الجزائر و"الريف المغربي" .. عمل استفزازي إضافي أم تكتيك دفاعي؟    حقوقيون مغاربيون يحملون الجزائر مسؤولية الانتهاكات في مخيمات تندوف        لفتيت يستعرض التدابير الاستباقية لمواجهة الآثار السلبية لموجات البرد    الاتحاد الأوروبي يمنح المغرب 190 مليون أورو لإعادة بناء المناطق المتضررة من زلزال الحوز    تعزيز وتقوية التعاون الأمني يجمع الحموشي بالمديرة العامة لأمن الدولة البلجيكية    الرجاء والجيش يلتقيان تحت الضغط    في سابقة له.. طواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية يعبر صحراء الربع الخالي    الوالي التازي يترأس لجنة تتبع إنجاز مشروع مدينة محمد السادس "طنجة تيك"    السكوري يلتقي الفرق البرلمانية بخصوص تعديلات مشروع قانون الإضراب    الإنترنت.. معدل انتشار قياسي بلغ 112,7 في المائة عند متم شتنبر    المدعو ولد الشنوية يعجز عن إيجاد محامي يترافع عنه.. تفاصيل مثيرة عن أولى جلسات المحاكمة    ارتفاع كمية مفرغات الصيد البحري بميناء الحسيمة    لاعبتان من الجيش في تشكيل العصبة    تكريم منظمة مغربية في مؤتمر دولي    ليبيا: مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي يجدد التأكيد على أهمية مسلسلي الصخيرات وبوزنيقة    "البيجيدي": الشرعي تجاوز الخطوط الحمراء بمقاله المتماهي مع الصهاينة وينبغي متابعته قانونيا    غرق مركب سياحي في مصر يحمل 45 شخصاً مع استمرار البحث عن المفقودين    حموشي يستقبل المديرة العامة لأمن الدولة البلجيكية بالرباط    المغرب يفقد 12 مركزاً في مؤشر السياحة.. هل يحتاج إلى خارطة طريق جديدة؟    ريال مدريد يعلن غياب فينسيوس بسبب الإصابة    «الأيام الرمادية» يفوز بالجائزة الكبرى للمسابقة الوطنية بالدورة 13 لمهرجان طنجة للفيلم    في لقاء عرف تفاعلا كبيرا .. «المجتمع» محور لقاء استضافت خلاله ثانوية بدر التأهيلية بأكادير الكاتب والروائي عبد القادر الشاوي    تكريم الكاتب والاعلامي عبد الرحيم عاشر بالمهرجان الدولي للفيلم القصير بطنجة    بعد رفض المحامين الدفاع عنه.. تأجيل محاكمة "ولد الشينوية"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    استئنافية فاس تؤجل محاكمة حامي الدين إلى يناير المقبل    نقابة تنبه إلى تفشي العنف الاقتصادي ضد النساء العاملات وتطالب بسياسات عمومية تضمن الحماية لهن    العالم يخلد اليوم الأممي لمناهضة العنف ضد النساء 25 نونبر    بورصة البيضاء تفتتح تداولات بالأخضر    صنصال يمثل أمام النيابة العامة بالجزائر    أرملة محمد رحيم: وفاة زوجي طبيعية والبعض استغل الخبر من أجل "التريند"    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    "الكاف" يقرر معاقبة مولودية الجزائر باللعب بدون جمهور لأربع مباريات على خلفية أحداث مباراتها ضد الاتحاد المنستيري التونسي        إيرادات فيلمي "ويكد" و"غلادييتور 2″ تفوق 270 مليون دولار في دور العرض العالمية    أسعار الذهب تقترب من أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع    تقرير: جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل عشر دقائق في العالم    مدرب مانشيستر يونايتد يشيد بأداء نصير مزراوي بعد التعادل أمام إيبسويتش تاون        استيراد الأبقار والأغنام في المغرب يتجاوز 1.5 مليون رأس خلال عامين    تقرير : على دول إفريقيا أن تعزز أمنها السيبراني لصد التحكم الخارجي    مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر    6 قتلى في هجوم مسلح على حانة في المكسيك    أونسا يوضح إجراءات استيراد الأبقار والأغنام    تحالف دول الساحل يقرر توحيد جواز السفر والهوية..    تصريحات حول حكيم زياش تضع محللة هولندية في مرمى الانتقادات والتهديدات    الإمارات تلقي القبض على 3 مشتبه بهم في مقتل "حاخام" إسرائيلي    جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منسيات في الضيعات..هناك حيث يسكن الألم
نشر في هسبريس يوم 31 - 12 - 2012

أن تبحث في موضوع العاملات في الضيعات الفلاحية بالمغرب كأنك تسير على حبل مشتعل، فالعيون تتربص بك، وأصحاب الضيعات قد ينتقمون منك في أية لحظة، والعاملات لا يتكلمن إلا بصعوبة بسبب الخوف والخجل..
أيام طويلة من البحث، طرقنا فيها العديد من المنازل المتواضعة التي تأوي هذه النساء، وزرنا فيها الكثير من الضيعات التي لم تساعدنا وسائل النقل على بلوغها، وتحدثنا فيها مع عدد من المهتمين، نبحث عن قصص تصلح أن تكون دليلا لتبيان ما يحدث في ضيعات تفتخر الدولة بأنها تصدر المنتجات الفلاحية إلى الخارج لكنها لا تتحدث عما يحدث داخلها من خروقات..ضيعات تظهر من الخارج خضراء تسر الناظرين..لكن أحوالها من الداخل تثير الكثير من الأسئلة حول أوضاع المرأة المغربية التي يقولون عنها أنها تتقدم وتتمتع بالكثير من الحقوق..
أن ترى بأم عينيك ليس كأن تسمع..لذلك زرنا هذه الضيعات علنا نوفق في توثيق بعض اللحظات المجنونة من عمل بكثرة عذابه صار عاديا واعتادت عليه الساكنة كما لو أنه قدر لنساء المنطقة، نساء تركن المعول والحفر ووقفن يشتكين ألم الزمان، وبحق، فتلك المشاهد القاتمة من النقل المهين والعمل الشاق كانت لتعبر لوحدها في الكثير من الأحيان..
كثير من الصعوبات اعترضت عملنا الذي دام شهرا كاملا من البحث، خاصة وأنه تزامن مع شهر رمضان حيث الحرارة المرتفعة التي جعلت الكثير من العاملات يتغيبن عن العمل أو يذهبن لقضائه في مناطقهن الأصلية على اعتبار أنهن مهاجرات، لكن في النهاية، ما اكتشفناه حتى ولو كان قليلا..من شأنه أن يبين لنا حقيقة ما يحدث في هذه الضيعات..لعل الوضع يتحسن فعلا مستقبلا ..على اعتبار أن الكشف عن الواقع هو أول الخطوات نحو تغييره..وذلك في زمن التغيير العربي..
الضيعات الفلاحية بالمغرب..
تعد الزراعة من بين أهم الأنشطة الاقتصادية بالمغرب، حيث تبلغ المساحة الصالحة للزراعة مليون هكتار من مجموع مساحة البلد البالغة 71 مليون هكتار، تشغل الزراعة تقريبا 35 في المائة من الساكنة النشيطة، وتشكل جانبا مهما من الصادرات، أهم المنتجات هي الحبوب والحوامض والبواكر.
نظرا لتعدد الضيعات الفلاحية بالمغرب، ونظرا لتشابه الظروف التي تعمل فيها العاملات، فسنأخذ من منطقة هوارة الواقعة في الجنوب المغربي مثالا للحديث عن هذه الانتهاكات.
معطيات عن منطقة هوارة
تقع منطقة هوارة -التي تعد من أشهر المناطق الفلاحية بالمغرب- وعاصمتها أولاد تايمة في الجهة الشرقية من مدينة أكادير على الطريق الوطنية رقم 10 وتقدر مساحتها ب 21 كيلومترا مربعا، عدد سكانها 86.183 نسمة (إحصاء سنة 2008) ، تحتل مراتب متقدمة وطنيا على مستوى الإنتاج الفلاحي، خصوصا ما يتعلق منها بالتصدير نحو الخارج، وتتوفر أولاد تايمة على عدة نواب تحت قبة البرلمان كما ينشط فيها سوق للجملة معروف على الصعيد الوطني، تشكل مداخليه حصة كبيرة من ميزانية الجماعة، وتتربع هوارة بشكل عام على عرش سهل سوس المعطاء.
رغم عدد من الوعود التي قطعها عدد من المنتخبين بالمدينة بجلب مستثمرين وإحداث مركبات صناعية,إلا أن هوارة لا تزال كما هي,ففرص الشغل الحقيقية(تلك التي تحتاج إلى مستوى تعليمي معين) منعدمة بالمنطقة,وتبقى الزراعة هي أكثر القطاعات تشغيلا بجانب التجارة.
تشكل الفلاحة نسبة مهمة في الأنشطة الاقتصادية بمنطقة هوارة حيث تصل إلى 18 ٪، و يشتغل فيها الذكور والإناث، لكن الإناث العاملات يعانين من الأمية بنسبة فاقت النصف ،وهو ما يجعل استغلالهن في العمل الزراعي أمرا كثير الحدوث.
حكايات من المعاناة
وفاء..أم عازب في بحار الضياع
لم يكن من السهل أن نلتقي ب"وفاء"، فبعد اتصالات عديدة مع مجموعة من الأشخاص الذين يعرفونها، قررت أخيرا أن تحكي حكايتها لنا رغم ألم الذكرى وحزن الماضي..
"وفاء" المنحدرة من مدينة بني ملال لم تكمل حتى تعليمها الابتدائي، فقد ودعت مقاعد الدراسة مبكرا، وهو الأمر الشائع الحدوث بهذه المدينة، بعد وصولها لسن ال14، تعرفت على أحد أبناء المدينة الذي كان يكبرها، علاقة حبهما كان فيها الكثير من الجنون، فهي تقول" أعترف أنني لم أكن راشدة في ذلك الوقت كفاية لأفهم ما الذي أقدم عليه، لكنني متأكدة أنني كنت فعلا أحب ذلك الشاب وهو كان يبادلني نفس الحب"..
قررا بعد ذلك ترك المدينة كأنهما في فيلم رومانسي، فلما عرفت العائلة بالأمر، وجدت"وفاء" نفسها تترك المدينة، لكن ليس برفقة حبيبها، بل لوحدها وفي اتجاه منطقة هوارة لكي تسكن مع خالتها وهي تقريبا في سن ال15.
خالتها المطلقة كانت تعمل في ضيعة رفقة ابنتها الوحيدة، فانضمت إليهما"وفاء" التي وجدت صعوبة كبيرة في العمل لصغر سنها، قبل أن تعتاد عليه ويصير شيئا روتينيا، لتتعرف بعد ذلك على حمزة ابن صاحب الضيعة..
تحكي: "وعدني بالزواج لأن سني آنذاك لم يصل إلى 18 سنة التي تخول لي عقد القران معه، صارت علاقتنا أكثر حميمية وتطورت لأمور أخرى، فكانت النتيجة أن حملت منه وأنا لم أصل حتى لسن الزواج القانوني.."
بعد أن أخبرته بالأمر، تنكر لها، فاضطرت للسكن بمفردها رفقة أختها التي أتت هي الأخرى لنفس العمل، وضعت بعد ذلك ابنتها الوحيدة "فرح" التي فتحت عيناها فوجدت الأم ولم تجد الأب..الأب الذي رفض الرد على كل الاتصالات، فترك فتاة في عمر الزهور تواجه لنفسها قساوة الحياة بمفردها، فتحولت"وفاء" من مجرد عاملة بالضيعات إلى عاهرة تعمل أي شيء من أجل سد نفقات ابنتها..خاصة وأن العمل بالضيعات موسمي ولا يوفر النقود اللازمة..
تتنهد وهي تكمل:
"حاليا عائلتي كلها تعلم بالأمر، لكنني لا أقوى على الذهاب على المنزل ببنت دون أب، لكنني صممت على أخذ حقي منه، لا أريد منه أن يتزوجني أو أن يعطيني حصة من ثروة والده، كل ما أريده منه هو أن يعترف بابنته، فمن حقها أن يكون لها أب، ومن أجل هذا الحق، سأناضل وسأطرق جميع الأبواب.."
فاطمة..وسنوات من العمل الشاق
بمجرد ما أخبرنا فاطمة (34 سنة) برغبتنا إجراء لقاء معها حتى فتحت لنا قلبها المليء بعدد من الأحزان التي تنتظر الفرصة المناسبة لكي تخرج للعلن..دعتنا إلى غرفتها المتواضعة في أحد العمارات الرخيصة، صعدنا في السلاليم المتربة ونحن نشاهد الرطوبة التي حلت بهذه العمارة، وصلنا إلى الطابق الثاني حيث تسكن، غرفتها لم تكن تزيد عن 4 أمتار في الطول و3 أمتار في العرض، لم يكن في الطابق الذي تسكن فيه مطبخ، وبالتالي فقد حولت جزءا صغيرا من غرفتها إلى مطبخ حيت تتواجد بعض الأواني وقنينة الغاز، بعد ترحيبها المجدد لنا، حكت لنا قصتها...
منذ أن وعت بالحياة وجدت نفسها خادمة في البيوت للظروف المعيشية الصعبة التي تجتازها عائلتها..قبل أن تهاجر في سن ال15 إلى منطقة هوارة لتشتغل في المقاهي والبيوت، وعندما وصلت لسن العشرين كان التحول نحو العمل في الضيعات..
في كل يوم، تستيقظ في الرابعة صباحا كي تصل على المكان المخصص لاختيار العاملات في الخامسة، بعدما يتم الاختيار، يصعدن إلى العربات التي تمتلئ عن آخرها ليتم نقلهن كالأغنام، العمل الشاق تختلف طبيعته حسب كل موسم فلاحي: قطف ثمار البرتقال، زرع البذور، اجتثاث الحشائش، كل هذا بأجر يومي يتراوح بين 50 و60 درهما.
العمل يبدأ في السابعة صباحا وينتهي تقريبا في السادسة مساءا، لكنه في بعض الأحيان يكون بالقطعة وليس بالتوقيت، حيث يطلب من العاملة أن تملأ 25 صندوق، وفي أي وقت انتهت العاملة من صناديقها من حقها أن تذهب، لكن هذا العمل بالقطعة الذي يسمى ب'العطش" لا يتوفر دائما، كما أنه صعب جدا ولا تتحمله جميع العاملات اللواتي يفضلن العمل العادي..
تضيف فاطمة:
"في بعض الأحيان، نغامر بالذهاب إلى بعض الضيعات التي لا نعرف طبيعتها، وكثيرا ما نجد الأجر أقل حتى من الأجر المعروف، فإما أن نعمل أو نعود من حيث أتينا، وفي الحالة الثانية، فالنقل لا يتوفر لنا وعلينا أن نبحث عن وسيلة نقل التي لا تكون إلا مع"الخطافة".
فتيحة..المرأة الحديدية..
ألحت علينا فاطمة أن نلتقي بصديقتها فتيحة (31 سنة) التي تسكن في نفس العمارة في الطابق الأول، استقبلتنا في وقت كانت تعد فيه وجبة العشاء، ابنها الذي يبلغ من العمر تقريبا 8 سنوات كان يشاهد التلفاز في غرفة تحولت إلى منزل بعدما جمعت التلفاز والمطبخ ولوازم التصبين.
تنحدر من أسرة غير فقيرة بإقليم شيشاوة، فوالدها متعلم ولديه مقهى إضافة إلى بعض الأملاك في أراضي جدها، لكن فشل تجربة الزواج هو من جعلها تقرر الهجرة نحو هذه المنطقة لكي تعيل نفسها وابنها..
فتيحة لا تعمل فقط في الضيعات الفلاحية، بل أيضا في المعامل التي تعد شروطها أحسن نسبيا من العمل في الضيعات، بالنظر إلى أنها توفر التغطية الصحية والحماية القانونية، لكنها يشتركان في قلة الأجر وموسمية العمل، فهي عاملة مؤقتة لوقت طويل في نفس المكان، لهذا فهي تعمل في المعامل بين شهر نونبر وشهر أبريل، والباقي في الضيعات الفلاحية.
فتيحة تتحمل العمل الشاق، لذلك فهي تعمل كثيرا بالقطعة، وعملها المفضل هو نقل البطيخ، وهو العمل الذي يختص فيه الرجال، لكن، نظرا لأن الرجل يطلب أجرا أكثر، فالمشغلون يفضلون النساء اللواتي يكتفين بأجر أقل.
لها تجربة مع قطاع الطرق الذين يترصدون طريق العاملات الشابات، تضحك وهي تحكي لنا:"أنا لم يعد يترصدني أحد، فقد حاول شخص ذلك في أحد الأيام، لكنني أرسلته إلى المستشفى بعجز دام أكثر من شهر"..
إخفاء الحمل والحرارة المفرطة..
من الأمثلة القوية التي تدل على استغلال النساء كما حكت لنا من التقينا بهن، ما يتعلق بفترة الحمل، فهناك بعض النساء اللواتي يضطرن على إخفاء بطونهن المنتفخة حتى ولو كن في أشهرهن الأخيرة، وذلك كي لا يطردهن صاحب العمل الذي لا يريد امرأة حامل أن تعمل عنده.
وإن تحملت العاملة الإهانة والذل فهي كذلك تتحمل الحرارة المفرطة داخل هذه الضيعات، فهي تصل قد تصل في الصيف إلى 40 درجة في هذه المنطقة، يضاعف منها البلاستيك الذي يغلف الحقول، إضافة إلى اللباس التقليدي الذي يغطي المرأة والذي تريد من خلاله إخفاء جسدها عن عيون المتحرشين، وبهذا تصل الحرارة إلى حد يبلغ من الصعوبة درجات متقدمة، إضافة إلى خطورة المواد الكيماوية التي تستخدم داخل هذه الضيعات والتي تتضرر منها العاملات اللواتي يعملن دون لباس وقائي، زيادة على الاستغلال من طرف بعض "الكابرانات" الذين يأخذون من كل عاملة 5 دراهم يوميا لكي ينادي عليها في اليوم الموالي للعمل على اعتبار أنه هو حلقة الوصل بينها وبين صاحب الضيعة.
من يقومون بالإشراف في هذه الضيعات كثيرا ما يجبرون الفتيات إما للانصياع لرغباتهم الجنسية أو الطرد، فحسب بعض الشهادات، يختارون الفتيات الجميلات اللواتي تجبر الكثيرات منهن إلى الرضا بدور العاملة الجنسية بدل الفلاحية، كما أن هناك البعض من الفتيات اللواتي يرغبن في الحصول على المال بسرعة فيخترن مثل هذه العلاقات، وهناك حالات أخرى لفتيات تم اغتصابهن بالقوة، وحالات لفتيات قررن الانتصار لشرفن بدل الاستمرار في المهانة..
إبراهيم سي أمغار:أصحاب الضيعات يتحايلون على القانون
التقينا بمجموعة من المهتمين بالموضوع، منهم المحامي إبراهيم سي أمغار الذي يرى أن مدونة الشغل المغربية لا تهتم بالعمل الموسمي إلا فيما يتعلق بحق الاستفادة من تعويضات حوادث الشغل، وهو الأمر الغائب حتى في هذه الضيعات التي لا يصرح مشغلوها بالعاملات المتواجدات فيها، ف"هم يستغلون عدم اهتمام القانون المغربي بالعامل الموسمي، ليشغلن العاملات لمدة طويلة على أنهن عاملات مؤقتات وبعقود شفوية"، وهنا ألقى المحامي المسؤولية على مفتشية الشغل التي لا تتوفر على موظفين كثر لمراقبة عمل مثل هذه الضيعات.
وبخصوص الأجر، فالمحامي يراه قانونيا لأنه هو الحد الأدنى للأجور في القطاع الفلاحي، لكنه قانوني لمبتدئ وليس لعاملة اشتغلت هناك أكثر من 5 سنوات، كما أنه مخصص فقط ل8 ساعات يوميا عكس ساعات العمل بهذه الضيعات التي قد تصل ل10 ساعات يوميا.
أما عن سن العمل، فقد تحدث عن أن سن 15 هو السن الأدنى للعمل بالمغرب، لكنه يبقى سنا مشروطا يستدعي مراقبة دائمة من مفتشية الشغل، لأن سن ال18 يبقى هو السن المعروف للعمل بالمغرب، كما أن تشغيل من هم أقل من سن 15 هو جريمة يعاقب عليها القانون، رغم أننا صادفنا أطفالا في العمل بشهادة من يشغلونهم بدعوى أن هذا العمل يوفر لهم مصاريف الدراسة.
عائشة سكماسي:المعاناة هي أبرز ملامح العمل النسائي داخل الضيعات الفلاحية
انتقلنا للحديث مع عائشة سكماسي، رئيسة جمعية صوت النساء المغربيات، والتي ترى أن مظاهر الاستغلال للعاملة الزراعية متعددة وكثيرا ما تتلقى الجمعية شكايات متعلقة بالطرد التعسفي والاغتصاب، غير أن القانون المغربي يصعب إنصاف مثل هذه الحالات، وأعطت مثالا على ذلك بكون القانون المغربي يفرض على المرأة التي تم اغتصابها أن تقوم بإجراء الفحص الطبي في أجل قدره على الأكثر 24 ساعة بعد الحادث، إضافة إلى غياب العقود التي يمكن معها الحديث عن طرد تعسفي.
ومن ثغرات القانون المغربي كما وصفتها سكماسي، أن المرأة تتحمل ولحدها تبعات الحمل الغير الشرعي، كما أن تكاليف حمض الَADN باهضة ولا تستطيع المرأة دفعها لوحدها خاصة العاملة الزراعية، إضافة إلى تلاعب المتسبب في النسب، مما يجعل الفتاة تدخل للعمل في الضيعة فتخرج منها أما عازبة.
وعن مجهودات الجمعية، تقول سكماسي إن إمكانياتها تبقى محدودة جدا، لكنها استطاعت توفير مركز للإيواء تستقبل فيه الأمهات العازبات خاصة من كن سابقا عاملات زراعيات، حيث يتم توفير الإقامة والتأهيل لهن لبدء حياة جديدة، إضافة إلى القيام ببعض الحملات التحسيسية من أجل توعية العاملات الزراعيات بحقوقهن، وهي الحملات التي تكتسي بعدا وطنيا.
سعيد خير الدين:هناك قهر مزدوج يمارس ضد العاملات الزراعيات
كان لنا لقاء مع سعيد خير الدين وهو نائب الكاتب العام للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي التي يوجد بها التنظيم النقابي الوحيد الذي يدافع عن حقوق العمال في المجال الفلاحي، حيث تحدث لنا عن الانتهاكات الموجودة في القطاع والتي قسمها إلى قسمين: انتهاكات من طرف الدولة على اعتبار أن الأجر القانوني في هذا القطاع هو الأقل على الإطلاق، فإذا كان الحد الأدنى للأجور في القطاع الصناعي يتجاوز 86 درهما في اليوم، ففي القطاع الفلاحي لا يتجاوز 55 درهما، وبخصوص ساعات العمل، فالعامل الزراعي يشتغل 48 ساعة أسبوعيا مقابل 44 ساعة للعامل الصناعي، كما أن العامل الزراعي كان إلى حد قريب معفى من التغطية الصحية.
أما بخصوص الشق الثاني من الانتهاكات المتعلقة بأرباب العمل، تحدث خير الدين عن كونهم لا يطبقون حتى هذه القوانين "الجائرة"، ف"إن كان الحد الأدنى للأجور هو 55 درهما، فأكثر من 60 في المائة من المشغلين لا يؤدون للعمال سوى 40 درهما يوميا" يقول النقابي مؤكدا أنه من بين مليون عامل زراعي، فقط 40 ألف هي المصرح بها في صناديق الضمان الاجتماعي، إضافة إلى عدم استقرار العمل والذي يستغله أرباب العمل لكي يشغلوا عاملين لمدة طويلة قد تصل إلى 30 سنة دون أية أرواق قانونية.
وبخصوص العاملة الزراعية، فحسب خير الدين، فهي تتعرض لنوع من القهر المضاعف، وأبرز أمثلة على هذا القهر، ما هو متعلق بالثمن، حيث يٍِؤدى لها في بعض الضيعات 35 درهما فقط لليوم، ثانيها متعلق بطول ساعات العمل، ثالثها اختيار المرأة حسب القوة الجسدية بطريقة اختيار العبيد، رابعها النقل حيث توفيت العديد من العاملات جراء نقل مخصص للبضائع، وأعطى مثالا بحادثة وقعت مؤخرا توفيت على إثرها 45 عاملة.
سيارات تنقل نحو الموت..
بالنظر إلى حكايات العاملات، وبالنظر إلى التجربة التي راكمناها سواء كمواطن ينحدر من نفس المنطقة أو كصحفي يبحث في الموضوع، يظهر أن النقل يعد من النقط الكارثية في هذا المجال، فحوادث السير للعربات التي تنقل العاملات تحدث بشكل دوري مخلفة الكثير من الضحايا، اتصلنا باللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير كي تعطينا بعض الحصيلات المتعلقة بمثل هذا النوع من الحوادث، فكان الوعد بإرسال بعض البيانات، وهو الوعد الذي لم يتحقق، اتصلنا كذلك بالدرك الملكي المسؤول الأمني عن الحوادث، لكن هو الآخر لم يقدم لنا أي إجابة شافية، لكن تبقى بشاعة الصور وشهادات العاملات بل وحتى بعض المشغلين كافية لكي نفهم أن العامل أو العاملة الذي يركب في مثل هذه العربات قد لا يعود إلى بيته حيا.
ونعطي هنا بعض الأمثلة على هذه الحوادث:
• حادثة وقعت بمدينة قريبة من منطقة هوارة، حيث توفيت عاملة على الفور وتم نقل 23 عامل وعامل على وجه السرعة إلى قسم المستعجلات، وسبب هذه الحادثة هو أن سائق العربة أعطى المقود لعاملة تركب بقربه رغم عدم توفرها على رخصة قيادة.
• حادثة أخرى وقعت بجماعة أيت عميرة، أودت بحياة 24 عامل وعاملة زراعية، وذلك بسبب انقلاب الشاحنة التي كانت تقلهم.
• حادثة بشتوكة ايت باها أصيبت فيها 24 عاملة زراعية، 3 منهن جروحهن وصفت بالخطيرة، والسبب عدم تحكم السائق في الفرامل.
• حادثة وقعت بهوارة، أودت بحياة 3 عاملات وجرح 16، 9منهن جروحهن وصفت بالخطيرة، بسبب انقلاب العربة التي كانت تسير بسرعة مفرطة.
هؤلاء النساء يمثلن الجانب الآخر من المغرب..جانب سوداوي لا قيمة فيه للذات الإنسانية..جانب لا يساوي فيه الإنسان إلا بقيمة ما يبذله من جهد عضلي كأننا لا زلنا نعيش في قرون الإقطاع..
أكثر من 22 حكاية..لم نشأ أن نعرضها كلها..فإن كانت التفاصيل تختلف..فالألم يوحد بينها..والحرمان هو القاسم المشترك..والذل هي الكلمة التي قد تلم شتات هذه القصص..
هؤلاء النساء قليلا ما يتم الالتفات إليهن..ليس لأن الناس لا تعلم بمعاناتهن..ولكن لأنها اعتادت على مثل هذه المناظر..فصارت العادة روتينا يوميا قد يبدو المعيش مختلفا جدا بدونه..
هؤلاء النساء لا يظهرن في الإعلام العمومي..إنهن مثل ذلك الفحم الأسود الذي يجعل قطارا يسير..لكن السائق لا يريد من الناس أن يشاهدوا هذا الفحم..بفضلن تصل الخضروالفواكه إلى أوروبا..لكن لا أحد يشكرهن..بل وينظر إليهن الكثير من الناس على أنهن مواطنات من الدرجة الثانية..رغم أن المفروض في قطاع كقطاع الفلاحة الذي لا يخضع لنظام ضريبي، أن يبر بعامليه وعاملاته لا أن يجعلهم تحت الحذاء..
لا نتمنى أن تبقى هؤلاء النساء"منسيات"، نريد أن يعلم الجميع بقضيتهن..أن تجد صرختهن صدى لها عند الآخر..نريد أن يتحول النسيان إلى انشغال دائم بقضيتهن..وأن يتحول الانشغال إلى تفكير في الحلول..
نريد لهن حياة كريمة..ليس فقط لأنهن يستحقن ذلك، فكل إنسان على وجه الأرض من حقه أن يعيش بكرامة..لكننا نريد لهن الكرامة والتقدير عاجلا..لأنهن يحملن جزءا كبيرا من الاقتصاد المغربي على ظهورهن..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.