لماذا يصلح الدستور المستفتى حوله الشعب اليوم؟ سؤال بطرحه قد تتعدد الأجوبة من خلال المحاولة على الأقل بتجاوز التفكير في هل هو القانون الأسمى أم لا ؟، في هذا الباب نجد أنفسنا أمام مسألتين مهمتين، بل تفرضان نفسيهما في ظل المستجدات الوطنية و الاقليمية و الدولية التي يعيش المغرب في فلكها. المسألة الأولى تؤكد حقيقة أن المغرب في إطار التكامل القوي بين الملك و الشعب في ظرفية دقيقة و جد حساسة قد قام بكل شئ إلا شيئا واحدا يرتبط بعدم تصور للحظة من اللحظات أن الانسجام الملكي و الشعبي سيصطدم بعقم حكومي يتمثل في عدم إرساء المحطات الكبرى التي تسعى إلى الوصول إليها ابتداء دولا كانت تظهر في أبهى حلتها الاقتصادية كصورة نمطية صالحة للاستهلاك الغربي؛ هذه المسألة الأولى تكرس صورة تعكس ممارسة السياسة بشكل مغاير لما يريده المشهد و الفضاء السياسيين بالمغرب؛ لقد كثر الحديث بعد تنصيب الحكومة عن الدستور و الأفاق التي يفتحها و يتيحها للبلاد في ظل تعثرات منطقة برمتها، الكل تحدث عن الأجواء الشفافة و النزيهة التي مرت فيها الانتخابات التشريعية و التي أوصلت حزب العدالة و التنمية إلى كرسي التدبير الحكومي بدل انحسار دوره في مراقبة هذا التدبير و معارضته. شكل جديد من الممارسة السياسية بدأ يحط الرحال على أرض السياسة بالمغرب بعد أن منى غالبية المغاربة النفوس بأبعاد جديدة لمرحلة جديدة في ظل حكومة جديدة بدستور جديد؛ غير أن واقع الحال سيبرز شكلا جديدا من الصور التي غابت عن المغرب لعقود ستعكسها الممارسة السياسية التي أفقدتها البوصلة الحكومية طريقة و أسلوب مزاولتها إلى أن اختلطت الأمور على الجميع من كثرة ممارستها حتى بدأت تستنفذ قصد إدخالها عنوة مرحلة اللامبالاة. لقد كان البعض من الكل إلى أمس قريب يشتكي من الممارسات السياسية المعنونة بدون أخلاق لارتباطها بتصورات و مفاهيم معينة، غير أن الخطاب الأخلاقي لما بعد الدستور لم يستطع أن ينطلق في عملية تنزيل هذا الأخير و جعل الحاجة إلى ممارسة سياسية فاعلة ضرورة و حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى، و هو ما يحيل على خلاصة مبدئية غير محدودة تفيد ان ممارسة السياسة خارج إطار محدد قانونا و تنظيما لاستكمال مسلسل الاصلاح يجعل الحكومة من كثرة تعويمها للعملية السياسية ، فإن هذه الأخيرة قد بدأت تدخل فعليا مرحلة اللامبالاة و الاتسيس غير المجدي و غير النافع. المسألة الثانية و هي الأخطر و تعكس واقعا سياسيا صعبا للغاية تفرضه التوجهات الحكومية من خلال تشتيت المجهودات و الترفع عن استكمال الاصلاحات بالتمسك بالخيط الرابط بين الاجراءات المحددة الأهداف؛ ثم هناك انعدام للإقتصاد على مستوى الزمن بشكل عقلاني مما يلحق ضررا كبيرا بالإصلاح المتوخى منذ الاستفتاء إلى يومنا هذا. لقد ألفنا الحديث عن مقاومات الواقع و ألفنا الحديث أيضا عن الارادات المستعصية، و هل فعلا أن التماسيح و العفاريت أوغيرها من الحيوانات المرتقبة هي السبب؟ أم أن العجز عن بلورة مقاربة واضحة لاستكمال العملية الاصلاحية من خلال اختيارات منهجية واضحة في التصور و المواقف و الأفعال هو السبيل المتغافل عنه. إن سيرورة الاصلاح تفرض الحكامة الجيدة التي تجعل الأفكار برامج ممكنة من خلال التلاؤم مع وضع الامكانيات القليلة و الهوامش الضيقة، بل الأكثر من ذلك فإن غياب التأسيس للعمل التشاركي على مستوى السلط أوفي علاقات السلط بالمجتمع يبقى إكراها حقيقيا، فالقاعدة لدى علماء الاجتماع أنه لكي يوجد مجتمع معين بتوجهات معينة تمكنه من الازدهار فمن الضروري أن تكون عقول المواطنين قد تجمعت و تماسكت بأراء معينة غالبة عليهم و هو ما لا يتحقق إلا من خلال أراء مستقاة من المنبع المشترك, قد نتيه في الايمان بوجود قوى حيوانية و غيبية تستعصي على جميع السلط، لكي نؤمن بنظرية الحدود التي ترسمها الطبيعة للأمم و لا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال و بالتالي لا يتبقى إلا المحافطة على المكتسب بدل التفكير في البدائل وإذ تنفع الذكرى للساهرين على تنفيذ السياسات العامة لهذا البلد أذكر كلاما للمرحوم الحسن الثاني عند تنصيب حكومة السيد محمد كريم العمراني بالقصر الملكي بالرباط بتاريخ 30 نونبر 1983 :" هكذا نرى أن طابع الاستمرارية الذي هو طابع الدول الكبرى ذات التاريخ و ذات المجد و الأصالة، أن تلك الاستمرارية تظهر اليوم المغرب عالي الرأس شجاعا لا يتخوف من امتحاناته الداخلية و لا من امتحاناته الخارجية يسير و يشق طريقه لأنه مؤمن بمستقبله و رضع ذلك الايمان في ثدي أمهاته اللواتي كبرن مع أبنائنا كلهم في جو من التراث التاريخي الضخم الأصيل مما يعطينا في أن واحد الإقدام و الرأي و التريث مما سيضمن لنا – إن شاء الله – النجاح و التفوق على جميع العقبات, فهل نؤمن بأن المغرب كباقي الدول يمر بفترات القوة و الأزمات و نشمر على أكتافنا للنهوض بالمجتمع بدل تضييع الوقت في تحليل النكت السياسية و التسابق في خلق المفاهيم المرعبة للمواطنين من حيوانات و غيبيات.