المغرب يستورد زيت الزيتون من البرازيل    السقوط من الطابق الثالث ينهي حياة أم بطنجة    أمن البيضاء يحقق مع جزائريين وماليين على خلفية دهس بين 7 أشخاص بسيارات رباعية    ميناء طنجة المتوسط يقوي قدراته اللوجستية باستثمار 4 مليارات درهم    الدرهم يتراجع بنسبة 1,18 في المائة مقابل الدولار الأمريكي بين شهري شتنبر وأكتوبر (بنك المغرب)    وقفات تضامنية مع غزة ولبنان بعدد من مدن المملكة        عدد وفيات مغاربة فالنسيا بسبب الفيضانات بلغ 5 ضحايا و10 مفقودين    الدريوش يتلقى استدعاء لتمثيل هولندا    بواسطة برلمانية.. وهبي يلتقي جمعية هيئات المحامين بالمغرب غدا السبت    فعاليات الملتقى الجهوي الثالث للتحسيس بمرض الهيموفيليا المنعقد بتطوان    مدافع الوداد جمال حركاس: تمثيل "أسود الأطلس" حلم تحقق        أكديطال تتجه لتشييد مصحة حديثة بالحسيمة لتقريب الرعاية الصحية    الوسيط يعلن نجاح الوساطة في حل أزمة طلبة الطب والصيدلة    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت    سانت لوسيا تشيد بالمبادرات الملكية بشأن الساحل والمحيط الأطلسي    منظمات أمازيغية تراسل رئيس الجمهورية الفرنسية حول استثناء تعليم اللغة الأمازيغية    ابنة أردوغان: تمنيت أن أكون مغربية لأشارك من أسود الأطلس الدفاع عن فلسطين    حجوي: 2024 عرفت المصادقة على 216 نصا قانونيا    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    المغرب وفرنسا… إضاءة التاريخ لتحوّل جذري في الحاضر والمستقبل    "جبهة نقابية" ترفض المس بالحق الدستوري في الإضراب وتستعد للاحتجاج    الطفرة الصناعية في طنجة تجلعها ثاني أكبر مدينة في المغرب من حيث السكان    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    وسيط المملكة يعلن عن نجاح تسوية طلبة الطب ويدعو لمواصلة الحوار الهادئ    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان        إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نعمة الصندوق ... نقمة الصندوق
نشر في هسبريس يوم 26 - 04 - 2013

هل ما خيف منه وقع..؟ وما عوَّمه التهريج والتدبيج الخطابي الرنان، حدث؟ فالعفاريت خرجت من القمقم، والأفاعي تتلوى ذات اليمين، وذات اليسار، راقصة، منتشية بأنغام المزمار، وضربات الدف، وحركات الحاوي الرشيقة. والخناق يشتد على الحكومة، والأزمة بدأت تحكم قبضتها على البلاد والعباد.
هكذا، وفي غمرة الثرثرة والضحك، والاستنجاد "بابن المقفع" في كل وقت وحين، تبرز المعضلة الاقتصادية، والضائقة المالية، تلك التي حاول الحزب الإسلامي الذي يقود الحكومة، إخفاءها، والتعتيم على المنذرين بها، برشقهم بأقدح النعوت، وأشنع الصفات، بل وبالتخوين. ولازال مصرا على تكذيب الجميع، أفرادا، وخبراء ومؤسسات. فالأزمي ينفي الأزمة، والخلفي يعتبر الكلام فيها وعنها مزايدات، وبرلمانيو الحزب الإسلامي يوزعون التهم جزافا، محذرين –فيما يقول أحدهم- من مخططات "البانضية" لإفشال تجربة حكومة بنكيران، داعيا الشعب المغرب – نعم، إلى أخذ الحيطة والحذر من المؤامرات التي تحاك ضد مستقبل المغرب، يا سلام ! كأن نسبة العجز لم تصل إلى 7,1 في المائة، ونسبة التضخم لم تقارب 9%؟, وكأن سياط الأسعار لا تلهب ظهور المواطنين المغلوبين على أمرهم، وأن أبواب الشغل مفتوحة في وجه الشباب على مستوى كل قطاع وحقل. وكأن الأحباب والخلان، ورفاق السراء والضراء، يكذبون، ويريدون التطويح بحزب العدالة والتنمية، وإسقاط الحكومة التي لم تشبع بعد حلما ورديا، ولم تفق بعد من سكرة العنب، عنب الوقت الذي أوصلها إلى السلطة، وتدبير أمر شعب بالكامل، وسؤر كأس مثمل.. يخاف بنكيران من انقضائه، ما يفتح عينيه جيدا على واقع الحال المتردي، وعلائم الغيوم السوداء التي تتجمع في مرمر الأفق.
من نُصَدق –إذاً- ينكيران وصحبه المُحازبين – أم رفاق الدرب، قصدت: رفاق التسيير والتدبير، الذين ما فتئوا يقرأون الويل والثبور، ويعبرون عن ضيق وتضايق بسياقة الرُبان، التي هي سياقة مبتديء وغِر، سياقة رجل يفهم في الدين والصلاح الخلقي، والتنظيم الحزبي والدعوي، ولا يفهم في إدارة الدولة، لأنها مرفق خطير وجسيم، وسُلَم طويل وصعب، إذا ارتقاه الذي لا يعلمه، زَلت به إلى الحضيض قدمه، مستعيرين الصورة من الشاعر الحطيئة، بعد تبديل مرماها.
فهذا شباط –أمين عام حزب الاستقلال، الحليف الثاني في الترتيب، يدعو، ولم يَعْيا – إلى تعديل حكومي سريع، ويعتبر أن صمت الشعب، جعل الحكومة تحس بالغرور، وهذا محند العنصر –أمين عام حزب الحركة الشعبية ووزير الداخلية، يغمز من قناة بنكيران، وصحبه المباركين، حيث يقول : إن مشاكل البلاد لا تحل بحلول شعبوبة، و"الهضرة الخاوية لن تحل مشاكل المغرب."
وإدريس لشكر يرمي الحكومة من خلال رئيسها، بالإرتكان إلى الدين، أمام تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي، حيث يقول : إن حكومة بنكيران تريد حل مشاكل البلاد "بالحرام والحلال،" وهو ما أثار حفيظة الفقيه الريسوني.
أما والي بنك المغرب، فلم يفتأ ينبه الحكومة إلى تناقص احتياطات المغرب من العملة الصعبة، وأن زمان نهاية الاحتياط لا يتعدى 4 أشهر في أحسن الأحوال.
فإذا كان الخلل في تماسك التحالف، بَينا وساطعا لكل ذي بصر، وسمع، وحس وعقل، وكان التضارب في الأفكار والآراء، والتباعد في مقاربة ما يحدث، والحال أن الأمر يتعلق بمصير العباد والبلاد، فماذا نسمي هذه الحكومة؟ وماذا نسمي "المايسترو" الذي يقودها؟
وإذا كان قرار "تجميد" 15 مليار درهم من الاستثمارات العمومية، قد وقع مؤخرا، وأمضى رئيس الحكومة على مرسومه، ما سيوقف عجلة التنمية، خلال القادم من الأيام والشهور، والسنوات، وما سيترتب على ذلك من إيقاف التشغيل، والتوظيف، وتجميد المشاريع الإنمائية المخطط لها كالطرقات، والمؤسسات التربوية والسكنيات الاقتصادية، والمشافي، وفضاءات الترفيه، لم يجعل الحكومة تخرج عن صمتها، وتشرح للبلاد بدائل هذه السياسة الاقتصادية التجفيفية، ومكامن الخلل في التسيير والتدبير، وظروف الأزمة الاقتصادية العالمية. إذا كان كل هذا وغيره قد وقع، ولم نحتكم إلى الصلاحيات التي خولها لنا الدستور كحكومة ورئيس حكومة، وبرلمان، ومؤسسات عمومية، وإلى حق المواطن في معرفة ما يجري، من دون حجب أية معلومة عنه، ولا رشها بالمساحيق، وزركشتها بالخطاب السياسي- الديني الملون؟ فماذا ننتظر؟ ربيعا آخر لا يبقي ولا يذر؟ أم استقالة الحكومة للتو؟ وَهَبْ أنها استقالت، وعاد بنكيران وصحبه أقوى ما يكونون، عدة وعتادا ونفرا؟ هل سَتنَصْلحُ أحوالنا بعد طرد "المشوشين" في التحالف الحالي؟ أخاف أن تتدهور الأمور أكثر، ونسقط في مطب الحكم التكنوقراطي. فما العمل إذا؟
لكن الاستقالة من الحكومة، وقد أوصلتنا ريح "ربانية" إليها، من دون أن نحتسب، لا تفريط فيها، ولا تنازل، ولا يحزنون، وكيف، وقد مكننا الله من ذلك بعد لأي، سيقول الإسلاميون. وهو موقف عام، ينسحب على إخوان مصر، كما على نهضة تونس، كما على "عدالة" المغرب "وتنميته". فبنكيران الذي يهدد بالإستقالة، كما هدد بذلك –قبله- مصطفى الخلفي- والرميد، والشوباني، وبعض البرلمانيين "الصقور"، لن يفعلها أبدا لأن خروجه من الحكومة –فيما يقول- بيد الملك. والغنوشي التونسي لايني يردد : "لا تنازل عن السلطة". ومحمد مرسي رئيس مصر المحروسة يقول : "إن الاستقالة أو الرحيل أمر دونه رقبتي".
فانظر، كيف يتشبت هؤلاء الرموز الإسلاميون، بالسلطة والحكم، معتقدين بأنه توكيل من الله، وتدبير رباني، ومشيئة إلهية سيقت إليهم في غفلة منهم. "فالربيع العربي" لم يكن إلا حلما في الكرى أو خلسة المختلس"، اختلسوه ! أبدا، بل اخْتلُسَ وجاءهم بعنفوانه، وطيب نثاره، وعبق نواره، مقابل ما قاموا به طيلة عقود وعقود، وخلال أزمان وأزمان، مرت في الكرب والمحن، والاعتقال، والاضطهاد، وضرب شرع الله من لدن أنظمة دكتاتورية، استبدادية، غرقت في الفساد، وعاثت في دين البلاد، فحق عليها القول حقا. هكذا هبت انتفاضات شعوب مقهورة لتزف العرسان ذوي اللحى الشعتاء أو المشذبة إلى المقصورة؟
إن الصندوق، نعمة لأنه يفرز الحق، ويظهر رغبة وانتظار الشعب، ما يعني أنه يفرز الديمقراطية، ويمهد للتداول والتناوب، وإعمال الرأي السياسي الذي قاد جيشا من المواطنين إلى الصناديق.
وما الرأي السياسي إلا البرنامج الحزبي الذي تتقدم به الأحزاب المتنافسة، المتناكبة، الداعية إلى احتضان برنامجها عبر التصويت الكثيف عليها، ما يسمح بتصريفه إجرائيا حالما تنفرز الأصوات، وتكون الغلبة لهذه الهيئة لا تلك. وفي حالنا المغربي، فإن الصندوق العجيب، الصندوق الأريب، الصندوق الحبيب، مكن لحزب العدالة والتنمية، الحزب الإسلامي المغربي، من الصعود إلى القمة، إلى القنة، إلى رأس البلاد، ليحكم، ويمارس تصريف رأيه السياسي والاقتصادي، وتفعيل برنامجه الذي جلب له الخير الأصواتي الكثير (مليون صوت من بين 17 مليون صوت لها حق الانتخاب / ما علينا، فالقسمة ضيزى على كل حال)، لكنها الديمقراطية.
لقد قال البرنامج الانتخابي لصاحب المركز الأول وطنيا. أنه بوسع هذا الصاحب، تقليص نسبة العجز بمقياس لم تستطعه الحكومات السابقة. وقال إنه سيدفع نحو ترفيع الحد الأدنى للأجور إلى 3000 درهم. وقال بأن ساعة "المعقول" قد دقت، وأن الفساد إلى رحيل، وأن عهدا جديدا سيبدأ عنوانه : المسؤولية، والحكامة، والشفافية، والكشف عن الصناديق السوداء، والضرب بيد من حديد – في إطار القانون- على لصوص المال العام، وتقليص الفوارق الطبقية المهولة، ومحاربة اقتصاد الريع باجتثاثه مرة واحدة، وإلى الأبد. فماذا تحقق من كل هذا؟ العام مر، وصنوه آت، والحال هي الحال. وهنا استحضر الشاعر السياب : "وكل عام حين يخصب الثرى نجوع. ما مر عام والعراق ليس به جوع."
فماذا كان على بنكيران وحلفائه القيام به؟ عوض التجميد، والإقلال، وترفيع الأسعار؟ وتهديد قوت السواد الأعظم من الشعب؟ وإقفال الباب في وجوه أبنائنا من حيث الشغل والتوظيف؟
لا يختلف إثنان في أن الإصلاح المطلوب والمستعجل راهنا في الظرفية الصعبة التي تمر منها البلاد، هو الإصلاح الضريبي.
وإصلاح صندوق المقاصة، وإصلاح صناديق التقاعد، والقانون الإطار للوظيفة العمومية. وما دامت هذه القطاعات بعيدة أو مُبْعَدة –بإرادة مُريد ! – عن الإصلاح، فإن الوضعية العامة اقتصاديا واجتماعيا – بعد تجميد الاستثمارات العمومية- ستراوح المكان، ما لم تستفحل إلى ما هو أدهى وأمر.
إن توازن المالية العمومية، وترسيخ مباديء الحكامة الجيدة في تدبير هذه المالية، الذي تتشدق به الحكومة، محتمية من نبال المعارضة، وبعض حلفائها، يأتي من خلال إزماع الإصلاحات المومأ إليها، ومن الحسم في جباية الضرائب المستحقة، وتنشيط الشراكات مع المؤسسات المالية، وحث القطاع الخاص على أن يلج المعترك الإنقاذي، ويساهم في المجهود الوطني، تفعيلا لحس المواطنة العالي.
لكني أعود لأقول : هل ما يفعله، ويأتيه حزب العدالة والتنمية، من خلال تدبيره الشأن العام حكوميا، أو مساجلة الرأي الآخر، الرأي المختلف فيما يتصل بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحقوقية، برلمانيا، يندرج في خانة الحمق أو الجنون؟ إذ كيف نسمي هذا الإصرار العجيب، على نكران الأزمة، والصدع بضد ما يذهب إليه المجتمع قاطبة من خلال قطاعاته المختلفة، وسياسييه، واقتصادييه، واجتماعييه، إن لم يكن حمقا أو جنونا؟ أم هو إغواء المنصب، وإغراء السلطة والجاه؟ وبرهان العسل؟.
فليكن ما نتابعه، وَنتَقرَاهُ في "القبة" أو الإعلام، حمقا في الأقل، كما يصفه، ويُمَفْهمُهُ ابن الجَوْزي، مميزا له من الجنون: "الحمق والتغفيل هو الغلط في الوسيلة والطريقة، إلى المطلوب مع صحة المقصود، بخلاف الجنون، فإنه عبارة عن الخلل في الوسيلة والمقصود جميعا".
ليس من حل سوى المصارحة والمكاشقة، والتعلم من الأخطاء، والاستفادة من ذوي الشأن والخبرة في حقل الاقتصاد، والمال، والأعمال، ومن ذوي الكفاءات والتجربة والقدرات العلمية العالية على مستوى رسم الخطط، ووضع الاستراتيجيات، ومفصلة السبل التدبيرية، والطرق الإجرائية من الوصول إلى ذلك، أي إلى تحقيق الاستراتيجيات، والأهداف القريبة و المتوسطة، والبعيدة. ويبدو أن الأحزاب الإسلامية الحاكمة في مصر، وتونس والمغرب، في حاجة ماسة إلى نضج علمي، وفكر برجماتي، ومقاربات رياضية إحصائية" تلتقط بحصافة وعلم، تحولات الواقع، ومتغيراته، ومنحنياته، وتصاعداته، وانتكاساته، بحسبان التفاعلات الكونية إنسانيا، واجتماعيا، واقتصاديا، وثقافيا، وحقوقيا وبيئيا، بعيدا عن مهماز الدين، وسلطة الشرع، و"خطب الجمعة" التي تصلح لتقويم الأخلاق، وإعادة بني آدم إلى الجادة، ولا تصلح قطعا لتقويم الاقتصاد والمال، ولهاث الإنسان وراء الخبز والدواء والأعمال.
إشارات لابد منها :
تَباً للقراءة الإسلامية السطحية، القراءة الضحلة، المُغْرضة، المخدومة، المسخرة، المأجورة، المسيسة، والهادفة إلى التمكن من رقاب العباد، ومفاصل البلاد، بامتطاء كتاب الله، وسنة رسوله الكريم – ولو من خلال أحاديث موضوعة، ضعيفة، دبجها الهوى، والسياسة، ومزاج الحكام، والأغراض البشرية المادية الدنيئة. سُنة محشورة حشرا في بطون الكتب الصفراء الفقهية والتراثية، والتاريخ الإسلامي، والتي تحتاج –في نظرنا إلى غربلة وتنخيل، وحقيقة بيضاء ناصعة، لتعرض على عيار القرآن، وعيار السلوك النبوي العطر، وعيار المنطق والواقع المتطور والعقل.
هذه القراءة/ات البئيسة، المعادية للتطور والتقدم، والانفتاح على منجزات الإنسان في كل مكان، هو ما صنع أمة بئيسة، يتناهبها الخوف والركوع، تقوى أو نفاقا.
وسحقا لصناديق الاقتراع حين يملؤها البؤس الفكري، والاستعمال الإيديولوجي للإسلام، و"جميل" الصدقات التي توزع على الناس بالأصباح والآصال، في رحاب المساجد، وعند أعتابها، وصحون المشافي، والعيادات، ولدى كل ناقوس يرن بقدوم الأعياد، ويبشر بإقبال المواليد، والعقائق، والختان، في مثل هذه الأمكنة، والفضاءات، تتحول آي القرآن، والأحاديث النبوية، إلى خدمة المآرب الضيقة والأغراض السياسية، في الوصول إلى إدارة الشأن الديني والدنيوي، أو لإدارة الشأن الشخصي والحزبي والقبلي.
وفي مثل الأفضية هذه، يُسْلَخُ العلمانيون، والعلمانية كفكرة مجردة، عصية على أفهامهم، فَتُرْمَى بها –مقلوبة ومؤولة- الجمعيات الثقافية، والهيئات الحقوقية، والأحزاب اليسارية، والمفكرون والفلاسفة والباحثون.
إنها المتاجرة بالدين في أبشع صورها، والذريعة المنكرة إلى ولوج واقتحام قلوب الضعاف، والفقراء ضئيلي الحظ من التعليم، والأميين، و النساء، بل وشريحة معتبرة من "المُدَبْلَمين" Les diplomés : ، في حقول المحاماة، والهندسة، والفيزياء، والطب، يتأكد ذلك عند الإطلالة على السير العلمية والمهنية للحاكمين الإسلامويين سواء بمصر أو بتونس أو بليبيا، أو بالمغرب.
لا وجود ضمن زعماء التيار الإسلامي المعتدل أو المتشدد الاستئصالي، إلا لقلة قليلة من المفكرين في مجال العلوم الإنسانية كالفلسفة، والأدب، والاجتماع، والأنتربولوجيا، والأدب. وفي ذلك ما فيه من غرابة، ومفارقة، تغريان بتدقيق النظر في الأمر، ومتابعة استقصاء الظاهرة، والغوص بعيدا في أسرارها، ودواعيها، وترابطاتها.
فلم التكالب على السلط، والتهارش على المناصب، والعض بالنواجذ على الحقيبة والمال والجاه؟ وهل نسي هؤلاء حديث الرسول الكريم الذي يقول : "الدنيا جيفة، وطلابها كلاب".؟ أم أنه حديث موضوع، ضعيف، لأنه لا يخدم حال وواقع التيار الإسلامي الحاكم، أنى كان، وحيثما وجد؟، هذا التيار الذي أظهر تهافتا وهرولة لانظير لهما، على الحكم والالتصاق به.
فأظهر غرامه بالدنيا وكذبه على الدين.
لم أكن لأقول بهذا لو أن الفرق انكتب، وتبلور على الأرض، وصار إلى حقيقة تدبيرية، وإجراء مدني يومي صرف، بما يفيد : فصل الدين عن الدولة، وإبعاد أحكام الشرع، وحيثيات العقيدة الإسلامية، عن الحكم الإنساني الدنيوي الذي هو تدبير مدني في الأول والأخير. أما إذا أصر الإسلاميون على قيادة الدفة، والإمساك بالمقود، منافحين عن الإسلام باعتباره دينا ودنيا، أسس للدولة، ووضع ميكانيزمات السلطة، وتدبير المؤسسات، فإنهم يسيئون إلى الدين الإسلامي الحنيف بوصفه نصوصا متعاليات، تروم الخلق العظيم، وتقويم الإعوجاج، وإيقاظ عقول ووجدانات الناس لما فيه خيرهم في الحال والمآل، من خلال نشر الأخوة، واستزراع المودة، والتعارف، والتفاهم، والتكافل والتحاب، والحوار، وقبول الآخر أيا كانت ملته أو نحلته أو جنسه أو طائفته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.