هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد السادس ليس خليفة الله في الأرض ولا غيره؟
نشر في هسبريس يوم 28 - 07 - 2008

كتب مصطفى العلوي، الأستاذ و عميد الصحفيين المغاربة كما يحلو للبعض أن يسميه في حقيقته الضائعة بالعدد : 453/890 ، بأن محمد السادس خليفة الله كما كان داوود عليه السلام خليفة الله. فأن يكتب شخص غرف و نهل لسنوات عدة من شتى الكتب والمؤلفات مثل هذه الخزعبلات التي تم زرعها في الكيان البشري لاستعباده والسيطرة عليه، يعتبر تصرفا مهينا في حق الخالق كما في حق المخلوقات. فمتى يا ترى عين الله محمد السادس خليفة له؟. ""
لا أحد يعرف. وهل رحل الله من المغرب وترك أمور تسيير شؤونه بيد محمد السادس إلى غاية عودته؟. ألا يعتبر هذا هراء و مسا صارخا بقدسية الله تعالى، بل وشركا وكفرا صريحا؟.
لهذا قررنا أن نكتب هذا المقال الذي سنميط من خلاله اللثام على هذه المسألة التي يظهر بأن كثيرا ممن يدعون بأنهم مسلمون يستخدمونها لإجبار الناس على الانقياد وراء حكام مستبدين و فاسقين، عن طريق استخدام الدين وتحريف مراميه، وهو نفس الشيء الذي يتهمون به أعدائهم الذين يسمونهم ظلاميين ورجعيين.
إن زرع هذا الاعتقاد الخاطئ الذي استخدم في جميع ما يسمونه أديان هو الذي جعل كثيرا من الناس يقولون بأن الإنسان خليفة الله في الأرض، خاصة من يسمون أنفسهم علماء أو فقهاء يخدمون البلاطات أكثر مما يخدمون دينهم، و لهذا تجدهم لا يعيرون هذه المسألة ما تستحق من اهتمام، حتى يتفادون الخوض في أمور تجلب عليهم سخط و نقمة الحكام، كون مسألة الخلافة هذه تم توظيفها منذ الأزل لخدمة مصالح الحاكمين المستبدين، الذين سعوا دوما ليزرعوا في عقول الناس بأنهم خلفاء الله في الأرض و يمثلونه وأن طاعة المحكومين واجبة تجاههم.
كما ذكرنا في البداية، نسمع دائما الناس يرددون بأن الله خلق البشر ليخلفوه في الأرض، و هذا يجعل كل مسلم و كل إنسان عاقل يحس بنوع من الامتعاض و التأفف لأن هذا الأمر مخالف تماما للحقيقة و للواقع و مجانب للصواب، بحكم أن الله سبحانه و تعالى يتواجد في كل مكان و كل زمان و هو الذي قال في كتابه الحكيم : ‘’ ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد. ‘’ (سورة ق الآية 16). فكيف نخلف إذن من هو أقرب إلينا من حبل الوريد؟. و هو الذي يطعمنا ويسقينا وإذا مرضنا يشفينا. كما يؤكد لنا سبحانه و تعالى في أكثر من آية بأننا لا نملك لأنفسنا لا نفعا و لا ضرا، فأين تتجلى هذه الخلافة المزعومة إذن؟.
فإذا انطلقنا من فكرة أننا خلفاء الله في الأرض، فهذا يعني أن الله عز و جل غائب لا وجود له فيها و لهذا نخلفه، ذلك أن الذي يخلف أحدا لا يفعل ذلك إلا في حالة غيابه أو زواله تماما.
أما إذا كان الله موجودا في الأرض وهذه هي الحقيقة فلا سبب إذن للخلافة. وهل يعقل أن لا يكون الله موجودا في الأرض ويعين الإنسان ليخلفه وكأن الأمر يتعلق برئيس إدارة أو قائد جيش، أو رئيس دولة؟.
العقل السليم والمنطق لا يقبلان هذا أبدا. فلا يمكن أن نتصور خالقا أقرب إلينا من حبل الوريد يجعلنا خلفائه في الأرض، خاصة عندما يبين لنا سبحانه وتعالى بأنه معنا دوما، بصفة دائمة ومستمرة حينما قال جل جلاله : ‘’ ألم ترى أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم. ‘’ (سورة المجادلة الآية 7) .
بعد هذه المقدمة البسيطة، لنبدأ بحثنا حول هذه الفكرة الخطيرة التي جعلت كل الناس، إلا من حكموا العقل و المنطق، يعتقدون بأن الإنسان خليفة الله في الأرض. فكرة وراءها ما وراءها لأن التمعن فيها يجعلنا نصل إلى أن لها مرجعية لا علاقة لها بفكر المؤمنين الحقيقيين الذين يملكون البصيرة، وأنها تشبه ما أخبرنا به الله حين قال في سورة ق الآية 38 : ‘’ ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب’’. و تعرفون بأن الآية تتعلق باليهود الذين قالوا بأن الله خلق السماوات و الأرض في ستة أيام و في اليوم السابع ارتاح. و قال أيضا مخبرا عن اليهود و النصارى : ‘’ وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير ‘’.(سورة المائدة الآية 18). ألا يشبه هذا ما يذهب إليه عامة المسلمين، إلا من رحم ربك، كون الإنسان خليفة الله في الأرض؟.
لنفترض بأن الله، حسب ذلك الاعتقاد الخاطئ، جعل الإنسان خليفته في الأرض. ترى، هل ليساعده مثلا على تصريف أمورها وشؤونها خلال غيابه؟. أليس هذا هو نفس الاتجاه الذي سار فيه اليهود وهم يعطون تفسيرا لمسألة خلق السماوات و الأرض في ستة أيام والراحة في يوم السبت وكونهم و كذا النصارى أبناء الله و أحبته؟. لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
إن فكرة خلافة الإنسان لله في الأرض ظهرت بشكل جلي بعد أن بدأ الصراع على السلطة وفرض القوانين الجائرة على الناس المستضعفين حتى يستسلموا ولا يقوموا بأي شيء من شأنه أن يهدد ويزلزل عروش الحكام.
ولا شك أن الذين زرعوا هذه الفكرة هم أنفسهم الذين زرعوا غيرها لجعل الناس يشركون بالله دون أن يشعروا، حتى يثبت عليهم أنهم لا يفقهون ولا يتفكرون في ذكر الله كما يفترض أن يكون التفكر والذكر. وقد نبهنا رسول الله محمد عليه الصلاة و السلام لهذا الأمر، لكن يظهر أن الناس طال عليهم الأمد فنسوا ما ذكروا به، حتى أن آيات القرآن أعطوها تفسيرات مجانبة للصواب و متناقضة أصلا مع العقل و المنطق و فيها افتراء و كذب واضحان. ولكون الذين يجادلون في هذه الفكرة الخاطئة ينطلقون من الآية الكريمة : ‘’ وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون. ‘’ (سورة البقرة الآية 30)، فإننا سنحاول أن نبين حقيقتها التي لا تحتاج سوى لقليل من التمعن و البحث في تاريخ الأرض من خلال الاكتشافات الحديثة.
ففي هذه الآية بلغ لنا الله سبحانه و تعالى خبرا يتعلق بحوار دار بينه وبين الملائكة بخصوص حالة الأرض في ذلك الزمن الغابر. زمن شهدت فيه الأرض التي يعتقد كثيرون خطأ بأننا أول من عاش على سطحها، أحداثا رهيبة و تحولات كبيرة. وبعد أن استقرت الأمور وأصلح الله ما أفسده المفسدون، قرر الله أن يعيد عمارتها من جديد. ولكن من سيعمرها؟. طبعا مخلوق سيسويه الله كما أخبر بذلك ويمده بكل ما يحتاج إليه ليقوم بهذه المهمة، حتى يتمكن من الحفاظ على الأمانة التي هي هذه الأرض بما تضمه من مخلوقات الله و بديع صنعه.
فعندما أخبر الله الملائكة بأنه قرر أن يجعل في الأرض خليفة، عبر الملائكة عن تفاجئهم بل وعن إشفاقهم، نظرا لما عاينوه من قبل على سطحها. ونجد في ردهم وصفا واضحا لبشاعة ما حدث على سطح هذه الأرض. فنحن نتواجد على سطح الأرض ليس لخلافة الله تبارك وتعالى، ولكن لخلافة أولائك الذين كانوا يعمرون الأرض قبلنا، والذين بسبب فسادهم و سفكهم للدماء، محاهم الله من على البسيطة و جعلهم كأن لم يكونوا أبدا، اللهم بعض آثارهم التي لا زال الباحثون حائرين فيها. قال الله تعالى : ‘’ يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون’’. (سورة البقرة الآية 21).
لم يقل الله تعالى أبدا للملائكة، إني جاعل في الأرض خليفة لي، بل قال إني جاعل في الأرض خليفة. أي خلفا لآخرين كانوا فوقها قبل أن يدرأ الله فيها آدم. في رد الملائكة على قرار الله سنعرف من سنخلف. سنخلف مخلوقات كانت هي الأخرى عبارة عن أمم جاءتهم هم أيضا رسلهم بالبينات، و لكن عندما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من العلوم المتقدمة، اعتقدوا بأنهم أصبحوا يملكون مصيرهم بين أيديهم و يملكون القوة الكاملة لبسط سيطرتهم على الأرض وإخضاع سكانها لنظام جائر. فكان أن كثرت أعمال الفساد و الحروب المدمرة التي دارت رحاها في كل مكان، والتي استعملت فيها أسلحة دمار شامل لا زالت آثارها بادية إلى الآن في عدد من مناطق العالم من خلال صخور و رمال لوحظ بأنها تعرضت لإشعاعات وحرارة شديدة.
لقد أشفق الملائكة من أن يدرأ الله في الأرض مخلوقات جديدة تسير على نفس النهج الذي سار عليه السابقون. فبعد أن استعادت الأرض زخرفها وزينتها وسكتت أسلحة الدمار وتوقفت صيحات الألم والخوف، ها هو الله قرر أن يجعل في الأرض من يخلف هؤلاء السكان السابقين كي يعمروها من جديد.
إلا أن الملائكة خافوا من أن تتكرر نفس الأحداث، من فساد وجور وتخريب وسفك للدماء، ليحسم الله الأمر مخبرا إياهم، أنه يعلم ما لا يعلمون.
قد نجد العذر و نسلم بأن مسألة خلافة الإنسان لله في الأرض، وردت خطأ في فترة من القرون الماضية كانت فيها الأبحاث و الاستكشافات منعدمة أو محدودة، و لكن في زمننا هذا لم يعد الأمر مقبولا. فلو تم التفكر و التدبر في تلك الآية فقط بما ورد فيها، لتم التوصل لحقيقة الأمر حتى بدون التوفر اليوم على معلومات تفيد بوجود مخلوقات قبلنا فوق هذه الأرض، كانوا هم أيضا يتوفرون على تكنولوجيا و قوى مذهلة لم يتمكن العلماء إلى غاية اليوم من فك رموزها أو استكشاف ألغازها و فهم كنهها.
فهل بعد هذا الذي فهمناه يمكن أن نتخيل هذا الإنسان الذي خلقه الله هلوعا و خلقه من ضعف يخلف خالقه في الأرض؟. هل يعقل هذا؟. و نحن لا نتوجه بسؤالنا هذا لعموم الناس البسطاء الذين يسيرون على نهج من سبقوهم أو من شرحوا لهم أمور دينهم كيفما اتفق، بل نتوجه بسؤالنا لعلماء الدين و الفقهاء و الدكاترة و الأساتذة و كل من يهمه أمر الدين و ما ورد في كتاب الله عز و جل، الذي ليس كمثله شيء، و الذي بين لنا في كتابه الحكيم في أكثر من آية أنه هو الله الذي يحيي و يميت، يتحكم في الطبيعة و يسيرها كيفما يشاء، ليأتي في الأخير من يقول لنا بدون خجل بأن الإنسان خليفة الله في الأرض، يخلفه في ماذا يا ترى؟ . من لديه جواب مقنع فليتفضل و ليقل لنا في ماذا جعلنا الله نخلفه في الأرض؟.
لنرى الآن كيف أن الله بين لنا أمر هذه الخلافة التي تم تحريف معناها لتصب في شرك و كفر واضحين يقع فيهما كل من لا يتدبر هذه المسألة بتعقل و حكمة. فهناك عدة آيات تتعلق بالخلافة، و سنلاحظ بأن الله تعالى لا يقول في أي منها أن الإنسان سواء أكان فردا أو جماعة يمكن أن يخلفه. قال الله تعالى : ‘’ يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ‘’. ( سورة ص الآية 26). هل قال الله لداوود إنا جعلناك خليفة لنا في الأرض؟. لا و لكن قال خليفة في الأرض، أي ليخلف الذين كانوا قبله من الأنبياء و يحكم مثلهم بالحق و العدل.
و في آية أخرى قال الله تعالى : ‘’ هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا ‘’. (سورة فاطر الآية 39) . لم يقل الله هو الذي جعلكم خلائفه في الأرض، بل قال خلائف في الأرض. نخلف من سبقونا و الذين عبروا عن كفرهم فوقع عليهم كفرهم الذي لم يجلب لهم سوى مقت الله لهم، فكان ذلك سببا في خسارهم و هلاكهم.
أما الآية التالية فستبين لنا شيئا آخر. قال الله تعالى : ‘’ فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين’’. (سورة يونس الآية 73) . هنا ستفهمون بأن الأمر يتعلق بنوح عليه السلام و الطوفان المدمر. فعندما تشبث قوم نوح بطغيانهم و ضلالهم، لم يبقى شيء يمكن عمله سوى تدميرهم لأنهم لن يورثوا أبنائهم و أحفادهم سوى الفجور و الكفر كما جاء على لسان نوح عليه السلام. و هذا هو حال الذين سبقونا فوق هذه الأرض، و كأن الله تعالى أراد أن لنا ينقل صورة مصغرة من أحداث شريط قديم جدا دارت أحداثه فوق الأرض قبل أن يجعلنا فيها خلائف، و ذلك من خلال واقعة الطوفان.
فبعد هذا الطوفان المهول، هلك جميع الذين لم يكونوا مع نوح في الفلك، لتنطلق عمارة جديدة، و ربما هنا سيعرف الملائكة لماذا قال لهم الله : ‘’ إني أعلم ما لا تعلمون ‘’. هذه المرة لم يدمر الله سكان الأرض كلية، بل أنقذ الله نوحا و من تبعه. لم يقل الله عنهم و جعلناهم خلائفي أو خلائفا لي و أغرقنا الذين كذبوا بآياتنا، بل قال خلائف فقط. خلائف لمن؟ . خلائف للذين كفروا و كذبوا نوحا عليه السلام. و كما نعلم، فإن جميع سكان الأرض حاليا ينحدرون من سلالة نوح و أبنائه. و إذا تأكد لنا بأن نوحا و من معه خلفوا على الأرض القوم الظالمين، فأين نحن إذن من كوننا خلفاء الله في الأرض حسب رأي الضالين؟.
لنستحضر آية أخرى يقول فيها جل جلاله : ‘’ وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين ‘’. (الأنعام الآية 133). هنا يبدأ أمر الاستخلاف يتوضح لنا أكثر، لنصل إلى الحقيقة التي مفادها أننا لسنا خلفاء الله في الأرض، و إنما خلفاء من سبقونا، ولنفهم أيضا بأن هناك خلافتان حدثتا. خلافة الذرية الأصل، التي هي ذرية آدم التي خلفت ذرية سابقة كانت تعيش فوق الأرض، و خلافة الذرية النسل و هي التي بدأت مع نوح و من كان معه في الفلك. قال تعالى : ‘’ وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون’’. (سورة يس الآية 41) .
و في آية أخرى سنمسك بالدليل القاطع الذي يدل على أن أمر الخلافة في الأرض هذا ليس كما تم تصويره للناس لإذلالهم، و لكن شيئا آخر تماما يضع كل واحد في وضعه الأصلي، فيقول تعالى : ‘’ أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون ‘’.(سورة الأعراف الآية69). مرة أخرى نرى بأن الله لم يقل، إذ جعلكم خلفاءه من بعد قوم نوح، بل قال جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح. فإذا كنا نخلف في الأرض أحدا ما، فإننا نخلف قوم نوح الذين فسقوا و فجروا و كفروا فعاقبهم الله بأن أغرقهم ليس إلا.
أما في الآية التالية، فسنرى بأن الاستخلاف في الأرض ليس له علاقة بالقيام بإنجاز فوضه الله للإنسان و إنما هو ابتلاء و امتحان. قال الله عز و علا : ‘’ وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم’’. (الأنعام الآية 165). لم يقل الله، و هو الذي جعلكم خلائفه في الأرض، بل قال : وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ، أي نعمرها مكان آخرين سبقونا، و ليبتلينا فيما أتانا حتى يرى كيف سنعمل. و انظروا ماذا قال الله تعالى مخبرا عن صالح عليه السلام و هو يعظ قومه : ‘’ وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب’’. (سورة هود الآية61).
الخلافة إذن هي خلافة من سبق من مخلوقات و أقوام و استعمار في الأرض كما يتضح من الآية السالفة. فمن زرع إذن فكرة أننا خلفاء الله في الأرض في عقول المسلمين، مع أن كل ما أوردته من آيات يدل على أن ذرية آدم قدر لها الله أن تخلف ذرية سابقة كانت تعمر الأرض، و لأنها ذرية فاسدة سفاكة للدماء عاقبها الله بمحوها و قرر أن يستخلف مكانها ذرية أخرى انطلاقا من أب البشرية آدم.
فعلى كل من يعتقد بأننا خلفاء الله في الأرض أن يتقي الله و يستغفره كثيرا لأنه أمر غير هين. ترى، هل هناك عقل سليم يتقبل فكرة أن الإنسان خليفة الله في الأرض؟. سنخلفه في ماذا؟، نحن الذين لا نملك لأنفسنا لا جلب نفع و لا دفع ضرر إلا بإذن الله. فالله يخلق و يزيد في الخلق ما يشاء، أما نحن فلا نستطيع أن نخلق و لو جناح ذبابة. فهل بحالنا هذه يمكننا أن نخلف الله في شيء؟.
إن الله سبحانه و تعالى منحنا أمانة و لم يمنحنا خلافة إلا خلافة من سبقونا. و لو شاء الله لفعل أمرا آخر كما هو مبين في الآية التالية : ‘’ ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون’’. (الزخرف الآية 60). لم يقل الله يخلفوني بل قال يخلفون. فسواء تعلق الأمر بمخلوقات لا يعرف سوى الله سر خلقها أو ملائكة أو غيرها، فالله فعال لما يريد و يدرأ في أرضه ما يشاء. و ما دام أنه يتصرف في كل شيء فأين تكمن إذن هذه الخلافة التي يروج لها كل من طمس الله على بصيرته، أو طمع في الحفاظ على سلطته، أو أولائك الذين يفعلون ذلك ليوقعوا الناس في الشرك الخفي؟. فلو كان المسلمون يتدبرون كلام الله بتعقل لما وقعوا في هذا الخطأ الفادح.
لقد بدأ هذا المنكر مباشرة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم، حينما قالوا لأبي بكر رضي الله عنه: يا خليفة الله. فرد قائلا : لست بخليفة الله، و لكن خليفة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، حسبي ذلك. و قد كان الرسول صلى الله عليه و سلم يدعو بهذا الدعاء : اللهم أنت الصاحب في السفر و الخليفة في الأهل، اللهم اصحبنا في سفرنا و اخلفنا في أهلنا. فالله الرقيب الحافظ المطلع هو الذي يخلف المرء في أهله أو قومه أو أمته. فالله الحي القيوم الذي يعلم ما في السماوات و الأرض لا يمكن أن يخلفه أي كان.
إن ما يذهب إليه عامة المسلمين من أن الله جعل الإنسان خليفته في الأرض أمر مخالف للواقع و الحقيقة و الشرع، و بعيد كل البعد عن الصواب. قال الله تعالى : ‘’ ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون’’.(سورة يونس الآية 14). لم يقل الله ثم جعلناكم خلفاء لي في الأرض، بل خلائف في الأرض، أي خلائف لمن سبقوكم أو لمن كانوا قبلكم.
كل ما في الأمر إذن، هو أن الله سبحانه و تعالى يدرأ ذرية أو قوما أو أمما في الأرض لينظر كيف سيعملون. فإذا ما تشبث الناس بإيمانهم بالله الواحد الأحد و أصلحوا و عبدوا الله مخلصين له الدين، فإنهم سينالون رحمة الله و رضوانه. أما إذا كفروا و استكبروا و عاثوا في الأرض مفسدين، فإن الله يذهبهم و يخلف آخرين مكانهم، كما قال في الآية الكريمة : ‘’ إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا’’. (سورة النساء الآية 133). كما قال الله تعالى أيضا : ‘’ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا’’.(سورة مريم الآية59).
يتعين إذن على كل من فهم هذه المسألة و عقلها بعد تدبرها، أن يستفيق من غفلته و يعلم أنه إله واحد يدبر الأمر كيفما يريد، و هو القوي الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن. فكيف يجعل مخلوقا يخلفه في الأرض؟. و ليعترف الذين يعتقدون هذا الأمر بأنهم مخطئون، و ليتوبوا إلى خالقهم غافر الذنب، و يكفروا عن هذا الخطأ الشنيع بأن يمحوا هذه الفكرة الخاطئة من عقول المسلمين، و التي بواسطتها و غيرها، مما سنبينه لاحقا إن شاء الله، يشركون بالله و يحطون من عظمته و جلاله و يساوون أنفسهم به، تبارك الله سبحانه و تعالى عما تصف ألسنتهم و عما يشركون. أما بالنسبة للأستاذ مصطفى العلوي، فعليه أن يكتب مقالا بهذا الخصوص يكفر به عما صدر عنه و يعتذر لقرائه الذين تلقفوا ما كتبه دون ان يتفكروا في الأمر، ليستمروا في نفس الاعتقاد الخاطئ، الذي يعتبر شركا و كفرا.
و خير ما نختم به هو قول الله عز و جل : ‘’ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون’’. (سورة النور الآية55). و الله أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.