الاعتداء الشنيع الذي تعرض له عبد الصمد الإدريسي المحام والحقوقي والنائب البرلماني وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية لا يمكن ان يكون فلتة "زرواطة" ولا زلة لسان بكلام مهين خرجت من لسان أحدهم في حالة توتر أمني كما يحلو لبعض المسؤولين في كثير من المحطات تبريره. الاعتداء على الإدريسي ، جاء بوعي تام بالفعل وإدراك ثابت بالقصد ، بحسب بيانه وشهادة الذين حضروا "الموقعة" بعد إشهاره بطاقة البرلماني، وجواز سفره الديبلوماسي وإعلانه صفته الحقوقية ، وهو بذلك اعتداء على مؤسسة البرلمان وعلى كل منتخب فيها، واعتداء على الحقوقيين واعتداء على المحامين، بعد ان كان قبل ذلك وبعده اعتداء على كافة المواطنين. لسنا في حاجة للتذكير بسلسلة الاعتداءات التي طالت الصحفيين والحقوقيين وهم يزاولون مهنتهم ويمارسون مهامهم، ليس في سنوات السلطوية أو قبل رياح الربيع الديموقراطي بقليل، ولكن بعد الدستور الجديد والحكومة المنتخبة، للقول بأن شيئا ما لا يسير كما ينبغي، وأن أمرا ما غير طبيعي، وأن عقدا ما لم تفك بعد. ومن حقي كما من حق كل صحافي وكل مواطن أن يتساءل أو يسأل عمن هي الجهة أو من هم الأشخاص الذين لا يريدون لنا أن نتلمس الطريق. مهما حاول المرء التهوين من الحدث وعدم التهويل من تأويلاته وقراءة مآلاته، فإن تواتر أمثاله وتكرارها يدفعنا للتساؤل عن الرسائل التي يريد إبلاغها منفذو هذا السلوك المشين؟ .. إلى رئيس الحكومة بصفته هاته، وبصفته أمينا عاما للحزب الذي اعتدي على أحد أعضاء أمانته العامة.. وأية رسالة يريدون إيصالها لنواب الأمة حين تم الاعتداء وبطاقة البرلماني في يد المعتدى عليه.. وأي رسالة للحقوقيين وأي رسالة للمحامين؟ .. قد يصعب علينا التكهن بحقيقة الرسائل والجهة المقصودة بها بالتحديد، لكن الرسالة البسيطة التي لا تحتاج إلى تشفير وصلت بالتأكيد إلى كل المتتبعين وعموم المواطنين. لا أظن أن هذا الحدث سيطوى كما طوي امثاله، بإعلان رسمي فتح تحقيق حول حيثياته، ونكون بعد فترة في حاجة إلى المطالبة بفتح تحقيق حول مدى حقيقة فتحه وحول نتائجه؟ .. لا أظن كريم غلاب رئيس مجلس النواب إلا وقد هزته الواقعة التي ذهبت بحصانة أعضائه أدراج الرياح، وقد نقل عنه أحد المواقع الإلكترونية انه أدان الاعتداء واتصل برئيس الحكومة ووزير الداخلية لفتح تحقيق في هذا الموضوع ووعداه باتخاذ الإجراءات اللازمة. ولا أحسب وزيرالداخلية إلا وقد مسك الملف بيده، أما فريق حزب المصباح والهيئات التي ينتمي إليها الإدريسي فلن يقبل منها أقل ما يطلب من المؤسسات والهيئات من حماية حقوق المنتمي إليها والدفاع عن كرامته. لقد طال أمد هذه الوقائع وتعددت أشكالها وألوانها ومستوياتها، وإذا كان من غير الإنصاف أن نتوقع مثالية في احترام حقوق الانسان، فإنه من غير المقبول ان يستمر التجاهل، ويبالغ من يتولون تدبير الشأن العام في التهوين، وسيكون من الخطأ السعي إلى التخفيف من شدة الوقع على المصاب، بشكل من أشكال التبرير أو حتى باللجوء إلى القضاء لرد الاعتبار للنائب المحترم، بل إن القضية سياسية بامتياز ومسؤولية الحكومة ستظل قائمة في حفظ كرامة المواطن وتحسين صورة المغرب في التقارير الدولية. إن حفظ الأمن والحفاظ على "هبة الدولة" أمر لا جدال فيه وواجب لابد منه، لكن أبدا لا ولن تتحقق حماية "هبة الدولة" إلا بدولة الحق والقانون.