قراة متأنية لمسودة المقترح الأمريكي بشأن توسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل مراقبة وضعية حقوق الانسان في صحرائنا، وبمخيمات اخوتنا بتندوف، تسمح بتصنيف المقترح دبلوماسيا في خانة المبادرات الهامشية الموازية لمشروع أكبر يهم انخراط أمريكا، بصيغة مباشرة، في ملف الصراع المغربي الجزائري حول الصحراء، بقصد انعاشه بعد الموت السريري الذي أصاب عملية المفاوضت بين أطرافه. قرارغير استراتيجي وبالتالي؛ ليست المبادرة الأمريكية قرارا استراتيجيا.. إذ يصعب تصور المجازفة بحليف رئيسي خارج حلف النيتو، مثل المغرب، في منطقة مرشحة لايواء المنظمات الارهابية المعروفة بولائها للقاعدة. الرسالة الأمريكية مسودة القرارقد تكون مجرد خطوة منفردة، حسب تسريبات دبلوماسيين غربيين، من طرف جهة أمريكية، ولا تحظى بالضرورة برضى مؤسسات أمنية نافذة بأمريكا أو الادارة الأمريكية.. وفي الوقت نفسه، تهدف هذه المبادرة إلى بعث رسالة إلى المغرب من مقر الأممالمتحدة، بعد نفاذ صبر سفارة أمريكا بالرباط.. وقد تضمنت كلمة الوداع التي ألقاها صاموييل كابلان، السفير الأمريكي المنتهية ولايته، بعض الاشارات لمضمون هذه الرسالة. تعديلات وفرص مصادر دبلوماسية مقربة من الملف تعتقد أن صيغة القرارالذي سيتبناه مجلس الأمن، نهاية الأسبوع القادم، ستعرف تعديلا و تلطيفا في عباراتها وآليات تنفيذها، حفظا لماء وجه الأطراف التي اعتبرت نفسها متضررة من منهجية أمريكا في التعامل مع ملف الصحراء. و المسودة المطروحة تبدو في ظاهرها أشبه بنص وثيقة استسلام من طرف "خارجية جون كيري"، تحت ضغط منظمات أمريكية نافذة موالية لأطروحة الانفصاليين، هذا علي الرغم من أن الجزء المتعلق بقضية مراقبة حقوق الانسان بمخيمات تندوف يضمن للمغرب هامشا من المناورة في المسودة، وينتظر أن يشتمل القرار النهائي، على تنازلات ترضي أعضاء الأممالمتحدة الدائمين، بايعاز من فرنسا عوض استعمالها الفيتو الصعب المنال. هي فرصة جديدة من أجل تجاوز التحديات الحالية العابرة، وبناء جسور الثقة بين المغرب وأمريكا.. وليست لحظة للتشويش علي شراكة استراتيجية تاريخية بين البلدين عبر تحركات دبلوماسية خاطئة ومتأخرة، والاستنجاد بأطراف لها ذاكرة حول مواقف المغرب في ملفات تهمها، من قبيل ملف سوريا، ولمخابراتها أرشيفات محروسة لا يصلها لهيب النار، هذا فضلا عن صفقاتها الضخمة لتسليح عسكر الجزائر أو الاشتغال بأراضيها في مشاريع مربحة. الوسيط الأمريكي ومنهجية الملك إشراك قيادات الأحزاب السياسية المغربية، الحية منها والميتة، في الاخبار قبل اتخاذ قرار المواجهة ومحاولة استعادة المبادرة، وابعاد الحكومة وغياب المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، كلها عناصر لمنهجية ملكية حكيمة لها أسباب نزولها المعهودة، لكن من شأنها ان تحفظ للمغرب أوراقه الرابحة، وهذا يحسب لها وحدها في لحظة حرجة، وقد وقع ما كان محتما أن يقع. لو كان في الدبلوماسية مهمة أصعب من المفاوضات فهي الوساطة.. وقد أخفق المغرب في تكوين فريق مستقر، له مهارة دبلوماسية وهامش للقرار والمناورة، في عملية الوساطة بين المغرب والجزائر، دون تجاهل زعماء البوليزاريو و ممثلي القبائل الصحراوية المغربية كلها. ويعتمد نجاح الوساطة على مكانة الوسيط الدولية، وعلاقته بأطراف الصراع.. والواقع على هذا المستوى، بشهادة المراقبين، هو أن غياب أو تغييب حكومة المغرب حقيقة لا يجادل فيها أحد، وهي هدية ربانية لعدم التشويش على مهمة ساعي البريد، ولإيصال الرسالة للعنوان الصحيح.. والقرار المصيري لوحدتنا الترابية له أصحابه. العودة لساحة الجهاد كان من واجبنا جميعا أن نعود من جديد لساحة المعركة، ونشارك في عملية الدفاع عن صحرائنا، كما قمنا بواجبنا في سرية تامة الى جانب صديقنا الراحل عبد الكريم الخطيب رحمه الله، مؤسس حزب العدالة والتنمية "الحاكم".. وللتاريخ، في زمن خذلان البعض للدكتور الخطيب نذكّر بشهادته: "كان لي اتصال سري مع شيوخ القبائل الصحراوية، وخاصة المرحوم سعيد الجماني الذي توصلت منه باحدى رسائله، موضوعة داخل خبزة، وقد قدمتها الى صاحب الجلالة المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني، واستمرت بعد ذلك اتصالاتي مع شيوخ القبائل الصحراوية، حيت كنت وسيطا بينهم وبين صاحب الجلالة، أنقل اقتراحاتهم ووجهات نظرهم حول تحرير الصحراء وتشبتهم بالعرش العلوي المجيد.." (مسار حياة، الدكتور عبد الكريم الخطيب). كنا نشتغل في السرية، وبتقية تامة، بعيدا عن كاميرات التلفزة المخزنية وثرثرة زعامات الأحزاب المغربية العقيمة، لأننا كنا نعتقد أن العمل من أجل القضية الصحراوية، جهاد.. وكانت خبزة الجماني، من العيون المسلمة،"تقضي الغرض" بدل "تغريدة" الوزير سعد الدين العثماني من موسكو الشيوعية. اليوم، ونحن على مشارف الغروب وأقرب الى القبر، والصبح له أصحابه، نعود من جديد لساحة الجهاد، لنتابع حوار التاريخ الجاري الآن في المغرب وفي أروقة الأممالمتحدة بأمريكا، لتمرير رسائل مشفرة حول ملف صحرائنا.. وهو في واقع الأمر بين طرفين، طرف يمثل المشروعية، المؤسسة الملكية التي تأسست عن طريق الجهاد، وطرف يمثل القدرة، القوى العظمى الممثلة في الولاياتالمتحدةالأمريكية.. وسيطان، من النوع الذي يلعب فيه الوسيط دورا اساسيا في تحديد أسس الاتفاق على منهج الحل. ختاما.. لهذه الأسباب ولغيرها تبقى أمريكا وسيطا مقبولا رغم علات بعض تصرفاته.. سوف يرعى انعاش عملية التفاوض، وهو الهدف الحقيقي للمبادرة الأمريكية الحالية، بعد انخراطه المباشر عبر "خدعة" حقوق الانسان بالمنطقة.. وهي خرافة اعتبرها خبراء في شؤون الارهاب "انحرافا جيوستراتيجيا" في حالة تفعيلها على أرض الصحراء، وحذّروا من تسييس الآلية الأممية "المينورسو" في سياق إقليمي يخضع لتهديدات الجماعات الإرهابية الموالية للقاعدة٬ وهي التي نجحت في اختراق مخيمات تندوف ولها خلايا نائمة في المنطقة.. بل قد يحاول الأمريكيون، تسوية المشكل الصحراوي برمته بأدوات "العصر الأمريكي"، الذي يفهمه حكام الدول العربية. فهل يا تري، سيعلو صوت العقل بعد "الصفعة الحبية" الامريكية لحكومتنا، وهل ستكون مبادرتها، أوفر حظاً في النجاح وأقرب إلى الانصاف للصحراويين في صراع أخوي مغربي- جزائري دام اكثر من اللازم؟ * دبلوماسي مغربي سابق الناطق الرسمي للمنظمة المغربية لمساندة السلام