تعد التربية الدامجة دعامة من الدعامات الأساسية للتحولات النوعية التي يخوضها المغرب دولة ومجتمعا من أجل الارتقاء بمنظومته التربوية والتكوينية في أفق الارتقاء بالفرد والمجتمع. والمدخل الأساس لاشتغال ثورة الجودة، أو "المعجزة التربوية" كما وصفتها مجموعة البنك الدولي، هو الإيمان العميق بأن جودة التربية والتكوين تقوم، أولا، على جودة الرؤية وتواترها حول مفهوم المواطنة وتمظهراته، ومفهوم الحق والآليات الضامنة للتمتع به؛ وثانيا، على جودة الممارسة النظرية الاستراتيجية حول مفهوم الإنصاف والعدالة الاجتماعية والمساواة؛ وثالثا، على عرضانية والتقائية السياسة العمومية وجودة الممارسة الحكاماتية وآليات التنسيق والعمل المشترك بين مختلف القطاعات الحكومية المعنية؛ ورابعا، على مستوى بنية النسيج المدني وآليات الترافع والتفاوض التي يراهن عليها، وخامسا، على مستوى التعبئة المجتمعية ورهانات التغيير المفتوحة والممكنة في السياق الاجتماعي والثقافي والسياسي الحالي. ارتبط ظهور التربية الدامجة كمفهوم وكمقاربة بارتفاع درجة الترافع من أجل الحق في فرص منصفة للتعليم والتعلم لفائدة الفئات الهشة والمهمشة والمعرضة للإقصاء والتمييز بشكل من الأشكال أو بسبب من الأسباب، ومنهم الأطفال في وضعية إعاقة أو الأطفال ذوي القدرات المختلفة كما يمكن أن نسميهم في معجمنا التربوي. علما أن التربية الدامجة تحتل مساحة أوسع من ذلك. فهي مقاربة تستند إلى خلفية حقوقية وفلسفية وبيداغوجية تنطلق من كون المدرسة إرثا مشتركا لجميع الأطفال بغض النظر عن انتماءاتهم ووضعياتهم الاجتماعية وجنسهم ولونهم. وأنها نتاج تاريخي إنساني مركب. ومن ثمة، ليس لأحد الحق في أن يضع حدودا أو موانع أو يسهم في عرقلة أحد للوصول إلى هذا الحق والولوج إلى التربية والتعليم. وهي ترتكز، كذلك، على مبادئ أساسية على رأسها الاختلاف الإنساني والتنوع والتكامل ووحدة الجنس البشري ومحدودية القدرات وسلطة الثقافة المجتمعية. وتتأسس على مسلمات بيداغوجية مفادها أن الأفراد يتميزون بقدرات وبذكاءات متنوعة ومختلفة. وتبعا لذلك، فهم لا يتعلمون بطريقة واحدة، ولا يفكرون بنفس الطريقة. وأنه لا وجود لفصل دراسي منسجم ووحيد المستوى، وإنما لكل فرد استراتيجياته وقدراته وانشغالاته ومراكز اهتمامه وقوته ونقط ضعفه ومستوى دافعيته الداخلية والخارجية. وأن الفصول الدراسية هي جماعات للتعلم تجمعها مهام مشتركة، وهي عبارة عن جماعات وجماعات بؤرية لها حاجات مشتركة. وأن لكل فرد إنساني قدرة على التعلم إذا ما توفرت له المدة الزمنية اللازمة وبيئة التعليم والتعلم المناسبة والاستجابة الملائمة لحاجاته وقدراته وإمكانياته. وأنه لا يحق لمجتمع ما، ولا لأي أحد أن يعاقب طفلا بحرمانه من حقه في حياة مدرسية، ومن حقه في التعلم مدى الحياة، ومن حقه في مشاركة الآخرين أقرانه متعة التعلم، لا لشيء إلا لأنه مختلف في قدراته أو مختلف عن غيره في الخصوصيات الجسدية أو العقلية أو النفسية. كما ليس هناك ما يبرر هذا العقاب أو الحرمان سوى أنه شكل من أشكل التمييز، وآلية من آليات الإقصاء التي كانت المجتمعات الإنسانية قد اعتمدتها، إلى جانب أخرى، للتصنيف وترتيب الأفراد داخل الجماعة الإنسانية التي ينتمون إليها. إنه شكل من أشكال العنف بل أقصى أشكال العنف التي قد يتعرض لها الفرد من طرف جماعته. التربية الدامجة، إذن، إطار للوعي الإنساني بحقيقة ما يحمله لفظ المساواة من معان ودلالات، وإطار للوعي البيداغوجي لحقيقة ما يحمله لفظ التنوع والتفرد من معان ودلالات في أدبيات البيداغوجيا المعاصرة، وإطار للوعي الحقوق بما يحمله لفظ الحق من معان ودلالات في التجربة الإنسانية والكونية. أما الإعاقة كوضعية وكمجال من مجالات اشتغال التربية الدامجة فهي لا ترتبط بالأفراد إلا بما تحدثه فيهم من معاناة وأثر، وإنما ترتبط بالعلاقة القائمة بين الفرد وبيئته التي يتواجد فيها فتفرض عليه أشكالا من الحواجز المعيقة له. ولا تعترف بقدراته وحاجاته. ولا توفر له شروط التمتع بحقوقه التي تضمنها الاتفاقيات الدولية والدساتير والقوانين الوطنية. فعلى سبيل المثال: أنا شخص في وضعية إعاقة إذا لم أتمكن من استعمال النظارتين المناسبتين لقدراتي البصرية، لكن باستعمالهما فانا قادر على الإبصار. ولا أستطيع استعمال حافلة النقل العمومي إذا لم تكن مجهزة بالشكل المناسب لقدراتي، لكني أستطيع استعمال الحافلة إذا توفرت بها آليات الولوج الملائمة. ولا أستطيع التمتع بحقي في التربية والتعليم والتكوين إذا كانت المدرسة غير مكيفة مع قدراتي ولا توفر لي بيئة مدرسية ملائمة وروادها من أقراني لهم تمثلات خاطئة عني. لكني أستطيع الذهاب للمدرسة والتعلم مع أقراني إذا كانت مدرسة دامجة (متوفرة على الولوجيات والمرافق المكيفة – بها أقسام دامجة – تتوفر على مناهج دراسية مكيفة ومقاربات بيداغوجية متنوعة- توفر خدمات الدعم الطبي وشبه الطبي والدعم البيداوغوجي- لا تسودها التمثلات السلبية والصور النمطية عني – ...) لذلك، ومن باب واقعية التحليل والمعالجة، وجب القول بأن هذه الثورة الهادئة والناعمة تستوجب عمقا في التفكير والنظر، وعمقا في المقاربة التدبيرية. وعمقا في المقاربة التعبوية بهدف تصحيح التمثلات وتدقيق المفاهيم واشتغال الآليات. كما تقتضي العمل الدؤوب والترافع المتعدد الواجهات والنضال الأصيل المستند إلى الخصوصية الوطنية ونوعية التراكمات الإيجابية المحصلة على مر السنين وليس على تراكمات مستوردة لها خصوصياتها في الماضي كما الحاضر. لا ضرر في الاطلاع على تجارب دولية واستلهام الدروس منها والعبر، بل هو أمر مطلوب ومفيد. لكن لا يمكن تحريك تجارب هذه الدول على متن قطاع التعاون الدولي والدعم في اتجاه بلدنا ونقل خلاصاتها والسعي إلى لصقها بواقعنا دون أدنى اعتبار للخصوصية والإمكانيات والثقافات والبنيات والقدرات والمؤهلات. إنها ممارسة نضالية ترتبط بسيرورة بناء تاريخي ونسقي مركب لمفهوم المواطنة ومفهوم الحق ومفهوم القدرات ومفهوم الإنصاف قبل أن تكون مرتبطة بالحق في الولوج المنصف إلى التربية والتعليم والتكوين أو بجودة التربية والتكوين والبيئة الملائمة لاشتغال هذه الجودة. إن سؤال الجودة في التربية والتكوين، كمدخل لفهم سياق تفعيل التربية الدامجة كمفهوم وكمقاربة حقوقية وبيداغوجية، يبدأ، بطبيعة الحال، بسؤال الاختيارات التربوية الاستراتيجية في مجال التربية والتكوين المحددة لأي نوع من المواطن نريد، وأي مستقبل نبني؟ ثم سؤال التقائية السياسات العمومية من أجل إرساء مقومات جودة الولوج إلى التربية، ثم سؤال جودة آليات الاحتفاظ المعتمدة داخل منظومة التربية والتكوين، ثم سؤال جودة النموذج البيداغوجي بكل مكوناته وأبعاده وعلى رأسها البعد المعرفي الوظيفي والبعد التوجيهي والمهني والبعد القيمي والبعد الكوني، وكذا جودة علاقته بالنموذج التنموي المنشود، وأيضا سؤال جودة الممارسات التدبيرية والبيداغوجية، وأخيرا جودة التقويم البيداغوجي وجودة التصديق والإشهاد على الكفايات المكتسبة. يرتبط مفهوم التربية الدامجة بعلاقة وجود وانتماء جدلي ومنطقي لحقل من المفاهيم المجاورة الجامع بينها هو صفة الدامج(ة) Inclusive بمعنى الشمولية، لا يمكن استيعاب حقيقته وأبعاده وخلفياته إلا في حضورها، إنها مفهوم المدرسة الدامجة ومفهوم مشروع المؤسسة الدامج والمشروع المجتمعي الدامج ومشروع الدولة الدامجة. ومن ثمة، فالتربية الدامجة كمقاربة حقوقية وثقافية وتدبيرية وبيداغوجية وسلوكية هي أحد المداخل الأساسية للممارسة الديموقراطية الواعية المستندة إلى منطق التنوع والاختلاف وفلسفة الحق والحرية ووحدة الإنسان.ودعامة من دعامات إرساء ديموقراطية حقيقية في الدولة والمجتمع. ومن ثمة فهي الطريق نحو تحقيق المجتمع الدامج الذي لا فرق فيه بين أفراده في الانتماء، والطريق إلى الدولة الدامجة التي لا فرق فيها بين المواطنين في الحقوق. تفيد التربية الدامجة، كمفهوم، تمكين جميع الأطفال من حقهم في التربية والتعليم والتكوين من دون تمييز أو إقصاء على أساس الانتماء أو الوضعية السوسيو-اقتصادية أو القدرات أو الجنس أو اللون. ارتبط تداوله بشكل أكثر بتمكين الأطفال في وضعية إعاقة أو في وضعيات خاصة من الحق في التعليم والتعلم. فشكل بذلك إطارا مرجعيا ترافعيا لضمان هذا الحق لمن حرم منه. وإطارا مرجعيا تربويا لتجاوز حالة التمييز والفصل الكلي أو الجزئي التي عاناها الأطفال في وضعية إعاقة في المؤسسات الاجتماعية ومؤسسات التنشئة أو بالمؤسسات التعليمية. ومن ثمة، فإن التربية الدامجة هي أفق اشتغال مختلف النصوص المرجعية والاتفاقيات الدولية والقوانين ذات الصلة بالحق في التربية والتعليم، كما هي أحد مجالات الارتقاء بالعلاقات البيداغوجية المدرسية وتفعيل البيداغوجيات المعاصرة المتمركزة حول المتعلم وحول التعلم ومنها أساسا البيداغوجية الفارقية. وهي كذلك، إحدى مناسبات اشتغال المواكبة التربوية المدرسية لبناء وتوطيد المشاريع الفردية والشخصية. تستند التربية الدامجة إلى مرجعيات حقوقية وقانونية دولية ووطنية، ويعد الظهير الشريف رقم 1.16.52 الصادر في 27 أبريل 2016 بتنفيذ القانون الإطار رقم 97.13 المتعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها الإطار المرجعي للسياسات العمومية الوطنية في مجال الإعاقة. وتنص المادة الأولى منه على أن النهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة يعتبر مسؤولية وطنية تقع على عاتق الدولة والمجتمع والمواطن، يتعين القيام بها في إطار السياسة العامة للدولة وفي نطاق القوانين والأنظمة الجاري بها العمل. أما المادة 11 فتقول:" يستفيد الأشخاص في وضعية إعاقة من حقهم في التربية والتعليم والتكوين بجميع أسلاكه، بما في ذلك حرية اختيار التخصصات التي تناسبهم والتي يرغبون في متابعة دراستهم بها. ولا يمكن أن تشكل الإعاقة مانعا من الاستفادة من هذا الحق أو سببا للحد من ممارسته. ولأجل ذلك يستفيدون من حقهم في التسجيل بمؤسسات التربية والتعليم وبمؤسسات التكوين المهني ولا سيما منها الأقرب لمحل إقامتهم، واستعمال الوسائل التعليمية الملائمة لاحتياجاتهم ولطبيعة إعاقتهم، كما تلتزم الدولة القيام بالترتيبات التيسيرية المعقولة حسب حاجات كل متعلم. استنادا إلى هذه المرجعيات نجد المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في رؤيته الاستراتيجية 2015-2030 قد دعا في الرافعة الرابعة المتعلقة بتأمين الحق في ولوج التربية والتكوين للأشخاص في وضعية إعاقة أو وضعيات خاصة إلى إدماج الأطفال في وضعية إعاقة في المدارس لإنهاء وضعية الإقصاء والتمييز، أخذا بالاعتبار نوعية الإعاقة، مع توفير المستلزمات الكفيلة بضمان إنصافهم وتحقيق شروط تكافؤ فرصهم في النجاح الدراسي إلى جانب أقرانهم. يرجع انخراط بلادنا في إرساء التربية الدامجة إلى الموسم الدراسي 2013-2014 حين انخرطت الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة سوس ماسة (سوس ماسة درعة سابقا) في مشروع جهوي لإرساء التربية الدامجة لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة بتعاون مع منظمة الأممالمتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسيف) ومنظمة " إعاقة دولية". انطلق كمشروع تجريبي ثم كمشروع قيادي واعتمد عدة تشخيصية وتدبيرية وبيداغوجية متكاملة تم تجريبها على مستوى هذه الأكاديمية. وانتهى المشروع إلى ترصيد خبرة وطنية متميزة وعدة للتكوين قابلة للتعميم والتقاسم. رغم المجهودات المبذولة من طرف مؤسسات ومنظمات وجمعيات المجتمع المدني والدولة من أجل النهوض بوضعية الأشخاص في وضعية إعاقة فقد انتهى المجلس الأعلى للتربية والتكوين في وثيقة ضمنها رأيه في الموضوع تحت رقم 04/2019 إلى خلاصة قاتمة حول موضوع تمدرس هذه الفئة مستندا إلى معطيات وإحصائيات وخلاصات البحث الوطني الثاني حول الإعاقة المنجز من طرف وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية سنة 2014. خلاصة مفادها أن التشخيصات والخلاصات الإشكالية التي انتهت إليها تبين فداحة واقع تمدرس وتعلم الأشخاص في وضعية إعاقة، وخطورة البطء في التفكير في خطط وبرامج النهوض بهذا الوضع وتفعيلها، ذلك أن تمكين هؤلاء الأشخاص من حقهم في التربية والتعليم والتكوين وجودة التعلمات والارتقاء الفردي والاجتماعي لم يعد يقبل التأجيل. التربية الدامجة ضمن أحكام القانون الإطار ومشاريع تنفيذها: تفعيلا لمقتضيات الدعامة الرابعة من الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 أصدرت الوزارة الوصية على قطاع التربية والتكوين، في انتظار المصادقة على القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، القرار الوزاري رقم 047.19 في 24 يونيو 2019. الذي يحدد في مادته الأولى،" الإطار التنظيمي والبيداغوجي الخاص بالتربية الدامجة، لفائدة التلميذات والتلاميذ في وضعية إعاقة. ويحدد أهداف التربية الدامجة كما نصت على ذلك مادته الثانية " في تمكين كافة الأطفال في وضعية إعاقة من الالتحاق بمؤسسات التربية والتعليم التي يرتادها أقرانهم، والتعلم ضمن نفس البيئة المدرسية التي توفر لهم شروط النجاح، من خلال تكييف التعلمات وطرائق وتقنيات العمل مع قدراتهم وخصوصيات كل صنف من أصناف الإعاقة، فضلا عن توفير التأهيل المواكب لهم في فضاءات متخصصة يرتادها المتعلم(ة) حسب برمجة زمنية وفق مشروعه البيداغوجي الفردي" ومن بين أهم ما أقره هذا القرار الوزاري كذلك: أن مؤسسات التربية والتعليم الدامجة تقدم خدمات التربية والتعليم والمواكبة خلال مراحل التعليم الأولي والتعليم الابتدائي والتعليم الثانوي بسلكيه لفائدة التلميذات والتلاميذ في وضعية إعاقة التوحد والإعاقة الذهنية وإعاقة الشلل الدماغي الحركي والإعاقة السمعية والإعاقة البصرية وإعاقة صعوبات التعلم وإعاقات أخرى (المادة 3)؛ أن مؤسسات التربية والتعليم الدامجة تقدم بالإضافة إلى الخدمات الأساسية المشار إليها أعلاه خدمات داعمة للمسار الدراسي للأطفال في وضعية إعاقة تتمثل في أنشطة التعلم الذاتي المساعدة على اكتساب الكفايات الأساسية والاستقلالية في التعلم. وأنشطة الوساطة المدرسية المتمثلة في الإنصات والدعم النفسي والمواكبة الوالدية، والأنشطة المندمجة والموازية وأنشطة الدعم الاجتماعي الداعمة للاحتفاظ ومحاربة أسباب الانقطاع (المادة 4) أنه يتم إحداث" قاعات الموارد للتأهيل والدعم بمؤسسات التربية والتعليم الدامجة لتوفير خدمات لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة في مجال الدعم الطبي وشبه الطبي، ومجال الدعم السيكولوجي والسيكوسوسيولوجي ومجال الدعم البيداغوجي حسب الإمكانيات المادية والأطر المشاركة ونوعية الشراكات المبرمة (المادة 6) إلى جانب ذلك فقد حدد القرار في بابه الثاني آليات تدبير مؤسسات التربية والتعليم الدامجة وفي بابه الثالث الإجراءات التنظيمية والإدارية لاستقبال وتوجيه وتسجيل الأطفال في وضعية إعاقة وتتبع وتقويم مسارهم التعليمي. وتناول في بابه الرابع أطر هيئة التدريس والإدارة التربوية وهيئة التأطير والمراقبة التربوية الدامجة وفي بابه الخامس تناول مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي الدامجة. أما في بابيه السادس والسابع فقد تناول الإجراءات التنظيمية لتكييف المراقبة المستمرة والامتحانات الإشهادية والضوابط الخاصة بتكييف اختبارات الامتحانات الإشهادية. ودعما لأحكام هذا القرار أصدرت الوزارة الوصية على قطاع التربية الوطنية مذكرة وزارية تحت رقم 134.19 بتاريخ 06 دجنبر 2019 في شأن مشروع اتفاقية الشراكة مع جمعيات المجتمع المدني في مجال" تنزيل البرنامج الوطني للتربية الدامجة لفائدة التلميذات والتلاميذ في وضعية إعاقة من أجل تأطير مساهمات وتدخلات جمعيات المجتمع المدني في مجال التربية الدامجة اعتبارا لدورها الفعال والأساس. أما القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي فقد نص في مادته الخامسة والعشرين على أن الدولة تعمل على تعبئة جميع الوسائل المتاحة، واتخاذ التدابير اللازمة لتيسير اندماج الأشخاص في وضعية إعاقة أو في وضعية خاصة في منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وتمكينهم من حق التعلم واكتساب المهارات والكفايات الملائمة لوضعيتهم. ولهذه الغاية، تضع الحكومة، خلال أجل ثلاث سنوات، مخططا وطنيا متكاملا للتربية الدامجة للأشخاص في وضعية إعاقة أو في وضعية خاصة، ضمن مختلف مكونات المنظومة، قوامه تعزيز وإرساء تكوينات مهنية وجامعية متخصصة في مجال تربية هؤلاء الأشخاص وتكوينهم، والسهر على تتبع تنفيذه وتقييمه. وتفعيلا لأحكام هذا القانون تضمنت حافظة مشاريع تنفيذ أحكام القانون الإطار مشروعا مستقلا يحمل رقم أربعة. يستهدف تأمين حق ولوج التربية والتكوين للأشخاص في وضعية إعاقة أو وضعية خاصة من خلال ثلاث محاور أساسية هي توسيع العرض المدرسي الدامج ليشمل تدريجيا جميع مؤسسات التربية والتكوين وتطوير النموذج البيداغوجي للتربية الدامجة وآليات تطوير الحكامة والمساهمة في التعبئة المجتمعية. تتوفر الآن لدى كل الفاعلين الإداريين والتربويين حقيبة غنية بالوثائق والمرجعيات القانونية والتنظيمية وعلى ٍاسها القرار الوزاري 47.20 المشار إليه أعلاه، وغنية بالأدبيات التربوية والتكوينية وعلى رأسها الإطار المرجعي للهندسة المنهاجية للتربية الدامجة للأطفال في وضعية إعاقة والعدة البيداغوجية لتفعيله. لكن السؤال الذي يفرضه الواقع الذي لا يرتفع هو هل يكفي التوفر على هذه الحقيبة الغنية ومساحة واسعة من حسن النيات والنظرة الوردية كي تحقق المدرسة المغربية هذه المعجزة التربوية، وهذه الثورة الناعمة؟ التربية الدامجة ... واقع الحال في منظومة التربية والتكوين: " لن نترك أي طفل خلفنا" ذاك هو الشعار الذي تحت رايته أطلقت الحكومة، بدعم من منظمة الأممالمتحدة للطفولة (اليونيسيف)، يوم الأربعاء 26 يونيو 2019، من مدينة سلا المغربية، البرنامج الوطني للتربية الدامجة. وترأس الحفل كل من السيد رئيس الحكومة والسيد وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي والوفد المرافق لهما. انطلاقة من دون شك لها دلالتها ورمزيتها السياسية والإعلامية. وكان لها وقع وأثر وتأثير تدبيريا وتربويا في مجال التربية الدامجة للأطفال في وضعية إعاقة. كما أن، القرار الوزاري 47.19، من دون شك، كان له أثر كبير، ميدانيا، في توضيح الكثير من القضايا ذات الصلة بموضوع تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة، على الأقل على المستوى التشريعي والتنظيمي الداعم للممارسة التدبيرية والتربوية. وقدم إجابات واضحة عن أسئلة عدة. وساهم في تحرير كثير من العقول من تمثلاتها السلبية، وفي تعبئة الكثير من الأسر للانتقال من وضعية الإحساس بالشفقة والمساندة الاجتماعية الإحسانية إلى وضعية أصحاب حق مسلحين بنصوص قانونية قوية. وأن دور النسيج الجمعوي الذي كان ولا زال فعالا وأكثر تأثيرا في مختلف عمليات المواكبة والترافع والمساندة والدعم، وفي مجال التأطير والتكوين والمصاحبة الميدانية ازداد قوة وتقدما بما حققه من مكاسب. والنتيجة تمكين العديد من الأطفال في وضعية إعاقة من الولوج إلى الفصول الدراسية العادية إلى جانب أقرانهم وخاصة الذين هم في وضعية إعاقة خفيفة أو متوسطة على الأقل. لكن واقع الحال أن كثيرا من الفاعلين الإداريين والتربويين بالمؤسسات التعليمية الذين تمثلوا هذا الحق وآمنوا به، وانخرطوا بفعالية وإيجابية لتأمينه وضمانه، وجدوا أنفسهم أمام وضعية مركبة يتداخل فيها الحقوقي بالثقافي بالبنيوي بالتربوي. حيث أن مديرات ومديري المؤسسات التعليمية وجدوا أنفسهم، في غالب الأحيان، في وضعيات مركبة (غياب الولوجيات – غياب المرافق الصحية المكيفة – الملف الطبي – التشخيص – التسجيل – البنية التربوية – جمعيات المجتمع المدني العاملة في المجال – الأمهات والآباء – الأستاذات والأساتذة – التلميذات والتلاميذ- ....). وأن الأستاذات والأساتذة هم كذلك وجدوا أنفسهم في وضعية أكثر تركيبا (ضعف التكوين في المجال – غياب المنهاج المكيف حسب حالات الإعاقة – تنوع حالات الإعاقة ضمن جماعة واحدة للتعلم (في القسم الواحد) – مُرافق الحياة المدرسية – البنية التربوية – الزمن المدرسي – الإعداد القبلي – المشروع الفردي – عدم توفر فضاءات خاصة /قاعة الموارد للتأهيل والدعم – هشاشة المحيط والمجال وخاصة في الوسط القروي وهوامش المدن- الضبابية في تنظيم التدخلات – تداخل الحق بالواجب- الأولويات- .....). ومع ذلك فالمدرسة المغربية العمومية، حتى في حال وجود بعض أشكال المقاومة، لسبب من الأسباب، كانت حاضرة، في غالب الأحيان، ومنخرطة ومجتهدة ومبتكرة ومتضامنة حتى مع أبسط الوسائل وأسوء الظروف وأصعب التحديات وأفقر الوضعيات، بل وحتى في غياب تام أو شبه تام للشركاء المعنيين بتفعيل أحكام المادة 25 من القانون الإطار وعلى رأسهم القطاع الوصي على الصحة. فكيف يمكن تفعيل أدوار اللجن الإقليمية والمحلية والجهوية المنصوص عليها في البابين الثاني والثالث من القرار الوزاري رقم 047.19. في حضرة هذا الغياب؟ وكيف يمكن تفعيل قاعات الموارد للتأهيل والدعم في غياب المتخصصين في المجال الطبي والشبه الطبي؟ وكيف يمكن تغطية جميع المؤسسات التعليمية الدامجة بلجن محلية ومتخصصين وفاعلين جمعويين؟ مقترحات من أجل تعبئة مجتمعة حول التربية الدامجة لا شك أن إنجاز بلادنا لتحولات عميقة في التعاطي مع قضية الأشخاص في وضعية إعاقة وإرساء مقومات التربية الدامجة يقتضي بداية القول بأن التربية الدامجة مجال من مجالات التعبئة المجتمعية بامتياز من أجل مدرسة مغربية منصفة ودامجة ومتجددة ومواطنة ومنتجة، وأن التحدي، كما قالت الأستاذة لطيفة الجبابدي عضوة اللجنة الدائمة للمناهج والبرامج والتكوينات والوسائل الديداكتيكية بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي،" يتطلب فوق الإرادة السياسية الحازمة تغييرا ثقافيا يقطع مع التمثلات والمواقف السائدة وما ينتج عنها من صور نمطية لنضع منظارا جديدا في الأذهان ، كون الإعاقة تندرج ضمن التنوع الإنساني وكونها لا ترتبط بالفرد ذاته بقدر ما ترتبط بالعوائق المحيطة به وبأنه ليس هو المطالب بالتأقلم معها، بل المطلوب منا جميعا العمل على إحداث التغييرات اللازمة لإزالتها ولخلق البيئة والشروط الملائمة لتمكينه من التمتع بحقوقه الإنسانية الكافية على أساس من المساواة وتكافؤ الفرص. لذلك لا بد من الإقرار في المرحلة الراهنة بما يلي: بأن مشروع تمكين الأطفال في وضعية إعاقة أو وضعية خاصة من الحق في التمدرس المنصف والجيد مشروع دولة ومجتمع ذو طابع عرضاني يتطلب العمل المشترك تخطيطا وتدبيرا وإنجازا وتقييما مركزيا وجهويا وإقليميا ومحليا. وأن هذا العمل المشترك هو ضرورة تاريخية وليس خيارا. بأن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي هي المسؤول الأول عن تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة من خلال توفير الولوج المنصف والبيئة المدرسية المحفزة والتعلم الجيد والتقييم الملائم والدعم البيداغوجي المطلوب. بأن وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية هي المسؤول الأول عن تنسيق السياسات العمومية رسميا في مجال الإعاقة ودعم مبادرات المجتمع المدني في مختلف عمليات المواكبة والتأهيل ودعم الأطفال في وضعية إعاقة من خلال البرامج التي يدعمها صندوق الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي؛ بأن وزارة الصحة هي المسؤول الأول عن المواكبة الصحية للأطفال في وضعية إعاقة بدءا بعملية التشخيص والتصنيف وطيلة المشوار الدراسي وعبر مختلف التدخلات الطبية والشبه الطبية والدعم النفسي والنفسي الاجتماعي؛ بأن دور المجتمع المدني دور أساسي في المواكبة الاجتماعية ودعم الأسر للولوج إلى التربية والتكوين والوساطة والتأهيل ودعم المرافقة في الحياة المدرسية وتفعيل قاعات الموارد للتأهيل والدعم؛ بأن كثير من المؤسسات التعليمية القائمة يصعب تأهيلها لتصبح مؤسسات تعليمية دامجة بسبب موقعها أو فضاءاتها. وأنه يجب التفكير في حلول أخرى داعمة من أجل ولوج القرب وعلى رأسها النقل المدرسي الدامج بشراكة مع الجماعات الترابية وباقي القطاعات الحكومية المعنية من أجل تأمين فرص الولوج والاحتفاظ؛ بأن دور المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في المرحلة الحالية أساسي وفعال في المساهمة في تأهيل البنيات بإحداث الولوجيات والمرافق الصحية المكيفة وخاصة بالوسط القروي ودعم إحداث وتجهيز وتفعيل قاعات الموارد للتأهيل والدعم والمساهمة في توفير النقل المدرسي المكيف والدامج؛ بأن مشروع المؤسسة الدامج هو الإطار المنهجي تدبيريا وتربويا وبيداغوجيا الذي من خلاله تنظم وتلتقي مختلف التدخلات والمجهودات على صعيد المؤسسة. ومن خلاله يتم إنتاج البدائل الممكنة في إطار مقاربة تدبير القرب وجودة الأداء والارتقاء باستقلالية المؤسسة. ومن أجل دخول مدرسي 2021-2022 في مستوى التطلعات نستحضر المستلزمات التالية: ضرورة تنظيم لقاءات خلال شهر مايو على مستوى كل المديريات الإقليمية تحت إشراف السادة العمال من أجل إرساء آليات التنسيق والعمل المشترك وتفعيل المقاربة التعاقدية على أساس برامج واضحة ودقيقة وواقعية بمؤشرات قابلة للقياس؛ إطلاق برامج إقليمية للتعبئة المجتمعية من أجل دخول مدرسي دامج؛ إنجاز تشخيص شامل بمختلف الجماعات الترابية على صعيد الإقليم لتحديد وضعية الإعاقة بالإقليم ووضع خريطة مدرسية مرنة بمؤشرات مضبوطة؛ توسيع العرض المدرسي الدامج وتأهيل الفضاءات المدرسية من أجل تيسير الولوج؛ تعزيز الارتقاء بالبيئة المدرسية من أجل بيئة مدرسية دامجة؛ مباشر العمل الممأسس من أجل تكيف النموذج البيداغوجي بكل مكوناته (المناهج الدراسية للسنوات الأربع الأولى من التعليم الابتدائي في المرحلة الأولى- الأطر المرجعية للمراقبة المستمرة – ... في انتظار استكمال العمليات الأخرى)، كي يتلاءم وخصوصيات جميع الأطفال دون تمييز؛ إرساء برامج إقليمية للتكوين المستمر لتوسيع قاعدة دعم القدرات وتأهيل الموارد البشرية بالوسط المدرسي من إداريات وإداريين ومدرسات ومدرسين ومرافقات ومرافقي الحياة المدرسية؛ دعم قدرات مكونات المجتمع المدني من أجل القيام بأدوار طلائعية في مجال المواكبة والدعم مع العمل على خلق شبكات تبعا لأنواع الإعاقة ومجال الاهتمام؛ تلك كانت أهم الخلفيات النظرية الحقوقية والبيداغوجية للتربية الدامجة، وأهم المستلزمات والمقترحات لإطلاق ورش التعبئة المجتمعية لإرساء دخول مدرسي يستجيب للطموحات وتفعيل آليات التعبئة المجتمعية من أجل مدرسة دامجة توفر الفرص الممكنة والملائمة للتعليم والتعلم لكل أطفال المغرب على قدم المساواة، وتسهم في الارتقاء بجودة منظومة التربية والتكوين ومخرجاتها، من أجل إرساء مدرسة الجميع للجميع، المدرسة التي تبني الحاضر من أجل صيانة المستقبل وتعزز قيم الانتماء وتدعم المواطنة في أعمق تجلياتها. إن التربية الدامجة استنادا إلى مرجعياتها الحقوقية وخلفياتها التربوية تعد مقاربة حقوقية وثقافية وبيداغوجية وسلوكية مدرسية ومجتمعية تتجسد امتداداتها الدستورية والسياسية والاجتماعية في شعار"دمقرطة الدولة ودمقرطة المجتمع". مفتش تربوي، باحث في مجال التربية والتكوين