تعقد النقابة الوطنية للتعليم العالي مؤتمرها العاشر في لحظة تاريخية ومفصلية في حياة الشعوب العربية. يعقد هذا المؤتمر والمنظومة التعليمية ببلادنا في تراجع مستمر على جميع المستويات بشهادة التقارير الدولية والوطنية. تؤكد هذه التقارير (تقرير معهد «اليونسكو» للإحصاءات 2011 مثلا ) أن الجامعات المغربية جاءت في آخر الترتيب العالمي والعربي. إن التعليم العالي ببلادنا يتخبط في أزمة على أكثر من صعيد. فكل المتدخلين، بمن فيهم المسؤولون عن القطاع، يعترفون بشكل أو بآخر بعدم بلوغ الميثاق الوطني للتربية والتكوين أهدافه المعلنة ( الأمية المرتفعة،ضعف التمدرس، ضعف إدماج الخرجين ، الاكتضاض...) . هذا الميثاق الذي اعتبره النظام مرجعية لإصلاح التعليم ولتنزيل البرامج المستعجلة ( قانون 01.00 ،البرنامج الاستعجالي...). نتيجة لهذا التدبير أصبحت جامعاتنا تعاني على مستوى التأطير ،حيث أصبح الاكتضاض ظاهرة عامة وأضحت التجهيزات والمعدات قليلة ومتجاوزة وأرقام الهذر مهولة . كما تعودنا أن نسمع من المسؤولين كل حين عن انطلاق مشروع جديد للإصلاح يلغي سابقه في دوامة دون تقييم ولا محاسبة ،كل ذلك على حساب جودة التحصيل العلمي والتدريب الميداني و تطوير البحث العلمي. في هذا الوضع الحرج أصبح الأستاذ وكذلك الطالب في حالة من الاستياء والتذمر والاضطراب لا يمكن الاستمرار في قبولها أو السكوت عنها. في هذه الظروف يتساءل الأستاذ في جامعته وفي مؤسسته وفي مختبره : هل يمكن فعلا للنقابة أن تلعب دورها المطلوب في التوازن لتحد من تراجع أداء التعليم العالي؟ هل سيكون المؤتمر العاشر مختلفا عن سابقيه ؟ ما هي الأوراق التي ستطرح في هذا المؤتمر؟ كيف ستكون النتائج على مستوى الملف المطلبي والنظام الأساسي؟ كيف هو شكل وتركيبة الأجهزة التي ستنبثق عنه ؟ وهل ستمثل جميع فئات الأساتذة ؟ هل جميع مكونات المؤتمر ستشارك حتى نهاية أشغاله؟ هذه بعض من أسئلة مشروعة يطرحها الأساتذة والأستاذات وهم يتطلعون لتغيير نقابي يقطع مع ممارسات ومواقف تخالف مبادئ وتوصيات أقرتها أجهزة هذه المنظمة العتيدة نفسها. يطرح الأساتذة والأستاذات هذه الأسئلة وغيرها لأنهم يرون أن الخط النقابي لمنظمتهم غير وجهته وبدل أسلوبه منذ سنوات ، فقد وقع تراجع في التدافع النقابي ،من نقابة مناضلة من أجل تعليم عالي عمومي يكون بمثابة قاطرة للبناء والتطور على جميع المستويات وفي كل الميادين ،تشارك بقوة وكفاءة وخبرة في وضع التصورات والقوانين والإجراءات إلى نقابة لا أقول خبزية محضة لكن فقدت مواقع كثيرة مما جعل السياسة المخزنية تهيمن وتجهز على مكتسبات وحقوق الأستاذ والطالب على حد سواء ومن وراء ذلك تضيع مقدرات الشعب المغربي. إن تراجع النقابة وتخليها عن مطالب أو تجزيء لملفات وقضايا تهم الأساتذة والأستاذات نتيجة مباشرة لعاملين مرتبطين على الأقل:أولهما هيمنة الارتباط الحزبي بالنقابي في صورته السلبية داخل الأجهزة الوطنية. أدى هذا الارتباط إلى تكبيل النقابة وشل حركاتها والحد من قوة مناوراتها في مواجهة مشاريع السياسة المخزنية القديمة المتجددة. هذا سهل الأمر على النظام لتنزيل قرارات ومشاريع في ظل حياد سلبي للنقابة في غالب الأحيان مما يزيد من الاحتقان داخل أجهزتها عوض الضغط والاحتجاج المفضيان بالضرورة للتفاوض ثم إلى تحقيق المكاسب النقابية المعلنة. ثانيهما عدم استثمار الأجهزة التنظيمية للطاقات الهائلة الكامنة في التركيبة التعددية داخل النقابة. هذا الخلل يظهر جليا في وجود كل الفئات والفصائل محليا (مكتب الفرع المحلي والجهوي ،الهياكل الجامعية ،المحطات النضالية...)بشكل قوي لكن على مستوى الوطني ،اللجنة الإدارية والمكتب الوطني ، لا وجود لهذه المكونات التي تحظى بقبول متزايد لدى الأساتذة والأستاذات ولها مصداقية عندهم و لها رصيد نضالي مهم لا يمكن لأحد أن ينكره. هذا الخلل وهذا الإقصاء يؤديان حتما إلى عدم ثقة الأساتذة وضياع جهود وانسحاب الكفاءات التي تزخر بها مؤسسات التعليم العالي مما يضعف سنة بعد أخرى أداء النقابة بل يدخلها أحيانا كثيرة في معارك هامشية لا تفيد في شيء. تحتاج النقابة الوطنية للتعليم العالي اليوم ،أكثر من أي وقت مضى ،ولمصلحة الأستاذ الباحث ولقضايا التعليم العالي، إلى تعددية حقيقية مندمجة نقابيا ،مجتمعة على حراسة حقوق الأساتذة وتجعل من مصلحة العامة وخدمة البلاد هدفها ،وتفتح الطريق لكفاءات نقابية صادقة ومتمرسة لصياغة تصورات جيدة، أساسها ومنطلقها المطالب المشروعة للأساتذة و تؤسس لممارسة نقابية تقطع مع الحسابات الحزبية الضيقة التي أضاعت جهودا نعتبر أن الجامعة في أمس الحاجة إليها. بعد هذا يمكن للنقابة أن تحصن مكتسبات الأساتذة وتحقق مطالبهم المادية والمعنوية المشروعة وتساهم في صناعة مستقبلا واعدا للجامعة المغربية.