يوما بعد يوم يتأكد لي أن المغرب كما قالوا بلد "الاستثناء" حين يختار التعامل ب"استثناء" غريب مع قضايا تهم شأن الشعب، شعبٌ ينتظر دائما من حكومة السيد بنكيران مبادرات فعلية، فإذا به يفعل غيرها دون الاهتمام بالشعور الشعبي وانتظاراته. يكفيني هنا أن أتوقف عند مثالين واقعين، حدث مع بلدين عربيين إسلاميين شقيقين، هما مصر والمغرب، لكن مواقف من يسيرون ذلكم البلدين كانت مختلفة كل الاختلاف، جعلت من شعب مصر يفتخر برئيسهم مرسي، فلأجل ذلك صوتوا عليه، فيما خلّفت مواقف فريق عبد الاله بنكيران استياءً أشعَرَ الشعب بأن الحكومة "خوات بيهوم" في أكثر من مرة. مثال1 في بلدنا، يتفاجأ المغاربة بفاجعة دموية صبيحة يوم الثلاثاء 4 شتنبر: 44 قتيلا وبعض الجرحى في حادثة سير الحوز بعد سقوط حافلة لنقل الركاب من فوق طريق تيشكا الجبلية، وهي الفاجعة التي تألمنا لها كثيرا وشاهدنا صورها الفظيعة على وسائل الإعلام التي نقلت لنا أيضا تفاصيل تشييع الجثامين، في وقت انتظر فيه المغاربة تحركات رسمية جدية وشدوا على قلوبهم وهم يتوسمون موقفا بطوليا يشفي الغليل ويثلج الصدور من حكومة ديمقراطية تحوي وزراء عُرفوا بمواقفهم وخطاباتهم البطولية، لكن ما وقع كان أفجع من الفاجعة: الملك يتكلف بمصاريف الدفن ووزير النقل والتجهيز، السيد عبد العزيز الرباح، يُرجع السبب لعامل بشري، ومغاربة غاضبون على الفيسبوك، ورئيس الحكومة يصرح في الأخير أن حكومته "فكرت" في الاستقالة.. وتستمر الحكاية. في مصر، يتفاجأ المصريون بفاجعة دموية صبيحة يوم السبت 17 نوبر: 52 قتيلا وبعض الجرحى في حادثة سير أسيوط بعد اصطدام قطار بحافلة لنقل التلاميذ، وهي الفاجعة التي أيقظت غضب المصريين من جديد، والتي يعمل لها القائمون على الحكم بأرض الكنانة ألف حساب، والنتيجة كانت استقالة وزير النقل في يوم الحادثة، حتى أنه لم يفكر فيها بعد، مع رئيس هيئة السكك الحديدية، مع تقديمهما للتحقيق ومنعهما من السفر، في وقت تكفل "الرايس" ورئيس وزرائه بتقديم التعازي والتكفل بالدفن والتعويض المادي، كما قررت وزارة الرياضة تخصيص مداخيل مقابلة مصر مع تونس لفائدة أهالي الضحايا والمصابين، وهي إجراءات صاحبتها وقفات احتجاجية أمام مقرات حكومية تطالب ب"الثأر". مثال2 أما عن المثال الثاني، فليس ببعيد عنا، وهو إقدام رئيس الوزراء المصري، هشام قنديل، رفقة وفد رفيع المستوى على زيارة عاجلة لغزة الجمعة الماضية، بعد اشتداد العدوان الصهيوني الذي انطلق قبلها بيومين، وذلك بعد أن عقد "الرايس" لقاء عاجلا مع كبار المسؤولين بدولته لمناقشة العدوان وردود الفعل المسانِدة والداعمة، وهي زيارة لم تنتظر اجتماع وزراء الخارجية العرب، في حين صاحب الزيارة الإبقاء على معبر رفح مفتوحا من أجل إيصال الإغاثة للمنكوبين في القطاع. في المغرب، كان الكثير منا ينتظر موقفا بطوليا من لدن رئيس الحكومة أو على الأقل من وزير الخارجية والتعاون، السيد سعد الدين العثماني، على اعتبار أن الرجلين ينتميان إلى حزب إسلامي لطالما كان سبّاقا إلى نصرة فلسطين عبر المهرجانات الخطابية والمسيرات التضامنية والبعثات الطبية والمساعدات المادية، لكننا نتفاجأ مرة أخرى بموقف صادم بعدم قيام أحد الرجلين بزيارة غزة، فبنكيران ربما أشغله الدخول السياسي والنقاش الساخن حول مشروع ميزانيته، أما العثماني، فبعد "الدعاء" للمقاومة بغزة في اجتماع القاهرة، فضّل الركون إلى أرض المغرب عوض مرافقة زملائه العرب في زيارة وفد عربي لغزة، بدعوى مناقشة الميزانية أيضا !! .. وتستمر الحكاية. أما بعد.. قد يقول قائل أن مقارنة مواقف رجال اختلفت مراتبهم وشعوبهم إخلال بالميزان وإضعاف للمجهودات "المغربية"، لكن الحقيقة التي يجب أن نعرفها ونتقبلها بروح وطنية هي أن كلى التجربتين "الإخوانيتين" حديثتا عهد التأسيس ولكل من مرسي وبنكيران صلاحيات دستورية لا تمنع من أداء الواجب الوطني كفتح تحقيق أو إقالة وزير أو متابعة متورط أو زيارة تضامنية.. إن الحكومة ما دامت تقول بلسان رئيسها أنها شعبية ومنتخبة من غالبية المغاربة، فإن هؤلاء المغاربة ينتظرون منها أن تكون المرآة التي يرى فيه كل مغربي وجهه المُشرق وتلك الفرصة التي تشبت بها بعد أن انقطعت كل حبال النجدة.. كنا ننتظر استقالة الرباح وفريقه وتقديم المشرفين على النقل الطرقي إلى القضاء مع فتح تحقيق في الحادث وإعلان حالة حداد وطنية على موتى فاجعة الحوز، كما كنا ننتظر من بنكيران والعثماني زيارة غزة أو إجراء اتصال مع رئيس حكومة حماس، الذي طالما رُبطت به اتصالات في المهرجانات وغيرها.. فالشعب يريد حكومة حية تتحرك وتتحمل مسؤولياتها أمام المجتمع .. حكومة يجب ألا تنسى أن الشعب لا يزال يريد إسقاط ال... [email protected]