كثيرة هي الرهانات والاكراهات التي تتعبأ ضد الفعل الدبلوماسي المغربي في التعاطي مع القضايا الوطنية والخارجية ،حيث الراهن الدبلوماسي يقتضي احداث قطائع مفصلية مع محمولات وموروثات دبلوماسية معيبة و مهترئة لم تسهم الا في احداث فجوات في الموقع الدبلوماسي للمغرب وضعف قدرته على الاقناع والتفاوض الجيد مما سجل في كثير من الاحيان نقط الخسارة والتراجع في معارك دبلوماسية مختلفة وفي محطات متباينة، فلم تعد دبلوماسية "الكرسي الفارغ"، او "دبلوماسية رد الفعل" ،او "تدبير الدبلوماسية بالوسائل" فقط ،عناصر فاعلة بإمكانها ان تفضي الى صناعة الدبلوماسية الرشيدة في سياق تعقدات وتشابكات نسق العلاقات الدولية وبفعل الحضور المتعاظم والقوي للنزعة المصلحية/البراغماتية المهيمنة في هذه المنظومة العلائقية الدولية. لا شك ان البناء الدبلوماسي الجيد يستحضر الاقحام الاجباري والفعلي للبعدين التكتيكي والاستراتيجي للوصول الى تحقيق اهداف محددة سلفا وفق بنية تخطيطية مسبقة مبنية على التشخيص الجيد و الممحص والمحكم للمتغيرات الداخلية والخارجية، وذلك من اجل تبلور رؤى وتصورات واضحة وجلية تؤول الى ترشيد القرار الدبلوماسي وتمكينه من مقومات النفاذية والفعالية في اطار المنتظم الدولي . فدبلوماسية الاهداف هي عبارة عن سيرورة قرارية تبدأ من عملية التشخيص ثم التخطيط ،التنفيذ، المراقبة والتتبع والتقويم ثم التغذية الرجعية، فعملية التشخيص تبدا من القيام بعمليات مسحية الغرض منها تجميع المعلومات من المحيط الداخلي والخارجي ليكون صناع القرار الدبلوماسي على بينة من مختلف المغيرات والمستجدات الطارئة والقائمة ،و بناءا على ذلك ترتكز عملية التخطيط الجيد على حسن تدفق هذه المعلومات التي تتكفل مختلف الاجهزة بترشيحها وتصنيفها وتصفيفها ،بما يخدم حسن استثمارها واستخدامها في ترشيد عملية التخطيط .بعيدا عن الارتجالية والمزاجية اللتين وسمتا الدبلوماسية المغربية لردح من الزمن ،كما ان عملية التخطيط تنبني على تحديد الاهداف الفرعية التي تفيد في تحقيق الهدف العام . وتأتي عملية التنفيذ والتي تقتضي تقعيد وتطبيق ما تم تخطيطه وتسطيره ،وذلك بالاستناد الى توفير جملة من الوسائل والامكانات مع الاستخدام الامثل لها ،وذلك من خلال استحضار الموارد البشرية باعتبارها صانعة القرار الدبلوماسي حيث يجب ان تتوفر فيها شروط شخصية ونفسية ،من قبيل التوازن النفسي والابتعاد عن المزاجية و التمسك بالجرأة والمبادأة ،بالإضافة الى المعارف والقدرات العلمية والكفاءة والخبرة الدبلوماسية العملية واضف الى ذلك الامكانيات المادية والمالية والوسائل التنظيمية من قبيل البنيات والقوانين والمؤسسات ،وايضا توفير الوسائل المعلوماتية سواء من خلال استعمال الوسائل المعلومية التقليدية او باستثمار تكنولوجيا المعلوميات والاتصال . وما يعقب عملية التنفيذ هي مسالة التتبع و المراقبة من اجل اصلاح الانحرافات الممكنة في سيرورة صناعة القرار الدبلوماسي، فكل من المراقبة والتتبع يشكلان عنصري اسناد ودعم حقيقين لحسن القيام بعملية التنفيذ واضفاء العقلانية والواقعية اكثر ،وبالتالي ايجاد نوع من المواءمة بين ماهو مخطط وما هو عملي وتطبيقي مع امتلاك مكنة قهر مختلف الصعاب والمعوقات التي تعترض المسارات الصحيحة والسير القويم للدبلوماسية . وتبقى ايضا المرحلة التي تكتسي بدورها اهمية بالغة وهي عملية التقويم فلا يمكن ان تكون أي ديبلوماسية ناجحة دون ان تعتمل في دواخلها ومخارجها بالتقويم المستمر لمختلف الانشطة والعمليات التي يمكن ان تثوي جملة من الاختلالات ومختلف اوجه الضمور والقصور ،وبالتالي فمتطلب التصويب والاصلاح يقعان في صميم بعث واذكاء القوة والقدرة الدبلوماسيتين. على انه يبقى من خلال اعتماد التحليل النظمي/النسقي يمكن اعتبار الدبلوماسية عبارة عن عملية قائمة على مجموعة من التفاعلات سواء في علاقتها بالمحيط الخارجي او الداخلي ،وهي كلما اخذت منحى ايجابي الا وكانت مؤشرات تحقيق الاهداف مرتفعة والعكس صحيح ايضا ،وبالتالي فالتغذية الرجعية تعتبر صلة وصل بين المدخلات والمخرجات ،وكلما اتخذت هذه التغذية الرجعية منوالا ايجابيا الا ودلت على صحة العملية الدبلوماسية برمتها ،وبالتالي فتحقيق الاهداف يشكل في حد ذاته عنصر مغذي للمدخلات التي تتجلى في مختلف العمليات التشخيصية والتخطيطية ومعظم الوسائل والامكانيات التي يتم توظيفها وهي بدورها تعتبر مغذية لتبلور الفعل الدبلوماسي الجيد والمثمر ،بمعنى هناك تبادلية في التأثير الايجابي وايضا السلبي. من هنا يمكن القول ان دبلوماسية الاهداف تستند في نجاحها ونجاعتها الى منظومة متكاملة من الوسائل لكن باعتماد معيار النوعية وليس المعيار الكمي ،لان المقياس دائما هو الفعالية والفعلية والمردودية. فالمواقف المساندة لقضية الوحدة الترابية مثلا لا يتم تحصيلها على سبيل المن والعطاء والسخاء وانما تنتزع بفعل وجود وتجسد "دبلوماسية الاقناع " ،واحداث التغييرات والتبدلات في المواقف المناوئة واستمالتها بنهج دبلوماسي فعال وديناميكي ،وحتى المواقف الاخرى المحايدة او المتذبذبة لا يمكن اكتسابها الا من خلال النفاذ الى فضاءاتها الدبلوماسية واعتماد الحجة والبرهان في اقناعها وجلبها الى جبهة الدفاع عن مصالحنا على المستوى الدولي. فالانتقال من ثقافة تدبير الدبلوماسية بالوسائل الى تدبير الدبلوماسية بالأهداف من شانه ضمان نوع من الفعالية والنجاعة وذلك من خلال الربط بين اهداف الدبلوماسية المغربية والاعتمادات والدعامات اللوجيستيكية والمادية والبشرية المرصودة لها مع اعتماد اليات المراقبة والتتبع والتقييم ومعايير ايضا التقويم والمسؤولية والمحاسبة انسجاما مع المتغير الدستوري الجديد وما يرتبط بذلك من تجسيد وتكريس لمقومات الشفافية والحكامة الجيدة، كما ان تحقيق الاهداف المتوخاة تعتمد على مؤشرات مضبوطة وهي الوسائل les moyensوالانشطةles activités والنتائج les résultat والاثرl'impact ،فالعبرة في النهاية بالمحصلة الدبلوماسية والنتائج ،ف"الدبلوماسية الجيدة هي التي تحقق نتائج جيدة وباقل تكلفة دبلوماسية". ان تدبير الدبلوماسية بالأهداف يقتضي في مقام اول تشبيك المنظومة العلائقية لمختلف الفاعلين الدبلوماسيين في سياق يغلب عليه طابع التماسك والتنسيق والانسجام والتكامل بهدف توحيد المواقف واختيار البديل الدبلوماسي الامثل من بين مختلف البدائل القائمة ،ففي كثرتها وتنوعها وانتقاء الاصلح منها مصدر القوة الدبلوماسية للدولة ومنهل القدرة والتأثير الدبلوماسيين كيفما كانت درجة الاكراهات والتحديات، على عكس ذلك نجد في سيادة الفرقة واستئثار واستفراد سلطة معينة بالفعل الدبلوماسي مهلكة كبرى تؤول بالدبلوماسية الى امتطاء خط انحداري لا رجعة فيه، وبالتالي فالمنطق السليم في العمل الدبلوماسي يحتاج الى المزاوجة بين الدبلوماسية الرسمية وغير الرسمية وفي اطار "ممأسس"institutionnalisé في اطار من التنسيق قد تغيب عنه حتى التراتبية او الهيراركية على مستوى التنظيم والانتظام. ضرورة خلق دبلوماسية تنافسية ففي عالم تتصارع وتتعارك فيه المصالح لا سبيل الى الاستكانة والكمون في الفعل الدبلوماسي ،أي الدبلوماسية القادرة على ان تفرض ذاتها ووجودها في المعترك الدبلوماسي الدولي بغض النظر عن حجم وكم المعوقات والمنافسة الموجودة ،فالدبلوماسية يشتد عودها وجذوتها بفعل امتلاكها للقدرة التنافسية ،خاصة وان المحفل الدولي حافل بتيمات دبلوماسية الاقصاء في اطار تصارعية المصالح وسيادة نمط "قلة الحياء الدبلوماسي" في كثير من الاحيان. وامتلاك الدبلوماسية المغربية التنافسية يعني ايضا التسلح بمقومات مقاومة ومجابهة "الضغط والحمل الزائد" الناتج عن ضربات وكدمات الدبلوماسية المناوئة ،والتي بفعلها هذا تصبح مكشوفة وتحتاج فقط الى فعل دبلوماسي مضاد يقوض مكناتها ويضعف من قوتها وبالتالي يمكن عزلها وتعطيلها. واعتماد الدبلوماسية التشاركية participative،والتي مؤداها القطع مع الدبلوماسية الفوقية التي تتم في دواليب ودهاليز جهات رسمية في اطار بنية مغلقة غير منفتحة على الفاعلين الجدد في اطار الدبلوماسية الحديثة ،فالتشاركية هنا تقوم بالأساس على البناء القاعدي للقرار الدبلوماسي وبشكل تصاعدي والناي عن التدبير بالتعليمات والاوامر دون توفير اليات تشاورية وتداولية محورية مع مختلف الفعاليات السياسية والمدنية والاقتصادية والثقافية والبرلمانية فهي تقوم على استيعاب كل الفاعلين في المجال الدبلوماسي الكل يشارك من موقعه ووفق امكانياته في بناء الدبلوماسية التشاركية على الاسس السليمة والصحيحة في سياق تكاملي راجح لتميمات الانسجام والتنسيق والتضامن ونبذ كل قيم التضاد والاقصاء استجابة لحسابات ضيقة التي كثيرا ما رهنت الدبلوماسية المغربية ودمغتها بالضعف والضمور. اننا اصبحنا نحيا في عالم معقد تبنى فيه الاحلاف والتحالفات على استراتيجيات مصلحية صرفة ولا مكان فيه للعواطف وارضاء الخواطر والاصطفافات القائمة على العطاءات المجانية والمواقف من القضايا الدولية تبنى في كثير من الاحيان على مقدار المصلحة التي تجنى منها ومقدار الكسب يقع في صميمها ،فلا يمكن ان ننتظر نصرة قضايانا بدون مقابل لأن ذلك يتناقض مع منطق الواقعية التي تحكم السياسة الدولية. ولاشك ان قوة الدبلوماسية من قوة الدولة في حد ذاتها وقوة الدولة من قوة عمرانها الديموقراطي وبنيانها الاقتصادي وصرحها الاجتماعي وسجلها الحقوقي التي هي دعامات مطلوبة لمنح الدافعية اكثر للفعل الدبلوماسي، كما ان دمقرطة اليات وتقنيات الدبلوماسية ووسمها بالحكامة والشفافية والعقلانية هي خصائص لا بد منها في ظل سلك المنهجية التشاركية التي تقتضي توسيع في دائرة صناع الدبلوماسية فاعلين ومؤسسات. ولا شك ان هناك رهانات كثيرة في انتظار الدبلوماسية المغربية بخصوص قضايا الوحدة الترابية ،قضية الصحراء ،سبتة و مليلية والجزر المحاذية، وهناك بالمقابل الكثير من المعطيات الجديدة التي وجب استغلالها وتوظيفها في المسار الصحيح، فهناك معطى الازمة الاقتصادية العالمية التي القت بظلالها على اسبانيا واضف الى ذلك حجم المشاكل السياسية والاقتصادية التي تتخبط فيها وندرك جيدا حاجة اسبانيا الى المغرب في هذا الوقت بالذات ،وهناك ايضا مشكل التهديدات الارهابية في دول الصحراء والساحل والتي يعتبر فيها المغرب كشريك جيوستراتيجي محوري في مجابهتها ومواجهتها ،وهناك النزاع في مالي ايضا، و ايضا تورط جبهة البوليساريو في الجماعات الارهابية والذي يعتبر معطى ايجابي في صالح الدبلوماسية المغربية ،بالاضافة الى الربيع الديموقراطي الذي غير الكثير من المعادلات خصوصا في الدول المغاربية تونس وليبيا وبالتالي فان التفكير في كيفبات استغلال هذه المعطيات لصالح الدبلوماسية المغربية لخدمة الوحدة الترابية. فما احوجنا الى دبلوماسية الاهداف .