نظمت منظمة حريات الإعلام والتعبير "حاتم"الجمعة الماضية ندوة بمقر النقابة الوطنية للصحافة المغربية بالرباط، تحت عنوان"التشريع المغربي في مجال الإعلام". ومع التذكير بأهمية الندوة وأهمية عدد من الأفكار الواردة في تدخلات المؤطرين والجمهور، لا سيما أن الندوة لامست ملفا استراتيجيا يهم مجال الحريات والديمقراطية ببلادنا، إلا أنه أعتبر شخصيا أن هناك مجموعة من النقط يستوجب توضيحها من أجل مزيدا من الوضوح وتجلية لبعض الغموض. نتوقف بداية عند فعاليات الندوة، حيث أورد بعض المتدخلين خلال الندوة، التي غطى موقع هسبريس بعض فقراتها، عدد من الاستنتاجات نوردها من خلال النقط التالية: الاستنتاج الأول: "مسوّدة مشروع قانون الصحافة الجديد التي تنكبّ على إعداده لجنة علمية يرأسها وزير الاتصال السابق، العربي المساري اتسم بغياب التشاور مع المهنيين والفاعلين في مجال الصحافة، حيث تتمّ مناقشة المشروع في نطاق محدود، دون إشراك المهنيين، وهو ما قد يفضي إلى أن يكون مصير القانون الجديد كمصير الكتاب الأبيض". الاستنتاج الثاني: غياب إشراك الفاعلين في مناقشة مسوّدة مشروع قانون الصحافة الجديد، كما انتقد المهنيّين أيضا، لعدم جرأتهم على إبداء آرائهم في المشروع. الاستنتاج الثالث: إلى ذلك جاء على لسان بعض المتدخلين على أن اللجنة العلمية "مع احترامي لأعضائها، يجب أن تكون على اطلاع واسع بمستجدّات العصر، خصوصا فيما يتعلق بالإعلام الالكتروني"، و أنّ القيود التي يسعى القانون الجديد إلى تطويقه بها لن تفضيَ إلى سجْنه، وأنّ الحكومة لن تقدر على محاربة الانترنت. الاستنتاج الرابع: مشروع قانون الصحافة الجديد، كان يجب أن يُطرح للنقاش العمومي، وأنّ القضايا التي يجب مناقشتها أكبر من مسألة إلغاء العقوبات السالبة للحرية في حق الصحافيين. الاستنتاج الخامس: هناك توجّها مثيرا للخوف للحدّ من حرية الإعلام الالكتروني. قبل إبداء ملاحظات حول الاستنتاجات السابقة، لابد من التذكير ببعض مسارات الإصلاح التي كان وما يزال قطاع الصحافة والنشر مجالا لها. ذلك أن الأهداف والتوجهات والمرتكزات التي أطرت مسلسل إصلاح منظومة الصحافة ببلادنا تتمثل أساسا في: أ- إرساء مدونة للصحافة والنشر عصرية وحديثة خالية من العقوبات السالبة للحرية وتعويضها بالمسؤولية الاجتماعية وتعزز الضمانات المهنية والحقوقية لممارسة المهنة من خلال توفير ضمانات الحصول على المعلومة؛ ب- إرساء آليات التنظيم الذاتي المستقل والديمقراطي للمهنة على أساس انتخابات بين المهنيين؛ ت- مواكبة التحولات التي يعرفها المغرب منذ أزيد من عقد من الزمن في مجال توسيع الحريات وخاصة في قطاع الصحافة والنشر؛ ث- الاستجابة لانتظارات المهنيين في قطاع الصحافة وفعاليات المجتمع المدني في الحصول على منظومة قانونية تؤطر القطاع وتضمن الحرية في إطار المسؤولية؛ ج- تطوير الترسانة القانونية المؤطرة لقطاع الصحافة ببلادنا من خلال إدماج الاجتهاد القضائي الوطني والدولي في قضايا الصحافة والنشر، وإصلاح منظومة التجريم والزجر في المجال الصحفي مع أخذ التزامات المغرب الدولية بعين الاعتبار؛ ح- تحديد شروط شفافة وفعالة لضمان حكامة ومردودية الدعم العمومي للصحافة الورقية والإلكترونية، وجعل الدعم العمومي "دعما من أجل الاستثمار"؛ خ- تطوير منظومة أخلاقيات المهنة، وكذا تقنين الولوج إلى المهن الصحفية وتحديد منظومة حقوق وواجبات المهنيين والصحافيين وتعزيز الحقوق الاجتماعية والمعنوية للعاملين في القطاع. كما أن عملية إصلاح المنظومة القانونية للقطاع ارتكزت على المرجعيات الأساسية المتمثلة في دستور 2011، التوجهات الملكية، توجهات البرنامج الحكومي، المعاهدات والاتفاقيات والالتزامات الدولية للمغرب. كما استندت على توصيات الهيآت الوطنية( خطة العمل الوطنية في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية، توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، توصيات الحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع)،. كما ارتكزت على مذكرات ومقترحات الفرق النيابية ما بين 2002 و 2007، وكذلك على مشروع قانون الصحافة والنشر لسنة 2007، إضافة إلى التجارب الدولية. انطلاقا من الاستنتاجات الخمس الواردة في مضامين بعض مداخلات ندوة "التشريع المغربي في مجال الإعلام" أكتفي بالملاحظات الخمس التالية: الملاحظة الأولى: اللجنة العلمية للحوار و التشاور حول مدونة الصحافة و النشر أنهت أشغالها منذ أبريل الماضي ولم تكن مهمتها إعداد مشاريع القوانين المرتبطة بالصحافة والنشر، بل هي هيأة لبلورة التوجهات الكبرى وتدقيق النقط التي تستدعي تداولا أوسع ، عملت اللجنة على دراسة المشاريع المحالة عليها من طرف وزارة الاتصال، كما تلقت عدد من المذكرات والآراء من الهيآت المهنية وعدد من المهتمين بالقطاع. تكونت اللجنة من شخصيات مشهود لها بالعطاء في منظمة الصحافة والنشر الوطنية، كما ضمت المهنيين بشكل رئيسي، وكذا ممثلين عن تيارات الفكر والرأي ببلادنا (أعضاء اللجنة: العربي المساري، محمد الإدريسي المشيشي العلمي، يونس مجاهد، نور الدين مفتاح، أحمد الزايدي، عبد الله البقالي، خديجة مروازي، غزلان الفاسي الفهري، عبد الوهاب الرامي، علي كريمي، عبد العزيز النويضي، عبد العالي حامي الدين، محمد عبد النباوي، محمد بلغوات، علي خلا، فاطمة الحساني). لقد اشتغلت اللجنة العلمية من أكتوبر 2012 إلى 17 أبريل 2013 وعقدت 13 اجتماعا عاما، بالإضافة إلى لقاءات عديدة للجان الفرعية، ومن نتائج اللجنة إبداء ملاحظة أو اقتراح تعديل في 110 مادة من مواد المشاريع الموضوعة أمامها ( أبدت اللجنة ملاحظتها على 60 مادة من أصل 90 مادة في مشروع قانون الصحافة والنشر، 15 مادة من أصل 61 من مشروع المجلس الوطني للصحافة والنشر، 23 مادة من أصل 29 في مشروع قانون الصحفي المهني، 12 مادة من أصل 25 في مشروع الصحافة الإلكترونية). إن تركيبة اللجنة الممزوجة بعناصر الخبرة والممارسة المهنية والبعد الأكاديمي واشتغالها باستقلالية تؤكد حصادها المثمر. الملاحظة الثانية: فيما يتعلق بالقول بغياب إشراك المهنيين في الحلقات التي قطعتها مشاريع مدونة الصحافة والنشر لحد الآن، يجدر الإشارة إلى أنه في يناير 2012 تم فتح حوار مع المهنيين وتوسيع المشاورات لتحيين مشروع قانون الصحافة والنشر لسنة 2007 وفق مستجدات دستور 2011، حوار سبق تشكيل اللجنة العلمية. من جهة أخرى من الأحسن التذكير على أن اللجنة العلمية ضمت مهنيين يجمعون بين الخبرة والممارسة من أمثال نور الدين مفتاح رئيس هيئة ناشري الصحف ويونس مجاهد الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحافة المغربية إضافة إلى ضمها كل من عبد الله البقالي (نائب برلماني ومدير جريدة العلم) وعلي خلا من الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة وفاطمة الحساني من وكالة المغرب العربي للأنباء. دون أن ننسى ماراكمه من خبرة الممارسة المهنية الفعلية كل من رئيس اللجنة العربي المساري وأحمد الزايدي عضو اللجنة. كما ينبغي التذكير على أن اللجنة العلمية انفتحت أثناء اشتغالها على مختلف الاقتراحات الفردية والجماعية، إضافة إلى ذلك فإن عملية الإشراك مقاربة معتمدة في كل حلقات المسلسل الذي سيتواصل بعد مصادقة المجلس الحكومي على المشاريع وتقديمها للمؤسسة التشريعية، كما أن عملية الإشراك الأساسية ستكون جوهرية في مسلسل تنزيل المقتضيات على ارض الواقع. الملاحظة الثالثة: بخصوص الصحافة الإلكترونية، يجب التذكير على أن المسودة الأولى للمشروع تم إعدادها من قبل لجنة خاصة ضمت خبراء وعدد من المشتغلين في قطاع الصحافة الإلكترونية ببلادنا، ارتكز اشتغال اللجنة وفق فلسفة تنظيم القطاع والاستناد على مبدأ الحرية الذي كرسه دستور 2011 وكذا استحضارا للتجارب الدولية في المجال، بعدها تم وضع المقتضيات الأساسية للمشروع على الموقع الإلكتروني لوزارة الاتصال، حيث تصفح المشروع أزيد من 1200 زائر، وتم إرسال المقتضيات إلى عدد من المواقع الإلكترونية، كما تلقت الوزارة أزيد من 150 تعليق وملاحظة على تلك المقتضيات التي همت أساسا البنود المتعلقة بتعريف الصحافة الإلكترونية وخدمة الصحافة الإلكترونية والصحفي المشتغل في المواقع الإلكترونية وما يتعلق بالمسؤولية القانونية، حيث أكدت مختلف التعليقات وكذا خلاصات اليوم الدراسي المنظم يوم 12 مارس 2012 وضم أزيد من 350 موقع على ضرورة تنظيم حرية الصحافة الإلكترونية. بعد إدخال عدد من الملاحظات الواردة على اللجنة، تم استكمال إعداد مشروع قانون الصحافة الإلكترونية لتطرح المسودة بعدها على اللجنة العلمية التي أبدت ملاحظاتها بخصوصها. إن الفلسفة التي أطرت الاشتغال على هذا الورش تتمثل أساسا في ضرورة مواكبة التحولات الجارية في قطاع التكنولوجيات الحديثة وتنظيم حرية الصحافة الإلكترونية والاستجابة لمهنيي وصحافيي القطاع بهدف إدماج الصحافة الإلكترونية كقطاع واعد واستراتيجي ضمن المنظومة الإعلامية الوطنية، وهو ما تعزز أيضا بإعداد الكتاب الأبيض للنهوض بالصحافة الإلكترونية. الملاحظة الرابعة: إن إقرار مدونة الصحافة عمل تشاركي بين جميع المتدخلين، ويتجلى ذلك في خطوات ما بعد عمل اللجنة العلمية، حيث تم تقديم عرض أولي أمام اللجان القطاعية المعنية داخل مجلسي البرلمان. في هذا الصدد انطلق عمل اللجنة القانونية التي ستتولى تنزيل مقتضيات الآراء الاستشارية والصياغة النهائية للمشاريع المعتمدة وذلك من خلال التشاور مع الوزارات والهيآت الوطنية المعنية. بعد ذلك، وبهدف تعزيز عملية الإشراك الفعلي، سيتم إطلاق نقاش عمومي موسع حول مشاريع قوانين مدونة الصحافة من خلال وضعها بكل من الموقع الإلكتروني لكل من الأمانة العامة للحكومة ووزارة الاتصال، حيث سيتم استقبال الملاحظات والاقتراحات وتحليل مضامينها، ومن تم إحالتها على اللجنة القانونية قصد إغناء المشاريع لتبدأ بعدها مسطرة المصادقة. بعد هذا المسار سيتم إحالة مشاريع مدونة الصحافة والنشر على مجلس الحكومة من أجل اعتمادها ليتم إيداعها في البرلمان قصد الدراسة والتصويت عليها، ستتبعه تشكيل لجنة مشتركة للتنسيق وتسريع وتيرة تنزيل المقتضيات الواردة في المشاريع المعتمدة. الملاحظة الخامسة: لقد اعتبر عبد الحميد العوني رئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير خلال تدخله" أنّ مدوّنة قانون الصحافة يجب أن تتأسّس على مبادئ وقيَم الديمقراطية والتعددية والحرية، وضرورة توفير الاستقلالية للمشتغلين في الحقل الإعلامي، لاعتبار أنّ الإعلام ليس فقط وسيلة لنقل ما يجري على الساحة إلى الرأي العام، بل هو أيضا قاطرة ضرورية للانتقال إلى الديمقراطية الحقيقية، ورافعة نحو التنمية". إنه ذات الهاجس الذي يسكن كل الفاعلين والمساهمين والمنخرطين فعليا في الورش الحالي المتعلق بضرورة رفع تحدي تمكين المغرب من مدونة عصرية وحديثة تستجيب لتطلعات المهنيين. إنه مسلسل استند ويستند أساسا على إعمال المقاربة التشاركية لتنزيل المقتضيات الدستورية الجديدة على قطاع الصحافة والنشر تعزيزا لمسلسل دمقرطة الإعلام ببلادنا الذي بدأ منذ عقد من الزمن.