب وإذا غير الشعب رايه فيه بمحض إرادته وليس بأموال الخليج أو إعلام الفلول سوف يكون هذا الحزب طوع أمره وينزل عند إرادته إلى أن يعيد الثقة له بصناديق الإقتراع وليس بشيء آخر لن الشعب هو في نهاية المطاب صاحب الأمر .