شاءت الأقدار أن أحرس طلاب الجامعة في بعض الامتحانات ، في كلية الآداب، بإحدى الجامعات. أنا أيضا حديث عهد بامتحانات الجامعة فقد اجتزت آخر امتحان جامعي لي السنة التي سبقت أول حراسة لي . كنت أعلم حيل الطلبة في الغش، و كنت أعلم المجدين من المتهاونين. لكن تغيرت رؤيتي بعد أن صرت حارسا بدل محروسا. ووقفت على عمق الخلل أو الخطر. أنا شخصيا كنت أعد للامتحان بوجل و خوف و تهيب، فلا أدخل إلى قاعة الامتحان إلا بعد حفظ المادة التي سأمتحن فيها أو الاطلاع عليها و استيعابها. و لم أضع في بالي يوما فكرة الغش، بل أحسب نفسي لا أقدر عليه و إذا حدث و سألت أحد الطلبة عن معلومة نسيتها أو سؤال لم أفهمه أو شيء من هذا القبيل أجدني أرتعد و أثير انتباه الآخرين إلي.. فأضع نفسي موضع اتهام أو على الأقل موضع شبهة و ريبة . لكن بعد أن صرت حارسا أحرس الطلاب و في بالي أنها مسؤولية ، و بنوع من جد و حزم المبتدئ ، وقفت على أساليب في الغش لم تخطر على بالي قط. و ليس أساليب الغش فقط بل نفسية الطالب الممتحن. حتى صار الغش ثقافة، يتداول الطلاب أساليبه وتقنياته، و يميزون بين الأستاذ المتساهل من الحازم. و المحظوظون هم الذين يحرسهم أستاذ متساهل بل قد يحسد بعضهم بعضا على ذلك. و يعدها بعضهم من عدم تساوي الفرص. أنا لم أشاهد أفلاما تتحدث عن الغش، لكن سمعت أحد الزملاء يحكي عنها.. فأقول تلك مبالغات السينمائيين و براعة المخرجين و أصحاب السيناريوهات. لا أريد أن أتحدث عن أساليب الطلاب في الغش فهذا معروف لدى الجميع خاصة الجامعيين طلابا و أساتذة. لكن الذي أثار انتباهي و حيرني هو جعلهم – أي الطلاب – الغش حق مكتسب و ربما يدافع عنه بعضهم، و قد حدث ذلك، بحيث يدخل الطالب في جدال مع الأستاذ على سبيل المساومة، و منهم من يحاول ابتزاز الأستاذ أو الإيقاع به و يحدث هذا من بعض الطالبات اتجاه الأساتذة –الحراس- و قد تعرض كاتب السطور لمثل هذا. و منهم من يعطيها صبغة أخلاقية فيقول لك: حرام عليك يا أستاذ، تمنعني من.. و منهم يحملك مسؤولية الرسوب و الفشل، فيجعلك في موقف الظالم المعتدي بعد إذ منعته من إجابة صحيحة محققة. وحدث أن ساورني شك في طالب فأدخلت يدي في جيبه فأخرجت أوراق... فجادلني من الناحية القانونية، و قال لي: لا يحق لك أن تدخل يدك في جيبي ، كتمتها في نفسي و هددته: اصمت و إلا كتبت عنك تقريرا و هذه الحجج بيدي . عندما خرجت حكيت القصة لإحدى زميلاتي فقالت نعم لا يحق لك أن تدخل يدك في جيبه، و انتظر حتى تضبطه متلبسا. فقلت هذه أخطاء من مبتدئ عديم التجربة و الخبرة. حكى لي أحد الزملاء في القسم المجاور أنه ضبط طالبة تغش عن طريق الهاتف النقال بحيث وضعت سماعة في أذنها و تظاهرت بارتدائها غطاء الرأس، و بعد أن كشف أمرها و نزع منها الهاتف النقال و بدأ يستمع فإذا بأحد الأشخاص خارج القسم يملي عليها .. ، و بعد أن انقطع عنه صوتها الخافت قال ما لي لا أسمع لها ردا، بل يجيبني صوت رجل. إنه الأستاذ –الحارس..يا لها من فضيحة. أما عن غش الأساتذة فحدث ولا حرج و لا يعرف ذلك إلا الأساتذة فيما بينهم و قليل من أذكياء الطلاب. بل منهم من يبتز الطالبات في عرضهن مقابل السماح لهن بالغش أو إعطاء الإجابة لهن سرا.و قد أعجبت بإحداهن وافقت على شرط الأستاذ و حصلت على نقطة جيدة و عندما أراد الأستاذ جني ثمرة عمله هددته الطالبة برفع دعوى ضده بتهمة التحرش الجنسي. و منهن من سرت إلى بعض الطالبات أن أوراق امتحان مادة التاريخ صححها الأستاذ على صدر الطالبة. فمن هو المحظوظ يا ترى هل الأستاذ المصحح؟ أم الأوراق المصححة على صدر الطالبة؟ بل ربما أصحاب الأوراق الذين تعرفهم الطالبة؟؟ و لم يقتصر الأمر على طلاب سنوات الإجازة بل تعدى الأمر إلى طلاب الدراسات العليا فقد تأخر إخراج نتائج طلاب إحدى وحدات السلك الثالث تخصص أدب... بعد أن رفض الأستاذ المناقش بحث إحدى الطالبات بدعوى كثرة النقول غير الموثقة والسرقات العلمية ،عفوا فالسبب الحقيقي -و العهدة على الراوي- هو اكتشاف علاقة غير شرعية بين الطالبة الباحثة – عن ...- و بين الأستاذ المشرف. أما إحدى محاولات الغش البليدة أو لنقل غير المحظوظ صاحبها -وكاتب السطور شاهد عيان عليها- كانت السنة الماضية إذ تجرأ طالب غبي باستبدال ورقة التحرير الرسمية بورقة محررة مسبقا فتقدم طالب شجاع و مزق الورقة المحررة أمام أعين الطلبة الممتحنين... و كانت فضيحة ما بعدها فضيحة، فالهم استرنا و لا تفضحنا. وآخر ما سمعت أن شهادات الدكتوراه تخضع للتزوير و الغش و أن إحدها نوقشت في الظلام و نال صاحبها ميزة مشرف جدا. لست أدري كيف يكون المستوى العلمي للطالب الحاصل على شهادة الإجازة أو غيرها عن طريق الغش. و منهم من يتقلد مناصب عليا و حساسة. و كثير ما هم، فلا أظنه يغش في عمله كلا، و لا أنه يقبض رشوة أبدا أبدا أبدا. و أن أداءه لعمله سيكون باحترافية و كفاءة عالية جدا جدا. [email protected] ""