بدا رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، يائسا من التجربة الحكومية التي يقودها. لم يعد متفائلا بمستقبل الحكومة التي يوجد على رأسها منذ سنة. يوم السبت الماضي أمام مستشاري الحزب، تحدث بنكيران، لأول مرة، عن إمكانية نزع رئاسة الحكومة من حزب العدالة والتنمية، ورد الفعل الذي يتوقعه من الشارع، حيث قال: «ماذا سيقع في ملك الله إذا رجعنا إلى المعارضة؟»، هذا على المستوى الحزبي، أما على المستوى الشخصي، فاستشهد بنكيران بحكمة للشافعي لإظهار زهده في المنصب وعدم الخوف من المواجهة المحتملة مع خصومه، حيث قال: «إن عشت لن أعدم قوتا، وإن مت لن أعدم قبرا». الأزمة التي كانت صامتة بين الحكومة ومصادر أخرى للقرار، لم يسمها بنكيران لكنه أشار إليها أكثر من مرة وبمختلف الطرق، صار لها اليوم لسان وأسباب ونتائج وحلول. إذن، شباط ليس هو المشكلة الرئيسية في الائتلاف الحكومي، هو فقط شجرة تخفي الغابة. المشكل قائم في توافق رئيس الحكومة مع مراكز القرار الأخرى في الدولة، وهذا الأمر لم يعد سرا، وإلا لما احتاج رئيس الحكومة إلى أن يتحدث عن احتمال خروج المنصب من يده، وعودته إلى المعارضة، ورد فعل الشارع الذي يتوقع منه الدفاع عن هذه التجربة إن كان يعتقد أنها تخدم مصالحه. نحن، إذن، أمام أخطر أزمة تواجه بنكيران واستمرارية حكومته بعد عمر قصير من انطلاقتها. ما العمل يا سيد بنكيران لمواجهة هذه الأزمة؟ رئيس الحكومة يرى أن الحل هو (والكلام له بالحرف في اللقاء نفسه الذي نقل كلمته مصورة موقع الحزب على الأنترنت): «إذا طلب مني الملك الذهاب سأذهب»، ثم استدرك لتخفيف قوة وحجم هذا التصريح بالقول: «سأبقى مع الملك في كل الحالات، فأنتم تعرفون مواقفي الثابتة من الملكية». بنكيران يرمي إذن الكرة في الحقل الملكي، ويقول إنه مستعد للرحيل إذا طلب منه الملك ذلك، مع أن الملك دستوريا لا يملك حق إقالة رئيس الحكومة. يستطيع الملك حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، ومن ثم احتمال صعود أغلبية جديدة وحزب أول جديد ورئيس حكومة جديد، لكن عبر صناديق الاقتراع وليس خارجها. رئيس الحكومة، إذن، يقترح حلا سياسيا للأزمة الحالية، وليس حلا دستوريا وقانونيا، ذلك أن الدستور يعطي رئيس الحكومة إمكانية حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها، إذا لم تعد له أغلبية منسجمة تمكنه من إدارة الدولة دون مشاكل، وتسمح له بتجديد شرعيته، ومعرفة ما إذا كان الشعب في صفه أم إنه انزاح عنه في اتجاه آخر. ثم إن بنكيران، في أول تصريح له لما ظهر في القناة الأولى بعد تعيينه رئيسا للحكومة، قال للصحافية فاطمة البارودي، ومن خلالها للرأي العام: «إذا لم أستطع أن أتحمل مسؤولية الحكومة فإنني سأسلم المفاتيح وأنسحب». الآن يقول كلاما آخر.. يقول إنه إذا طلب منه الملك الرحيل فسيرحل. هذا تصور آخر لا علاقة له بالوعد الذي قطعته على نفسك يا رئيس الحكومة. ثم إن جزءا أساسيا من متاعب بنكيران في إدارة الدولة قادم من تهميشه هو نفسه للدستور في تدبير الأزمات والملفات. غالبا ما يميل بنكيران إلى تدبير القرار الاستراتيجي من خارج الصلاحيات والمؤسسات الدستورية، وهذا ما لا يساعد على تطوير الحياة الدستورية والتجربة الفتية التي ظهر بنكيران يوم السبت يبكي عليها، ويقول إنها لم تكن استراحة وانقضى وقتها. بنكيران صاحب أمثال وقفشات تسمح له بأن يقول أشياء حساسة جداً، وفي الوقت نفسه يبقي أمامه الباب نصف مفتوح للخروج منه، في حالة أثارت تصريحاته ضجة أو غضبا في مكان ما. وهذا ذكاء من قبله، وتكيف مع البيئة المعقدة التي يشتغل فيها. ومثال ذلك تشبيهه في الكلمة أعلاه، وقبل أن يدخل في الموضوع، وضع الحكومة والضجة التي تقام حولها -والمقصود طبعا هو خرجات شباط- بحفل للختان، حيث قال: «إني أشبه الوضع الذي نوجد فيه الآن بوضع الطفل الذي يتعرض للختان والطبالة والغياطة يعزفون. الواقع أن لا علاقة بين العملية الأولى والثانية، وإذا انشغل الناس بالطبالة والغياطة لن يلتفتوا إلى ختان الطفل». أنظر الشريط أسفله. بنكيران نبه معشر الصحافيين إلى ألا يُخرجوا هذا المثال عن سياقه، ونحن سنأخذ بنصيحته، ونقول إن رئيس الحكومة يقول لكم: «لا تلتفتوا إلى الضجة التي يقيمها الطبالة والغياطة حول الحكومة، ولكم أن تتوقعوا من هم هؤلاء، لكن انتبهوا إلى من يريد ختان الحكومة، هنا يجب أن تركزوا وتتابعوا المشهد الحقيقي». * مدير نشر أخبار اليوم المغربية