من حقنا أن نتساءل عما يحدث في وطننا العزيز منذ 2011 بصفة عامة، وخلال السنوات الأخيرة وما تبقى من عمر هذه التجربة بصفة خاصة، إذ المألوف في جميع التجارب السابقة أن فترة نهايتها تكون مناسبة لتصفية الملفات ذات الأولوية التي لها قوة ترافعية، وواجهة موضوعية، من شأنها أن تخفف من الاحتقان والتوتر الذي واكبها، قبل طيها وإيجاد الحلول الممكنة لها، أما المستعصي منها، فالحوار هو الفضاء المناسب لتعميق النقاش وتبادل الأفكار بين جميع الشركاء بشأنها. يظهر جليا أن هذه التجربة تسير في اتجاه تكسير هذه القاعدة، وأننا أمام نموذج جديد في التعاطي مع جميع الملفات بنوع من الاستخفاف واللامبالاة – ما عدا الملفات التي يباشرها صاحب الجلالة بنفسه، ويعطي فيها أوامره الصريحة بخصوصها، كما وقع مع دعم الأسر خلال انتشار وباء كوفيد19، أو اعتماد مجانية التلقيح، أو تعلق الأمر بالترافع عن الوحدة الترابية، وما تحقق من اختراقات ديبلوماسية، خاصة بعد عودة المغرب إلى موقعه الطبيعي ضمن الاتحاد الإفريقي، والذي توج باعتراف الولاياتالمتحدةالأمريكية بكامل سيادته على صحرائه، أو تعلق الأمر بالاستباقات الأمنية التي حققت نتائج رائدة، كلها ملفات لاشك أنها شاقة ومكلفة، تتطلب حرصا مسترسلا، وعملا دؤوبا، ووطنية صادقة. ففي الوقت الذي ينبغي أن تستلهم الحكومة من النموذج الملكي منهجيتها في تدبير قضايا المواطنين، نجدها تعاكس الإرادة السامية، دون أن تتمكن من تقوية جسر التكامل بين ما هو داخلي وخارجي، بما يحقق التناغم والتراكم ويعزز الثقة، وينعكس إيجابا على مؤشرات التنمية، فأين يتجلى هذا التباين على المستوى الداخلي؟ الواقع أن مستويات التباين عديدة يصعب حصرها، لذا سنكتفي بمحور قطاع التربية والتكوين لما له من امتدادات وتقاطعات ثقافية وسياسية واجتماعية، ولما يعرفه الآن من احتقانات متزايدة، تخدش صورة المغرب لدى الشركاء، وتشوش على الجهود المبذولة في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان التي التزم بها أمام المنتظم الدولي، وفي مقدمة هذه المعاكسة: – ملف الإدارة التربوية الذي عمر طويلا (2007)، واستنفذ كل الخطوات التفاوضية مع الشركاء الاجتماعيين، وتوعد السيد الوزير بالطي النهائي لهذا الملف، أمام البرلمان، ووسائل الإعلام، والملتقيات الوطنية والجهوية، لما للإدارة التربوية من دور محوري في استقرار منظومة التربية والتكوين، ولمشروعية مطالبها العادلة التي تبدد وضعية الغموض والقلق، وانعكاساتها السلبية على المردودية والجودة، يحدث هذا تزامنا مع الشروع في التسويق لمضامين القانون الإطار وطنيا وجهويا، إنها مفارقة بين ما نطمح إليه، وبين ما نمارسه، مما يضع مصداقية خطاب الحكومة والوزارة على المحك. – ملف المتعاقدين أو أطر الأكاديمية الذي انطلق مع 2016 بمبررات الخصاص المهول في الموارد البشرية، ومحاربة الاكتظاظ، باعتبارها مسببات الهدر المدرسي، في وقت ليس ببعيد فرطت الوزارة في خيرة الأطر التربوية والإدارية في إطار المغادرة الطوعية، مما يطرح علامة استفهام كبرى بخصوص اعتماد هذا النموذج من التعاقد، خاصة وأن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي هي الوحيدة من بين القطاعات الحكومية التي اعتمدت التعاقد في إطار الجهوية المتقدمة التي لم تكتمل أسسها التنظيمية والتشريعية بعد، فالسياقات العامة والشروط الموضوعية، غير ناضجة بما يكفي لاعتماد التوظيف الجهوي، وهو ما سرع وثيرة الاحتقان والاحتجاجات من قبل هذه الفئة، كان آخرها الصورة المأساوية التي تناقلتها القنوات الإعلامية الدولية، وأصبحت مادة دسمة للسخرية، ومحاولة النيل من رمزية صورة الأستاذ وهو يُتفنن في تعنيفه بأبشع الطرق والوسائل. فهذه ملفات وغيرها كثير، كملف دكاترة التعليم المدرسي، إذ ليس معقولا أن تصرف الدولة أموالا على تكوين أطر لا ترغب في الاستفادة من خبراتها في مجال تخصصها، عوض الجعل منها قاطرة للمشاريع الإصلاحية وفق الرؤية الاستراتيجية 2015- 2030 المعتمدة، فلا بد أن تجد هذه الملفات طريقها نحو الحل بتفعيل كل التوافقات التي تمت مع الفرقاء الاجتماعيين، وترجمتها إلى قرارات ملموسة، من شأنها أن تخفف من الاحتقان، وتعزز المكتسبات، وترفع من منسوب ثقة المجتمع في المدرسة العمومية، لأنها أساس الاستقرار وصمام الأمان، وأية محاولة تلكؤ وربح الوقت، هي معاكسة للتوجهات الملكية، وهدر للزمان المغربي، ومغامرة غير محسوبة تمس في الصميم باستقرار ومستقبل البلاد، ليس إلا. لذا، كفى: علينا أن نعود إلى رشدنا جميعا.