أسوأ ما يمكن أن يقع لحكومة عبد الإله بنكيران أن تصبح مثل الزوجة المعلقة، لا هي متزوجة ولا هي مطلقة. بمعنى أن يظل رئيس الحكومة الملتحي، طوال ولايته الحكومية، يعاني مما سماه «التشويش»، وهو سياسة مدروسة وليس شغب أشخاص أو أحزاب في المعارضة... بنكيران خائف اليوم من توتر علاقته بالقصر، وخائف من تفكك أغلبيته غير المنسجمة، وخائف من ألاعيب شباط الذي خطف «ديمقراطيا» أمانة حزب الاستقلال، وأصبح همه أن ينافس بنكيران على الزعامة وليس على اقتسام غلة الحكومة، كما أن بنكيران يخشى أن تكون وراء تحركات حزب الأصالة والمعاصرة مخططات موضوعة بعناية لاستهداف بيت الحكومة الزجاجي... كل مصادر الخوف هذه كانت نصب عينيه وهو يقول في التجمعات الخطابية التي حضرها بمناسبة الحملة الانتخابية الجزئية: «إنني باق في منصبي حتى يقول الشعب كلمته»، أي أن بنكيران يحس بالخطر ويعلن عن تشبثه برئاسة الحكومة إلى سنة 2016 عند حلول الانتخابات التشريعية المقبلة، أو عندما قال في مراكش لمناصريه: «إذا انتصرنا على خصومنا في هذه الانتخابات سيرجعون إلى حفرهم تحت الماء، وستكون الحكومة وعملها بخير». لم يكن بنكيران ليلعب بكل أوراقه في انتخابات جزئية لن تقدم ولن تؤخر وضعه في البرلمان لو لم يحس بأن هناك «مخططات» و«عفاريت» و«تماسيح» تجرب إضعافه كمقدمة لإزاحته من الحكومة من أبواب متفرقة، ليس أقلها «تفكك» الأغلبية الحالية، وهي أغلبية مثل الأقرع، أينما ضربته يسيل دمه. ماذا يفعل السياسيون الكبار عندما يحسون بأن الائتلاف الحكومي الذي يقودونه أصبح ضعيفا ومفككا وسيؤثر على صناعة القرار، وعلى السير العادي للدولة، وعلى نجاعة السياسات العمومية؟ هناك حلان: إجراء تعديل حكومي لضبط «أوتار» الحكومة والاتفاق على ميثاق جديد للعمل، أو الدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها والرجوع إلى الشعب ومصارحته بكون تركيبة الأغلبية الراهنة غير قادرة على الاشتغال والإنتاج. الوضع في المغرب صار معقدا، والخيارات أمام حكومة بنكيران تضيق، فحتى بعد كسبه لجولة في طنجةومراكش عن طريق ربح ثلاثة مقاعد من أربعة، وخروج خصمه السياسي «البام» خالي الوفاض، فإن أمامه جولات أخرى، وأسوأ شيء يمكن أن يقع له أن يمضي عمره في الحكومة «يصارع» المشوشين، ويحارب العفاريت، ويهش على التماسيح، وينسى المهمة الأساسية التي انتخب من أجلها، ألا وهي النهوض بالأوضاع الاجتماعية، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، وتنزيل الدستور، وكسب رهان الطريق الثالث للخروج الناعم من عواصف «الربيع العربي». إن الخاسر الأكبر في معركة بنكيران للقبض على كرسي الحكومة هو معدل النمو، وبيئة الاستثمار، ومناصب الشغل، ومشاريع إصلاح المالية العمومية ووقف نزيف العدالة، ومكافحة الفساد. بنكيران في مفترق الطرق، وعليه أن يحسم في خياراته؛ إما الاستمرار في الحكومة على أساس التوافق الكلي والنهائي مع القصر، وعلى أساس المصارحة والمكاشفة، وإما الخروج من الحكومة والتوجه إما إلى المعارضة، وإما إلى انتخابات سابقة لأوانها، قد تعطي خارطة سياسية جديدة منسجمة، وقادرة على رفع التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد، أما أن يستمر بنكيران في وضع رجل في الحكومة ورجل في المعارضة، وأن يستمر في مقاومة «التشويش»، وخوض معارك البقاء في الحكومة عوض خوض معارك إدارة الدولة وإصلاح دواليبها والنهوض بالسياسات العمومية، فإن حاله لن يختلف كثيرا عن حال الزوجة المعلقة التي تقضي حياتها في المحاكم، فلا هي تنعم بالاستقرار، ولا هي تجرب حظها مع زوج آخر لعل وعسى! *مدير نشر "أخبار اليوم المغربية"