غارات إسرائيلية تخلف 19 قتيلا في غزة    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت        بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موتسيبي يتوقع نجاح "كان السيدات"    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب    صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة        الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    ما صفات المترجِم الناجح؟    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !        تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القذافي يؤم وفدا من حزب العدالة والتنمية داخل خيمته

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه والتابعين
الحلقة السادسة: الوشايات القاتلة سُلَّمٌ إلى السلطة
كانت التهمة الأساسية التي أوغرت صدر الحسن الثاني عليَّ فيما ذكره الشيخ منتصر الكتاني هي ما بلغه عن علاقات لي مفترضة بكبار الضباط في الجيش المغربي، وأكده تعريضا سفير المغرب في جدة الأستاذ الناصري، فكيف لفقت هذه التهمة وبلغت للملك وهو حريص على حفظ سلطانه، ويَعُدُّ الجيش منطقة محظورة لا يجوز الخوض فيها قولا أو عملا بغير إذنه ؟
استعرضت في ذاكرتي أولا ما عسى أن يكون حبَّةً بُنِيت عليها قبة كما يقال، فلم أجد إلا صداقات بريئة كانت لي مع بعض صغار الضباط حينئذ، بعضهم كان زميل دراسة، وبعضهم عرفتهم في مرحلة الشباب، منهم مجموعة من زملائي في الدراسة هاجروا إلى مصر وسوريا في عهد الاستعمار الفرنسي بعد أن أغلقت الثانويات الحرة المعربة، فاستقبلهم الزعيم محمد عبد الكريم الخطابي المنفي في مصر ووجه بعضهم للدراسة في الكلية الحربية بالعراق زمن نوري السعيد الذي لم يكن يرفض للأمير الخطابي مطلبا، من هؤلاء مثلا أبو بكر الشرايبي العم الشقيق لرشدي الشرايبي مستشار محمد السادس حاليا، وكنت قليلا ما أراه في الرباط، ومنهم أيضا زميل الصبا ورفيق الدراسة حسن العلوي البلغيثي خريج الكلية العسكرية بدمشق، وكان يزورني في بيتي كلما حل بالدار البيضاء، وكلاهما محط ثقة من الملك والقيادة العسكرية.
وكانت لي علاقة صداقة بالجنرال بلعربي جْرَار المفتش العام للقوات العسكرية الملكية، على رغم فارق السن بيننا، بحكم توجهه الصوفي اللين، وانتمائنا سويا إلى منطقة واحدة، وانتمائه إلى قبيلة أخوال والدي رحمه الله تعالى، وكنت نادرا ما أزوره في مسكنه بالرباط فنأنس سويا بذكر قبائل منطقتنا وأخبارها وتراثها.
كل هذه العلاقات لم يكن لها أي توجه سياسي أو دعوي، ولا شك أنها حافظت على براءتها إلى يوم خروجي من المغرب، لذلك استبعد أن يكون بعضهم ركَّب عليها وشاية مَّا لأن طبيعتها غير قابلة للتوظيف مطلقا.
وأثناء استغراقي في التفكير طَفَت على سطح ذاكرتي مجموعة من الطلبة الشماليين الشباب في الرباط ضمنهم شاب اسمه أحمد الريسوني، كانت لي معهم جلسة تربوية بالرباط كل أسبوع مرة واحدة بعد أن أختم محاضرتي الأسبوعية في معهد تكوين مفتشي التعليم حول مادة التشريع الإداري، ثم انقطعتُ عن زيارتهم بعد أن تأكدت لدي علاقتهم بالخطيب.
إلا أن ثلاثة منهم على رغم انقطاعي عنهم فاجؤوني بزيارة إلى بيتي دون موعد مسبق فرحبت بهم أيما ترحيب، وعندما عزموا الوداع تحدث أحدهم بصوت خافت يستأذن في أن يسألني فأذنت له فقال: (لقد جئنا لأمر هام وخطير وهو أننا كنا في طنجة والتقينا تلميذا من مدينة الدار البيضاء يدعى.... فأسر إلينا بأن لديكم تنظيما عسكريا في الجيش المغربي، وجئنا لنخبركم كي تأخذوا حذركم)، ولما سألتهم عن سن هذا الشاب الذي حدثهم بذلك قالوا: قد لا يتجاوز الخامسة عشرة أو السادسة عشرة، فقلت لهم: وهل لمثله أن يطلع على مثل هذه القضايا أو يخوض فيها؟، وبينت لهم أن ما سمعوه منه لا أصل ولا أساس له من الصحة، وقد يكون نوعا من مزايدات الصبا ومراهقاته، فأظهروا الاطمئنان وودعوني، إلا أنني في إحدى لقاءاتي بالخطيب وقد كنا في حديث عن أوضاع التعليم بالمغرب فاجأني بضحكاته المعهودة ذات التلميح والتعريض قائلا: (مما يثلج الصدر أن بعض الشباب أخذ ينتبه للدفاع عن وطنه ويفضل التوجه للمدارس العسكرية)، فبادلته ضحكته وقلت: (وكيف لك أن تعرف هذا وأنت سجين قصرك وقضاياك السياسية في حزبك؟) فرد: (يزورني أحد أعواني ومعه ولده وصديق لولده فأستظرفهما وأحاورهما حول ما ينويان التوجه إليه بعد حصولهما على شهادة البكالوريا فوجدتهما مصرين على الالتحاق بالأكاديمية العسكرية، إنه ابن سي خليل الذي رأيته مرارا هنا يخدمني).
ثم بعد تمحيص ما جاءت به جماعة الريسوني ذات العلاقة بالخطيب وسألتني عنه، وبعد أن سألت عن التلميذين وأخبرت أن لهما علاقة بمنظمة تلاميذية ماركسية، انتحلا عقيدتها وأيديولوجيتها، وأنهما كثيرا ما شاركا في مسيراتها من أجل تخريبها من داخلها برمي الحجارة على المارة والدكاكين واستدراجها إلى الفوضى، اتضح لي أن جماعة أحمد الريسوني ما جاءت إلا للتأكد مما بلغه هذان التلميذان للخطيب، وهو ما أدى بعد حين إلى أن يؤمر بقطع رأس حركتنا وزرع "قرعة" بين كتفيها كي تسهل السيطرة عليها وتوظيفها، خاصة بعد أن عرَّض لي بذلك الجنرال بلعربي جرار إذ قال لي مرة: (مع الأسف هناك بعض السفهاء يكرهونك ويكذبون عليك). ثم ازداد تأكدي عندما زارني الخطيب في مكة عقب هجرتي إليها وقال ضاحكا مرة أخرى:(يسلم عليك الشابان اللذان كانا ينويان الالتحاق بالجيش، لقد أقنعتهما أخيرا بخلاف ذلك، فسجلت أحدهما بمنحة في كلية العلوم، والثاني أرسلته إلى الصين بمنحة لدراسة طب الوخز بالإبر).
ثم في عهد محمد السادس ركز ورثة الخطيب في علاقاتهم بالملك على تنمية هذه التهمة ورعايتها واستثمارها من أجل التحريض عليَّ وإبعادي، فنالوا رضاه، وأحلهم دار الحكومة بفضله، ساعدهم على ذلك اتصالهم المباشر بالمطبخ السري الحقيقي للقرارات، الذي كان الخطيب وثيق الصلة به ثم ورثهم إياه قبل موته. فهم يعرفون حاليا حق المعرفة من يتخذ القرار، وأذكر في هذا المجال أنني عندما زارني أحد مبعوثي إدريس البصري استنكرت إساءاتهم إليَّ على رغم ما يبدون من رغبة في الإصلاح، رد عليَّ مبعوثه في زيارة أخرى أن البصري يقسم بالله أنه هو نفسه لا يعرف من يتخذ القرارات ولا يعرف مصدرها.
أما أصل هذه التهمة المفبركة، والحبة التي بنيت عليها القبة فما كان لي أن أدافع عن نفسي أمام الطلبة الذين زاروني مستوضحين أو أن أكشفها لهم أو لغيرهم، لأنها من صميم وظيفتي الرسمية وسرها المهني كرئيس للقسم التربوي بنيابة تعليم الدار البيضاء، ولأنها من نتائج الحالة السياسية التي عاشها المغرب عقب محاولتي الانقلاب الفاشلتين، اللتين هزتا مشاعر المغاربة وملأت قلوبهم خوفا وتوجسا وترقبا للأسوأ مما وقع.
وكان من نتائج هاتين المحاولتين أن انعكس أثرهما سلبا على رغبة الشباب في الالتحاق بالمدارس العسكرية الوطنية بكل فروعها، فأصبحت شبه فارغة، على رغم الإعلان عن مباريات الالتحاق بها في الصحف والإذاعة. مما اضطر القيادة العسكرية إلى الاستعانة بوزارة التعليم التي أصدرت مذكرة وصلتنا في القسم التربوي وقسم التوجيه المدرسي تأمر بالقيام بحملة تحسيسية في الأقسام العلمية بالثانويات كلها، لتحريض طلبتها على الالتحاق بمختلف المدارس العسكرية في المملكة، وتحبيب ذلك لهم وتبيين فضله، ولم يكن لي بد من أن أقوم مع قسم التوجيه المدرسي بتنفيذ ما وردت به مذكرة وزارة التعليم، وكانت نتائج هذه الحملة التحسيسية جيدة، إذ أسرع شباب الدار البيضاء إلى الاستجابة الطوعية فامتلأت المدارس العسكرية كلها بالطلبة من كل اتجاه. وكان لهذا النجاح أثره في نفسية تلاميذ الصفوف الإعدادية والثانوية الذين لم يصلوا بعد مرحلة الثانوية العامة(البكالوريا)، إذ أخذوا يفاخرون بمعارفهم ممن تخرجوا في ثانوياتهم والتحقوا بالأكاديميات العسكرية، والواضح أن ما بلغ الخطيب فكلف مجموعة أحمد الريسوني باستيضاحه كان من هذا القبيل. ثم حمله ما لا يتحمل ووظفه لدى الملك في إطار خطته لاختطاف الحركة الإسلامية والسيطرة عليها. كما هي عادة خدام السلطان في كل زمان يتصيدون الشبهات ويركبون بها أخبارا كاذبة ووشايات ظالمة تنال من أعدائهم، وتقربهم وتؤكد ولاءهم وحرصهم على أمن سيدهم ولو كان سيدهم في أمن وأمان، فإن عجزوا عن تَصَيُّدِ هذه الشبهات عمدوا إلى صناعتها ونسبتها إلى من يريدون الإيقاع به.
وأذكر في هذا السياق ما وقع لي عندما أُعلِن عن اختطاف المهدي بن بركة في باريس، قبيل انسحابي من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ببضعة أشهر، وكنت حينئذ ضمن اللجنة الإعلامية المكلفة بتنشيط الاحتجاج على الاختطاف مع بعض أعضاء الحزب منهم الإخوة البوسرغيني وحسن العلوي والبشير الفكيكي الذي أحضر إلى بيتي آلة رونيو سرا وكنا نطبع المناشير المنددة بالجريمة ثم نأخذها إلى بيت حسن العلوي بحي الأحباس حيث تنتظرنا مجموعة من المناضلين فيستلمونها ويوزعونها.
في هذه الفترة زارني الدكتور أحمد رمزي في البيت وقدم لي مقالا معربا من صحيفة فرنسية بعنوان" شاهدت مقتل المهدي بنبركة" واقترح أن أطبعه له، ففعلت من دون أن يعرف مكان طبعه، وسلمته منه مئات النسخ، فركنها في بيت أخيه إدريس الذي كان يسكن في درب الشرفاء، ثم طلب مني أن أعرفه بالفقيه البصري فأخذته إليه في بيته بشارع أنفا، وأثناء الحديث دس في يده نسخة من المنشور على أنه صاحب المبادرة. ثم بعد ذلك سافر إلى مقر عمله بالرباط حيث كان مديرا لمستشفى ابن سيناء. ولما طال غيابه سألت أخاه عن مصير المنشور وماذا يمكن أن يفعل به، فلما ذكر لي أنه مركون في البيت ساورتني الشكوك في نية أحمد رمزي توظيف الأمر لدى السلطات بعد أن صار مقربا من أصحاب القرار فاقترحت على أخيه إدريس التعجيل بتوزيعه فوزعه، وفي اليوم التالي تأكدت لي شكوكي إذ اتصلت به هاتفيا فلم أجده وأخبرتني زوجته بأن أخاه أحمد رمزي قدم من الرباط لما علم بأنه قد وزع المنشور وأنزله في مصحة خاصة وجعل تاريخ دخوله سابقا ليوم التوزيع. ثم بعد فترة وجيزة عين أحمد رمزي وزيرا للصحة.
إن آفة العصر أن المرء فيها يتحرك بسرعة ويفكر بسرعة ويتصل بسرعة فكأنه مسافر في قطار سريع لا يكاد يتبين معالم ما يمر به في الطريق، كما أن ميزة الماضي أن فيه متسعا للتفكير والاستقراء والفهم، وكأن المرء فيه يسير على دابة، سيرا يتيح له من التفكر والتذكر وعمق التحليل ما لا يتاح لراكب القطار أو الطائرة أو الصاروخ، كذلك المرء عند اطلاعه على الصحافة اليومية مصورة أو مكتوبة أو ناطقة، وبالنسبة لي وقد فرض عليَّ وضعي السياسي أن تكون حركتي واتصالاتي محدودة، فقد كانت لي فرص كثيرة لاستيعاب الأخبار ومعرفة مبادئها ومآلاتها، وهذا ما فتح لي بابا من الفهم لما يحاك لي ولغيري استقراء مما ينشر في الإعلام.
مناسبة هذا القول أنني أخيرا طالعت خبرا عن تكليف قيادة حزب العدالة والتنمية لأعضائه في جميع أنحاء المغرب بالبحث والتنقيب عن تصرفات ولاة المملكة وعمالها ورجال الداخلية والأمن فيها، ثم نقل نتائج هذا التنقيب إلى أجهزة الحزب كي يعمل رئيسه على تطهير البلاد من الفاسدين، ولا شك أن حماس بعض الأعضاء وصدقهم وثقتهم مما يدفعهم إلى القيام بما أمروا به خير قيام، وإلى تسليم قائمة الولاة الفاسدين في عرفهم والمعادين لحزبهم إلى قيادتهم التي تتاجر بها لكل غاية يرجى نفعها.
ذكرتني هذه القضية بسوابق لقياديين من هذا الحزب منذ خضعوا لتوجيه الأجهزة الأمنية مباشرة عقب هجرتي، واستغلوا سذاجة بعض الشباب الناتجة عن عدم خوضهم مجال السياسة لكون تربيتهم كانت إيمانية عبادية لا تعرف ألاعيب السياسة ومكر الأجهزة، وكان منهم ما أشرت إليه سابقا إذ أبلغهم أحد مؤسسي هذا الحزب عني أمرا كاذبا بأن عليهم أن يضعوا قوائم الأعضاء في كل منطقة للحاجة إليها فنفذ الشباب بطيبة قلب هذا الأمر وسلموه القوائم ثم سلمها بدوره إلى الأجهزة الأمنية، وما ذكرته من أن غيره من مؤسسي الحزب أيضا نصب على مجموعة من الشباب بماء (زمزم!) وتمر( من المدينة المنورة!) وزعم أنه مبعوث مني إليهم، وما قام به بعضهم من سفر إلى الشرق لتشويه سمعتي وتحريض إخوان مصر والسعودية والكويت علي، فاتصلوا بمصطفى مشهور في القاهرة وبعشرات آخرين في السعودية وقادهم الأخ مصطفى محمد الطحان أحد قياديي الإخوان المسلمين في الكويت إلى لقاء العشرات من أعيان البلاد وتجارها، وكانت رحلتهم بتوجيه من الأميري والخطيب وتنسيق من ضابط الشرطة الخلطي. ومن طرائف هذه الرحلات (التبشيرية) أنني التقيت بالأخ مصطفى مشهور في منى آخر سنة لي بالسعودية، فدعاني لحديث انفرادي معه، وفاجأني بقوله:
لقد زارني قبل عدة شهور شابان من حركتكم، وشكوا إلي بعض تصرفاتك وما ارتكبته في حقهما وحق غيرهما. وبعد أن سرد على مسمعي بعض ما ذكرا له، سألته عن اسمهما فزعم أنه لا يعرف اسم أي منهما، وسألته عن الذي أرسلهما إليه فقال لم يرسلهما أحد وإنما زاراه في مركز مجلة الدعوة بعد أن سألا عن عنوانها، وسألته عمن زكاهما له، فقال لم يزكهما أحد، وسألته كيف عرف أنهما من حركتنا، فقال إنهما ذكرا له ذلك.
حينئذ قلت للأخ مصطفى مشهور: يا أخي في كل الأحوال أنا أشكر لك اهتمامك بأمر المسلمين، وإن كان الاهتمام بأمرهم خاضع لضوابط شرعية، صحةَ نقل وصحةَ معرفةٍ بالناقل، وخلوا من الغيبة والبهتان والنميمة، وأراك لم تحكم أي مقياس من هذه الضوابط فيما سمعتَ منهما وما نقلتَ إلي، فهل كل ما يسمعه المرء يصدقه وينقله ويؤاخِذ به ؟ وهل لي أن أصدق ما يقال عنكم من خصومكم، من كتابة بعض المعتقلين منكم بالدم طلب عفو إلى جمال عبد الناصر، وكان ذلك مما جعل مصطفى شكري ينشق ويؤسس جماعة التكفير والهجرة، ثم عندما جاءك قالة السوء هؤلاء ألم يكن من واجبك أن تتصل بي هاتفيا وتخبرني لأبين لك الأمر فتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر وتصلح ذات البين إن تبينت حاجة للإصلاح، وما فائدة أن تخبرني بأقوال لا أعرف أشخاص قائليها ولا تعرفهم؟، ثم إنني أعرف اسمي هذين الغلامين اللذين زاراك في القاهرة، أرسلهما عمر الأميري والخطيب بتنسيق مع ضابط الاستخبارات الخلطي - بعد أن فشل الأميري في جولاته السابقة وفي مطارداته لي بالغيبة والبهتان والافتراء والعدوان في الكويت والسعودية -، وأعرف أنك تعرف اسميهما وتعرف من أرسلهما إليك وأعرف أنك أنت شخصيا أرسلتهما لبعض الإخوان في السعودية والكويت وأنهما جاءا إلى السعودية ثم إلى الكويت حيث استقبلهما مصطفى الطحان وجال بهما بين من ظن أن مصلحته في الكذب علي واغتيابي والافتراء علي لديهم، ولما سألت متبالدا مصطفى الطحان ومتجاهلا خنجره في ظهري: (من مهد لهما سبيل الحصول على تأشيرة الكويت وهي صعبة المنال؟ ومن وفر لهما نفقات هذه الجولة المكوكية وهما مجرد طالبين فقيرين؟) أجابني ساخرا:(لا بد أن مسلما هو الذي أعانهما على ذلك).
إن الفعل أو الظاهرة إذا وقعت مرة واحدة قد تعد خطأ أو غفلة أو تسرعا أو مصادفة، ولكنها إن تكررت وتوالت أصبحت قانونا أو خلقا راسخا، لا سيما إذا تقدمتها وتلتها أفعال وأقوال تدعمها وتقويها، وقد تقدمت أوامرَ قيادة الحزب لأعضائه بالتجسس على ولاة المملكة وتقديم التقارير عنهم وأعقبتها ما درب الحزب عليه بعض أعضائه المغرر بهم من جمع لأخبار الإسلاميين الذين لم ينخرطوا في صفهم والوشاية بهم لدى السلطة، بل بلغ أمرهم أن نشروا هذه الوشايات الكاذبة في صحفهم الرسمية مرات عديدة، وكنموذج من ذلك ما صرح به الرميد في جريدتهم( التجديد) بتاريخ 14- 2- 2008 عندما سئل عني وعن طبيعتي فأجاب مخوفا الملك مني ومحرضا عليَّ بطريقة شيطانية تلبس الوشاية ثوب المدح والإعجاب:
(كان رجلا في غاية الحيوية والتضحية والذكاء الخارق.)
ثم أكد تحريضه علي بمحاولة التخويف مني ومن الحركة الإسلامية في إشارة تذكيرية لأصحاب القرار وتأكيدية لما بُلِّغ سرا عني، عندما ألقى الصحفي الموظف لديه في حزبه السؤال التالي:
(هل تتذكر بعض الموضوعات التي ناقشها معكم مطيع؟)
فأجاب الرميد بما أُعِدَّ الحوارُ لأجله:
(مرة كنا في بيته بابن جدية، فحدثناه عن ضرورة تدريبنا لحمل السلاح للثورة على النظام السياسي، فسألنا:'' في أي مكان تريدون أن تتدربوا فيه على السلاح؟'' فقلنا له:'' في الجبال'' فقال:''ستسهلون على النظام السياسي ضربكم وإفناءكم، لأنه يكفيه أن يقوم بتلغيم الجبال لينسفها وإياكم، وبإمكانه أن يرسل عليكم طائراته ليحرق الجبل ومن عليه'' فكان هذا الجواب حاسما في قمع الفكرة في أذهاننا. )
ويصل الحوار المتفق عليه في الحزب مسبقا إلى بيت القصيد في خطتهم لإبعادي عن المغرب، وتحريض الملك علي لتبقى الساحة خالصة لهم فيسأله الصحفي الموظف عنده:
(هل يعني هذا أن مطيع لم يكن يتبنى الخيار الثوري؟)
ليأتي الجواب ويرسل إلى الملك الرسالة التأكيدية لما بلغوه تحت الطاولة مرة أخرى بقوله:
(في اعتقادي أن الرجل كان لديه منهج انقلابي).
إن الرميد يعتقد – أي لا يظن ولا يتوهم فقط ولكن يعتقد- أن لديَّ منهجا انقلابيا، ومن له منهج انقلابي عادة لابد أن يعمل على الاتصال بكبار ضباط الجيوش لتحريضهم على الأنظمة الحاكمة، أرسل الرميد هذه الكرة النارية نحوي، مع ما سبقها من تقارير قدمها الحزب في جنح الليل بواسطة الخطيب ثم مباشرة وبغير واسطة بعد وفاته عن طريق المطبخ السري لصاحب القرار، وعلى صفحات جريدة حزبه "التجديد"ولم يقدر أنها قد تصيب الأبرياء فيفقدون بها حرياتهم أو أرزاقهم أو تسيل بها دماؤهم، وما دامت هذه الوشايات النارية تبلغ قيادة حزبه إلى ما يطمحون إليه وتبعد عنهم من لا يرغبون في بقائه على الساحة السياسية أو الدعوية أو الإنسانية فهي من (المقاصد الشرعية) التي يدينون بها (والمصالح المرسلة) التي يعملون لها !!.
إن شهادة الزور هذه التي أدلى بها الرميد وذكَّر فيها الأجهزة الأمنية على رؤوس الأشهاد دون حياء بما بلغهم به سرا ، يعلم الله تعالى أنها كاذبة وأنني لم يسبق أن استقبلته في بيتي أو عرفته معرفة مباشرة، وقد خرجتُ من المغرب وهو صغير السن أو في طور المراهقة على أكثر تقدير كما يبدو من سنه الحالي. أما عندما شب عن الطوق فقد اعترف هو نفسه بكتابة التقارير لإدريس البصري عن الحركة الإسلامية بل ونشر موجزات لبعض هذه التقارير منقحة في جريدة أصدرها بعد امتهانه المحاماة.
أما ما قدمته جريدة الحزب علانية على مدى سنوات وما تعبدوا ربهم به في إحدى السنوات يوميا طيلة أكثر من نصف سنة، من شهر رمضان والأشهر الحرم بعده وإلى شهر رجب وما بعده ، من دعايات كاذبة ظالمة وغيبة وبهتان ووشايات علنية ومطمورة وممهورة وافتراء خبيث علي، إلى حد أنهم حاولوا أن يرسموا لي صورة مجرم قتال في أذهان بعض الطيبين وبعض من لا يعرفني، بل أن ينسبوا إليَّ كذبا وبهتانا أمرا بقتل أخوين عزيزين أشرفت مع الأخ كمال على تربيتهما وتوعيتهما وتوجيههما هما الأخ زحل والأخ العمراني الذي توفي إلى رحمة الله بعد إصابته بمرض لم ينفع معه علاج، وأمرا باختطاف الأخ كمال من قاعة المحكمة، وأنني قتلت عبد العزيز النعماني لأتخلص منه قبل أن تكشف السلطات نفسها أن بعض أصهاره الذين كانوا أعضاء في منظمته هم الذين قتلوه لخلافهم معه، كل ذلك ليسلبوني صفة الداعية الذي أرشد بعضهم، ويلبسوني صفة الجاهل القاتل، الذي لا يسمع لقوله ولا يتلقى فقهه وفكره ورأيه.
كما لم يخجلوا حين كانوا يذهبون إلى من يحبني أو يحترمني من الإخوة فينسبون كذبا وزورا إليَّ شتيمة مني له أو تهديدا أو نبزا بلقب سوء. وما ذلك إلا لحرصهم على الإيقاع بيني وبين إخواني، وعلمهم بعجزي عن تكذيب ما يفترون لانقطاع سبل اتصالي بالمغرب والحصار المفروض علي في المهجر.
ولم يخجلوا حين كتبوا عني أنني شيوعي وقد قرؤوا هم وغيرهم كتاباتي ومؤلفاتي العقدية والقرآنية والسياسية وتلقوا أمر دينهم عقيدة وشريعة في شبابهم على يديَّ وأيدي إخواني المساهمين معي في تأسيس الحركة الإسلامية ممن يأتي ذكرهم و ذكر ما قدموه للحركة في حلقات مقبلة مخصصة لفترة التأسيس إن شاء الله تعالى.
وحين كتبوا أنني تعاطفت مع الثورة الإيرانية ولم يخجلوا من أنني فضلت اضطرارا اللجوء إلى ليبيا بين أحضان شعب مسلم سني، بعد أن ضاقت بي وبأبنائي الأرض بما رحبت، مع أن أبواب إيران كانت مفتوحة لكل معارض للأنظمة الملكية، وقد فتحت ذراعيها لبعض الحاقدين عليَّ من الذين آوتهم وأعانتهم، كما أن تعاون بعض التيارات الإسلامية الإخوانية في الجزائر وتونس مع إيران الخميني، والاستعانة بها غير خفية ولا ينكرونها ومنشورة حرفا وصورة وصوتا في الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة، وأعتقد أن شخصين فقط من القيادات الإسلامية الفكرية رفضا إجابة الدعوة لمؤتمرات إيران هما محمد قطب وعبد الكريم مطيع. إضافة إلى هيئة كبار العلماء في السعودية ومن يسيرون بسيرتهم.
وكتبوا عني أني ركنت للقذافي وقد قضيت فترة مقامي في ليبيا مضطرا محاصرا في شبه إقامة جبرية باتفاق بين السلطتين الليبية والمغربية على رغم الخلاف بينهما، وكان الأستاذ مصطفى محمد الطحان في الكويت أول من باء بإثم هذا الافتراء عليَّ إذ كتب في بعض نشراته أنني أوزع الكتاب الأخضر في أروبا، وأنا بعد أن انتهت صلاحية جوازي المغربي لا أملك مجرد بطاقة تعريف من أي دولة في العالم، أحرى أن تطأ قدمي أرض أروبا، وتبعه بعض قياديي الإخوان في المنطقة المغاربية يروجون هذه الأكاذيب وأمثالها، وتلقف قادة حزب العدالة والتنمية هذه الإشاعة الكاذبة أو لقنت لهم فوظفوها لفتنة الشباب، ثم ما لبث بعض قادة الإخوان في المنطقة المغاربية من الذين لم يرضهم لجوئي الاضطراري إلى ليبيا، أن زاروا القذافي مختارين مستبشرين لا مضطرين ولا مكرهين، واستقبلوا من طرفه وصلى بهم إماما، وزودهم بالهبات المالية القيمة، وكانوا أعضاء فاعلين في بعض المنظمات العالمية التي أسسها، ومنها (منظمة القيادة الشعبية الإسلامية العالمية) التي حضر مؤتمرَها التأسيسي محفوظ النحناح وراشد الغنوشي وألقيا كلماتهما فيه، تحت الرئاسة الفعلية للقذافي وبإمامته لجميع الحاضرين في الصلاة، في حين دعيتُ لحضور هذا المؤتمر فاعتذرت وأديت ثمن ذلك مضايقات وتهديدات علنية ومبطنة، وخطب في أحد مؤتمراتها الأخرى محفوظ النحناح خطبة عصماء في مدح القذافي ونظامه، كما دعيت لندوة في مالطا نظمتها نفس المنظمة (القيادة الشعبية الإسلامية العالمية) وحضرها كبار من قيادات الإخوان كما نشرت الصحف ذلك فاعتذرت كذلك عن الحضور.
أما علاقات بعض القيادات الإسلامية المغاربية وصلاتهم الشخصية مع سيف الإسلام القذافي فقد افتخروا بها وصرحوا بها للصحافة العالمية، كما أُرْسِلتْ لهم الهبات في زمن حصار لوكربي عن طريق تونس برا، وما زلت أذكر ما عُرِف زمن الحصار من اعتقال السلطات التونسية لمبعوث ليبي مرَّ بالتراب التونسي كي يركب الطائرة منه إلى لندن محملا بحقيبة مملوءة دولارا كانت موجهة لبعض قيادييهم، فصودرت الحقيبة واعتقل حاملها ثم أفرج عنه بتدخل مباشر من القذافي لدى ابن علي. أما قيادة حزب العدالة والتنمية فقد زاروا القذافيَ مرات عديدة زيارات موثقة صورة وصوتا، منها زيارتهم له ضمن فعاليات حزبية مغربية مشتركة وصلى بهم إماما وألقى فيهم محاضرة في خيمته، وكان وفدهم مؤلفا من الذكور والإناث، كما شوهد ذلك في التلفزيون.
وزاره مرة أخرى وفد منهم خاص بحزبهم يضم أكثر من عشرين عضوا على رأسه الخطيب وبنكيران والعثماني وباها ويتيم وغيرهم وأخذوا معهم إليه المغني عبد الهادي بلخياط فاستقبلهم القذافي في خيمته وغنى له بلخياط وردد أعضاء وفد الحزب بما فيهم الخطيب مقاطع الأغنية منتشين، وصلى بهم القذافي إماما كما نقل ذلك في التلفزيون الليبي، كما عقدوا اجتماعات مع قياديين أمنيين كبار ومع قيادات من اللجان الثورية، ثم رجعوا إلى المغرب محملين بالهدايا والهبات العينية والنقدية. وكم عجبت لهم وبعضهم يمرون بي وأنا جالس مع بعض الأصدقاء في بهو الفندق الذي يقيمون فيه، فيشيحون عني بأنوفهم التي سجدَتْ خلف القذافي وأنا المتمسك بكرامتي وعقيدتي على رغم لفح الهجرة ولأوائها أحق بالإعراض عنهم، لأن الله تعالى مَنَّ عليَّ إذ اضطررت للجوء إلى ليبيا بعد أن ضاقت بي الأرض بما رحبت ولم أحضر مجلسا للقذافي أو صلاة معه أو خلفه طيلة إقامتي.
أما النائب البرلماني القيادي في حزب العدالة والتنمية أبو زيد المقرئ الإدريسي فاسألوه عن الخطبة العصماء التي ألقاها في المؤتمر العام الخامس للقيادة الشعبية العالمية بحضور القذافي وتحت سمعه وبصره ورعايته وإمامته للصلاة، وكم مرة زار جماهيرية القذافي منفردا واستقبل من طرف قيادييها في اللجان الثورية؟، لا شك أنه زارها عشرات المرات فرحا جذلا مفتخرا وأُنفِق عليه فيها بسخاء، وقد التقاه أثناء إحدى زياراته هذه بعض طلبتنا المنفيين في ليبيا وحدثوه.
وأما الأخ مصطفى محمد الطحان الذي تحمَّل إثم أول افتراء عليَّ في هذا الموضوع، فقد كان أول عمل قام به بعد سقوط الكويت وفي إطار بحثه عن بديل بترولي للكويت عقب عدوان صدام حسين أن زار ليبيا في ضيافة القذافي الذي أكرمه ونعَّمه وأتحفه بالهدايا النقدية المعتبرة، ولم يخجل إذ التقيته في طرابلس متلبسا مختارا غير مضطر بالتزلف للقذافي والتماس القرب منه.
وقالوا إني عميل للقصر الملكي وها أنا محكوم بالمؤبد والإعدام ومنفي عن وطني ظلما قرابة أربعة عقود، وطالتني عدة محاولات للتصفية أو الاختطاف أو مقايضات التسليم، وقد صودرت ممتلكاتي ولم أستطع الحصول لحد الآن حتى على وثيقة تعريف شخصية مغربية، أو جواز للسفر أو مجرد استرجاع رخصة السياقة التي حصلت عليها في فترة الاستعمار الفرنسي.
وأنا إذ أرصد هذه الظواهر الشاذة في تصرفات بعضهم وهم يرمونني بدائهم ويَنْسَلُّون، فإنني لا أؤاخذ من نال مني على ما فعل جهلا منه أو غيظا وحنقا دُفِع إليهما لتسرعه وعدم تثبته، أو استجابة لما خطط له شياطين الأجهزة الأمنية، لأني ألتمس أجر الصبر على ما ارتكبوه في حقي من الله تعالى يوم القيامة يوم يُقادُ للشاة الجلحاء من الشاة القرناء كما قال صلى الله عليه وسلم.
هذه نماذج من شيطنة قادة هذا الحزب من الذين انتحلوا نكهة المرجعية الإسلامية وتاجروا بها، ودلسوا على الطيبين وذوي النوايا الحسنة من أعضاء الحركة بها، كي يبعدوهم عن حركتهم ويوقعوا بيني وبينهم العداوة والبغضاء، ويصلوا إلى مبتغاهم في السلطة، وتجاهلوا أن هذه الأساليب الشيطانية قد توقظ الفتن، وتشرد الأسر، وتهتك الحرمات وتسيل بها الدماء وتزهق أرواح الأبرياء.
كل هذه الأكاذيب والافتراءات وغيرها كثير، نشروها في صحيفتهم التجديد من دون أن يراعوا في أمري ولا أمر الدعوة الإسلامية إلًّا ولاذمة، وأنا أدعوهم فيها إلى المباهلة وجعل لعنة الله على الكاذبين.
وما دام لدى الخطيب والبصري هذا الرتل من المخبرين فليس غريبا والحالة هذه أن يكونا أول من قرع ناقوس الخطر المتوهم على الملكية في عهد محمد السادس عندما صرحا بما بلغه لهما كبار مناضلي حزب العدالة والتنمية من أن الملكية في خطر، وبعد أن تم وضع قوائم للسلفيين في مختلف أنحاء المغرب أوائل سنة 2003 فسارعت الآلة المخزنية إلى اعتقالات في صفوفهم بالجملة، قبل أن تفبرك لهم حوادث الإدانة في 16 ماي من نفس السنة، وعندما لجأ الأخوان الكتاني والرفيقي إلى بيت الخطيب واستجارا به عن حسن نية سلمهما يدا بيد إلى وزير الداخلية، من دون أن ينبس مريدوه وأتباعه في حزب العدالة والتنمية ببنت شفة، ومادام هذا الافتراء خلصهم من منافسيهم السلفيين فلا يهمهم أن يخطئ النظام بالتورط في معاداة طائفة كريمة من المواطنين وتنقدح بذلك نار فتنة يعلم الله مآلها.
ومن غريب الصدف قبل أن تأمر قيادة حزب العدالة والتنمية أعضاءها في جميع أرجاء المغرب بالتجسس على الولاة ورجال السلطة أن تعلن القيادة العسكرية قبيل الانتخابات الأخيرة عن تكوين لجنة مراجعة شاملة لملف الالتزام الديني لدى جميع المنتمين إلى القوات المسلحة المغربية جنودا وضباط صف وضباطا كبارا، وأن تسفر هذه المراجعة عن طرد مجموعات منهم، وإجبار مجموعات أخرى على طلب التقاعد قبل أوانه.
وأن يقوم العثماني بعد أن نجح في الانتخابات الأخيرة وقبل أن يستوزر بزيارة استكشافية تفقدية إلى الثكنات العسكرية في الجنوب المغربي ويلتقي بكبار الضباط ويعدهم بالدفاع عن حقوقهم، ثم يطالب عقب ذلك برفع رواتبهم، وما كان لمدني قط أن يتدخل في شؤون الجيش بأي صفة من الصفات، أحرى أن يأمر القيادة العسكرية بما أمر، وما كان الحسن الثاني ومحمد السادس في أول عهده يقبلان مطلقا منذ تأسس الجيش الملكي أن يتدخل في شؤونه مدني بأي صفة من الصفات، أحرى أن يأمر القيادة العسكرية برفع الرواتب ومراجعة الأحوال.
وأنه بعد زيارة العثماني لهذه الثكنات العسكرية وإدلائه بتلك التصريحات توالى أيضا سقوط بعض الطائرات العسكرية ومقتل عشرات الضباط. وما تبع ذلك من إقالات وإحالات أخرى لبعض الضباط على المعاش. أما بعد تكوين حكومة الحزب واعتمادها فقد صار رئيسها نفسه يشارك في اجتماعات كبار الضباط ويغشى ناديهم كأنه منهم كما نشرت صور ذلك الصحف المغربية، وهو أمر لم يسمح به النظام الملكي من قبل مطلقا لغيره.
وأن تصبحنا الأخبار كل أسبوع بتفكيك خلايا متهمة بالإرهاب من متدينين يريد حزب العدالة والتنمية التخلص منهم لرفضهم خدمته والعمل تحت مظلته، فيودعون في السجون والمعتقلات أو يعلن موتهم في ظروف غامضة، من دون أن يستشعر الوشاة مسؤولية ما يبلغونه من تلفيقات كاذبة بالصالحين والصادقين والعبَّاد والدعاة.
ويبقى تساؤل مشروع، كيف استطاعت قيادة الحزب الممثلة في بنكيران والعثماني والرميد ومن معهم أن تنال كل هذه الثقة وتؤثر كل هذا التأثير في القرار المركزي المغربي؟ وكيف رضي قادة الجيش أن يتدخل الحزب في أخص خصائصهم؟ وإذا تبين لنا أن قادة هذا الحزب لا يكنون أي تقدير لحاشية الملك من الخبراء والمستشارين العلنيين ولا يعبؤون بهم بل يتجرؤون على التنقيص منهم والنيل منهم والهجوم عليهم واتهامهم سرا وعلانية بالفساد، فبِمَنْ هم معْتَدُّون؟ وعلى من يعتمدون؟ وما هو المطبخ السري للقرار المركزي الذي ورثهم الخطيب العلاقة به، والذي يحميهم وتجري بينهم وبينه الصفقات تحت الطاولة؟.
وللحديث بقية..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.