سأظل أكرر، وإلى آخر نَفَس، أن تعريَ المرأة أمام العموم، في مجتمع مسلم، إنما هو مظهر من مظاهر الخلاعةِ والدعارة والسفالة، وسلوكٌ يخالف أخلاقَ الإسلام وآدابَه، وينتهك قانونَ المجتمع وأعرافه. وهذا التكرار منّي هو تحدّ لأيٍّ كان، اليومَ أو غدا، أن يأتيَني ولو بشبه دليل، كيفما كان، على جواز "منكر" التعري في دين الإسلام وأخلاقه. نحن في المغرب مسلمون، وثقافتُنا من الإسلام، وأخلاقُنا وآدابُنا وأعرافُنا وسائرُ شؤوننا إنما هي من الإسلام، أصلا وتأسيسا، أو إقرارا وتثبيتا. ليس هناك دليل، ولا شبه دليل، ولا رائحةُ دليل على الجواز، لأن الأمر يتعلق بمُنكر لا غبار عليه. والذي يجادل في هذا إنما هو، أو هي، في اعتقادي، واحدٌ من ثلاثة: إما ملحدٌ لادينيّ متطرف، يحارب الإسلامَ وأخلاقَه وآدابه وأصولَه في التربية والسلوك العام، ويكره أن يرى العفةَ والطهارة والوضاءة والسمتَ الحسن تنتشر في حياتنا العامة، وتغلبُ في سلوكاتنا الفردية والجماعية، وفي مظاهرنا ومعاملاتنا وأنشطتنا، وإما مسلمٌ لا يميّز في أمور دينه كوعا مِنْ بُوعٍ، أيْ مسلمٌ جرفَته "أخلاقُ" الوقت الطاغية-إن جاز التعبير- وطحَنته آلةُ الحداثيّة اللادينية المتطرفة، التي باتت تصبّحُنا وتمسِّينا بكل أنواع الوقاحات والسفالات والرداءات والموبقات، وإما منافقٌ مندسّ بين المسلمين، له برنامجُه وأهدافُه وأصحابُه، يعمل على طريقة "الطابور الخامس"، الذي تقف وراءه وتموّله وتشدّ أزرَه جهاتٌ متعددة في العدد، موحدة في المقاصد والغايات. التعيُّشُ مِنَ الجسد هل هناك من فرْقٍ معقولٍ وموضوعيٍّ ومُقنع بين النساء اللواتي يستعملن جسدَهن ومفاتنَ أنوثتهِنّ للتعيّش والاسترزاق، كامرأة تعمل راقصةً خليعة، في المناسبات والكباريهات والملاهي والفيديوكليبات، وثانيةٍ قَيْنَةً(مغنيّة محترفة) مائلةً مُميلة، وساهرةً مُسهِرةً، في الحفلات والمهرجانات والاستوديوهات، وثالثةٍ عارضةً تبيع محاسنَ جِسمِها بالجملة والتفصيل، حسب متطلبات السوق والزبائن والبضائع والإشهار، ورابعةٍ ممثلةً، في المسرح والسينما، وأيضا في بعض المناسبات العامة، يُطلب إليها أداءُ أدوارٍ تتعلق بموضوعات الإغراء والعُرْي والفاحشة والعهارة، وخامسةٍ مومسا تحترف البغاء، صراحا براحا؟ لست أرى فرقا بين نساءِ هذه الأمثلةِ الخمسة إلا في كيفية استخدامِ الجسد ودرجةِ هذا الاستخدام، أما في العمق والجوهر، فلا أرى فرقا، لأنهن، في النهاية، يشتركن جميعا في التعيّش من استخدامِ جسدِهن الأنثوي وما يفرضُه هذا الجسم، مباشرة أو بالإيحاء، من معاني الإثارة والافتتان والاشتهاء. الفرقُ الجوهريّ الحقيقيّ نجده بين عملِ نساءِ الأمثلة السابقة وبين عملِ امرأةٍ شغّالة في البيوت، أو المعامل، أو المقاهي والمطاعم والفنادق، أو غيرها من الأماكن، تكدح بعضلات جسدِها وعرق جبينها، تغسل وتنظّف وترتّب وترفع وتحرك، من أجل لقمة عيش حلال. هنا الفرقُ جليّ بين عمَلَيْن بالجسد مختلفين إلى حدّ التنافي والتناقض والتضاد. السؤالُ الذي يفرض نفسَه هنا من غيرِ تَلَجْلُج ولا التواء هو: هل استعمالُ الصفات الجسدية الشهوانية الإغرائية الفاتنة للتكسّب والاغتناء والشهرة هو من الأعمال المباحة في الثقافة الإسلامية؟ هل استعمالُ الجسد الأنثوي، بغواياته وإيحاءاته وخلاعاته ومنكراته، في غير ضرورة ولا إكراه، من أجل الكسب، حلالٌ أم حرام؟ طبعا، الذي يجب عليه أن يجيب على هذا السؤال هم أهلُ العلم والفقه والفتيا من علماء الإسلام، المؤتمنين على أن يبينوا للناس وألا يسكتوا. الواقع الغالبُ، مع الأسف، هو سكوت العلماء-وأخصّ هنا العلماء الرسميين الدائرين مع السلطان- وهذا ما أطلق ألسنَة الرُّوَيْبِضات من كل الألوان والأصناف والأشكال، الذين باتوا يتكلمون في الدين بالجهل والباطل والرأي التافه الذي يفضح معدن أصحابِه ونواياهم ومقاصدهم. مشهدٌ يُبكي ويُضحك تأملْ معي، أيها القارئ الكريم، مشهَد امرأة مسلمة-أقول مسلمة لأنه لا شأن لنا بنيّاتِ الناس ولا بمطْويّات ضمائرهم، وإنما حديثُنا هنا عن الأعمال والسلوكات الظاهرة- متخصصةٍ في "الرقص الشرقي" الشهواني الفاجر، تتحدث عن استعدادها للمشاركة في مسابقة دولية خاصة بهذا النوع من الرقص، وعمّا يعتمل في نفسها من مشاعر، ويحدوها من آمال، ثُم تدعو اللهَ، في آخر حديثها، أن يوفقها للبلوغ إلى مرتبة مشرفة، كما تدعوه لكي يظل جمهورُها راضيا عنها وعن أدائها!! امرأة متخصصةٌ في عمل لا يَرضَى عنه اللهُ، تعالى، قطعا، وهي تطمع أن تنال في هذا العمل من الله نجاحا وتوفيقا! وقد مثّلت في هذا المشهد بامرأة راقصة. ويمكن أن نمثل، في مشاهد أخرى، بامرأة تقوم بأدوار فاحشةٍ داعرةٍ مُنكَرةٍ، شكلا ومضمونا، على خشبة المسرح أو أمام الكاميرات، وأخرى تُمثّلُ عاريةً وهي تُضاجع أجنبيا في فيلم سينمائي، وثالثة تبيع جسدَها، كاملا أو بالتقسيط، في معارضِ الملابس النسائية الداخليّة، أو في معارضِ ملابس الموضة، وهي تجيء وتذهب أمام الجمهور المتفرج بجسدٍ عارٍ كاسٍ إلا من بعض الخِرَق المصممة على أذواق شياطينِ موضةِ هذا الزمان وأهوائهم. تأملوا معي مشاهدَ هؤلاء النساء وهنَّ يدعون الله-وقد يَكُنّ صادقات في دعائهن، حسب اعتقادهن- أن يوفقهن في عملهنّ، وكأن الله، تعالى، راض عن عملِهن أصلا، ولم يبق إلا طلبُ المزيد من الرضا والتوفيق! إنها مشاهدُ مأساويةٌ بامتياز عند من ينظر بمنظار أصول الإسلام وأخلاقِه وآدابه في الحياة العامة، وعند من ينظرُ بمنظار ما يُضفيه الإسلام على جسدِ المرأة من كرامة وعفة وطهارة، وعند من يستحضر وعيدَ ربّ العالمين للذين (يسعون في الأرض فسادا)، و (الذين يحبّون أن تشيعَ الفاحشةُ في الذين آمنوا). مسكيناتٌ بئيساتٌ، بل معذوراتٌ هؤلاء النساء اللواتي يدعون الله أن يباركَ في عملهن، وهن جاهلاتٌ-هكذا نظنّ- أن الله، تعالى، (طيّب لا يقبل إلا طيّبا)، وأنه، عز وجل، لا يأمر بالفحشاء والمنكر، وأنه (مَنْ يتّبعْ خُطْواتِ الشيطانِ، فإنه يأمرُ بالفحشاء والمنكر). وقبّح الله الفقر الذي كاد أن يكون كفرا. وقبّح الله، قبل ذلك، الاستبدادَ ولوازمَه وأدواته وشياطينَه، الذين يعملون بالليل والنهار لتشيع الفاحشةُ في الذين آمنوا. أما الشياطينُ الخُرْسُ، فأمرُهم إلى الله الذي أخذَ عليهم الميثاقَ ليبيّنُنَّ الحقَّ للناس ولا يكتمونه. و(إنا لله وإنا إليه راجعون). http://majdoubabdelali.blogspot.com