سَيُزَاحم مزاليط الخارج، اخوانهم بالداخل، في طوابير الحصول على بطاقة المُساعدة الطبية "راميد"،عندما سمعت جدتي- حفظها الله- هذا الخبر ضحكت كثيرا، لأنها لم تكن تتخيل في يوم من الأيام أن يشتكي المهاجرون المغاربة من "الزلطة"، مثل آلاف الفقراء بالمغرب، الذين يعيشون في البراريك بضواحي المدن ووسطها، وفي شقق ضيقة داخل المدن الكبيرة مثل البيضاء، والرباط وفاس وطنجة ومراكش، وفي أعالي الجبال، وسفوحها بأنفكو، و ايمنتانوت، و خنيفرة وغيرها من مناطق المغرب الغريق. ورغم محاولاتي الكثيرة لشرح ظروف عيش بعض الزماكرية في بلاد المهجر، ومُعاناتهم المَريرة مع القُوت اليومي، فضلا عن ذل الغُربة، إلا أنها باءت بالفشل، لأن المغاربة الذين يعيشون في الخارج، كانوا إلى وقت قريب، مواطنين "قطعوا البحر ونشفو رجليهم"، ويعيشون في بحبوحة، ومعظمهم يملك سيارة آخر موديل، يتبخترون بها على أبناء جيرانهم، ومنهم من يغري بها البنات، ومنهم من ترافقه زوجته الفرنسية أو الايطالية أو الهولندية، لتتجول معه في دروب مدينته، وتجلس في مقهى راس الدرب، ومنهم مقاولين، وأرباب مخابز ومقاهي، أطلقوا عليها أسماء المدن الأوروبية التي يعيشون فيها. فكيف سيستفيدون اليوم من "راميد"، ومستشفيات بلدان المهجر، من أجمل وأنظف المؤسسات الصحية، والدليل هو أن بعض المسؤولين المغاربة يقصدونها عند أي نزلة زكام تُصيبهم ؟ أتابع الشرح لجدتي، إن بعض المهاجرين لا تشملهم أنظمة التغطية الصحية في بلدان اقامتهم، فترفض أن تقتنع بهذه الأدلة التي أسوقها إليها، وتتذكر كيف أن شقيقتها –رحمها الله- التي كانت تعيش ببلجيكا، تحكي لها كيف يتعامل الأطباء والممرضون مع المريض، وكيف يَستقبلونه، ويُتابعون حالته لحظة بلحظة. وعوض أن أقنعها، أكاد أساندها، لأنني رافقت وَالدي -رحمه الله-، في رحلة علاجه التي حط رحالها الأخيرة في الجناح "ب" بالمُستشفى الجامعي ابن سينا بالرباط، حيث لا تَنْفَع بطاقة "راميد" في غياب الأطباء، والدواء، والأجهزة الطبية المُُعطلة باستمرار. معك حق جدتي، كيف سيستفيد مغاربة العالم من هذه البطاقة، في غياب بنية تحتية صحية متينة، فالبطاقة، مجرد قرينة، وليست حجة على وجود الشيء الذي تدل عليه، سيما في موضوع الصحة، الذي يفترض فيه أن يتساوى فيه، الغني والفقير، العامل والمعطل، والصغير والكبير، عوض أن يجد صاحب المال من يعتني به، والمُعدم الفقير يرمى إلى الشارع، لأن جيوبه فارغة، فلا حق له في التطبيب، لأن بعض أطبائنا سامحهم الله، يسيل لعابهم على الدرهم، مُتناسين قسم أبقراط. المهم حاولت مرة أخرى، أن أشرح لجدتي، بأن الدول الأوروبية تعاني هي الأخرى بسبب الأزمة الاقتصادية، وكان لذلك انعكاسات سلبية على الجالية المغربية المقيمة بالخارج، وقدمت لها أمثلة لبعض أقاربنا الذين عادوا إلى للاستقرار بالمغرب بشكل نهائي، بسبب الوضعية الصعبة هناك، غير أنها تشبثت بوجهة نظرها، التي تقول فيها، بأن البطاقة المسماة "راميد"، يجب أن يَستفيد منها أولا، فقراء الداخل، وإذا "شاط الخير"، نوزعه على الباقين، سيما أن بعض المهاجرون يمكنهم طلب الاستشفاء في البلدان التي يعيشون فيها، على الأقل هناك يوجد الطبيب والممرضة والدواء في كل وقت، وتوجد معهم العناية بالمريض، بينما هنا رغم وجود "راميد"، يغيب الطبيب والمُمرضة والدواء، وقاعات فحص تتجول فيها الصراصير بحرية. تقول جدتي، وهي ترتشف كأس شاي "اللي يطلب الله، أولدي، يطلب صحتو، فهي الفضل وراس المال".