"هادي سميتها الحكرة".. هكذا بدأ حميد بوغالم رئيس جمعية "نبراس العتمة" حديثه مع هسبريس وهو يصف أطوار محاكمة زميله مولود هماد الإطار في نيابة وزارة التربية الوطنية بإقليم طاطا والذي دفعت به خصومة شخصية مع جاره الذي يشغل منصب نائب وكيل للملك بطاطا إلى الاعتقال الفوري وإصدار حكم بالسجن لمدة ستة أشهر نافذة في ظرف قياسي. خلاف يقطن مولود هماد في حي يسمى درعة بمدخل مدينة طاطا وغير بعيد منه يوجد بيت نائب لوكيل الملك بالمحكمة الابتدائية، يشتكي رجل التعليم لأصدقائه بشكل مستمر سلوك رجل القضاء الذي يصفه بالمراهق، فهماد يقول أن "جاره يدعوا فتيات مشبوهات الى بيته على الدوام دون احترام للمنظومة العرفية و في غياب الاحترام الواجب للجيران"، كثرت المؤاخذات فدخل في نقاش حاد مع نائب الوكيل على مقربة من بيتهما ليستدعي الأخير رجال الشرطة الذين اصطحبوا الجار الغاضب الى المفوضية المقابلة للحي، بحجة سكره العلني الذي يستوجب فتح محضر للاستماع عند الضابطة القضائية. مباشرة بعد ذلك انتقل أفراد من العائلة وبعض المقربين إلى مقر الشرطة للسؤال عن قريبهم المقتاد الى المخفر حيث استقبلهم أحد الضباط الذي نصحهم بالعودة من حيث جاؤوا لأن الأمر لا يعدوا إجراء روتينيا لا يستحق عناء التنقل و السؤال حسب ما حكا علال الضالع وهو رجل تعليم قريب من الموقوف. صدمة احتجز هماد لمدة 48 ساعة في إطار الحراسة النظرية، قدم الى المحاكمة بعد الاستماع له من طرف النيابة العامة التي مثلها نائب وكيل الملك فوجد الرجل نفسه في مواجهة تهم ثقيلة متعلقة بالسكر العلني و السياقة في حالة سكر ثم الإخلال بالاحترام الواجب لرجال القضاء وهي التهمة التي حملها محضر الاستنطاق لدى النيابة العامة فكان الجزاء ستة أشهر من الحبس النافذ في ظرف وصفه من تتبع أطوار الجلسة بالقياسي. "نائب وكيل الملك الذي اختلف مع جاره رجل ينكح النساء ويأكل الطعام ويمشي في الأسواق وبالتالي عندما يدخل في نزاع بالشارع العام فيجب التعامل مع النزاع على أنه بين مواطنين عاديين ويتم الفصل فيه على قدم المساواة.." هكذا صرح لهسبريس عبد الوهاب بكري عضو هيئة المحامين بأكادير وعضو لجنة الدفاع التي تشكلت لمؤازرة الضنين. موظف داخل المحكمة الابتدائية بطاطا طلب عدم ذكر اسمه قال لهسبريس أن هذا الحكم المثير لحفيظة الرأي العام سبقه حكمين قضائيين مشابهين يطرحان سؤالا عريضا حول حيادية الأحكام، كما قال ذات الموظف أن المسطرة التي مرت فيها قضية مولود هماد شابتها الشوائب فالمحامون لم يسلم لهم الحكم كما لم يخبروا بتاريخ جلسة الاستئناف، " أرجح أن ما حدث خطأ سببه روح الانتقام التي تحكمت في المتابعة و غياب وكيل الملك الذي كان خارج الإقليم بالإضافة إلى حداثة سن وتجربة نائب الوكيل الذي لا يفهم التركيبة الثقافية والقبلية المعقدة لطاطا" يضيف ذات المتدخل. تضامن "لقد تأخرنا كإطارات حقوقية و حزبية ونقابية في الرد على هذا الشطط الذي أصبحنا نراه داخل المحكمة الابتدائية.." يقول مبارك عمي وهو مستشار ببلدية طاطا عن الحزب الاشتراكي الموحد "لكننا تداركنا الموقف وانتظمنا في جبهة للدفاع عن الحريات خرجت ببيان مشترك حول المحاكمة و تفكر في استدامة اليقظة للدفاع عن الحقوق والحريات". جزء من البيان المشترك يقول "في سابقة خطيرة،و انتهاك أخطر للحقوق التي تضمنها المواثيق الدولية و الوطنية لحقوق الإنسان ،أقدمت النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بطاطا في ملف الاستاذ مولود هماد ،منذ اعتقاله على إثر تعبيره عن أسفه الشديد لجاره الذي يشغل منصب نائب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بطاطا لما يقدم عليه من سلوكات مشينة تسيء إلى القضاء و رجاله الشرفاء،على ارتكاب مجموعة من الخروقات و التجاوزات المتزامنة للأسف الشديد مع دعوات إصلاح منظومة العدالة بالمغرب..". نوستالجيا منذ الساعات الأولى من صباح الاثنين وقف المئات من سكان طاطا بلافتاتهم المطالبة ب"نزاهة القضاء" و"حيادية الأحكام" أمام المحكمة تزامنا مع أولى جلسات الاستئناف في انتظار قرار القاضي. البشير أولحاج وهو أحد أفراد قبيلة دوبلال التي ينتمي اليها "الظنين" و التي حج رجالها ونساؤها بكثرة لمؤازرة "ولد العم" حسب التعبير المحلي، قال لهسبريس "لو كان الحكم محايدا و متناسبا مع الفعل إن وجد، لما خرجنا للتظاهر، لكن أن تأتي الأحكام الظالمة لتزيد الملح في جراح التهميش الذي تعانيه المنطقة فهذا ما لن نسكت عنه..". اعتصام خارج الأسوار ومناقشة للملف داخل الأسوار و جحافل المتظاهرين الواقفين والى جانبهم سيارات الأمن كانت تنم عن حالة توثر أحييت في النفوس نوستالجيا أجواء 2005 حيث أدى صفع باشا المدينة لأحد شباب المنطقة و إهانات تعرض لها مواطنون في المستشفى الإقليمي إلى إطلاق شرارة الاحتجاج التي شهدت اعتصاما مفتوحا لمدة أشهر سمي ب"مخيم المرضى و المهمشين" تخللته مسيرة "الشموع" ثم مسيرة "الكاسرونة والكاميلة" وبعدها مسيرة "الصفارات والإنذارات الحمراء" وعشرات الوقفات أشرف عليها ائتلاف سمى آنذاك ب"هيئة الدفاع عن المطالب الاقتصادية والاجتماعية لساكنة إقليم طاطا"، هيئة لم يطفأ لهيب نارها إلا قرار إعفاء عامل الإقليم في تلك الفترة. الفرج "المحكمة قررت متابعة مولود في حالة سراح" هكذا صرخ أحد الخارجين من قاعة المحكمة لترتفع الشعارات والزغاريد وتتوجه مسيرة الى باب السجن المحلي بعدما قرر رئيس الجلسة وبناء على طلب ممثل النيابة العامة (وكيل الملك) الإفراج عن رجل لم يكن يظن من اعتقله أن الحبس النافذة سيخلق حالة من الغضب الواسع وسط ساكنة الإقليم مدة أسبوع كامل، تعيد إلى الأفئدة الطاطوية ذلك الإحساس الدفين ب"الحكرة" وفق تعبير حميد أول المتصلين بهسبريس، حالة تقول عنها هديوة الخلطي وهي امرأة سبعينية متضامنة "حالة تْشعْرن الجْلد لأن الظلم ما يْبغيه مولانا..".