وأخيرا فعلها حزب الاستقلال، وقرر الخروج من الحكومة مساء يوم السبت بعد اجتماع مجلسه الوطني الذي قرر بإجماع مغادرة حزب الاستقلال الحكومة الائتلافية التي يترأسها حزب العدالة والتنمية . كان القرار متوقعا على خلفية عدم التوافق بين حزبي الاستقلال والعدالة والتنمية، وعدم حصول الانسجام بينهما منذ الشهور الأولى ث، أدلى لخلافات احتدت بين الحزبين فتحول الصراع بينهما إلى "جذبة مُعَلَّكة" بلا بخور يوم فاتح ماي حيث أخرج كل من بنيكران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية وحميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال ما بجعبتهما من غل فتوعدا بعضهما البعض بالتنغيص والتشويش . وهذا ما حصل كل الأيام التسعة من ماي ، والتي توجت في يومها العشر بالقرار التاريخي لحزب الاستقلال في مجلسه الوطني ، وإن كان تفعيله يحتاج لموافقة اللجنة التنفيذية للحزب الاستقلالي. إن الكرة الآن عند حميد شباط ، والذي يمتلك ورقة قرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال القاضي بخروج حزب الاستقلال ،وما عليه إلا أن يزكيها بخاتم اللجنة التنفيذية إن كانت له فعلا مآخذ عن الحكومة وكان يرى بأنها تقود المغرب نحو الهاوية . لكن يبقى من السابق لأوانه أن يَعْتَبِرَ شباط تصويت حزب الميزان ب 870 صوتا من بين 976 المكونين لإجمالي أعضاء المجلس الاستقلالي" إنجازا سياسيا" ما لم تتضح الصورة في الأيام القادمة . إذ من الممكن أن ينقلب السحر على الساحر ، وتساهم تحركات شباط في تقويض شعبيته وسط المجلس الوطني لحزب الاستقلال وكذا في خدش صورته لدى مناصري خارج حزب الاستقلال والمتعاطفين معه داخل المغرب وخارجه ، فَيُنْظَرُ إليه على أنه بطل من ورق" وانتهازي بامتياز" يستغل الظروف لتحقيق مخططاته على حساب تاريخ الحزب ونضال رواده، واستقرار الوطن إن هو فشل في تقوية الحزب وإعطائه دفعة سياسية تزيد من شعبيته وانتشاره. وإن توابع كرة شباط في نفس الآن في ملعب حزب العدالة والتنمية ، الذي عليه هو الآخر الدفاع عن نفسه واستعمال كل دهائه كي يحول المأزق السياسي الذي وضعه فيه حزب الاستقلال إلى نصر . فأمامه عدة حلول تمكنه من الرجوع إما إلى الشعب لتأكيد أحقية زعامته أو اللجوء إلى ائتلاف جديد مع أحزاب أخرى أقل تحكيرا من حزب الاستقلال . والمؤكد أن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية سيحاول بكل ما أوتي من قوة من مقاومة " اشْمَالْ " حميد شباط الجريئة ، واستعادة توازنه من جديد استعدادا لفصل جديد وقوي من الانتقادات سيقودها حزب الاستقلال في حالة عودته للمعارضة . أما وإن غَلَّب بنكيران كفة الانتخابات قبل الأوان فلا شك بأنه سيكون لتلك الانتخابات طعم خاص لا يعني الصراع ولكن سيعني العزوف، لأن الشعب المغربي فعلا غير راض عن أدوار بعض السياسيين الغير مبدعين والغيرمنتجين لسياسة وطنية تقوي بالفعل الجبهة الداخلية. هذه الجبهة الداخلية التي تتبع بحسرة ما وصل إليه المغرب من تأخر على مستوى الذكاء السياسي ينطبق عليها المثل " أَشْ يْديرْ المَيّّتْ أَمَامْ غَسّّالو" ؟ تتساءل بدهشة عن ما يمكن أن تقوم به من أجل " إصلاحْ هَذْ الجَرّّة" . فقبل عام ونصف ساهم دافعوا الضرائب من المال العام بالملايير من أجل إجراء الانتخابات النيابية على أمل تحسين أحوال الناس وأحوال الوطن . وتمنى المواطنون خيرا من حكومة عبد الإله بنكيران على أسس الانسجام بين حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال اللذان ينهلان من نفس المرجعية . لكن الذي حدث هو التنافر عوض التقارب ، الذي أفضى إلى فكرة خروج حزب الاستقلال من الحكومة ، و قد يفضي إلى انتخابات سابقة لأوانها ستخرج تكاليفها من المال العام مرة أخرى في وقت كان من الممكن أن تصرف هذه الجهود وتلك الأموال في مشاريع تعزز موقع المغرب وتقوي حضوره في الداخل والخارج. وفي وقت كثر الحديث فيه عن أزمة لا يعرف تفاصيلها سوى حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال ، المسئولان عن الملف المالي والاقتصادي بالمغرب. لقد حدث ما كان يتوقعه عبد الإله بنكيران وكذلك حميد شباط ، ولا شك بأن كل واحد منهما له فكرة عما سيأتي ، ولا شك كذلك بأن كل واحد منهم يحس بالدفء وسط أنصاره ويتوعد الآخر . والسؤال أي أجوبة وتبريرات سيسوقها كل منهما للمغاربة لتوضيح الأسباب الحقيقية وراء تنافر حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال والتي أدلت لهذا المأزق السياسي بين حزبين كل منهما يدعي الأمانة والشجاعة للدفاع عن المغرب والمغاربة؟ لقد سقطت رمانة الحكومة فانشقت ، والمغاربة يريدونها أن " تتفركع" ، وأن تتشتت حباتها وتتناثر حتى يعلم المغاربة الأسباب الحقيقية التي كانت وراء أزمة الحكومة.وهي فرصة كي يميز المغاربة بين من هو صادق وهو معهم قلبا وقالبا ومن يضحك عليهم ويستغل طيبو بتهم وحبهم لوطنهم: هناك أحاديث عن سوء تفاهم داخل الحكومة وعن ديكتاتورية رئيس الحكومة، وعن عفاريت وتماسيح وعن تدابير وتسيير لا يضمن الاستقرار للمغرب مستقبلا . فهل هذا هو السبب أم هناك أمورا أخرى تتعلق بمحضر 20يوليوز، والخمسة عشر مليارا استثمارات، وعن حصص في المناصب السامية وكوطا النساء ، وصراع في المجالس والدوائر ، وصناديق التقاعد، واقتطاعات من أجور الموظفين، وصندوق المقاصة وغيرها؟ فهل لحزب العدالة والتنمية ما يفند به مزاعم الاستقلالين؟ وفي الأخير أعلق وأقول بأن حب الوطن بعد الله لا يضاهيه أي حب آخر ، فالوطن أوسع من الحزب، وأرحب من أي حكومة محكوم عليها بأنها ستذهب- يوما- ويبقى الوطن.من أجل ذلك لا يجب أن تأخذ أهداف الأحزاب ولا توجهاتها تحت أي ذريعة أسبابا لتمزيق الوطن أو لوضعه في مأزق يعرض مواطنيه للاختلافات السلبية المؤدية للتطاحن. الجمعيات والأحزاب والحكومات ما هي إلا أدوات تضمن استقرار الوطن وتقدمه ، ولا يجب تحت أي عنوان التضحية بالوطن من أجل أشخاص أو جماعات أو أحزاب همها هو السلطة على حساب الإنسان والوطن.