أسدل الستار زوال اليوم بمراكش، على أشغال المناظرة الوطنية الثانية للصحة، وذلك بإصدار 23 توصية، تروم العمل على وضع إستراتيجية شاملة لإصلاح القطاع الصحّي، سيتمّ رفعها إلى الملك. ودعا المشاركون في المناظرة، من خلال التوصيات الصادرة عنها، إلى جعل المناظرة إطارا للوقوف على الواقع الحالي للقطاع الصحّي، وما تحقق، واستشراف آفاق المستقبل. ففي مجال الرعاية الصحيّة، خلُص المشاركون في المناظرة إلى ضرورة تبنّي الرعاية الصحية الأولية كركيزة أساسية لتطوير المنظومة الصحية، "لما تتضمنه من مقوّماتِ سياسة القرب، والرعاية المندمجة في يخصّ خدمات الرقابة والعلاج في أفق تطبيق التغطية الصحية الشاملة"، كما دعت التوصيات الصادرة عن المناظرة إلى إدماج البُعْد الصحيّ في مختلف السياسات العمومية، من خلال نظام فعّال ومتوازن يتوخّى إعادة توزيع الأدوار مجاليا وقطاعيا ضمن مقاربة تشاركية في أفق الجهوية المتقدمة. الخصاص الحادّ الذي تعاني منه المنظومة الصحية في الموارد البشرية استأثر باهتمام المشاركين في أشغال المناظرة، حيث دعوا إلى توفير الظروف الملائمة والتحفيزات الممكنة لتحسين الأوضاع المهنية والاجتماعية للعاملين في القطاع، كما دعا المشاركون إلى التصدّي للخصاص الذي يعرفه القطاع الصحي وذلك بالرفع من المناصب المالية المرصودة لوزارة الصحة بصفة استثنائية ومستعجلة ابتداء من السنة المالية المقبلة، كما أوصت المناظرة بإصلاح نظام الدراسات الطبية. بخصوص الإنصاف والحق في الصحة، دعا المشاركون في المناظرة السلطات العمومية والجماعات الترابية إلى العمل على تمكين المواطنين والمواطنات من التمتع بحقوقهم الدستورية في الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية، وتعبئة الوسائل المتاحة وتجديد كافة أجهزتها في أفق تعميم التغطية الصحية. في مجال الحكامة، التي كانت محور الندوة الثالثة ضمن المناظرة، والتي ترأسها الوزير المنتدب المكلف بالشؤون العامة والحكامة، نجيب بوليف، أوصى المشاركون بوضع تصوّر شامل للشراكة مع القطاع الخاص، وبلورة الآليات والميكانيزمات الضرورية لتفعيلها، وذلك لرفع تحدّي الإنصاف والحق في الولوج إلى الخدمات الصحية. في السياق ذاته حثّت توصيات المناظرة السلطات العمومية والجماعات الترابية على تحفيز مهنيي القطاع الخاص على الاستثمار في الميدان الصحي، وفْقا لحاجيات الخريطة الصحية، والمخططات الجهوية لعرض العلاجات. كما دعت إلى التقليص من المساهمات المباشرة للأسر وذلك بالرفع ن ميزانية تمويل القطاع، وتوسيع وعاء التضامن، وذلك باعتماد مقاربة جديدة في تحديد ثمن الدواء والترخيص له، وتشجيع استعمال الدواء الجنيس. التوصيات التي تمخّضت عنها المناظرة الوطنية الثانية للصحة دعت، فيما يتعلق بجانب التمويل، إلى الرفع من الميزانية المرصودة لقطاع الصحة، استجابة للحاجيات المطّردة للساكنة، وتماشيا مع توصيات منظمة الصحة العالمية، والتزامات المغرب على المستوى الدولي ذات الصلة، لتصل إلى 8 بالمائة على الأقل. فيما يتعلق بالتغطية الصحية الشاملة، أوصى المشاركون في المناظرة بدعم وتعزيز مكتسبات التغطية الصحية الأساسية، وتأمين نظام المساعدة الطبية، والعمل على تطوير وتبسيط مساطره وإحداث جهة خاصة بتدبيره، والعمل على توسيع قاعدة المستفيدين من التغطية، لتشمل الفئات غير المؤمّنة، مع العمل على جمْع الأنظمة وتوحيدها، والعمل على تقوية دور الوكالة الوطنية للتأمين الصحّي. على صعيد آخر، أبدى وزير الصحة، الحسين الوردي، ارتياحه لما حققته المناظرة الوطنية للصحة، التي حضرها أزيد من 800 مشارك ومشاركة، والتي وصفها ب"التاريخية"، حيث قال في الكلمة التي ألقاها في ختام المناظرة، "لا داعي لأن أؤكد لكم الفرحة التي تغمرنا جميعا، وهذه المناظرة قد حققت النجاح الذي نتوخّاه، بفضل تضافر جهود الجميع". الوردي قال إنّ المناظرة ستعبّد الطريق لإدماج البُعْد الصحي في مختلف السياسات العمومية، في إطار من النجاعة والانتقائية ضمن مقاربة جديدة قوامها توطيد سياسة القرب من أجل بلورة ميثاق وطني قابل للتفعيل يضع المواطن في صلب اهتمام المنظومة الصحيّة.