الارتفاع العالمي لسعر الذهب ينعكس على محلات المجوهرات في المغرب    دراسة علمية: 17% من الأراضي الزراعية ملوّثة بمعادن سامة    شي جين بينغ وهون مانيت يتفقان على تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وكمبوديا    فينيسيا الإيطالية تضاعف قيمة الرسم اليومي لزيارة المدينة    تاج أقدم شجرة في برلين يعاني من الإجهاد المائي    الممثل المصري سليمان عيد في ذمة الله    الحوامض المغربية تغزو اليابان.. انفتاح استراتيجي على أحد أصعب أسواق العالم    تحفيزات مؤسسة علال الفاسي للمثقفين والباحثين والطلبة    وهبي يعلن قائمة المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة للمشاركة في "كان مصر 2025"    بين مطرقة واشنطن وسندان الجزائر .. تونس أمام اختبار السيادة    شركة للطيران تمتنع عن نقل ثلاثة جثامين لمغاربة مقيمين بهولندا    عاجل.. سعيد الناصيري يكذب لطيفة رأفت "تَعَرّفَت على المالي قبل حفل زاكورة"    إطلاق الشعب المتخصصة في فنون الزجاج بالمعهد المتخصص في الفنون التقليدية بمكناس، في سابقة على المستوى الوطني    وفاة الفنان المصري سليمان عيد    الدورة التاسعة إياب من بطولة القسم الوطني الممتاز لكرة السلة : .ديربي محلية بالعاصمة بين الفتح والجيش    منظمة بوليساريو الإرهابية ، الوجه الآخر للأجندة الجزائرية    مقتل شخصين وإصابة 5 في حادث إطلاق النار بجامعة فلوريدا الأميركية    فوربس: المغرب يضع لبنات مونديال 2030 بإشراف ملكي وتخطيط شامل    أولمبيك خريبكة يوضّح واقعة محاولة انتحار أحد لاعبيه    مغرب الحضارة : نداء من أجل المستقبل … شبابنا كنز المملكة ومستقبلها    لجنة الأعمال السينمائية تعلن عن مشاريع الأفلام المستفيدة من الدعم    روبيو: على أوروبا أن تقرر ما إذا كانت مستعدة لإعادة عقوبات إيران    رغم التأهل.. فليك غاضب من أداء لاعبي برشلونة أمام دورتموند ويطالب بمزيد من الانضباط    ممثلون عن اليهود في بريطانيا يدينون العدوان الإسرائيلي في غزة    احتجاجات بالمزونة التونسية تنديدا بمصرع 3 تلاميذ وبتهميش المدينة    مُذكِّرات    توقعات أحوال الطقس ليوم الجمعة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    منظمات تدق ناقوس الخطر وتدعو لتحقيق دولي في جرائم إعدام بمخيمات تندوف واتهامات مباشرة للجيش الجزائري    وضع المعايير لملء استمارة الإحصاء لأداء الخدمة العسكرية برسم فوج المجندين لسنة 2025    مهرجان "تيم آرتي" يختار مواهب الراب الشابة في دورة جديدة    وفاة مفاجئة للممثل المصري سليمان عيد عن عمر ناهز 64 عاماً    وفاة الفنان المصري سليمان عيد عن عمر 64 عامًا    دي ميستورا يستشعر نهاية "المينورسو" .. ضغوط مالية وتغيرات دولية    مجلس الأمن يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار وعملية سياسية شاملة في السودان    ولاية أمن أكادير: هذه حقيقة ادعاءات إحدى منظمات المجتمع المدني حول مزاعم بسوء المعاملة    استشهاد 15 فلسطينيا في غارة إسرائيلية جديدة على غزة    توظيف مالي لأزيد من 46 مليار درهم من فائض الخزينة    بعد ستة أشهر من الغياب.. الصحفي حمزة رويجع يكشف الحقيقة بشجاعة: نعم، أصبت باضطراب ثنائي القطب    عاجل | هزة أرضية قوية تُثير الهلع بمراكش وتامنصورت    الاعتداء على أستاذ يسلب حرية تلميذ    من بينها طنجة.. وزارة الداخلية تتابع تقدم الأشغال المتعلقة بملاعب كأس الأمم الإفريقية 2025 في المدن المستضيفة    منتخب الفتيان يستعد لنهائي "الكان"    ندوة وطنية تتدارس تجربة محمد الشيخي في رؤيا وتشكيل الشعر المغربي    قيادي في حماس: لا نقبل الصفقات الجزئية وسلاح المقاومة حق وموجود طالما بقي الاحتلال    ارتفاع معدل التضخم بالمغرب.. والمواد الغذائية على رأس الأسباب    الأمير مولاي رشيد يترأس بالرباط افتتاح الدورة ال 30 للمعرض الدولي للكتاب    وزارة الصحة تخلّد اليوم العالمي للهيموفيليا وتطلق حملة تحسيسية وطنية لمكافحة هذا المرض    الأبيض ‬والأسود ‬من ‬تقرير ‬دي ‬ميستورا (2)    العمال الموسميون يرفعون حالات الإصابة ببوحمرون بإسبانيا    نصائح طبية لمرضى حساسية الحيوانات الأليفة دون الحاجة للتخلي عنها    تسجيل ثالث حالة إصابة بداء الكلب في مليلية خلال أقل من أسبوعين    كلب مسعور على حدود المغرب .. والسلطات الإسبانية تدق ناقوس الخطر    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فرية الربيع المغربي
نشر في هسبريس يوم 16 - 03 - 2013

بعد الربيع العربي، ذلك القدر الإلهي بداية ونهاية، ثم بعد ذلك الزلزال الذي هز أركان أنظمة عريقة في الاستبداد والقهر، وجدت الدولة عندنا نفسها أمام واقع جديد ينبغي لها أن تتعايش معه، فالخريطة السياسية في العالم العربي تغيرت تغيرا جوهريا، إذ الشعوب قررت أن تخط مصيرها بنفسها بعد أن طهرت نفسها من عقدة الخوف من وهم أنظمة حقيقتها بيت العنكبوت ليس إلا.
كان الإخراج المغربي لنسخته تماشيا مع الربيعي العربي، تماشيا ليس إلا، إذ الأصل لازال هو "الانفراد المطلق بالسلطة"، فأنت إن قرأت الدستور الجديد وهو استمرارية للهبات السامية والمنح السيادية، ستجد نفسك أمام نسخة منقحة ومزيدة للدستور القديم فقط، فكل المفاصل الدقيقة للدولة ستجدها بيد "الحكم المطلق"، ولعل الله ييسر وقتا ويمنح جهدا في قابل الأيام لنخص الموضوع بالإيضاح الكامل، فنحن ندرك تمام الإدراك أن الأبواق ستبقى دائماً أبواق مهمتها أن تكون صدى للصوت ليس إلا، فتلك وظيفتها وذاك ديدنها ودينها.
كانت النسخة المغربية تماشيا مع الربيع العربي، حزب العدالة والتنمية، والذي يبدو أنه إما أُلبس لباسا فوق قياسه أو أنه هو باختياره فعل ذلك، فالفرصة لا تعوض، خاصة وأن الشعار الذي كان يروج له الحزب، محاربة الفساد والاستبداد، ليس الغرض أن نُقَيِّمَ تجربة الحزب (الحاكم)، وقد وضعته بين قوسين حتى نفهم جميعا أن أي نوع من التقييم في هذا الإتجار إنما هو نفخ في قِرْبَةٍ فارغة لا طائل من ورائها سوى مضيعة الوقت.
موضوعنا هو العنوان لكن السياق الأولي كان ضروريا؛ لأن آمال الشعوب العربية بعد الربيع العربي كانت ومازالت كبيرة في تحقيق العدالة والكرامة والقطع مع الاستبداد. يعمل النظام في المغرب عندنا جاهدا على أن يُسَوِّقَ نسخته وأن يجعلها نموذجا يحتذى به، دعوة للأسف وجدت لها صدى عند الكثيرين، حتى من رواد العمل الإسلامي وجمهور من المفكرين، آلة النظام تشتغل صبحا ومساءً حتى تستقر هذه الحقيقة في أذهان الكثيرين، وهي تحاول جاهدة أن تبرهن على ذلك بالدليل والبرهان، ولعل النموذج السوري خير دليل، حيث احتضنت العاصمة الحمراء مراكش مؤتمرا للمعارضة السورية، دليل وبرهان غايته أننا مع تحرر الشعوب وسيادة الشعوب.
هذا الإتقان في الإخراج وهذه الدينامية التي للأسف الشديد يلعب فيه إسلاميو القصر دورا محوريا هو الذي زاد من تأكيد الفِرْيَة أن هناك ربيعا مغربيا، وأن النسخة المغربية من الربيع العربي متميزة شكلا ومضمونا.
كل هذا يضعنا أمام سؤال وجيه: هل حقا كان هناك ربيع مغربي؟ وأين تتجلى مظاهر هذا الربيع؟ وهنا لابد أن أنبه إلى مسألة مفصلية لابد أن يتفهمها وأن يستوعبها بما تحمله كلمة الاستيعاب من معان المتتبعون والدارسون للشأن السياسي، لا يُجَارى المخزن عندنا في حَبْكِ المغالطات، ولُبُّ المغالطات التي عمد الساسة عندنا إلى التسويق لها هو دستور التاسع من مارس، هذا الأخير يعتبره هؤلاء وأولئك أنه دليل على صدقية الدولة والنظام في تبني التغيير والحرص على تحقيق تطلعات الشعوب، دستور يكفي على أنه حقيقة يستجيب لتطلعات الشعوب زُوِّرَ مرتين بشهادة عضو في لجنة صياغته وهو الدكتور "الطوزي" التي أكد فيها على وجود اختلاف بين المشروع الذي قدم للملك، والذي عرض على الاستفتاء، والنسخة النهائية التي نشرت في الجريدة الرسمية.
هذه شهادة من داخل مطبخ صياغة الد ستور، والثانية هي من قيادي في حزب العدالة والتنمية الذي يعمل جاهدا على (التنزيل الديمقراطي للدستور)، وهو الدكتور "حامي الدين" في مقال له بجريدة "هسبرس"؛ حيث بَيَّن كمية الخروقات التي شابت دستور "فِرْيَة الربيع المغربي" لدرجة أنه قال بالنص: "المطلوب هو تحريك مسطرة قضائية لمنع نسخة 30 يوليوز 2011 من التداول العمومي باعتبارها نسخة غير مشروعة، وإعادة نشر الأمر بتنفيذ نص الدستور كما تم إقراره من طرف المغاربة في استفتاء فاتح يوليوز دون تحريف أو تزوير أو.. ربما أخطاء مطبعية سقطت سهوا في المطبعة الرسمية..!!"، خلاصة التصريحين تقود إلى حقائق تعد مدخلا لإعادة قراءة الفِرْيَة، "فرية الربيع المغربي".
- أولى هذه الملاحظات: هل جاء الربيع العربي ليرسخ تحكم الدولة أم أنه جاء ليرسخ سيادة الشعب؟
- هل يمكن أن يكون المدخل إلى الربيع العربي دستورا ممنوحا بداية، مشكوكا فيه وسطا مطعونا فيه نهاية؟
- ماهي فقرات الدستور التي يبني عليها هؤلاء وأولئك الذين تبنوا فرية الربيع المغربي؟ وأين هي تجليات هذا الربيع المغربي على أرض الواقع؟
- هل يمكن اختزال الربيع العربي في فسح المجال للإسلاميين للوصول إلى سدة الحكم؟ الكثيرون يعتبرون ذلك مؤشرا وحجة على الربيع المغربي، وهو في حقيقة الأمر تحليل يجانب الصواب كثيرا، إن كان الإسلاميون قد وصلوا إلى سدة الحكم في مصر وتونس فسياق وصولهم معلوم معروف، وبينهما وبين ما وقع في المغرب فرق ما بين السماء والأرض، هنا كان الأمر بضوء أخضر من النظام وتحت إشراف النظام.
كل هذه الأسئلة وأسئلة أخرى كثيرة تقودنا إلى أنه ينبغي على من وقع في فخ الفرية أن يعيد قراءة الحقيقة من جديد، نقول هذا ونحن ندرك الإكراهات التي يقع تحت طائلتها الذين وصلوا إلى سدة الحكم في بلدان الربيع العربي، لكن هذه الإكراهات لا ينبغي أن تكون تأكيدا للفرية والمساهمة في تسويقها، ليست هذه دعوة إلى التصادم أو التهور ولكن هي أمنية على الحد الأدنى يمكن أن تدبرها سلطات الربيع العربي بالأسلوب الذي تراه مناسبا وتحفظ بها مصالحها.
إن كان إسلاميو القصر يلعبون في هذه الفرية دور العَرَّاب مع كامل المحبة والاحترام الواجب لهم، فهم معذورون في ذلك، فهم بالإضافة إلى ترديدهم لأسطوانة الإصلاح من الداخل، كانوا يتوهمون لأنه هو المصطلح الأصلح أن النظام سوف يمكنهم من ممارسة السلطة، وَهْمٌ سرعان ما تبدد في الغيوم، ومن أراد أن يتأكد من ذلك فما عليه إلا أن يرجع إلى تصريح رئيس "حكومة المجاز" الأخير لإذاعة فرنسا الدولية والقناة الفرنسية الخامسة، تصريحات تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن فرية الربيع المغربي هي عين الحقيقة، إذ الرجل يؤكد بكل اختصار أنه مجرد "خادم مطيع" ومن يظن غير ذلك فعليه أن يستفيق من حلمه.
تُرى هل يمكن أن يعقل أن يكون نتاج الربيع العربي هذا النوع من الحكومات؟ من يمكن أن يقول بهذا، ومن قال بهذا فإنه في حقيقة الأمر يهين شهداء الربيع العربي وكل التضحيات التي قُدِّمت ليتحقق، هل يعقل أن تكون الغاية من الربيع العربي هي "إعادة إنتاج أنظمة الاستبداد" وحكم الفرد المطلق، ومرة أخرى ندعوا إلى إعادة سماع حوار رئيس "حكومة المجاز" مع الإذاعتين الفرنسيتين لعله يتبين الخيط الأبيض من الأسود، لعله يدرك أن إسقاط واقع دول الربيع العربي على فرية الربيع المغربي مغالطة كبيرة ينبغي أن يتنبه لها الكثيرون لأنهم بذلك يسيئون إلى الربيع العربي أيما إساءة.
كرامة، حرية، عدالة اجتماعية، وإسقاط الفساد والاستبداد، تلك هي العناوين الكبرى التي أطرت الربيع العربي، أنا أطرح سؤالا محوريا على الذين خدعتهم فرية الربيع المغربي أن يقدموا لنا دليلا واحدا على تحقق هذه المطالب في بلد فرية الربيع المغربي، فَهَرَمُ الفوارق الاجتماعية في المغرب يزداد ترسخا، وأما الكرامة فأنا أدعو هؤلاء إلى زيارة المستشفيات ليروا كيف هو مواطن بلد فرية الربيع المغربي، منعم مصونة كرامته لدرجة أنها تمحى من شدة الحرص على تجسيد هذا المطلب العزيز، وقس على ذلك الكثير مما يُرَى ومما لا يعلمه إلا الله.
بلغة التحليل السياسي الأكاديمي: إن أي مظهر من مظاهر بنية دولة الشفافية وسيادة القانون وسيادة الشعب وفصل السلطات، لا يمكن أن تجدها في النسق السياسي في دولة فرية الربيع المغربي، فالنظام هو المتحكم في كل صغيرة وكبيرة من مفاصل الدولة، "حزب الأمة" دليل وبرهان على أن الاعتراف بالأحزاب لا يخضع للقوانين وإنما يخضع لضوء أخضر أو أحمر من طرف النظام، وتصريح السيد "إلياس العماري" رئيس حزب الأصالة والمعاصرة في هذا الشأن كانت فاضحة لكل ادعاء آخر.
انني أتمنى في نهاية هذ المقال أن ينتبه عقلاء الناس من ساسة وشخصيات معروفة بصدقها و تضحياتها أن تقع في شَرَكِ التسويق لهذه الفرية الكبيرة، كما أتمنى أن ينبري لهذا الموضوع من يثبت لنا أن هناك شيئا اسمه "الربيع المغربي"!!!؟ لعله، ولعله، لكن أن ننساق وراء فرية من هذا الحجم تَزْيِيف للتاريخ وتَزْيِين للاستبداد، لأنها فرية وأي فرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.