ردا على مقالة بوديوك أساس هذه الاتهامات هو حديث صحيح يُعرف بحديث ناقصات عقل. وسوف نستعرض في هذه المقالة نص الحديث والقراءات السريعة الخاطئة له، ونبين أن وصف النساء بأنهن ناقصات عقل لا يحط من قدر عقولهن ولا من مكانتهن، لا سيما إذا تبين لنا أن هذا الوصف ينطبق أيضا على الرجال. كما أن أية امرأة مسلمة سوف تفخر بكونها كذلك إذا ما جرت المقارنة بينها وبين كثير من العظماء والزعماء والعلماء من الكفار الذين نفى الله عنهم العقل بالكلية ، وأن عقلوهم ومكانتهم لا تغني عنهم من الله شيئا إذ لم يتوصلوا بها إلى أن ينالوا رضوان الله وجنته . بل يمكن القول أن أية امرأة مسلمة هي أعقل من أينشتاين الذي يضرب بذكائه المثل ، ولكنه لم يوصله إلى الدخول في الإسلام ولا نيل الجنة . حديث" ناقصات عقل" هذا الحديث رواه الشيخان (البخاري ومسلم) وأصحاب السنن ، وهو صحيح الإسناد والمتن . وسوف نكتفي برواية مسلم ، فقد روى رحمه الله في صحيحه في باب الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال : { يا مَعْشرَ النساء تَصَدَّقْنَ وأكْثِرْن الاستغفار ، فإني رأيُتكُنَّ أكثر أهل النار . فقالت امرأة منهن جَزْلة : وما لنا يا رسول الله أكثرُ أهل النار؟ قال : تُكْثِرْنَ اللَّعن ، وتَكْفُرْنَ العشير ، وما رأيت من ناقصاتِ عقلٍ ودين أغلبَ لذي لبٍّ مِنْكُن . قالت يا رسول الله وما نقصانُ العقل والدين؟ قال : أما نُقصانُ العقل فشهادة امرأتين تعْدِلُ شهادةَ رَجُل ، فهذا نقصان العقل ، وتَمكثُ الليالي ما تُصلي ، وتُفطر في رمضان ، فهذا نقصان الدين } . ومعنى الجَزْلة أي ذات العقل والرأي والوقار ، وتَكْفُرْنَ العشير أي تُنكرن حق الزوج. ولا يمكن فهم هذا الحديث بمعزل عن آية الدَّيْن التي تتضمن نصاب الشهادة ، وذلك في قوله تعالى : { واستَشْهدوا شهيدين من رِجالِكم ، فإن لم يكونا رَجُلَيْن فرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرضَوْن من الشُّهداء ، أنْ تَضِلَّ إحداهما فَتُذَكِّرَ إحداهما الأخرى } البقرة 282 . فالعلاقة بين هذه الآية والحديث وثيقة الصلة ، بل يكاد الحديث يُحيلنا إلى الآية صراحة . الفهم الخاطئ للحديث والمناقض للواقع من الواضح أن الذين يتهمون الإسلام بأنه ينتقص من عقل المرأة قد بنوا أفكارهم على الحديث السابق . فقد فهموا منه أن النساء ناقصات عقل ، أي أن قدرات النساء على التفكير هي اقل من قدرات الرجال . وهذا جرياً على المعنى الدارج للعقل من أنه عضو التفكير ، ولسان حالهم يقول بأن جهاز التفكير عند المرأة أضعف من جهاز التفكير عند الرجل ، وأن هذا ينطبق على أية امرأة وعلى أي رجل في الدنيا. ولكن الحديث نفسه ، وجرياً على هذا المفهوم ، يبين أن المرأة لا تقل في عقلها عن الرجل من حيث أنها ناقشت الرسول ، وأنها جزلة أي ذات عقل وافر ، ومن حيث أن الواحدة منهن تَذهب بعقل اللبيب أي الوافر العقل . فكيف تَذهب بعقله إذا لم تكن أذكى منه أو أنه ناقص عقل على أقل الاحتمالات؟ بالإضافة إلى ذلك فإن الإسلام يعتبر أن المرأة والرجل سواء أمام التكاليف الشرعية من حيث الأداء والعقوبة ، فلو كانت المرأة ناقصة عقل ، فكيف يكون أداؤها وعقوبتها بنفس المستوى الذي للرجل ، فهذا ينافي العدل الذي يتصف به الله جل في علاه وينادي به الإسلام . فناقص العقل لا يُكلَّف بمثل ما يكلف به من هو أكمل منه عقلاً ، ولا يُحاسب بنفس القدر الذي يُحاسب به ، على فرض أن الرجل أكمل عقلاً من المرأة. إن حديث "المرأة ناقصة عقل ودين"ورد في صحيح البخاري،وغيره من كتب الحديث، وروي من طرق متعددة كما أسلفت، ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر؛ إلى المصلى" هذا الحديث بهذه الرواية تعلق به صاحبنا وغاية ما صنع أنه ردد ماقاله أسلافه ولم يأت بجديد "تمخض الجبل فولد فأرا" ممن بضاعتهم مزجاة في علوم الحديث وقوانينه ويزعمون أن اضطراب الراوي واضح وظاهر في قوله"في أضحى أو فطر"وهذا وحده كاف لرد الحديث وزعمه أن هذا الحديث يتعارض مع ما جاء في القرآن من تقرير المساواة بين الرجل والمرأة،وأيضاً هذا الحديث يتعارض مع قول النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة رضي الله عنها"خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء"فكيف يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن النساء إنهن ناقصات عقل ودين ثم يأمرنا أن نأخذ ديننا عن امرأة غير مكتملة العقل مع الأسف هذه الشبه التي تعلق بها ليست من بنات أفكاره بل مسبوق ،وإنما هي غاية مايملكون بخصوص هذا الحديث ويتوارثوها جيلا بعد جيل إذا فهي شبه ثلاث أستعين بالمعين لنسفها نسفا مقتضبا أولا: دعوى الاضطراب مردودة فالحديث رواه الشيخان البخاري ومسلم في صححيهما وليس فيه اضطراب يطعن في صحته بأي وجه من وجوه الطعن التي ترد الحديث وتخرجه من نطاق الحجية ومعلوم أن الحديث قيل في مناسبة كبيرة هي العيد، كان ذلك بعد أن انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من صلاة العيد كما أن الروايات التي تحدثت عن أن الحديث قيل في يوم عيد لا غبار عليه، وفي الرواية التي أراد أبو سعيد أن يحدد فيها العيد على وجه الدقة ترددين أن يكون هذاهوعيد الفطر،أوعيد الأضحى وهنا نتساءل :ماالإضطراب الذي يوجب رد الحديث؟وهل قال أحد من أهل العلم أن الحديث مضطرب؟أليس موجودا في الصحيحين الذين أجمعت الأمة على صحتهما والأخذ بهما؟ لعله من الجدير بالذكرأن نورد تعريف الإمام السيوطي للحديث المضطرب قال:"الحديث الذي يروى على أوجه مختلفة متقاربة فإن رجحت إحدى الرواتين بحفظ راويها، أو كثرة صحبته المروي عنه ،أوغير ذلك فالحكم للراجحة و لا يكون مضطربا،والاضطراب يوجب ضعف الحديث لإشهاره بعدم الضبط، ويقع في السند تارة وفي المتن تارة أخرى"تدريب الراوي للسيوطي1/332 فأين رواية الحديث بأوجه مختلفة من راو مرتين أو أكثر أو من راويين أو رواة في حديثنا هذا مع عدم المرجح؟ إن كل روايات الحديث متعاضدة ومتآزرة وإنما حدث الشك من الراوي - كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح-في تحديد العيد هل كان الأضحى أو الفطر؟وخروجا من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الاحتمالين. فهل هذا يقدح يا أستاذ في صحة متن الحديث؟علما أنه قد رواه غير أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقد رواه عبد الله بن عمر كما في صحيح مسلم. ثم لو سلمنا جدلا بأن في الحديث نوعا من الاضطراب- وهذالم يصح- فإن هذا غير قادح في صحة الحديث لأن الاضطراب قد يجامع الصحة كما قال الحافظ السيوطي.. ثانيا: زعمك أن الحديث يعارض القرآن الكريم ،فهذه مدرسة معروفة يتسمون بالقرآنيين ويناقضون أنفسهم إذ القرآن يدعوا إلى طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً فالقرآن الكريم سوى بين الرجل والمرأة في أصل الخلقة والتكليف لكن اختص كل واحد منهما بأحكام دون الآخر. إن الآيات التي تتناول الحديث عن المساواة بين الرجل والمرأة في الإنسانية والموالاة وتكاليف الإسلام والإيمان وادخار الأجر،وارتقاء الدرجات العلى في الجنة كثيرة صريحة فيما هدفت إليه، ولا تعارض بحال من الأحوال مع تلك الأحاديث الصحيحة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم بشأن المرأة ثالثا : من الشبهاتِ التي اعتمدها و لا وزن لها ،والتي تدل على جهلِ مثير يهابفنون الرواية والدراية أنهم قالوا :إن رسولَ الإسلام قال عن زوجته عائشة لأصحابِه : وأوصاهم أن يأخذوا العلم منها ... فقال : " خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء يعني عائشة " إن الحديث المستدل به لا يصح فهو موضوعٌ على نبيِّنا صلى الله عليه وسلم يدلل على ذلك ما يلي: 1-قال الشيخ الألباني- رحمه اللهُ- في إرواء الغليل : موضوع مكذوب على رسول الله r... حديث موضوع انظر " المنار المنيف " للعلامة ابن القيم.أه 2- قال ابنُ القيم - رحمه اللهُ- : وكل حديث فيه " ياحميراء " أو ذكر الحميراء فهو كذب مختلق مثل : يا حميراء لا تأكلي الطين فإنه يورث كذا وكذا، وحديث : ( خذوا شطر دينكم عن الحميراء ) المنار المنيف /60 ونقله العجلوني في كشف الخفاء 1/450 3- قال الذهبي - رحمه اللهُ- :"وقد قيل : إن كل حديث فيه يا حميراء لم يصح" سير أعلام النبلاء 2/167 4- قال ابنُ كثير - رحمه اللهُ-: وأما الحديث الثاني وهو: ( خذوا شطر دينكم عن الحميراء ) فهو حديث غريب جدا بل هو منكر سألت عنه شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي وقال : لم أقف له على سند إلى الآن . وقال شيخنا أبو عبد الله الذهبي : هو من الأحاديث الواهية التي لا يعرف لها إسناد ) تحفة الطالب /170. أه 5- الحافظ ابن حجر- رحمه اللهُ-: لا أعرف له إسنادا ولا رأيته في شيء من كتب الحديث إلا في النهاية لابن الأثير ذكره في مادة ح م ر ولم يذكر من خرجه ورأيته في الفرد وسيغير لفظه وذكره عن أنس بغير إسناد بلفظ خذوا ثلث دينكم من بيت الحميراء " كشف الخفاء 1/450 وقال - رحمه اللهُ-: " وفيرواية النسائي من طريق أبي سلمة عنها دخل الحبشة يلعبون فقال لي النبي r: ( يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم ) فقلت : نعم . إسناده صحيح ولم أرفي حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا " فتح الباري 2/444 6- قال المزي - رحمه اللهُ- :"وكل حديث فيه ياحميراء فهو موضوع " ولا يعني قولنا بنكارة حديث "الحميراء"أننا نطعن في مكانة السيدةعائشة رضي الله عنها العلمية والدينية، كلا بل إنها قد بلغت من العلم بأحكام الدين مالم يبلغه آحاد الرجال من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مسروق: ل"قد رأيت مشيخة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يسألونه عن الفرائض"مصنف ابن أبي شيبة7/325 قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه:" ماأشكل علينا حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما" هذه بعض الآثار التي رويت في بيان سعة علم عائشة رضي الله عنها حتى لايتوهم متوهم أننا نرد الباطل بغير دليل ،أو ندعي الحق بغير برهان،ولابد من توضيح المعنى الصحيح للحديث الذي معنا حتى لأيتام النبي صلى الله عليه وسلم بمعاداة المرأة أو الحط من قدرها. يبدو أن ما يتبادر إلى أذهان هؤلاء الذين يتيهون فرحاً وطرباً باتهام الإسلام اأنه يعتبر المرأة ناقصة عقل قوله صلى الله عليه وسلم : "وما رأيت من ناقصات عقل" . فاستنتج هؤلاء أن النساء ناقصات عقل ، وأن نقص العقل هو نقص في القدرات العقلية ، أي أن قدرات النساء على التفكير هي أقل من قدرات الرجال . بمعنى أن المرأة تختلف عن الرجل في تركيبة العقل فهي أقل منه وأنقص ، أي أن تركيبة الدماغ عند المرأة هي غيرها عند الرجل . ولو أنهم تدبّروا الحديث لوجدوا أن هذا الفهم لا يمكن أن يستوي ، وأنه يتناقض مع واقع الحديث نفسه ، وذلك للملاحظات التالية : • ذكر الحديث أن امرأة منهن جَزْلة ناقشت الرسول . والجزلة ، كما قال العلماء ، هي ذات العقل والرأي والوقار ، فكيف تكون هذه ناقصة عقل وذات عقل ووقار في نفس الوقت ؟ أليس هذا مدعاة إلى التناقض؟• تعجب الرسول صلى الله عليه وسلم من قدرة النساء وأن الواحدة منهن تغلب ذا اللب أي الرجل الذكي جدا ، فكيف تغلب ناقصة العقل رجلا ذكيا جدا؟• أن هذا الخطاب موجه لنساء مسلمات ، وهو يتعلق بأحكام إسلامية هي نصاب الشهادة والصلاة والصوم . فهل يا ترى لو أن امرأة كافرة ذكية وأسلمت ، فهل تصير ناقصة عقل بدخولها في الإسلام؟! فهذا الفهم حصر العقل في القدرات العقلية ولم يأخذ الحديث بالكامل ، أي لم يربط أجزاءه ببعض ، كما لم يربطه مع الآية الكريمة . فالحديث يعلل نقصان العقل عند النساء بكون شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد ، والآية تعلل ذلك بالضلال والتذكير . ولم تصرح الآية بأن النساء ناقصات عقل ، ولا أن الحاجة إلى نصاب الشهادة هذا لأجل أن تفكير المرأة أقل من تفكير الرجل. وعليه فإن التفكير ليس مجرد قدرات عقلية أو ذكاء ، بل هو أوسع من ذلك وتدخل فيه عوامل كثيرة ويمر في مراحل متعددة ، فهو عملية معقدة وليست بالبسيطة . كما أن العقل في مفهوم القرآن والسنة هو أوسع من مجرد التفكير ، إذ هو لفت انتباه للتفكير من أجل العمل . ولهذا فسوف نلاحظ دقة التعبير في الحديث ، فهو عبر بناقصات عقل مما يعني أن النقص هو في عوامل أخرى تؤثر في التفكير وليس في نفس القدرات الفطرية أي ليس في قدرات الدماغ ، كما يتوهم كثيرون. وعليه فإن نصوص القرآن والسنة لا تفرق بين قدرات المرأة العقلية وقدرات الرجل ، ويتجلى ذلك في الخطاب الإيماني العام لكل من الرجل والمرأة . هذا بالإضافة إلى كثير من النصوص التي تتحدث عن ذكاء النساء وقدراتهن وآرائهن السديدة في مواضع متعددة من الكتاب والسنة . فإذا كان لم يثبت علميا أي اختلاف في قدرات النساء العقلية عن قدرات الرجال ، ونصوص القرآن والسنة لا تعارضان هذا ، فمعنى هذا أن نقصان العقل المشار إليه ليس في القدرات العقلية . فالتفكير عملية معقدة تدخل فيها القدرات العقلية ، ويدخل فيها عوامل أخرى منها الإدراك الحسي والدوافع والموانع والخبرة. والحمد لله رب العالمين