لنبدأ بقصة الاسم العائلي للمتهم الرئيسي في الشبكة التي وصفتها السلطات المغربية ب"أخطر شبكة إرهابية" لدى الإعلان عن تفكيكها يوم 18 فبراير الماضي، إذ ضمت مغاربة مهاجرين وسياسيين وأساتذة وأطر أخرى وأناس "عاديين". فالملاحظ أن الجرائد الوطنية أصبحت متفقة على صيغة "بليرج" عوض "بلعريج"، فالاسم العائلي نفسه للمتهم الرئيسي شكل هو الآخر لغزا، وإن كان شكليا. وفي هذا السياق نفترض جدلا أن السلطات تعمدت الترويج لاسم "بلعيرج" عوض "بليرج" باعتبار أن حرف العين أكثر رنة وأقرب إلى الالتقاط والحفظ. غير أن هذا الافتراض لا يمكن بأي حال من الأحوال استحضاره والقول إن ما نُسب إلى المعتقلين هو من نسج خيال السلطات الأمنية والقضائية. يمكن الإدلاء بملاحظات حول محاضر الضابطة القضائية وانتقاد تضخيمها للأحداث والمعطيات والتهم المنسوبة إلى المعتقلين، ومن حق الدفاع دائما المطالبة ببطلانها لعدم احترام مقتضيات بعنيها واردة قي قانون المسطرة الجنائية، ومنها ما يقول إن محاضر الضابطة القضائية في القضايا الجنائية تعتبر مجرد بيانات. لكن عندما يتعلق الأمر بما يرد في التحقيق التفصيلي المجرى من طرف قاضي التحقيق، فالأمر هنا مختلف، فالمتهم في هذه الحالة يوجد عمليا وقانونيا بعيدا عن كل ضغط أو عن كل ما من شأنه أن يعتبر إكراها بدنيا أو نفسيا يمارس ضده لانتزاع اعترافاته. وهذا ما يفسر صعوبة الطعن في محاضر التحقيق التفصيلي إلا بواسطة مسطرة معقدة تحتاج إلى أدلة قاطعة لأن الأمر يتعلق بمسطرة "الطعن بالزور". "" والواضح أن المثير في قضية "بليرج" هو الشق المتعلق باتهام ستة سياسيين بتهم ثقيلة قد تصل عقوبتها إلى الإعدام، وهي تهم أغلبها جاء على لسان متهمين آخرين صنفناهم في خانة "أناس عاديين". ولا يدخل ما سيأتي من كلام في باب البوليميك لأن القضية أصبحت أمام القضاء، ولا أعتقد أن سلطة القضاء تعتمد على القيل والقال أو تتأثر بما ينشر حول الملف سواء كان مصدره محاضر الضابطة القضائية أو محاضر التحقيق التفصيلي. فالمطلوب بالنسبة إلى ملف السياسيين المتهمين الحسم في طبيعة محاكمتهم، بمعني هل سيحاكمون لأنهم كانوا على صلة بشبكة "بليرج" ونشاطاتها في فترة ما ثم تخلوا عن ذلك بمجرد دخولهم العمل السياسي السلمي الواضح، أم أنهم يحاكمون لأن صلتهم استمرت بنشاطات الشبكة حتى بعد تأسيسهم للأحزاب وممارستهم العمل السياسي بشكل علني؟ ففي الحالة الأولى نقاش قانوني وسياسي، خاصة أن هناك من المسؤولين من تحدثوا عقب الإعلان عن تفكيك هذه الشبكة بأن السياسيين المعتقلين وعلى رأسهم المصطفى المعتصم وأمين الركالة والعبادلة وبختي، أضاعوا فرصة الاتصال بالراحل إدريس بن زكري، بصفته رئيسا للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وقبله رئيس هيأة الإنصاف والمصالحة، بما أنهم لم يستطيعوا الاتصال بالسلطات المعنية. ويضاف إلى هذا تصريحات صحافية لوزير الداخلية شكيب بنموسى أشار فيها إلى أن المتهمين لا يتساوون في طبيعة التهم المنسوبة إلى كل واحد منهم. كل هذه كانت مؤشرات، لكنها لم تحسم في مآل ملف السياسيين المعتقلين، شأنهم في ذلك شأن مجموعة من الألغاز التي بقيت عالقة بملف ضخم ينتظر أن يوضع على منصة هيأة المحكمة بجنايات الرباط بملحقة محكمة الاستئناف بسلا منتصف شهر أكتوبر المقبل. عمود "موعد آخر" للزميل الصحافي الحسين يزي (جريدة الصباحية)