في خضم الحديث المستفيض والذي يروج حاليا في إقليم سيدي إفني لقبائل أيت باعمران المعروفة بنضالاتها ضد الاستعمار الاسباني الذي اضطر إلى إخلاء المدينة عام 1969 ، لم يساورني شك و أنا أتحدث عن هذا الموضوع الذي صادف وقوع أحداث ماسأوية يوم السبت الأسود، يمكن القول أنه ثمة أشياء تسير بالمزاج من طرف جهات معينة. "" إن احتجاج " تاروا نأيت باعمران" واعتصامهم داخل الميناء لا تعني إلا البحث عن مصدر للعيش الكريم، أمام صمت الحكومة وتنصلها من التزاماتها ووعي أناسها، وجدوا أنفوسهم مجبرين على تصعيد خطواتهم النضالية، غير أن الحكومة لجئت إلى مواجهة هذا السلوك الحضاري الاحتجاجي بالعنف بمختلف الوسائل، وفرض سياسة التجول والاعتقالات... ويمكن القول أن الآية معكوسة في كثير من الأحايين بالمغرب في الوقت الذي يرفع فيه شعارات المفهوم الجديد للسلطة والحاكمة الأمينة والقرب من المواطنين والشراكة من المجتمع المدني والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية وغيرها من الشعارات البراقة ... يأبى البعض إلا أن يجر بلادنا إلى تكريس عكسها. لم يعد المشهد المألوف في المغرب، في تنامي الحركات الاحتجاجية والمواجع الإنسانية على اعتبار أنه في حدود الأيام قليلة وقعت فواجع هزت المغرب، بداية من محرقة ليساسفة مرورا بانتفاضة سكان بومالن دادس بورزازات، وأحداث صفرو ضد الغلاء المعيشي، وانتفاضة طلبة الحي الجامعي بمراكش، دون أن ننسى محرقة اللأطر العليا لتنسيقية الوطنية والمجموعة الوطنية لدكاترة بالرباط داخل وزارة التعليم العالي. فلم يعد المغرب ينتج سوى الكوارث والمصائب، ولم يعد يمر يوم دون سماع خبر سيء في المنطقة أو تلك، فالأخبار السيئة أصبحت لا تفاجئ المغاربة إذ تتوالي بشكل غير مسبوق ولا طاقة للمغاربة على دفعها ،فقد كانوا يحلمون أن يتحول المغرب إلى دولة الرخاء والأمان، بلاد تسوده الديمقراطية، وفي الوقت الذي تنتظر فيها الفئات المحرومة حلولا فعالة للجد من مأساتهم وألأمهم، جاء أول الغيث ليزين صورة البلاد بمساحيق كاذبة زائلة على شاكلة مهرجانات بداية من مهرجان موازين على وزن مواجع لمواساة أسر الضحايا، هل من المعقول أن تكون المعاناة والمآسي في واد، وخطابات وممارسات الجهات المسؤولة في الاتجاه المعاكس ؟(أش خصك ألمجروح نغمة وتاي أمولاي). ولعل أحداث سيدي إفني الأليمة خير شاهد ومؤشر على سقوط كل هذه الخطابات التي ظلت الأبواق الرسمية تطبل وتزمر وتغني بها ردحا من الزمن. وإن ما كشفته أحداث سيدي إفني من محاولات لعناصر من القوات المساعدة والدرك الملكي والأمن الوطني اغتصاب ومحاولة اغتصاب بعض نسوة المدينة، والتحرش بهن، عن وقائع مخزية ورهيبة، يطرح سؤالا كبيرا حول دور قوات "الأمن" في المغرب؟ كما يطرح أكثر من علامة استفهام حول شعارات الحكامة الأمنية التي تتغنى بها السلطات في البلاد. إن الحاجة أصبحت ملحة لإعادة تأهيل جهاز الأمن في المغرب وإعادة النظر فيه جذريا ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات الفظيعة، بما يجعل من عناصره ملتزمين بمراعاة حقوق الإنسان وحفظ كرامة المواطن قبل كل شيء، لأن رجل "الأمن" الذي يقوم بنهب بيوت وممتلكات الأهالي من جهة، وسرقة الهواتف وآلات التصوير المعطلين عند مطاردتهم في شوارع الرباط، والذي يستهدف بعصاه معطلة التي تطلب بحقها الدستوري في الشغل لفض بكارتها أو تعمد شدها من صدرها من جهة أخرى لا يستحق لقب "رجل أمن"، بل هو رجل خوف ورعب ووحش وقاطع الطريق بكل امتياز. حقيقة، ثمة أشياء غير سوية بالمغرب...والمؤسف في هذه الكوارث أن البعض تعامل معها وكأنها مسألة طبيعية جدا، وأن الأمر لا يحتاج إلى ضجة، لان ذلك بإمكانه أن يؤجج الغضب الذي يشعر به المواطنون هذه الأيام، بعد أن شربوا كؤوس الذلة والمهانة وعاشوا في ضيافة التعذيب والإهمال، وما لا نتمناه أن تستمر الحكومة في استفزاز مشاعر الفقراء وأن تأتي بمساحيق جديدة على أهالي المنطقة سيدي إفني كي تطفي وتنسي لهب ألأم والمعاناة، في شاكلة مهرجان جديد اسمه تيميتار بمدينة أكادير. ولعل ما وقع في سيدي إفني خلال التدخل الوحشي لقوات الأمن واقتحامه لمنازل المواطنين والممارسات التعسفية ودون إذن قضائي يوم السبت الماضي يطرح تساؤلا عريضا حول دور الجمعيات الحقوقية والهيئات السياسية والمجتمع المدني ؟ وهل يفعل فعليا عمل لجنة التقصي البرلمانية في الاطلاع على ما حدث، وفي استدعاء كل الأطراف للاستماع إليها حول الاعتصام الذي كان يشل ميناء سيدي إفني،وحول المشاريع التنموية العلقة، وحول التدخل العنيف الذي قاده الأمن الوطني والقوات المساعدة والدرك، والذي خلف مئات الجرحى وعددا كبيرا من التجاوزات في المنطقة؟ وما سبب منع بعض الصحافيين من تغطية الحادث عوض إطلاع الرأي العام على ما جرى؟ هل هذه هي العقلية المغربية المخزنية في حل الأزمات؟ هل فعلا هناك أشياء تسير عكس التيار...؟ صراحة يحتاج الإنسان المغربي إلى يوم سبت أبيض يبدأ فيه حياته الطبيعية من جديد، ولا ينتظر فيه يوم سبت أسود أخر يؤرخ لمأساة ومعاناة جديدين، وهضم حقوق الإنسان؟