هل ما خيف منه وقع..؟ وما عوَّمه التهريج والتدبيج الخطابي الرنان، حدث؟ فالعفاريت خرجت من القمقم، والأفاعي تتلوى ذات اليمين، وذات اليسار، راقصة، منتشية بأنغام المزمار، وضربات الدف، وحركات الحاوي الرشيقة. والخناق يشتد على الحكومة، والأزمة بدأت تحكم قبضتها على البلاد والعباد. هكذا، وفي غمرة الثرثرة والضحك، والاستنجاد «بابن المقفع» في كل وقت وحين، تبرز المعضلة الاقتصادية، والضائقة المالية، تلك التي حاول الحزب الإسلامي الذي يقود الحكومة، إخفاءها، والتعتيم على المنذرين بها، برشقهم بأقدح النعوت، وأشنع الصفات، بل وبالتخوين. ولازال مصرا على تكذيب الجميع، أفرادا، وخبراء ومؤسسات. فالأزمي ينفي الأزمة، والخلفي يعتبر الكلام فيها وعنها مزايدات، وبرلمانيو الحزب الإسلامي يوزعون التهم جزافا، محذرين –فيما يقول أحدهم- من مخططات «البانضية» لإفشال تجربة حكومة بنكيران، داعيا الشعب المغربي – نعم، إلى أخذ الحيطة والحذر من المؤامرات التي تحاك ضد مستقبل المغرب، يا سلام ! كأن نسبة العجز لم تصل إلى 7,1 في المائة، ونسبة التضخم لم تقارب 9%؟، وكأن سياط الأسعار لا تلهب ظهور المواطنين المغلوبين على أمرهم، وأن أبواب الشغل مفتوحة في وجه الشباب على مستوى كل قطاع وحقل. وكأن الأحباب والخلان، ورفاق السراء والضراء، يكذبون، ويريدون التطويح بحزب العدالة والتنمية، وإسقاط الحكومة التي لم تشبع بعد حلما ورديا، ولم تفق بعد من سكرة العنب، عنب الوقت الذي أوصلها إلى السلطة، وتدبير أمر شعب بالكامل، وسؤر كأس مثمل.. يخاف بنكيران من انقضائه، ما يفتح عينيه جيدا على واقع الحال المتردي، وعلائم الغيوم السوداء التي تتجمع في مرمر الأفق. من نُصَدق –إذاً- بنكيران وصحبه المُحازبين – أم رفاق الدرب، قصدت: رفاق التسيير والتدبير، الذين ما فتئوا يقرؤون الويل والثبور، ويعبرون عن ضيق وتضايق بسياقة الرُبان، التي هي سياقة مبتدئ وغِر، سياقة رجل يفهم في الدين والصلاح الخلقي، والتنظيم الحزبي والدعوي، ولا يفهم في إدارة الدولة، لأنها مرفق خطير وجسيم، وسُلَم طويل وصعب، إذا ارتقاه الذي لا يعلمه، زَلت به إلى الحضيض قدمه، مستعيرين الصورة من الشاعر الحطيئة، بعد تبديل مرماها. فهذا شباط –أمين عام حزب الاستقلال، الحليف الثاني في الترتيب، يدعو، ولم يَعْيا – إلى تعديل حكومي سريع، ويعتبر أن صمت الشعب، جعل الحكومة تحس بالغرور، وهذا امحند العنصر –أمين عام حزب الحركة الشعبية ووزير الداخلية، يغمز من قناة بنكيران، وصحبه المباركين، حيث يقول: إن مشاكل البلاد لا تحل بحلول شعبوبة، و»الهضرة الخاوية لن تحل مشاكل المغرب.» وإدريس لشكر يرمي الحكومة من خلال رئيسها، بالإرتكان إلى الدين، أمام تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي، حيث يقول: إن حكومة بنكيران تريد حل مشاكل البلاد «بالحرام والحلال،» وهو ما أثار حفيظة الفقيه الريسوني. أما والي بنك المغرب، فلم يفتأ ينبه الحكومة إلى تناقص احتياطات المغرب من العملة الصعبة، وأن زمان نهاية الاحتياط لا يتعدى 4 أشهر في أحسن الأحوال. فإذا كان الخلل في تماسك التحالف، بَينا وساطعا لكل ذي بصر، وسمع، وحس وعقل، وكان التضارب في الأفكار والآراء، والتباعد في مقاربة ما يحدث، والحال أن الأمر يتعلق بمصير العباد والبلاد، فماذا نسمي هذه الحكومة؟ وماذا نسمي «المايسترو» الذي يقودها؟ وإذا كان قرار «تجميد» 15 مليار درهم من الاستثمارات العمومية، قد وقع مؤخرا، ووقع رئيس الحكومة على مرسومه، ما سيوقف عجلة التنمية، خلال القادم من الأيام والشهور، والسنوات، وما سيترتب على ذلك من إيقاف التشغيل، والتوظيف، وتجميد المشاريع الإنمائية المخطط لها كالطرقات، والمؤسسات التربوية والسكنيات الاقتصادية، والمشافي، وفضاءات الترفيه، لم يجعل الحكومة تخرج عن صمتها، وتشرح للبلاد بدائل هذه السياسة الاقتصادية التجفيفية، ومكامن الخلل في التسيير والتدبير، وظروف الأزمة الاقتصادية العالمية. إذا كان كل هذا وغيره قد وقع، ولم نحتكم إلى الصلاحيات التي خولها لنا الدستور كحكومة ورئيس حكومة، وبرلمان، ومؤسسات عمومية، وإلى حق المواطن في معرفة ما يجري، من دون حجب أية معلومة عنه، ولا رشها بالمساحيق، وزركشتها بالخطاب السياسي- الديني الملون؟ فماذا ننتظر؟ ربيعا آخر لا يبقي ولا يذر؟ أم استقالة الحكومة للتو؟ وَهَبْ أنها استقالت، وعاد بنكيران وصحبه أقوى ما يكونون، عدة وعتادا ونفرا؟ هل سَتنَصْلحُ أحوالنا بعد طرد «المشوشين» في التحالف الحالي؟ أخاف أن تتدهور الأمور أكثر، ونسقط في مطب الحكم التكنوقراطي. فما العمل إذا؟ لكن الاستقالة من الحكومة، وقد أوصلتنا ريح «ربانية» إليها، من دون أن نحتسب، لا تفريط فيها، ولا تنازل، ولا يحزنون، وكيف، وقد مكننا الله من ذلك بعد لأي، سيقول الإسلاميون. وهو موقف عام، ينسحب على إخوان مصر، كما على نهضة تونس، كما على «عدالة» المغرب «وتنميته». فبنكيران الذي يهدد بالإستقالة، كما هدد بذلك –قبله- مصطفى الخلفي- والرميد، والشوباني، وبعض البرلمانيين «الصقور»، لن يفعلها أبدا لأن خروجه من الحكومة –فيما يقول- بيد الملك. والغنوشي التونسي لايني يردد: «لا تنازل عن السلطة». ومحمد مرسي رئيس مصر المحروسة يقول: «إن الاستقالة أو الرحيل أمر دونه رقبتي». فانظر، كيف يتشبث هؤلاء الرموز الإسلاميون، بالسلطة والحكم، معتقدين بأنه توكيل من الله، وتدبير رباني، ومشيئة إلهية سيقت إليهم في غفلة منهم. «فالربيع العربي» لم يكن إلا حلما في الكرى أو خلسة المختلس»، اختلسوه ! أبدا، بل اخْتلُسَ وجاءهم بعنفوانه، وطيب نثاره، وعبق نواره، مقابل ما قاموا به طيلة عقود وعقود، وخلال أزمان وأزمان، مرت في الكرب والمحن، والاعتقال، والاضطهاد، وضرب شرع الله من لدن أنظمة دكتاتورية، استبدادية، غرقت في الفساد، وعاثت في دين البلاد، فحق عليها القول حقا. هكذا هبت انتفاضات شعوب مقهورة لتزف العرسان ذوي اللحى الشعتاء أو المشذبة إلى المقصورة؟ إن الصندوق، نعمة لأنه يفرز الحق، ويظهر رغبة وانتظار الشعب، ما يعني أنه يفرز الديمقراطية، ويمهد للتداول والتناوب، وإعمال الرأي السياسي الذي قاد جيشا من المواطنين إلى الصناديق. وما الرأي السياسي إلا البرنامج الحزبي الذي تتقدم به الأحزاب المتنافسة، المتناكبة، الداعية إلى احتضان برنامجها عبر التصويت الكثيف عليها، ما يسمح بتصريفه إجرائيا حالما تنفرز الأصوات، وتكون الغلبة لهذه الهيئة لا تلك. وفي حالنا المغربي، فإن الصندوق العجيب، الصندوق الأريب، الصندوق الحبيب، مكن لحزب العدالة والتنمية، الحزب الإسلامي المغربي، من الصعود إلى القمة، إلى القنة، إلى رأس البلاد، ليحكم، ويمارس تصريف رأيه السياسي والاقتصادي، وتفعيل برنامجه الذي جلب له الخير الأصواتي الكثير (مليون صوت من بين 17 مليون صوت لها حق الانتخاب / ما علينا، فالقسمة ضيزى على كل حال)، لكنها الديمقراطية. لقد قال البرنامج الانتخابي لصاحب المركز الأول وطنيا. أنه بوسع هذا الصاحب، تقليص نسبة العجز بمقياس لم تستطعه الحكومات السابقة. وقال إنه سيدفع نحو ترفيع الحد الأدنى للأجور إلى 3000 درهم. وقال بأن ساعة «المعقول» قد دقت، وأن الفساد إلى رحيل، وأن عهدا جديدا سيبدأ عنوانه : المسؤولية، والحكامة، والشفافية، والكشف عن الصناديق السوداء، والضرب بيد من حديد – في إطار القانون- على لصوص المال العام، وتقليص الفوارق الطبقية المهولة، ومحاربة اقتصاد الريع باجتثاثه مرة واحدة، وإلى الأبد. فماذا تحقق من كل هذا؟ العام مر، وصنوه آت، والحال هي الحال. وهنا استحضر الشاعر السياب : «وكل عام حين يخصب الثرى نجوع. ما مر عام والعراق ليس به جوع.» فماذا كان على بنكيران وحلفائه القيام به؟ عوض التجميد، والإقلال، وترفيع الأسعار؟ وتهديد قوت السواد الأعظم من الشعب؟ وإقفال الباب في وجوه أبنائنا من حيث الشغل والتوظيف؟