موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في رسالة الأستاذ عبد الله الشيباني
نشر في هسبريس يوم 08 - 12 - 2012


قراءات:
تعرضت رسالة النصيحة التي تقدم بها الأستاذ عبد الله الشيباني إلى سيل من القراءات، لا يمكن وصف أغلبها إلا بكونها سيل يفتقد – عن قصد أو غير قصد - إلى التروي لاستيعاب مضامين هذه "الرسالة النصيحة". هذه المضامين التي لا يمكن فصلها عن شخصية كاتب الرسالة "الناصح" والجهة المعنية بالرسالة "المنصوح"، ثم الظروف السياسية ألخ ...
بعد هدوء العاصفة وركود السيل في منتهاه الطبيعي نعود لنستنطق الرسالة، نسائل باعثها ونتلمس بواعثه، نعيد النظر في الكلمات ونقرأ ما بين السطور لنستكشف ما أغفلته بعض القراءات، وتعامت عنه قراءات "السيل" "والله يقول الحق وهو يهدي السبيل".
الناصح:
انطلق الأستاذ عبد الله الشيباني من ثلاثة منطلقات متداخلة متآزرة، وهي واجب النصيحة، وبغض الظلم والظالمين، ثم الإشفاق على شق عظيم من "شقوق" العمل الاسلامي "المغربي".
أما واجب النصيحة:
فهي الدين كما لخصه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة ثلاثا، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".
وهي سنة الأنبياء والأولياء المصلحين، بها بعث الله أنبياءه ورسله ووارثيهم المجددين، كل حسب قدره وظرفه ومكانه وإمكانه...
أما بغض الظلم والظالمين:
فشرط تحقق الإيمان، لا يكتمل إيمان عبد إلا به قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله". "وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ"، وقد حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرما، والآيات والأحاديث وآثار السلف في وجوب بغض الظالمين وعدم موالاتهم أكثر من أن تحصى وأشهر من أن تستقصى.
لكن طول الأمد وتحريف علماء السلطان أبواق "دين الانقياد" خلط الحق بالباطل وأصبحت طاعة "ولي الأمر" هي أوثق عرى الإيمان، والسبيل لنيل رضا الرحمان. أولئك قوم طال عليهم الأمد فنسوا يوم الأذان، وما أدراك ما يوم الأذان، فقد قام رجل إلى سليمان بن عبد الملك وهو على المنبر يخطب مزهوا بقوته و"إنجازاته" فقال له: "ياسليمان! إني أُذكِّرك يوم الاذآن! فنزل سليمان من على المنبر فقال علي بالرجل، فأتي به فقال: ما يوم الاذآن؟ فتلا عليه الرجل قول الله تعالى: "فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ".
ألا وإن باب التوبة لا يزال مفتوحا لهذه الأمة المرحومة، يجد التائب على الباب ربا رحيما ينتظر من جاءه بفرح لا يعدله فرح.
ثم الإشفاق على شق عظيم من "شقوق" العمل الاسلامي "المغربي":
شقوق لأن هذا هو ما آلى إليه وضع أبناء الشبيبة الإسلامية التي أعاد "الأخ" بنكيران صياغتها في قالب موائم لمقتضيات المرحلة، مقتضيات يحددها من وضع قدم "الأخ وإخوانه" في "غرز" استتباع لا ينزعونه منه أبدا.
فلو لم يكن إلا هذا الدافع لكان كافيا أن يقض مضجع المومن المشفق على طائفة من أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنضاف جهودها إلى الجهود الضائعة عبر القرون في محاولات النفخ في الرماد والضرب على الحديد البارد...
لكن الدوافع تكون أقوى، والأسى أعمق حين يكون المقبلون، بل المتورطون في هذه الورطة التاريخية "إخوان" جمعت الناصح بهم علاقات شخصية ومساهمات ومعاناة في بدايات الإنطلاق...
المنصوح:
أما المنصوح ف"أخ" و"إخوان". أما الأخ عبد الإله بنكيران فقد ابتلي بابتلاءات لا يعلم عظمها إلا الله تعالى، ابتداء من "فتنة الشيخ"، وهي أعظم فتنة يمكن أن تصيب التائب المريد لوجه الله تعالى، أن يرى من شيخه ما ينقص من أهليته للقيادة...
ثم فتنة السلطان وهي أشد من فتنة الشيطان، فالشيطان كما يقول الأستاذ منير الركراكي يبدأ بغواية الانسان بتدرج، فكلما أطاعه زاد في درجة الإغواء، وآخر ما يطلب منه في آخر المطاف السجود ، فإذا سجد له قال: "إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين".
أما السلطان فأول ما يطلبه منك هو السجود ...
ثم ثالثة الأثافي وهي فتنة اللسان، فكل من شاهد "الأخ/رئيس الحكومة" في برنامج تلفزي غير مخزني، فهو عادة هِرٌّ أليف في برامج دار البريهي يرى ويسمع لسانا لا يعلم منتهى حدته إلا من خبره في اللقاءات المغلقة، وبينما يرى بعض "الإخوان" أن تلك فضيلة ومؤهل قيادي يروي البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم"، وفي شرح الحديث في فتح الباري كلام نفيس في الموضوع لمن أراد مراجعته...
هذه الأثافي الثلاث هي التي رفعت بل خفضت أخانا وأخ كل مسلم الأستاذ عبد الإله بن كيران إلى ما نحن بصدده.
أما الإخوان ففتية وجدوا أنفسهم في ساحة العمل الاسلامي معزولين عن كل سند من ركن شديد، أو مدد من رجل رشيد! مضطرين في كل ذلك لمواجهة التحديات التربوية والتنظيمية والتنظيرية. كل هذا وضعهم في مهب رياح الكيد المخزني المتمرس في احتواء أو إقصاء كل "ما من شأنه" أن يحدث حركة فكرية أو سياسية أو حتى اقتصادية... ولو أن "الأخ" و"الإخوان" وقعوا ضحية اضطهاد غاشم "كما هو واقع جماعة الأستاذ الشيباني" لكان واجبا على كل مومن أن ينصرهم ولو بأضعف الإيمان! لكن الواقع أن القوم في نشوة لا يعرف مذاقها إلا بنكيران نفسه الذي نراه يتمايل ويهز كتفيه طربا في مهرجانات ومناسبات الحزب.
ثم لو أن الأمر يتعلق بشأن داخلي لحركة أو حزب لكان بالوسع غض الطرف، فذلك شأن خاص، أما والأمر يتعلق بواقع ومستقبل بلد وشعب بأكمله، وبالطريقة التي قفز بها بنكيران بإخوانه إلى واجهة الأحداث، مجهضا لأول محاولة تغييرية في هذا القرن، ومدافعا بشراسة عن الاستبداد ممددا في عمره، فهنا يصير الصمت عن قول الحق مرادفا للكذب!
ميلاد وميلاد أو سياق ومساق:
مفاهيم أثلها الأستاذ عبد السلام ياسين حفظه الله في كتابيه "محنة العقل المسلم بين سيادة الوحي وسيطرة الهوى" و"الشورى والديمقراطية".
أما الميلاد الأول فميلاد العقل المسلم في مكة حيث اكتنفته التربية النبوية فخرج من المسجد إلى ميادين الفعل السياسي والاجتماعي فكان من ثمراته بعض ما نتلمس من تاريخنا رغم الكسر المبكر لذلك السياق...
يقول الأستاذ عبد السلام ياسين حفظه الله في كتابه "محنة العقل المسلمبين سيادة الوحي وسيطرة الهوى": "ولتنزل رحمة الهداية تفتحت قلوب فسمعت السمع الصحيح، وعقلت العقل المسلم، واستجابت وآمنت، وعملت صالحا فازداد إيمانها. واستمعت آيات الله تتنزل مبشرة منذرة فازداد إيمانها، ورسخ يقينها، وتوثقت صلتها بالوحي وتلمذتها له. ... هكذا ولد العقل المسلم في فناء الكعبة، في المسجد الحرام. وهكذا بدأ تاريخ الإسلام وتاريخ العقل الإسلامي."
وأما الميلاد الثاني فميلاد العقل "الديمقراطي" الغربي الذي ولد في الساحات العامة بأثينا وروما، وعنه يقول الأستاذ في نفس الكتاب: "ولد العقل المسلم في المسجد، وولد العقل الفيلسوف في الساحة العامة. في ساحة المشائين اليونان على جوانب "الأكورا".
ولا شك أن كل مومن يستطيع التمييز بين الميلادين وبيئتهما وآثارهما على المولودين!
في نفس الكتاب الذي يلخص عنوانه وحده، بل يشخص أمراض الأمة من مصدرها وهو إقرار العقل المسلم بسيادة الوحي من جهة، ووقوعه من جهة أخرى تحت سيطرة الهوى متى سار على غير هدى ولا اتبع وليا مرشدا! في نفس الكتابيقول الأستاذ عبد السلام ياسين حفظه الله: "بدأت من المسجد بمكة ومن الساحات العامة بأثينا وروما مسيرتان للعقل البشري. وكان للمولودين شأن في التاريخ، هو نفس الشأن الذي نحن بصدده. ...خرج العقل المسلم من المسجد إلى الساحة، ودخلت الساحة في العقل الآخر دخولا متمكنا."
عقل خرج من المسجد فكانت حركاته وسكناته منضبطة مستجيبة لمبادئ المسجد وقرآن المسجد، ونداء رب المسجد!
وعقل ولد في الساحة ماذا ينتظر منه إلا أن يستجيب لنداء الساحة، ومبادئ الساحة، وتهارش الساحة؟
وقد ضاعت دروس من الحركة الاسلامية بإعراضها عن قراءة كتب هذا الرجل بِتروٍ وتمعن، وفي هذا الصدد يقول الأستاذ عبد الإله بلقزيز: "في كل حال، مكَّن ياسين الحركة الإسلامية من مورد فكري وايديولوجي لم يوفّر أحد من السياسيين المغاربة مثيلا له. بل نحن لا نتزيّد حين نقول بأن ما أنتجه من نصوص يمثل مادة مرجعية لكافة الحركات الإسلامية العربية لو أمكنها الاطلاع عليها."
أما الدرس الذي أرادن الأستاذ عبد السلام ياسين ايصال قارئه إليه فهو التالي حيث يقول في نفس الكتاب: "فلما جاءت النصرانية إلى روما وأثينا وسائر ديار الغرب وردت والمكان عامر بالساحة وعقلية الساحة. زاحمت النصرانية لتتصدر الحياة، فلم يتأت لها شيء من ذلك إلا بعد أن أوسعت للحضارة الفنونية اليونانية وللفلسفة الآثينية وللعقلية القانونية الرومانية، ورحبت بها واحتضنتها، واتخذت منها آلة ولباسا وهيأة ومظهرا.
واحتضن الوحي الإنسان المسلم، وكيف آلة العقل المعاشي، وصبغه بصبغة الله. "ومن أحسن من الله صبغة، ونحن له عابدون."
ما كان بِنيَّة النصارى الأُول من سوء وهم المضطهدون الفارين بدينهم، ولا بنية الاسلاميين الذين دخلوا بطن الغولة لأجل الإصلاح!
ولكنها سنة "المؤاكلةالحسنة، والمشاربةال" وسيأتي بيانها إن شاء الله بعد عرض ثلاثة عوامل تنقل لا محالة الوارد "المبتور الوجود" على ساحة الأغيار من حالة التضاد الكلي إلى حالة التماثل الجزئي!
انعدام استقلالية الارادة:
لقد فوجئ الاستكبار العالمي بالإرادة الإسلامية المتسامية فوق المغريات التي استطاع في فترة الاستعمار أن يصنع بها صنائع مبثوتة في ثنايا الأمة الاسلامية، ففوجئ بإرادة مومنة لا يثنيها عن أهدافها قلة عدة أو عدد أو تجهم عدو أو صديق، وخَبَر مضاء عزيمتها في فلسطين وأفغانستان، وجنوب لبنان، فما كان للملإ المستكبرين إلا أن يلجأوا إلى استراتيجية تنويع أساليب المواجهة، فمن حرب تشويه السمعة إعلاميا، إلى وسائل الاحتواء التي توهم المحتوَى أنه هو الذي ابتلع العدو واحتواه...
وعن جريدة الراية إبان كان الأستاذ بنكيران رئيس تحريرها، العدد الصادر بتاريخ 19 ربيع الأول 1414، ينقل الأستاذ عبد السلام ياسين في كتابه: حوار الماضي المستقبل قائلا: "كلمةٌ سمعها الدكتور إدريس الكتاني من زعيم حزب الاستقلال، قال: "في يوم 1973/2/16، كنتُ على موعد مع المرحوم الأستاذ علال الفاسي بمركز حزبه، وعلى انفراد. وخلال هذا اللقاء الوُدي حلّلْتُ له الوضْعَ الذي آلَ إليه حزبُه الإسلامي، واقترحت عليه القيام ب"انتفاضة" يتخلص فيها من الجناح اليساري، وينفتح فيها على الإسلام انفتاحا كاملا يستعيد به ثقة وتأييد الشعب المغربي المسلم. وكان جوابُه بنفس لغة الصدق والصراحة التي كانت سائدة بيننا: "كلما قلته صحيح. ويؤسفني أن أعترف لك بأننا فقدنا المبادرة".
ما كان الزعيم الفاسي أقل إيمانا أو علما، أو أقل حسنا في النية من الأستاذ بنكيران، ولكنها سُنَّة "المؤاكلة الحسنة، والمشاربة ال"وما كان الاسلاميون إلا بشرامن البشر تجري عليهم سنة الله في الأنفس، يَثْبت من ثبته الله بالقول الثابت، ويراجع مبادئه –كما كان الأستاذ عبد الإله بنكيران يؤكد دائما في كل استجواباته ومقالاته الصحفية في التسعينيات من القرن الماضي "نحن كلما عرضت لنا إشكالية سياسية رجعنا إلى مبادئنا نراجعها حتى نستوعب الإشكالية"- يراجع مبادئه من استخفه الذين لايوقنون، فالوقوع لا قدر الله تحت سيطرة الهوى.
ومازال الله تعالى يحذر رسوله صلى الله عليه وسلم داء القابلية للاستخفاف الذي يفقد استقلال الارادة، فالوقوع في دوامة ردود الأفعال، حتى يرتمي الوارد الطارئ على الساحة في أتون الانفعال، وهو يحسب أنه رائد الفعل، وفارس آخر الزمان...
قال الله تعالى لنبيه ولنا من بعده: "فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون".
وللأستاذ عبد السلام ياسين حفظه الله في هذا الموضوع كلام نفيس وضعه على مستوى مصير الأمة ومستقبلها ككل، وليس فقط على مستوى حكومة تنفيذ تعليمات "سامية"، قال حفظه الله في كتاب: "الإسلام والقومية العلمانية": "ولئن كانت ضرورة اقتباس علم أوربا وتكنولوجيتها تتراقص في ضمائر الأمم المغلوبة على أمرها فإنما هو ولوع الطفولة الحضارية بالوسائل الظاهرة القوية. وأسبق من اقتباس العلم والتكنلوجيا استعادة الذات، الكينونة، الوجود المتميز، الروح. أكون قبل أن أفعل. فإن تصديت للفعل ووجودي مبتور فالهزيمة محققة."
وعلى هذا يأسى أمثال الأستاذ الشيباني وما أكثرهم، أن تُضيَّع جهود جيل "مبتور الوجود" في مغامرات محسومة النتائج سلفا.
• غواية السلطان
ذكر ابن كثير في البداية والنهاية عن الشعبي قال‏: لما قدم معاوية المدينة عام الجماعة تلقته رجال من وجوه قريش فقالوا‏:‏ الحمد لله الذي أعز نصرك، وأعلا أمرك‏.‏ فما رد عليهم جواباً حتى دخل المدينة، فقصد المسجد وعلا المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال‏:‏ أمابعد‏!‏ فإني والله ماوليت أمركم حين وليته وأنا أعلم أنكم لا تسرون بولايتي ولا تحبونها، وإني لعالم بما في نفوسكم من ذلك، ولكني خالستكم بسيفي هذا مخالسة، ولقد رمت نفسي على عمل ابن أبي قحافة فلم أجدها تقوم بذلك ولا تقدرع ليه‏.‏ وأردتها على عمل ابن الخطاب فكانت أشد نفوراً وأعظم هرباً من ذلك، وحاولتها على مثل سنيات عثمان فأبت عليّ وأين مثل هؤلاء‏؟‏ ومن يقدر على أعمالهم‏؟ ...غير أني سلكت بها طريقاً لي فيه منفعة، ولكم فيه مثل ذلك‏.‏ ولكل فيه مؤاكلة حسنة، ومشاربة ، مااستقامت السيرة وحسنت الطاعة، فإن لم تجدوني خيركم فأنا خيرلكم‏.‏ والله لا أحمل السيف على من لا سيف معه، ومهما تقدم مما قد علمتموه فقد جعلته دبر أذني، وإن لم تجدوني أقوم بحقكم كله فارضوا مني ببعضه، فإنها بقاببة قوبها، وإن السيل إذا جاء يبرى، وإن قل أغنى، وإياك م والفتنة فلا تهتموا بها، فإنها تفسد المعيشة، وتكدر النعمة، وتورث الاستئصال، أستغفر الله لي ولكم، أستغفرالله‏.‏ ثم نزل‏.‏
وفي مختصر تاريخ دمشق عن سعيد بن سويد قال: صلى بنا معاوية بالنخيلة الجمعة في الضحى، ثم خطبنا فقال: "ما قاتلتكم لتصومو اولا لتصلوا ولا لتحجوا و لا لتزكوا، قد عرفت أنكم تفعلون ذلك، ولكن إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم، فقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون."
ما أشبه الليلة بالبارحة!
استيلاء على أمر المسلمين وهم كارهون!
صلاة الجمعة في الضحى، وقد رأينا من غرائب غلمان الزمان في ليلة السابع والعشرين والأخ رئيس الحكومة جالس في المسجد...
عجز عن سير الأكابر وسُنِّياتهم...
مؤاكلةحسنة، ومشاربة لمن رضي بالوضع القائم!
ومخالسة وتلويح بالسيف واستئصال لمُثِيري "الفتن"!
غرز الغي:
كان المغيرة بن شعبة عامل معاوية على الكوفة، فكتب إليه معاوية: إذا قرأت كتابي فأقبل معزولا (أي مُعفىً من منصبك)، فأبطأ عنه، فلما ورد عليه قال: ما أبطأ بك؟ قال: أمر كنت أوطئه وأهيِّئُه، قال: وما هو؟ قال: البيعة ليزيد من بعدك! قال: أو قد فعلت؟ قال: نعم، قال: ارجع إلى عملك، فلما خرج قال له أصحابه: ما وراءك؟ قال: وضعت رجل معاوية في غرز غيّ لا يزال فيه إلى يوم القيامة".
قال في لسان العرب: "والغرز: ركاب الرحل، ... وكل ما كان مساكا للرجلين في المركب غرز. وغرز رجله في الغرز يغرزها غرزا: وضعها فيه ليركب وأثبتها. واغترز: ركب."
والغَيُّ: الضَّلالُ والخَيْبَة.
ومازال مغيري المخزن يراودون الفتية عن أنفسهم حتى خروا على أبوابه ركعا سجدا، إن بالحس أو بالمعنى!
• تحوير "السياق" وسوق الرعيل إلى "المساق"
كل أولئك الصادقين فعل فيهم بعد الشقة والقابلية للاستخفاف وداء "المؤاكلة الحسنة، والمشاربة ال" ومكر الليل والنهار فعله، فتحول أبناء الدعوة عمار المسجد إلى عمار ساحة السياسة، وخرجت طائفة من المومنين من سياق "استقلالية الإرادة" إلى مساق "الإكراهات" واللوائح والسطايلات والمهرجانات ومؤاكلة ومشاربة بني صهيون واللائحة تطول ولا تزول إلا بزوال أسباب الهوان، والله المستعان.
يقول الأستاذ المرشد حفظه الله في كتاب الشورى والديمقراطية الذي استللنا منه مفهومي سياق الشورى، ومساق الديمقراطية: "اقرأ أخي الفاضل الديمقراطي ابتداء من الآية 36 من سورة الشورى في مصحفك.
اقرأ لترى من أي وهدة تاريخية، ووصمة عار على الجبين، وانحطاط خلقي، وتشرذم في الأقطار، ونكارةٍ في الدنيا وحقارة، يجب أن نستيقظ ونتطهر ونرتفع ونجتمع وننجمع ونتعزز لكي نسمو إلى مستوى السياق الحياتي والنظام الحياتي والقانون الخلقي والإيمان بالله واليوم الآخر الذي تنادينا إليه آيات سورة الشورى، ينادينا إليه القرآن، يدعونا إليه داعي الله.
ما سواءٌ مساق الديمقراطية وسياق الشورى.
إننا لا نستطيع التخلص بديمقراطية مُلْصقَةٍ من عقابيل الماضي، ...
اقرأ في مصحفك أخي سياق الشورى لترى المسافة الفاصلة بين ما يصْبو إليه المومنون من صلاح للحكم وبين الحال. اقرأ وتَبَصّر وتعقّل لتقيس المدى السحيق بين المساق الديمقراطي والسياق الشوري. لِنَقُلْ: بين المناخ النفسي الفكري الخلقي الاجتماعي للنظامين. فإنك إن لم تقِس ولم تتبصر وتتعقل توشك أن تُلْصِق على حال شعب نظاما إن كان مألوفا مفهوما -ولو نظريا- لدى النخبة من "الأعلين" فهو طارئ غريب على شعب أمي كذبوا عليه زمنا وساقوه إلى صناديق الاقتراع الديمقراطي ليمارس طقوسا شكلية اكتشف من صراخ المعارضة ومن ملاحظة النتائج أنها لعبة زور ومطية بهتان وسلم يتسلق عليه السياسيون المحترفون.
ذلك حال الديمقراطية المُلصقة، وتنافر مناخ الشعب معها، وملَلُه من ألاعيبها.
يقول القائل : يتغير الأمر لو كان المشرفون على تطبيق الديمقراطية مخلصين لا يزوِّرون. ونجيب ببداهة متعجبة: متى كان نظام الحكم ممنوحا يُشرف عليه مشرفون هم بمعزل عن القاعدة "السفلى" تفكيرا وشعورا ونمطَ عيش؟ فالمَدخلُ زور من أساسه، والصفقة غبن. ونجيب بأن الأمر يختلف حقا متى تطابق طموح الشعب مع نظام الحكم، ونبع النظام من بين أصابع الشعب، وتوَلّى النظامَ وهيأ مُناخه وسياقه خَدَمةٌ لقضية كبرى يقدسها الشعب. وليس إلا الإسلام كُلَّه، الإسلام وحده... تُسَمِّي نظامَ حكمك ما شئتَ، وتَخْرُج عن سياق القرآن والسنة وتستنبتُ نظاما "ديمقراطيا" تتناغَم بأحلامِه النخبة الحاكمة نفاقا، والنخبة المثقفة مِلاقاً وإملاقاً، فإذا بالنبتة وَهْمُ شجرة، وإذا بالثمرَةِ نواةً تُضَرِّسُ، وإذا بالليْث الديمقراطي هِرّاً مُقَلّم الأظفار، أليفا يتحكك ويشخُر في حجر الحاكم."
لا تعليق!
غير أن الكتاب كتب منذ ثمانية عشر سنة!
المنابر أو فتنة الاستدراج:
من خسة المخزن وغباءه في آن واحد محاولته توظيف بنكيران وإخوانه لتفعيل رَمْزية مسجد بن سعيد، ضد المُحَاصَر ظلما وعدوانا على مرمى حجر من ذات المسجد!
خسة، لأنه يسلك هذه المسالك الصبيانية، ومن عادة الشرفاء الترفع عن مثل هذه السلوكات. قلت الشرفاء!
غباء لأنه يظن أن هذا سيحرك شيئا من رجل قد باع نفسه وجاهه لله ونصرة دينه وتبليغ كلماته وهو الذي كان أميرا من أمراء الإدارة...
أما قبول بنكيران بالقيام بدور الراقص على الجراح المفترضة فيترك للتاريخ... فله محمكة لا تغادر صغيرة ولا كبيرة!
لكن يكفي هنا استحضار أن عبد الله بن أبي بن سلول لما اقترحت عليه قريش الطواف، رفض أن يطوف قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء أزمة الحديبية التي حولها توفيق الله، ثم حِلْمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد نظره فتحا مبينا...
وتضيع دروس السيرة النبوية التي تلقاها وربما ألقاها على غيره من اختار طريق "المؤاكلة الحسنة، والمشاربة ال".
إنها طريق المحجة اللاحبة!
ولكن لا تحبون الناصحين...:
ولو أن الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين في تلك المرحة خاصة، أغلق بابه في وجه أحد من الشباب الصاحي لإسلامه لقلنا أو أمسكنا، لكن ما يشهد به كل من عرفه في تلك المرحلة هو أن باب بيته كان مفتوحا، لا يرد طارقا آناء الليل وأطراف النهار!
لكن مازال الناس يسيئون تقدير حرص الدعاة إلى الله المرسلين أو الوارثين على خلق الله، يظنون أن وراء الحرص والاشفاق مصلحة شخصية، أو حرص على زعامة زائلة، ولا يأتيك بصادق الأخبار في مثل هذه الأمور إلا عواقبها!
قال الإمام عبد السلام ياسين حفظه الله في ديوانه "شذرات":
وعظتك نثرا وعظتك شعرا وعظتك بالصبح والغلس
دعوتك تصحب جمع الخيار وتذكر ربك في أنس
وتطلب وجه الإله بصدق وتبذل نفسك في الأنفس
• مهتم بكتابات الشيخ عبد السلام ياسين خاصة والحركة الإسلامية بشكل عام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.