الانتخابات المغربية التي أثمرت عن فوز كبير للإسلاميين ممثلين في حزب العدالة والتنمية الذي يعد الحزب الأكثر انفتاحا من غيره، أثارت الكثير من التساؤلات عن مستقبل المغرب ديمقراطيا في ظل الملكية وربيع عربي تحركه الثورات وليس الانتخابات.. "المجلة" التقت القيادي في الحزب سعد الدين العثماني الذي أكد على خصوصية المغرب وتطور فكر الحركات الإسلامية في المنطقة وعلى أن المرحلة ليست مرحلة شعارات ومواجهة بل هي مرحلة تعايش وانفتاح وبرامج. التجربة المغربية فريدة في تكوينها ومناخها، وهي على موعد مع مرحلة جديدة مع أول حزب إسلامي يتولى الحكومة بعد تسمية الملك محمد السادس أمين عام حزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران لتشكيل الحكومة. "المجلة” التي شهدت الانتخابات المغربية، التقت الشخصية الفاعلة في الحزب منذ تأسيسه وهو الدكتور سعد الدين العثماني الذي أكد أن أولى الأولويات هو الإصلاح السياسي و التنزيل السلمي للدستور والعمل على إعطاء المؤسسات الجديدة التي رسخ لها الدستور مصداقيتها وعمقها وصلاحيتها الحقيقية. وقال العثماني إنه ليس من شأن الأحزاب السياسية أن تصوغ مفاهيم في التدين فهذا هو دور العلماء والدعاة والمفكرين وكتاب الرأي في مجال الدين والجمعيات والمؤسسات الدينية. وفي ما يلي نص الحوار: -د. سعد الدين، في البداية نبارك لكم هذا الفوز الكبير لحزب العدالة والتنمية، ونسألكم السؤال الذي ربما يسأله الجميع: هل كان الحزب يتوقع هذا الفوز الكبير والفارق الشاسع بينه وبين أقرب الأحزاب؟ * لم يكن حزب العدالة والتنمية ينتظر أن يحرز هذا العدد من المقاعد، كان كل ما نتمناه أن نفوز ب70 أو 80 مقعدا، ولم تكن استطلاعات الرأي تتوقع مثل هذا، ولم يكن عديد الباحثين والمراقبين والسياسيين يتوقعون مثل ذلك، لكن يبدو أن ميزة التغيير الديمقراطي أكبر بكثير من جميع التوقعات، والحمد لله رب العالمين على ذلك. -حزب العدالة والتنمية أصبح على المحك في تشكيل حكومة مغاربية جديدة في ظل الدستور المغربي الجديد، هناك أحاديث كثيرة حول ابتعاد التجمع الديمقراطي عن عقد تحالف، وبدا أن هناك تسريبات عن صعوبة الحزب في تشكيل حكومة في الأيام المقبلة. ما رأيكم أنتم في هذا الأمر؟ * يصعب الآن أن أتحدث في موضوع تشكيل الحكومة إلا بعد أن "هيكلتها” من رئيس الحكومة الجديد عبد الإله بن كيران، وبعدها فقط ستتضح الصورة. بعض الأحزاب القريبة مثل حزب الاستقلال نبدأ معه في بعض الأمور، وبطبيعة الحال هذا الأمر يخضع لمفاوضات وتصور، ونحن نبدأ مما هي الأحزاب التي تقبل الدخول في الحكومة مع حزب العدالة والتنمية، ثانيا بنية الحكومة كما تتصور هذه الأحزاب، يجب الاتفاق على هذه البنية، أيضا أولويات وبرنامج الحكومة لأن كل حزب سيعمل على أن يجد ذاته في برنامج مشترك في هذه الحكومة، هناك مراحل كثيرة يجب أن نمر بها قبل الإعلان عن هذه الحكومة. -هناك حديث حول حزب العدالة والتنمية.. هل سيصر على الحقائب السيادية في الحكومة المقبلة؟ أم أنه كما يشاع الآن أن الحقائب السيادية ستكون من نصيب حزب الاستقلال، من خلال الدخول في تحالف مع العدالة التنمية؟ * لم تعد هناك أي وزارات سيادية مع هذا الدستور الجديد، الوزارات كلها أصبحت وزارات عادية، وبالتالي هذا سيخضع للنقاش بين الأحزاب، وأنا، وهذا تصور شخصي، إن كان هناك إشكال كبير في وزارة معينة، يكفي أن تسندها لشخصية مستقلة، وبهذه الطريقة يمكن أن تحل أي إشكال يمكن أن يقع في تصور عمل وزارة معينة، لكن هذه فكرة شخصية فقط، بمعنى أن هناك حلولا كثيرة لحل أي إشكال يمكن أن يقع، والعدالة والتنمية ليس له أي تصور ينطلق به من البداية يريد أن يفرضه على حلفائه. -أولويات الحزب السياسية في المستقبل هل هي أولويات داخلية أم أولويات خارجية، بمعنى أن تركيز الحزب كما جاء في برنامجه الانتخابي على الوضع الداخلي للمواطن المغربي البسيط، أم أنه ربما سيعمل على العلاقات الخارجية وبعض القضايا التي تتعلق بالمحيط الخارجي؟ * أولويات الحكومة غير مرتبطة بالحقائب التي يحصل عليها حزب العدالة والتنمية، لأن المطلوب مبدئيا أن تشتغل الحكومة كفريق منسجم وليس كجزر منعزلة، ولذلك فالأوليات الجميع سيشتغل بها، سواء أكانت وزارات بيد أعضاء من حزب العدالة والتنمية، أم كانت وزارات بيد احزاب أخرى والأولويات واضحة جدا وأولى الأولويات هو الإصلاح السياسي، ونعني بالإصلاح السياسي التنزيل السلمي للدستور والعمل على إعطاء المؤسسات الجديدة التي رسخ لها الدستور مصداقيتها وعمقها وصلاحيتها الحقيقية، وإعطاء الحكومة وتمتعها بصلاحيتها الحقيقية، لأن هذه المرة ستبدأ حكومة نص الدستور على أن لها السلطة التنفيذية، ومن قبل لم يكن لها إلا السلطة التنظيمية والسلطة التنفيذية كانت بيد الملك، وأيضا نظام الحكامة بما يعني الشفافية في تدبير شؤون الدولة والشفافية في الصفقات والشفافية في التعينات والشفافية في التعريفات والعلاقات وتوفير المعلومة الكافية للمواطنين والمراقبين والمتتبعين ورجال الصحافة والإعلام، وهذا كله يدخل في الشفافية شفافية المعلومة ومحاربة الفساد عن طريق سد مداخل ومنافذ الفساد الإداري والمالي بمختلف انواعه، إذا هناك عمل مرتبط بهذا المحور الذي هو نظام الحكامة وتطويره وإصلاحه، ثانيا القضاء وإصلاح القضاء، وهذا أولوية الأولويات بالنسبة لجميع الأحزاب في البلد، ويجب أن تتخذ خطوات عملية في الواقع لإصلاح التعليم وهو المحور الثالث وإصلاح التعليم ونعني به تجاوز الاختلال الذي تعيشه المدرسة العلمية المغربية عن طريق توفير التعليم ذي الجودة. وهذه المحاور الثلاثة الأساسية التي يجب أن نعمل عليها من دون اهمال المحاور الأخرى، ومنها السيادة الخارجية بطبيعة الحال. فالمغرب بلد منفتح.. بلد علاقته متنوعة.. بلد مفتوح على دول الاتحاد المغاربي، ويطمح إلى بناء اتحاد مغاربي قوي مفتوح على الدول العربية والدول الإسلامية، ويطمح إلى تمتين هذه العلاقات أكثر، مفتوح على أفريقيا وعلى الدولة الأفريقية، وعمق المغرب الأفريقي مفتوح على الدول الأوروبية، فللمغرب وضع متفتح لدى الاتحاد الأوروبي. هذه المحاور كلها يجب أن نشتغل عليها، ويجب تدعيم التوجه الذي كان سائدا، فحكومة العدالة والتنمية لم تأت لتشكل قطيعة في مجال السياسات كما سبق، مع أنها تشكل قطيعة في مجال الفساد في بعض الجيوب، التي مازال فيها فساد من أجل الإصلاح. -ماذا عما يشاع من دور للمال السياسي وما موقف الحزب بخاصة وأنكم تبنون لديمقراطية جديدة تقطع مع الماضي. * إنها نفحة ديمقراطية هبت في المنطقة كلها، وأثرت في شعوب الشمال أيضا فرأينا الاحتجاجات في أسبانيا والاحتجاجات في (وول ستريت) والآن نجدها حتى في اسرائيل، وبالتالي هي هبة ديمقراطية في المنطقة تأثر بها المغرب أيضا، ونحن لسنا إلا جزءا من هذا العالم وقد يكون لما حصل ويحصل تأثير على فوز حزب العدالة والتنمية، المهم أن صناديق الاقتراع قالت كلمتها، ويمكن أن نقول عن استعمال المال في الانتخابات الأخيرة، إن هناك الكثير من المرشحين حاولوا شراء الذمم ولم يدخلوا الانتخابات إلا بسلاح واحد وهو سلاح المال، لكن ما وقع يعكس وعي الشعب المغربي كرد فعل قوي ضد هذا الاستعمال للمال بالتصويت لمن يظنهم الشعب نزهاء، ويرى انهم يقومون بعملية التواصل السياسي، لأن العمل السياسي مباشر ويعيش مع الموطنين، وأعتقد أن هذه رسائل مهمة، ويجب أن يلتقطها السياسيون. -ألا يخشى حزب العدالة والتنمية بعد أن فاز في الانتخابات الأخيرة أن يواجه الفشل ولاسيما أن المنطقة العربية حتى الآن كل التجارب التي واجهتها تجارب جديدة – هناك التجربة التركية وهي بعيدة عن الثقافة العربية، وهناك خوف داخلي من الحركات الإسلامية في العالم العربي، هل لديكم توجس أو خوف من هذه التجربة بعد أن فزتم؟ * لدينا شعور كبير بثقل المسؤولية بأن التكليف الآن ثقيل، ونحن لدينا ظروف وطنية فيها الكثير من التعقيدات والأزمة المالية والاقتصادية والعالمية والجغرافية تؤثر في المغرب، هناك عزوف في المغرب من قبل المواطنين أو قل هناك صعوبات اقتصادية، هناك مشاكل اجتماعية من جنس الفقر والهشاشة والبطالة وغيرها، إذن هو حمل ثقيل ومهمة فيها صعوبة، ونحن نعول على دعم الله سبحانه وتعالى أولا، ثم على دعم جميع الشرفاء والوطنيين في هذا البلد، سواء أكانوا مسؤولين في الإدارة المغربية، أم كانوا في الأحزاب السياسية الأخرى شركاء لحزب العدالة والتنمية في تسيير الحكومة المقبلة. -ذكر الأمين العام عبد الإله بنكيران في حوار له مع جريدة الشرق الأوسط أنه ليس أربكان تركيا وليس راشد الغنوشي تونس، هل يعني هذا أن لحزب العدالة والتنمية في المغرب نضجا تاما ورؤية كاملة، بحيث أنه لا يحتاج إلى الاستفادة من التجارب الإسلامية الأخرى؟ * كلام غير معقول أن نقول لا نحتاج إلى الاستفادة من أي تجرية، نحن محتاجون إلى الاستفادة من التجارب الأخرى، سواء أكانت من تجارب هيئات وأحزاب ذات مرجعية إسلامية أم كانت غيرها من الأحزاب، هذه أمور ممكن أن تستفاد من أحزاب في أوروبا ومن أحزاب في آسيا ومن أحزاب في أفريقيا، أحزاب ذات توجه علماني أو أحزاب علمانية، نحن نمارس وندخل عملا فيه احتراف، فنحتاج إلى احترافية يملكها البشر، بغض النظر عن دينهم وعن معتقداتهم وعن قومياتهم وعن القارات التي يعيشون فيها. لكن هناك أيضا الحركات والأحزاب ذات المرجعيات الإسلامية، ليس فقط يجب أن نستفيد من تجاربهم ونتمعنها لأننا نحاول ألا نقع في بعض الاشكالات أو المطبات التي وقعوا فيها، ولكن لنستفيد من النقاط الإيجابية، لكن الاستفادة لا يعني اتخاذها نموذجا. هناك فرق بينهما، لأن المغرب يمكن أن يصوغ نموذجه الخاص، وبهذه المناسبة، المغرب بثورة الصناديق هذه، التي تمت 2011، إنما يصوغ نموذجا خاصا يميزه عن كثير من الدول في المنطقة التي شهدت تمزقات وشهدت دماء وشهدت قتلى، وشهدت حروبا أهلية أحيانا، وشهدت قطيعة مع أنظمة سياسية. نحن نريد أن تتم الإصلاحات السياسية في بلادنا.. إصلاحات تدبير الشأن العام، وإصلاحات اقتصادية وتنمية وعدالة اجتماعية من دون حاجة إلى أن نشهد هذه التمزقات في ظل استقرار واطمئنان للمواطن المغربي على أمره، وعلى راحته وعلى بلده، وعلى مستقبله ومستقبل أبنائه أيضا إن شاء الله. -في ظل تقدم حزب العدالة والتنمية في المغرب، هذا التقدم الكبير ووصوله إلى تشكيل حكومة ورئاسة الوزراء في الحكومة الجديدة، كيف هي علاقة حزب العدالة والتنمية مع الحركات الإسلامية الأخرى داخل المغرب، التي عانت وربما تعاني مثل (العدل والإحسان) والحركات السلفية وغيرها من الحركات الموجودة داخل المغرب العربي؟ * نحن علاقاتنا مفتوحة مع الجميع والملفات التي نشعر أن طرفا آخر تعرض لظلم أو تجاوزات نحن ناصرناه في الماضي، وسنظل نناصره ونعمل جاهدين من الموقع الجديد على أن نرفع أي نوع من الحيف على أي طرف من هذه الأطراف. -هناك ملف شائك في المغرب العربي ولربما يواجه ما يسمى بالسلفية الجهادية في المغرب العربي، وهذا التصاعد والاحتكاك بالسياسة بشكل مباشر، هل لدى حزب العدالة والتنمية رؤية في مفهوم التدين في المستقبل في المغرب العربي؟ * بكل صراحة أنا أرى أنه ليس من شأن الأحزاب السياسية أن تصوغ مفاهيم في التدين، فهذا هو دور العلماء والدعاة والمفكرين وكتاب الرأي في مجال الدين والجمعيات والمؤسسات الدينية، حزب العدالة والتنمية هو حزب سياسي.. صحيح ينطلق من مرجعية إسلامية، لكن ليس من دوره أن يفتي في الدين أو أن يحاول أن يطور نموذجا معينا من التدين وبهذه الرؤية نحن مرتاحون.. لن نتدخل في أمور ليست هي من صلب اهتمامات الحزب السياسية. -من خلال كتابكم (في فقه الدين والسياسة) ذكرتم مفاهيم ربما فهمها البعض على أنها مفاهيم علمانية على الخطاب الاسلامي، فهل بات لدى حزب العدالة التنمية رؤي إيمانية بممارسة العلمانية بجزئياتها السياسية، أو دعنا نقل الرؤية السائغ فهمها في العلمانية الجزئية، وممارستها على الواقع السياسي؟ * أنا دائما أجتنب الجمود والانغلاق في الألفاظ، والألفاظ المجملة كما يقول العلماء. وهذا وقع في الأساس في الدول التي شهدت انغلاقا سياسيا تاما، وبالتالي كانت الحركات الإسلامية مشغولة بمقاومة الظلم الواقع عليها، ولم تكن مشغولة بتطوير الفكرة الإسلامية أو تطوير برامج لمعالجة الواقع. اليوم مع الهبة الديمقراطية الجديدة لما فتح المجال للمشاركة في تسير حكومات المشاركة في الشأن العام ولو كانت جزئية، فأظن بأنها الآن ستكون أقدر على تطور برامج عملية، وأن تساهم في نهضة أوطانها، وأظن بأن الإسلاميين عموما قادرون على هذه المساهمة بشكل كبير، بحكم أن عمقهم الشعبي مرتبط حتى بالفكرة الإسلامية نفسها التي يجد المواطن البسيط ذاته، حتى في طريقة التعبير والكلام بحكم التواصل التي تقوم به هذه الشريحة التي تعيش داخل البناء الذي يعيش فيه المواطنون وداخل همومهم أظن أن المرحلة المقبلة ستشهد إسهامات إيجابية في هذه الحركات الإسلامية المشاركة سياسيا، في تطوير بلدانها وفي نهضتها بل في نهضة الأمة كلها. -كيف تقرأون تغير وجهة نظر الغرب، ففي التسعينات كان هناك تحذير من الإسلاميين سواء من الدوائر الغربية أو حتى من المثقفين، اليوم أصبح وصول الإسلاميين للسطلة هو مصدر ترحيب وتبشير بإصلاحات كبيرة ما هي رؤيتكم لهذه النقلة ما بين التسعينات إلى 2011؟ * الذي تغير هو الواقع في بلداننا. كان الغرب يدعم أنظمة ديكتاتورية تصادر الحريات وتخنقها، تمنع الحركات والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية حتى وإن كان لها وجود قانوني، وكان الغرب يظن أنه بدعم هذه الأنظمة الديكتاتورية التي تصادر الديمقراطيات، يمكن أن يحافظ على مصالح له مشروعة وغير مشروعة في هذه البلاد. وفعلا كانت تمرر له الصفقات، كانت تعطى له إمكانات تغلغل، كان يحتكر ثروات في بلداننا كالمبادلات التجارية، كان يسيطر على كل شيء تقريبا. بعد مجيء الثورات في هذه الدول سقط هذا النموذج الذي كان يتمنى الغرب أن يبقى، مفهوم حكام الغرب الذين يتخذون القرار السياسي في الغرب سقط ذلك الطوب، الحلم الذي كانوا يتعلقون به، وسقطت الأنظمة التي كانوا يدعمونها، فالآن مضطرون إلى أن يتفاهموا مع الشعوب في ظل أنظمة ديمقراطية، فبالتالي هم مضطرون أن يتفاهموا مع القوى التي ستفرضها هذه الديمقراطيات، وهي اليوم في هذا السياق في الأساس قوى إسلامية. -لكن هناك من يقول العكس، هناك من يقول إن الإسلاميين هم من تغيروا. الإسلاميون في التسعينات كانوا يرفعون شعار الإسلام هو الحل ويرفعون شعار تطبيق الشريعة الإسلامية، ويرفعون شعار الخلافة اليوم، الإسلاميون هم تقدميون حداثيون يرفعون شعارات تقدمية، أكثر من بعض القوى الأخرى أحيانا. * ليس هناك أي خلاف بين التحليلين، لأن انغلاق الأنظمة الديكتاتورية والانغلاق السياسي هما اللذان يجعلان تركيز حركات ذات مرجعية إسلامية على هموم حفظ الذات، أكثر من التركيز على وضع برامج والتطوير الفكري وهذا طبيعي. إذا كانت النار مشتعلة في بيتي فأنا لن أنشغل بتطوير الديكور وبصبغ الجدران وبوضع الديكورات في مكانها، سأشتغل على إطفاء الحريق لأن عدم اطفاء الحريق سيهدم كل شيء، فالانغلاق السياسي أدى إلى أن الحركة الإسلامية كانت منشغلة بوجودها ذاته، أن توجد.. أن تكون.. ألا تصادر حريتها، فكان هناك صراع على مستوى وجود الحركات الإسلامية نفسه.. السماح للخطاب الإسلامي أن يتداول، السماح بالسلوك الإسلامي في المجتمع أن يكون موجودأ، أن تسمح له وتعطي له الحرية وغيرها، ولذلك كان هناك صراع وجود، فكان الخطاب أثناء صراع الوجود منسجما مع المعركة صراع الوجود تلقائيا، لا يمكن للإنسان أثناء صراع الوجود أن يرفع شعارات غير منسجمة مع المرحلة، الآن لما بتنا في مرحلة انفتاح سياسي فأمر طبيعي أن تتغير الهموم.. أن تتغير الأولويات.. وأن يتغير الشعار، لكن الغرب دعم أنظمة ديكتاتورية بغض النظر عن شعارات الحركات الإسلامية، كان يجب أن يسمح بالديمقراطية، أن يدعم في مجال الديمقراطية، أو على الأقل أن يرفع يده عن الأنظمة الديكتاتورية، فالحال أن دعم أنظمة ديكتاتورية مصادرة للحريات، بل انه دعم هذه الأنظمة بوسائل قمع، ونعلم أن باخرة خرجت في فترة الثورة التونسية ووصلت إلى تونس محملة بأدوات القمع التي كانت فرنسا أرسلتها لزين العابدين بن علي، لكي يتم بها قمع الشعب التونسي، لكن والحمد لله سقط النظام قبل أن تصل أدوات القمع لدعمه. -من خلال رؤيتكم هل تتصورون أن الحقبة القادمة أو العقد القادم سيكون أو سيشهد حكومات إسلامية تحافظ على الهوية وتبني المجتمعات، أم سيكون هناك صراع من نوع آخر كما هو الصراع في التسعينات، صراع بين القوى الإسلامية المقهورة والقوى الليبرالية الضاغطة كما هو اليوم، أصبحت المعادلة معكوسة، فهل يكون هناك تجاذب أم أن الفكر الإسلامي المطروح اليوم، هو فكر يستوعب هذه الحركات بما فيها الليبرالية والاشتراكية؟ * ليس هناك مقارنة بين الأمس واليوم. بالأمس كان هناك بعض الحركات نسميها علمانية، ولكن هي لا تمثل العلمانية على الخط دائما، لكن بعض الحركات المناوئة للحركة الإسلامية كانت هي تتوسل بأنظمة القمع، وتتوسل بوسائل الدولة والأمن لقمع الحركات الإسلامية، واليوم الجو معاكس، هناك أنظمة ديمقراطية، هناك بالطبع تحولات ديمقراطية، ليس هناك أطراف تحاول أن تتقوى بأدوات القمع لقمع الأطراف الأخرى، بغض النظر عن نتائج الانتخابات، فإذن نحن الآن أمام مشهد جديد صحيح، لكون الحركات الاسلامية قريبة من شعوبها أكثر من بعض الحركات السياسة الأخرى، ثانيا لكون الحركات السياسية قمعت بشكل شرس أكثر من أي حركة سياسية أخرى. -من خلال برنامجكم الانتخابي الذي طرحتموه، ماهي امكانياتكم من خلال تحقيق أو تنفيذ هذا البرنامج خلال الأربع سنوات القادمة، هل تعتقدون أنه في ظل الوضع القادم يستطيع حزب العدالة أن يحقق فارقا خلال الأربع سنوات، التي سيتولى فيها تشكيل الحكومة؟ * نحن نتمنى هذا، ونظن أن أهم مدخل لتحقيق البرنامج هو تطوير نظام الحكامة، الذي جزء منه هو مقاومة الفساد والبيروقراطية، وجعل الإدارة في خدمة المواطن، وإصلاح العدل إذا استطاع أن يحقق إنجازات في الفترة القريبة على هذين المستويين. فالمغرب يخسر بسبب الفساد الإداري والمالي ما يقرب من نقطتين من نسبة النمو، ونقطتين في نسبة النمو شيء كبير جدا يشكل الثلث تقريبا أو أكثر من الثلث من نسبة النمو، وبالتالي فهذه خسارة كبيرة، لذا يمكن أن نقتصد في مجال الاصلاح بإصلاح نظام الحكامة الشيء الكثير، وهذا سيؤدي إلى ديناميكية أخرى تعطي مكانا للمقاولة المغربية وللمستثمر الوطني والمستثمر الأجنبي، وهذا كله الذي يمكن أن يعطي دفعة لدورة اقتصادية جديدة. -هناك قطاع كبير من المغاربة ليسوا ذوي خلفية اسلامية أو حركية إسلامية، وصوتوا لحزب العدالة والتنمية. إلى ماذا ترجعون هذا التصويت؟ * الذين صوتوا لحزب العدالة والتنمية 3 أنواع: النوع الأول صوتوا للمرجعية الإسلامية، لأنهم يتقاسمون معهم المرجعية والاهتمام بالقضايا الدينية. الشريحة الثانية صوتوا لحزب العدالة والتنمية لأنهم يرون حزب العدالة والتنمية بحكم مرجعيته الإسلامية، يمكن أن يكون أكثر نزاهة في تدبير الشأن العام. القسم الثالث صوتوا لحزب العدالة والتنمية عقابا للأحزاب التي قد حكمت من قبل. -ذكرتم في حديثكم أثناء الربيع العربي، أن النظام الملكي في المغرب والمغرب يعيشان تجربة مختلفة عن العالم العربي.. هل ترى أن هذا خاص بالمغرب، أم أن الأنظمة الملكية بشكل عام تختلف عن الأنظمة الجمهورية التي عاشت وضعا مغاربيا أو وضع ثورات مختلفة؟ * قد تكون هناك أمور كثيرة يتقاسمها المغرب مع الأنظمة الملكية، وهناك أمور أيضا خاصة به، لأنه في مجال التطور الديمقراطي أظن أن المغرب عنده خصوصية، ربما بحكم قربه من أوروبا وربما لحكم طبيعة المجتمع المغربي، وربما لأن حكم النظام السياسي في المغرب يختلف عن التعددية السياسية منذ البداية منذ ما بعد الاستقلال مباشرة، نظن أن هذه كلها عوامل أثرت، وأدت إلى أن المغرب متميز نسبيا على مستوى التطور الديمقراطي ووضعية طبيعة التدبير، تدبير الدولة، الذي هو أقرب إلى التحديث منه إلى التقليد. خالد المشوح - "المجلة" السعودية